نشرت الباحثة في الجامعة الوطنية الأسترالية، “هنريتا ماكنيل”، موضوعا في “منتدى شرق آسيا” حول الاتجار بالبشر في منطقة المحيط الهادئ. وارتأت “الأيام نيوز” تقديمَه إلى قُرّاء العربية.
إن منطقة المحيط الهادئ الشاسعة، وجغرافيتها الفريدة، وموارد إنفاذ القانون المحدودة فيها، تجعل من الصعب مراقبة الحدود بين دولها، المليئة بالثغرات، بحثًا عن الجرائم العابرة للحدود.
“تستضيف” منطقة المحيط الهادئ حجمًا متزايدًا من نشاطات المُخدرات غير المشروعة، والحياة الفوضوية، والأسلحة النارية، ويُمثّل الاتجار بالبشر أخطرَ الأنشطة الإجرامية، إضافة إلى جرائم أخرى تنطلق بداياتها من الإنترنت.
يقال الكثير عن تجارة المخدرات بدافع التدهور الاقتصادي وأزمات الفقر والبطالة في هذه المنطقة من العالم، ولكن هناك فهمٌ أقل للجريمة المتعلقة بالهجرة التي تستهدف حركة الأشخاص بدلاً من البضائع.
الجرائم العابرة للحدود، المُتعلقة بالهجرة مثل: الاتجار بالبشر وتهريب الأشخاص، مُعقّدة وتتطلب حلولاً مُتخصصة لإنفاذ القانون، لأنها جرائم لها تكاليف بشرية واقتصادية باهظة، حيث تصل الخسائر المُقدّرة من العمل الجبري والاتجار بالبشر، على مستوى العالم، إلى 44 مليار دولار أمريكي سنويًا.
على الرغم من الخلط، في كثير من الأحيان، فإن “الاتجار بالبشر” و”تهريب البشر”، هما جريمتان منفصلتان. يتطلب الاتجار بالبشر عنصر إكراه ويمكن أن يحدث محليًا، في حين أن تهريب الأشخاص لا يتطلب إكراهًا، ويجب أن يحدث عبر الحدود الدولية.
غالبًا ما يرتبط تهريب الأشخاص، في منطقة المحيط الهادئ، علنًا بوصول غير شرعي عن طريق البحر. ولكن لم تكن هناك سوى حالة واحدة مسجلة للتهريب عن طريق القوارب في ” ياب” بولايات ميكرونيزيا الموحدة، في عام 2014. ويراقب مسؤولو الهجرة، بشكل أكثر شيوعًا، استخدام المستندات المزورة والوصول غير النظامي بالطائرة.
أفاد مكتب الأمم المتحدة، المعني بالمخدرات والجريمة، أن منطقة المحيط الهادئ قد تحتوي على نقاط عبور جوية لتهريب البشر. ومع ذلك، من المحتمل أن يكون هذا قد انخفض بسبب إغلاق الحدود المرتبط بوباء كورونا.
يُصنّف التقرير السنوي عن الاتجار بالبشر، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2022، الدولَ بناءً على جهودها للقضاء على الاتجار بالبشر. في المحيط الهادئ، تم منح أستراليا فقط حالة المستوى الأول، مما يشير إلى أنها تفي بالمعايير الدنيا للقضاء على الاتجار بالبشر.
في المستوى الثاني، لا تستوفي نيوزيلندا (خفضت التصنيف عام 2021) وفيجي، وجزر مارشال، وولايات ميكرونيزيا الموحدة، وجزر سليمان وتيمور الشرقية، وفانواتو، الحد الأدنى من المعايير، ولكنها تبذل جهودًا لتحقيق ذلك. تقع بابوا غينيا الجديدة، وبالاو، وتونغا، على قائمة المراقبة من المستوى الثاني، مما يشير إلى أنها لا تفي بالمعايير، ولا تزال تواجه مشكلات كبيرة تتعلق بالاتجار بالبشر.
يشير مكتب الأمم المتحدة، المعني بالمخدرات والجريمة، إلى أن المحيط الهادئ هو نقطة عبور للاتجار بالبشر، لا سيما في مجال صناعة صيد الأسماك التي تستقطب الرق الحديث، عن طريق العمل الجبري. وقد واجه مراقبو مصايد الأسماك تهديدات بالقتل، حيث قُتل ثلاثة مراقبين لمصايد أسماك “آي كيريباتي” في ظروف مريبة في عام 2009.
بالنسبة للعديد من الأشخاص، يعتبر الاتجار بالبشر مرادفًا للاتجار بالجنس، لكن هذا ليس صحيحا في الواقع. في حين أن صناعة صيد الأسماك متورطة في بعض عمليات الاتجار بالجنس – وقد تم الإبلاغ عن عدة حالات أخرى للاتجار بالجنس للأطفال في جزر مارشال، وفيجي – فإن غالبية الاتجار بالبشر، في هذه البلدان، هو للعمل القسري.
تم الإبلاغ عن حالات الاتجار بالبشر والعمل القسري في صناعات قطع الأشجار والتعدين في جزر سليمان، وفيجي، وبابوا غينيا الجديدة، حيث يتم جلب المهاجرين بتأشيرات مزورة وإجبارهم على العمل في مُخططات “الاستعباد” عن طريق توريطهم في الديون. حيث أُدين رجل من “ساموَا” بالرق والاتجار بالبشر لإحضاره 13 مواطنا من بلاده إلى نيوزيلندا، تحت مزاعم التعليم أو العمل، ثم استعبَدهم وأساء إليهم وأجبرهم على العمل في ظروف لا تليق بالبشر.
تُبرز الملاحقة القضائية الناجحة لأربعة من “تُجّار” البشر، استعبدوا 102 بنغلاديشيًا في فانواتو في جوان / يونيو 2022، التحديات التي تواجه دول المحيط الهادئ في حماية ضحايا الاتجار بالبشر. ومع عدم وجود ترتيبات حماية، دعمت المنظمة الدولية للهجرة حكومةَ “فانواتو” بالمساعدة الإنسانية للضحايا البنغلاديشيين.
تم تضمين آليات التعاون الأمني لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، في إعلان دولي، غير أن هذا الإعلان يهدف، في الغالب، إلى مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات. وتعمل الهيئات الإقليمية مثل رؤساء شرطة جزر المحيط الهادئ، ومنظمة الجمارك في أوقيانوسيا، ومجتمع تنمية الهجرة في المحيط الهادئ، والرؤساء المشتركين لأمن المحيط الهادئ، معًا في هذا المجال، كما يفعل الشركاء الخارجيون، مثل: نيوزيلندا وأستراليا والولايات المتحدة.
على الرغم من التدريب على مكافحة الاتجار، الذي تقدمه المنظمة الدولية للهجرة، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن وكالات إنفاذ القانون في منطقة المحيط الهادئ تُدرك أن الاتجار بالبشر هو أكبر فجوة “معرفية” في مجال الجريمة العابرة للحدود في منطقة المحيط الهادئ.
يصعب اكتشاف الجرائم العابرة للحدود المتعلقة بالهجرة لأنها تتطلب وسائل وأدوات خاصة. مثلا، لا تستطيع الكلاب والتكنولوجيا اكتشاف المسافرين بـ “الإكراه” في المطار. تحتاج وكالات إنفاذ القانون إلى التركيز على الشرطة المسنودة بالاستخبارات، والرصد المستمر لأرباب العمل الذين يستثمرون في العبودية الحديثة، لا سيما في مجالات: مصائد الأسماك، وقطع الأشجار والتعدين، والزراعة، وصناعات البستنة.
تتطلب جهود مكافحة الاتجار نهجًا حكوميًا كاملاً ويجب أن يعكس التعاون الأمني ذلك. وأيّ تدريب يحتاج إلى توطينه، لتلبية احتياجات كل دولة وهيكل حَوكَمة. عندها فقط ستكون الدول قادرة على تحقيق أهداف الملاحقة القضائية الإقليمية. ولا ينبغي، بأيّ حال، تجاهل الجرائم المتعلقة بالهجرة أو التقليل من أولوياتها. وهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لمنع تلك الجرائم ومقاضاة مرتكبيها في المحيط الهادئ، خاصة الآن، بعد أن أعيد فتح الحدود، بعد جائحة كورونا، وأصبح بإمكان الناس التحرُّك بسهولة نسبية.