لطالما شكّل شهر رمضان في الجزائر، فُرصة سانحة تتجدد فيها القيم الإنسانية وتترسخ فيها أواصر التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد.
وفي الشهر الفضيل، يتحول العمل التطوعي إلى سلوك جماعي وسمة بارزة تُميّز الشارع الجزائري، ويتجلى ذلك بصورة أوضح من خلال نشاطات الجمعيات الخيرية التي باتت حجر الأساس لمبادرات الإحسان والعمل الإنساني، فتخلق بذلك مشهدًا حيًّا يعكس تلاحم الجزائريين واستعدادهم الدائم لمساندة بعضهم البعض في أجواء تسودها قيم الرحمة والتآزر.
جمعيات خيرية في سباق مع الزمن
في كل ولاية وحي وزقاق، تجد متطوعين يحملون على عاتقهم رسالة تخفيف معاناة المحتاجين في رمضان، حيث تنطلق الجمعيات الخيرية قبل أسابيع من حلول الشهر الفضيل في سباق مع الزمن لإعداد خطط دقيقة ومبادرات متكاملة، بداية من توزيع “قفة رمضان” التي تتضمن مواد غذائية أساسية، إلى تنظيم موائد الإفطار لفائدة عابري السبيل والأسر المعوزة، وصولاً إلى حملات التبرعات الموجهة إلى الأيتام وذوي الدخل المحدود.
وفي هذا السياق، أبرز رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح الجزائرية، المكي قسوم، أن الجمعية أطلقت قبل حلول شهر رمضان حملة خيرية تحت اسم “تراحم”، ضمن برنامجها الرمضاني، بهدف مد يد العون للمحتاجين والأسر المعوزة، وكذا تعزيز قيم التضامن والتكافل التي يُعرف بها المجتمع الجزائري.
وأوضح قسوم في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن الحملة جاءت هذا العام تحت شعار “بعطائكم يكتمل الخير”، حيث أسفرت خلال الأيام العشرة الأولى من رمضان عن استفادة نحو 45891 شخصاً من مختلف خدمات الجمعية، بما في ذلك توزيع 40000 سلة غذائية، بلغت قيمة كل واحدة منها 5000 دينار جزائري.
كما وفرت الجمعية وجبات إفطار للصائمين عبر 109 مركزاً مفتوحاً حتى الآن، حيث تم توزيع 113,323 وجبة ساخنة و91468 وجبة سريعة.
وأضاف محدثنا، أن حملة “تراحم” ما تزال متواصلة، إذ تشمل أيضاً مشاريع أخرى مثل كسوة العيد، وسنة الختان، إضافة إلى الإفطارات السنوية التي تُقام على شرف الأيتام وذوي الهمم.
وختم رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح الجزائرية، بتوجيه دعوة إلى أهل الخير للمساهمة في إنجاح هذه الحملة المباركة، مشيراً إلى أن رمضان يشكل فرصة عظيمة لمضاعفة الأجر والثواب من خلال العطاء والتضامن.
مبادرات تتخطى حدود المدن
تعمل الجمعيات الخيرية أيضاً، على إعادة الاعتبار للبعد الإنساني في رمضان، من خلال تنظيم حملات للكشف الطبي المجاني، وتوفير الأدوية للفئات الهشة، وغيرها من المشاريع الخيرية.
ولا تقتصر أنشطة الجمعيات الخيرية على المدن الكبرى فحسب، بل تمتد لتصل إلى أعماق الصحراء الجزائرية والمناطق الجبلية النائية، حيث تعمل القوافل الخيرية على توزيع المواد الغذائية والأغطية وحتى الماء الصالح للشرب في بعض المناطق، حيث يعكس هذا الامتداد الواسع مدى تجذر ثقافة العمل التطوعي في النسيج الاجتماعي الجزائري.
هذا، ويبقى شهر رمضان في الجزائر محطة سنوية تتجلى فيها أسمى معاني التكافل والتضامن، حيث ترسم الجمعيات الخيرية والمبادرات التطوعية لوحات إنسانية نابضة بقيم العطاء والتكافل، فبين مطاعم الرحمة، و”قفة رمضان”، ورعاية الأيتام، يُواصل الجزائريون تجسيد قيمهم الراسخة، مؤكدين أن العمل الخيري في هذا الشهر الفضيل ليس مجرد تقليد عابر، بل هو ركيزة أصيلة في الوجدان الجماعي، وامتداد لثقافة متجذرة في روح المجتمع الجزائري.