ترتبط قضية فلسطين ارتباطا عمقيا بوجدان الفرد الجزائري، إذ تشكّل أحد أسس بناء هويته الشخصية والوطنية، والتي لا يمكن تجاهلها خلال أي محاولة لفهم الذات الجزائرية في مجتمع ينشأ أفراده وسط بيئة ـ تعليمية وثقافية وأسرية ـ تؤكد على أهمية وجود فلسطين باعتبارها قضية حيوية ومركزية تمتد جذورها في أبعاد مختلفة من الوعي الوطني، ناهيك أنها رمز للكفاح ضد كل مظاهر الظلم والقهر التي تسود أجزاء عديدة من العالم، فالجزائريون غالبا ما يتسارعون ـ أفرادا وجماعات، شعبا وحكومة، مدنيين وعسكريين – إلى تأكيد تضامنهم مع فلسطين، تحت شعار ثابت أضحى معلوما للقاصي قبل الداني: “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
=== أعدّ الملف: سهام سعدية سوماتي ومنير بن دادي ===
منذ لحظة شروق صبيحة السبت السابع من أكتوبر الفارط، استقبل الجزائريون يومهم بنشوة نصر عظيمة زفّتها وسائل الإعلام حول عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها المقاومة في عمق المؤسسات السيادية لسلطة الاحتلال، وهو ما تجلّى في مئات آلاف التفاعلات مع صور وأخبار هذا الحدث الذي غطى تماما على الأخبار المحلية في الجزائر!
ومنذ البداية، واكب الجزائريون ـ على موقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك ـ الأخبار والصور القادمة من غزة، وانخرطوا على الفور في مشاركة منشورات تتضمن مشاهد أبطال المقاومة وهم يخترقون تحصينات العدو، مع عبارات تأييد ومساندة ودعاء متواصل ببلوغ النصر النهائي وتحرير كل فلسطين.
وبفعل التضييق والرقابة التي مارستها إدارة فيسبوك، هاجر الكثير من رواد العالم الافتراضي إلى منصات أخرى لمشاهدة فيديوهات القسّام، وأهمها تطبيق تيليغرام الأكثر تقبلا واحتراما لحرية التعبير.
وكعادتهم، تفاعل المعلقون، تارة بالتكبير والابتهال إلى الله بنصرة المقاومة، وتارة أخرى بالسخرية من جيش الاحتلال الصهيوني وخرافته التي تدعي بأنه “لا يقهر”، إذ ضج “الميمز” عن آخره بصور جنود صهاينة وهم يساقون إلى الأسر، فيما نال المتحدث باسم الجيش الصهيوني “أفيخاي أدرعي” الكم الأكبر من السخرية.
وعلى المستوى الرسمي، بادرت الخارجية الجزائرية بإعلان دعمها المطلق للشعب الفلسطيني، وأدانت – في المقابل – بشدة “تمادي الاحتلال الصهيوني وسياسة التجبر والاضطهاد التي يفرضها على الشعب الفلسطيني الباسل”، كما طالبت الجزائر في بيانها “بالتدخل الفوري للمجموعة الدولية من خلال الهيئات الدولية المعنية لحماية الشعب الفلسطيني من الغطرسة والإجرام اللذين جعل منهما الاحتلال الصهيوني سمة من سمات احتلاله الأراضي الفلسطينية”، وهذا الموقف لم يلفت الانتباه كثيرا، لأنه معتاد من لدن الجزائر التي كانت وستبقى دائما تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية مهما كانت الظروف، ولن تتوانى في الدفاع عنها في كل المحافل الدولية.
الجزائريون يعيشون بتوقيت غزة العزة
ومع استمرار المقاومة الفلسطينية الباسلة في مواجهة العدوان الصهيوني على غزة طرأ تغيّر واضح في طباع الجزائريين واهتماماتهم، إذ بات جزء كبير منهم يضبط توقيته بميقات غزة وأحداثها، التي يتناقلونها في الشوارع والأماكن العامة والمقاهي وحتى خلال الجلسات العائلية التي تتحدث عن المشاهد القاسية التي تردهم من القطاع الصامد، والتي يتفاعل الجميع معها بمشاعر التضامن والأسى والحزن.
وفي خضم هذا كلّه، ألغت عائلات أفراحها أو قلّصتها إلى حدّ كبير، وباستثناء وجبات العشاء التي تقدم للضيوف، تخلو معظم الجلسات من مظاهر البهجة والألعاب النارية وأصوات الأبواق التي اعتاد الجزائريون استعمالها في أفراحهم، وباتت الأعراس والأفراح باردة تعبّر عن التأثر الكبير بما يشهده قطاع غزة من قتل وإبادة جماعية وتدمير بيوت وبنى تحتية.
وفي وسائل النقل العمومية، يتحدث المسافرون عن غزة والتطورات الميدانية، ويتداولون الأخبار والتحاليل، ويؤكدون تطلعهم إلى انتصارات المقاومة، ولا يعلو في المقاهي نقاش على أحداث غزة، بعدما فرضت أخبار العدوان نفسها كموضوع رئيس في النقاشات التي يخوضها الجزائريون بمختلف شرائحهم الاجتماعية والمعرفية.
ويتداول الجالسون إلى طاولة الشاي آخر المستجدات والتطورات التي تحصل بغزة، ويمكن ملاحظة الاهتمام البالغ والمتابعة الكبيرة للأخبار والاستماع بكثير من التركيز لخطابات أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، ولا تخلو هذه النقاشات من توجيه انتقادات لاذعة إلى الأنظمة العربية التي بقيت في وضع المتفرج، ولم تتحرك لنصرة الفلسطينيين، قبل أن يعلن بعضها تأييده الكامل للكيان الصهيوني؛ الموقف الذي استهجنه الجزائريون ولم تستوعبه عقولهم الثائرة!
بوصلة صناعة المحتوى تُضبط على أحداث العدوان الجبان
خلال الفترة الأخيرة، تغيّرت أيضا بوصلة صناعة ونشر المحتوى على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، والتي تحوّلت في مضامينها إلى غزة افتراضية؛ إذ لم يعد جزائريون كثيرون يشاركون متابعيهم أخبار رحلاتهم وأفراحهم، ويتجنبون نشر كل ما يمكن أن يشير إلى فرح أو بهجة أو اتجاه إلى العيش المعتاد، ليس احتراما لمشاعر الفلسطينيين فقط بل لأن الجزائريين كلهم أصبحوا منشغلين بالعدوان على غزة.
وفي هذا السياق دائما، باتت أخبار غزة وفيديوهات عمليات المقاومة ضد الجنود الصهاينة وتفجير آلياتهم العسكرية الأكثر تداولا في معظم حسابات الجزائريين على منصتي “تيك توك” و”فيسبوك”، مرفوقة (الأخبار والفيديوهات) بتركيب موسيقى حماسي وبعض الأغاني والأناشيد العربية التي تتطرق إلى القضية الفلسطينية.
وبسبب حرب الإبادة في غزة، تغيّر توجّه الجزائريين في طرح انشغالاتهم ومشاكلهم الاجتماعية، سواء في وسائل الإعلام أو المجالات المهنية، وتأخرت هذه المشكلات لصالح التركيز على ما يكابده إخواننا في غزة، علما أن القنوات التلفزية المحلية في الجزائر باتت أيضا تركز في تغطياتها على تطورات الوضع في غزة، وكذا الفعّاليات المحلية في المدن الجزائرية خُصّت كلها بالحدث في غزة.
وقررت بعض النقابات والفعاليات الاجتماعية تأجيل مظاهراتها الاحتجاجية، على غرار نقابات الأطباء والمستخدمين، كذلك دفعت التطورات في فلسطين المحتلة الكثير من الجمعيات النشطة في المجال الاجتماعي إلى توجيه جهدها لتنظيم فعّاليات دعما لغزة، على غرار جمع المساعدات والمواد الغذائية لفائدة القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 سنة!
قبلة الثّوار تنتصر لحق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم..
الجزائر: لا للتطبيع نعم لفلسطين
يعرف الجزائريّون بموقفهم الثابت ضدّ كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، تحت أي مسمى كان، وهم لا يخفون اشمئزازهم من أي نظام عربي يهرول نحو إبرام اتفاقات مع سلطة الاحتلال الغاشم المقتطِع من أرض فلسطين.
ويستلهم الجزائريون من تاريخهم الحافل بالمقاومة والثورات الشعبية العارمة ضد الاستعمار الفرنسي معاني الرفض والكراهية التي يستشعرونها ضد الكيان الصهيوني، باعتباره يمثل شكلا من أشكال المحق الوحشي الذي عايشوه طوال 132 سنة تحت نير الاحتلال الغاشم، وبالمقابل فإنهم يعتبرون معاناة الفلسطينيين هي ذاتها معاناتهم التي خبرها أجدادهم.
ويردد الجزائريون شعارهم المعروف الذي ورثوه عن الرئيس الراحل هواري بومدين: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، باعتزاز وفخر كبيرين، ويدرك أهل فلسطين كلها، وأهل غزة على وجه الخصوص، صدق هذا الشعور النبيل، وعظمة هذا الموقف من خلال الكثير من المناسبات التي أبان فيها الجزائريون عن صدق أقوالهم.
لقد شارك الجزائريون في كل الحروب العربية ضد دولة الكيان، حتى وهم تحت الاستعمار بداية من حرب 1948، ويذكر الصهاينة وقادة جيشهم شراسة المقاتلين الجزائريين حين واجهوهم في حروب الـ1967 والـ1973، وكيف أن الجزائر – وقتها – وضعت قدراتها العسكرية والمالية كلها في خدمة القضية الفلسطينية، وكيف أن الجزائر ظلت وفية لمبادئها، باحتضانها أشغالَ المجلس الوطني الفلسطيني العام 1988، وإعلان ميلاد الدولة الفلسطينية من العاصمة الجزائرية.
الوعد المفعول.. التزام لا رجعة فيه!
منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، بادرت جمعيات العمل الخيري في الجزائر إلى إطلاق حملات تبرع لصالح فلسطين، وتم تخصيص حساب لتلقي المعونات المالية، التي يتم صرفها لشراء المعدات والأدوية والمواد التموينية الضرورية من الحاجيات الأساسية للفلسطينيين، تُوصل عبر طرق مختلفة.
وكانت جمعية “البركة” ـ وهي واحدة من أبرز الهيئات الإغاثية في الجزائر ـ قد أطلقت حملة “الوعد المفعول”، فتمكنت في ظرف وجيز من توفير الأدوية وسلال الغذاء وتوزيع مساعدات نقدية لعائلات الشهداء الفلسطينيين، وتوفير سيارات إسعاف وجرافات وغيرها من المعدات المدنية التي تحتاج إليها أطقم الدفاع المدني في غزة.
وتعمل الهيئات الإغاثية بالتنسيق مع الحكومة الجزائرية التي تسهل جهودها وتوفر لها التغطية الرسمية، ويُحضّر الهلال الأحمر الجزائري – من جهته – لإرسال الدفعة الثانية من المساعدات الموجهة إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تضم تجهيزات لمستشفى ميداني وكميات معتبرة من الأدوية والأغذية والأفرشة والخيم إلى الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة.
كما انطلق الهلال الأحمر الجزائري في برنامج تضامني للتكفل بالطلبة الفلسطينيين، وخاصة من أبناء قطاع غزة الذين يزاولون دراستهم عبر مختلف جامعات الجزائر، من أجل مرافقتهم وكذا تقديم الدعم المادي والنفسي لهم خلال المرحلة الصعبة التي تجتازها عائلاتهم.
وفي أكتوبر الماضي، خرج آلاف المواطنين بالجزائر العاصمة على غرار باقي الولايات الجزائرية، في مسيرة شعبية حاشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى مجازر وحشية من طرف الكيان الصهيوني الغاشم ولمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل “العاجل” لوقف هذا العدوان الهمجي.
ومنذ الساعات الأولى من صباح الخميس 19 أكتوبر، توافد المواطنون من مختلف أحياء العاصمة إلى ساحة أول ماي، رافعين الرايتين الوطنية والفلسطينية ومرددين هتافات ورافعين شعارات تدين همجية الكيان الصهيوني، الذي يرتكب مجازر ضد الأبرياء العزل من أبناء الشعب الفلسطيني.
وقد حمل المشاركون في تلك المسيرة التي تقدمها عدد من الشخصيات الوطنية ومجاهدون وممثلون عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومختلف الهيئات والمنظمات الوطنية، لافتات معبرة عن التضامن مع الشعب الفلسطينيين، على غرار: “يا صهيوني يا جبان، في غزة ستهان” و”لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله”.
كما ردد المشاركون في المسيرة الشعار الذي يتميز به الشعب الجزائري “فلسطين الشهداء”، إلى جانب شعارات أخرى على غرار “لا لقتل الأبرياء”، “فلسطين تستغيث”، “الأقصى أمانة.. التطبيع خيانة”، كما تخلل المسيرة ترديد أناشيد ملحمية جزائرية وفلسطينية.
وقد جابت المسيرة التي انطلقت من ساحة أول ماي، شوارع حسيبة بن بوعلي والعقيد عمروش، مرورا بشارع زيغود يوسف و”شي غيفارا” وصولا إلى ساحة الشهداء، وسط تنظيم محكم.
وبأصوات مدوية، تعالت حناجر المواطنين، لاسيما منهم فئة الشباب مطالبين المجتمع الدولي بـ”التدخل العاجل” من أجل نصرة الشعب الفلسطيني الذي يواجه جرائم ضد الإنسانية، منددين بهجمية العدو الصهيوني، لاسيما قصف مستشفى “المعمداني” بغزة، والذي راح ضحيته المئات من الشهداء أغلبهن أطفال ونساء.
وجاءت هذه الهبة الشعبية بعد أن دعت عدة أحزاب جزائرية ومنظمات المجتمع المدني الشعبَ الجزائري بجميع فئاته إلى الخروج في مسيرات شعبية، عبر ولايات الوطن كافة، دعما للشعب الفلسطيني الشقيق ورفضا للمجازر التي يتعرض لها من قبل الاحتلال الصهيوني، وكذا تعزيزا لموقف الجزائر الثابت – دولة وشعبا – الدّاعم للقضية الفلسطينية العادلة.
“فلسطين الشهداء”..
شعار الجزائريين الخالد
“فلسطين الشهداء” هو أكثر الشعارات انتشارا في الملاعب الجزائرية، التي تعي جماهيرها أن للحرية ثمنا، وما أُخذ بالقوة لن يُسترد إلا بالقوة، فالذاكرة الجماعية الجزائرية مشحونة بالغضب والاحتقار لكل من يرتضي طريق المهادنة والتوسّل لتحصيل حقّه.
فالتجربة الدامية والمريرة مع فرنسا الأطلسية المستعمرة جعلت الجزائريين يوقنون بأن أقصر طريق إلى تحقيق النصر على المحتل الظالم هو الشهادة، أما باقي النظريات والحلول “السلمية” فهي مجرد تأجيل وتضييع لوقت ثمين.
“فلسطين الشهداء”.. جملة بسيطة، وهي غالبا غير دقيقة من الناحية الفنية، لكنها تطويع جزائري لمعنى التلاحم بين شعبين في مصير واحد، والجملة في سياقها السياسي والاجتماعي تعني أن كل الجزائريين على استعداد للتطوع وتقديم أرواحهم نصرة لفلسطين، وهم بذلك يختصرون الطريق على الساسة والخبراء، ويؤكدون أن علاقتهم بأرض الرباط عابرة للحدود والحسابات.
وسبق لفرقة البهجة للنشيد الملتزم أن أدت، سنة 2021، أهزوجة “فلسطين الشهداء” التي تقول: “فلسطين الشهداء، فلسطين الشهداء، شوفوا لأحوالنا وأفعال أعرابنا، احنا الرجالة تشهد أفعالنا، ويشهد الله… ظالمة ولا مظلومة معاها ديما واقفين، هادي مواقفنا معلومة، رانا عليها ثابتين، والأقصى لنا إلى يوم الدين..”، وهي ترجمة فنية انطلقت حكايتها من فورة حناجر المشجعين في الملاعب الجزائرية لسنوات طويلة.
لم يتخلّف الجزائريون عن نصرة القضية الفلسطينية بمختلف الوسائل، وعبر المواقف والقرارات، سواء كان ذلك سياسيا وشعبيا وفنيا ورياضيا؛ وبما أن الأمر كذلك، فإن الملاعب الجزائرية ظلت مناصرة للشعب الفلسطيني، كشكل من أشكال المساندة والتعبير عن رفض العدوان الغاشم على الأرض والممتلكات، والإبادة الجماعية التي يتعرض إليها الفلسطينيّون.
قناعة متجذّرة في النفوس
قصة الجزائريين مع الشعارات المباشرة والمنحازة بكل قوة إلى مبدأ نصرة الشعب الفلسطين، دشنها الرئيس الراحل هواري بومدين، بمقولته الخالدة التي أصبحت لاحقا ثابتا من ثوابت السياسة والدبلوماسية الجزائرية، حين قال: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
وتمثل هذه الشعارات عقيدة فكرية وسياسية، شيدت الخلفية التي تجعل من كل مشاريع التطبيع – بأشكالها كافة – رهانا خاسرا في الجزائر؛ فمنذ النكبة إلى يوم الناس هذا، لا يوجد تصريح أو مقال لأي مسؤول أو شخصية جزائرية عامة تلمّح مجرد تلميح إلى إمكانية التعامل مع الكيان الصهيوني، لأن التطبيع في مخيال الجزائريين خيانة.. وكفى!
الحالة الجزائرية في دعم قضية العرب الأولى ونصرتها لم يتم الاستثمار فيها بشكل كافٍ، بل إن خطاب محور المقاومة في مشرق الأمة العربية غالبا ما يركز على دول الطوق التي تخوض صراعا مباشرا مع المحتل الإسرائيلي.
هذا، وشكّلت مباراة فريق مولودية الجزائر وشباب الساورة ـ نوفمبر الماضي ـ ضمن البطولة الوطنية لكرة القدم منبرا لدعم صمود غزة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل عليها منذ 7 أكتوبر الماضي.
فعلى مدرجات ملعب “5 جويلية”، الذي يرمز لتاريخ استقلال الجزائر، قدّم جمهور فريق مولودية الجزائر أكبر “تيفو” على الإطلاق للشخصية البارزة في المقاومة الفلسطينية أبي عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ورسم المشجعون بأجسادهم صورة دقيقة لوجه أبي عبيدة وبدت من خلالها صورته وكوفيته واضحتين. وأحيطت الصورة بألوان الأحمر والأخضر والأسود التي تمثل علم فلسطين.
بلايلي يؤدي “رقصة الأرض”
وعلى أرض الملعب، احتفل لاعب مولودية الجزائر يوسف بلايلي بهدفه بالرقص على الطريقة الفلسطينية، فقد توشّح بلايلي بعلم فلسطين ورقص “رقصة الأرض” التي غدت طريقة تعبير شائعة عن دعم أهل غزة، وقد استخدمها ناشطون في عدة ميادين، وهي الرقصة التي أدّاها قبل 5 سنوات شاب فلسطيني في أثناء اشتباكات مع الاحتلال. وتزامنا مع أحداث غزة، أعاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نشر الفيديو الذي يظهر رقصة الشاب الفلسطيني مع مقاطع من أغان أخرى، بينما حاول آخرون تقليد الرقصة أيضا، فيما شبّه كثيرون هذه الرقصة برقصة السكان الأصليين لأميركا واصفين إياها برقصة “أصحاب الأرض”.
وقبل نحو أسبوعين، خطف “تيفو” جماهير فريق شباب بلوزداد الأضواء من تحقيق فريقهم الفوز الأول في مستهل مشواره بدوري أبطال أفريقيا لكرة القدم، إذ كُتب على “التيفو” العملاق “بإرث صلاح الدين.. متحدون نسترد أولى القبلتين”.
وتظهر في “التيفو” صورتان إحداهما للملثم الذي يرمز إلى المقاوم الفلسطيني والأخرى لصلاح الدين الأيوبي القائد الأسطوري الذي فتح مدينة القدس، ودخل بيت المقدس في 12 أكتوبر 1187، وبينها مجسم لقبة الصخرة.
الثقافة توثّق العلاقة الخاصة بين الجزائر وأرض الجبارين..
الثورة الجزائرية ملهمة الكفاح الفلسطيني
تستقر قضية فلسطين في قلب الهوية الثقافية للجزائريين؛ ولذا، فإن معظم التظاهرات الثقافية تسعى جاهدة لتسليط الضوء على هذه القضية الأم. وفي هذا السياق، احتفت الدورة الـ 26 لصالون الجزائر الدولي للكتاب بفلسطين من خلال تنظيم سلسلة من الفعاليات الثقافية البارزة.
وخلال هذه التظاهرة ـ من 25 أكتوبر إلى 4 نوفمبر ـ خصصت وزارة الثقافة والفنون جزءا من جناحها المستقر بالجناح المركزي لفلسطين المحتلة، ضمّ معرضا لعشرات المؤلفات باللغة العربية حول تاريخ فلسطين والثقافة والأدب الفلسطينيّين، وكذا نضال الشعب الفلسطيني، بمشاركة كل من الوزارة الوصية وسفارة دولة فلسطين بالجزائر.
وتطرقت المؤلفات المعروضة إلى العديد من المواضيع التي تتعلق – في أغلبها – بالقضية الفلسطينية وشخصياتها الثورية والأدبية، على غرار شاعر الثورة الفلسطينية، الراحل محمود درويش، بينما تناولت مواضيعُ أخرى التراث والثقافة والفكر والأدب الفلسطيني بشكل عام، في أعمال خُصّصت للعرض فقط.
وتميّز الجزء المخصص لفلسطين بجناح وزارة الثقافة والفنون بتصميمه الجميل الذي زينته الأعلام الجزائرية والفلسطينية وصور زعماء وأدباء جزائريين وفلسطينيين، وكذا صور القدس وخرائط فلسطين وعدة لوحات ترمز للكفاح الفلسطيني، بالإضافة إلى صورة كبيرة توثق اتفاق المصالحة الذي عقدته الفصائل الفلسطينية بالجزائر في 2022.
كما تميز بالعديد من الشعارات المعبرة عن النضال الفلسطيني وعن المساندة والدعم اللذين لطالما تلقاه الفلسطينيون من الجزائر – حكومة وشعبا – دعم يجسّده الجزائريون بترديدهم مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
العاصمة تعرض أفلاما فلسطينية تضامنا مع أهل غزة
شهدت الجزائر العاصمة يوم الأحد والإثنين المنقضيين (10 -11 ديسمبر) عرض عدة أفلام فلسطينية، بين وثائقية وروائية، سلطت الضوء على نضال الشعب الفلسطيني منذ بدايات الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وهذا في إطار الطبعة الثانية للأيام السينمائية الدولية لفيلم التراث، التي شاركت فيها دولة فلسطين كضيف شرف.
وفي إطار قسم “بانوراما السينما الفلسطينية”، تم عرض الفيلم الوثائقي القصير “جدتنا الزيتونة”، إخراج سعود مهنا، والذي يمجد شجرة الزيتون الفلسطينية التي تكافح بدورها إلى جانب الشعب الفلسطيني من أجل البقاء، في وجه الهمجية الصهيونية التي لا تفرق بين البشر والشجر والحجر.
وحمل هذا العمل الشاعري تكريما مميزا لهذه الشجرة المباركة التي من ثمرها وزيتها يأكل الفلسطينيون، وعلى أرضها يقاومون وفيها يستشهدون وعليها أيضا يعيشون ويكبرون، جيلا بعد جيل، في مسيرة مقاومة متواصلة منذ بداية النكبة عام 1948.
وجاء الفيلم في شكل حكاية حزينة على لسان شجرة زيتون وسط بستان شاسع، تحنّ لأيام كانت فيها فلسطين حرّة، ولكنها (الحكاية) تحمل في الوقت ذاته شعاع أمل لا ينطفئ، مفاده بأن فلسطين ستحرر يوما ما وبأن أهلها سيعودون لا محالة، فـ”على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، حسب ما جاء في العمل.
ومن جهة أخرى، تم عرض الفيلم الروائي القصير “آمال” للمخرجة فاطمة حلو، الذي يحكي عن معاناة الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، من خلال قصة فتاة شابة تدعى “آمال” يستشهد والداها على يد قوات الاحتلال الصهيوني، وتعيش هي مع جدتها في منزل متواضع وفي ظل اضطهاد متواصل من الصهاينة.
وحمل هذا العمل، الذي يحتفي أيضا بالتاريخ والتراث الفلسطينيّين، الكثير من الرمزيات وخصوصا مفتاح باب العائلة في حيفا المحتلة، المدينة التي طردت منها العائلة، والذي تعلقه الجدة على رقبتها بحرص شديد، في إشارة إلى أن للبيوت في فلسطين أهلها الحقيقيّون، وبأنهم يوما ما سيعودون.
وتم في إطار “بانوراما السينما الفلسطينية” عرض أفلام وثائقية وروائية أخرى تتطرق إلى التهجير الذي تعرض له الفلسطينيون عام 1948، من خلال قصة مهجرين من مدينة صفد المحتلة، وكذا التعذيب الذي يتعرض له الفلسطينيون في معسكرات وسجون الاحتلال الصهيوني.
وهران تحتضن منتدى القدس: “فلسطين.. الريشة والحرف والثقافة”
شهدت ـ في المدة الأخيرة ـ دار الثقافة “زدور إبراهيم القاسم” بوهران فعاليات الطبعة التاسعة لمنتدى القدس المقامة تحت شعار “فلسطين: الريشة والحرف والثقافة”، تضامنا مع الشعب الفلسطيني ومساندة للقضية الفلسطينية العادلة.
وكان هذا اللقاء الذي شهد تنظيم أنشطة ثقافية وفنية، بالتنسيق بين الجمعية الثقافية “وحي المثقفين” لوهران ودار الثقافة والفنون والمجلس الشعبي البلدي لوهران وجمعيات، مساندة لأهل غزة الصامدين أمام عدوان الكيان الصهيوني وتضامنا مع القضية الفلسطينية ونصرة للقدس.
وفي برنامج هذه الطبعة التي جاءت في إطار نشاطات الهيئة التفافية والأكاديمية “منتدى القدس”، الذي تأسس بدار الثقافة والفنون لوهران في 2013، تم الجمع بين الفن التشكيلي والشعري لإبراز نضال الشعب الفلسطيني وحقه في تحرير أراضيه وفضح شراسة العدوان الصهيوني الذي يقترف يوميا مجازر بغزة.
وتميزت هذه الطبعة بمشاركة عدة جمعيات وحضور كوكبة من المثقفين والفنانين والشعراء والإعلاميين، عقب ندوة فكرية حول القضية الفلسطينية، ولقاء تناول موضوع “الإعلام والإعلام الموجّه”، وكذا إنجاز جداريات لدعم الشعب الفلسطيني في مواجهة عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة، منذ تنفيذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي.
وتضمن برنامج هذه الطبعة إقامة معرض متنوع من تنظيم فرع وهران لجمعية “البركة”، يبرز مختلف مراحل القضية الفلسطينية وصورا مفجعة للمجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني في حق سكان غزة والشعب الفلسطيني بصورة عامة، وكذا تاريخ القدس ومسجد الأقصى الشريف ونضال المقاومة الفلسطينية إلى غاية عملية طوفان الأقصى، بالإضافة إلى عرض نماذج من التراث الفلسطيني الذي يحاول العدو الصهيوني طمسه، بكل الطرق المتاحة.
وشارك في هذا اللقاء الذي دام يومين طلبة من مدرسة الفنون الجميلة لوهران برسم لوحات فنية تبرز تضامن الشعب الجزائري مع فلسطين، وتوثق المجازر التي قام بها الكيان الصهيوني ضد شعب أعزل. كما تم تنظيم مسابقة أدبية حول فلسطين بمشاركة مجموعة من هواة البوح الشعري وفن الخاطرة، إضافة إلى قراءة قصائد شعرية حول القدس من تقديم شعراء منهم فاطمة الزهراء دوق.
ممثل حركة حماس بالجزائر يوسف حمدان لـ “الأيام نيوز”:
“نأمل من الجزائر تفعيل جسر جوي لتأمين المساعدات واستقبال المصابين”
“الشّعب الجزائري يعرفُ يقينا ضريبة وثمن الحرية”
أكّد ممثل حركة حماس بالجزائر، الدكتور يوسف حمدان، أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يُسطر لوحةً من الصمود والثبات، والمقاومة الفلسطينية – هي الأخرى – تُسطرُ لوحةً من البسالة في مواجهة العدوّ الصهيوني الهمجي، الذي يستقوي على النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين العُزل، بدعمٍ مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية ومن المرتزقة الذين ترسلهم الدول الغربية لاستهداف وقتل الأبرياء الآمنين في بيوتهم بقطاع غزة.
ولدى نزوله ضيفا على جريدة “الأيام نيوز”، وفي حديثه عن تفاعل الشعب الجزائري مع ما يحدث من عدوانٍ جائر على الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، أبرز ممثل حركة حماس بالجزائر أن هذه القضية وبمنطوق الرئيس تبون هي أمُ القضايا وهي قضية وطنية بامتياز بالنسبة إلى الشعب الجزائري، الذي يشعرُ حقيقةً بما يشعر به الشعب الفلسطيني، لأنه خاض التجربة ذاتها، وعايش نفس السلوكيات والجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حقه إبان ثورة التحرير المباركة، فالاحتلال الصهيوني اليوم يتمادى ويتمايع في ارتكاب الجرائم ذاتها بحق شعبنا الفلسطيني من أطفال ونساء ومدنيين في القطاع.
في السياق ذاته، أشار الدكتور حمدان إلى أن مشاهد البطولة نفسها، التي رسمها الجزائريون وهم يقاتلون المستعمر الفرنسي بكل بسالة وثبات، يُكررها اليوم الشعب الفلسطيني الذي يصنع سلاحه بيده من أجل مواجهة هذا الاحتلال الجاثم على فلسطين، فنحن حينما نقول بأن الجزائر تشعر بهذا الثمن الذي يُقدمه الفلسطينيون، فذلك نابع من كونها عايشت التجربة ذاتها، وتعرف يقينًا ثمن وضريبة الحرية، وأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، فبالتالي ليس غريبًا لا في منظور التاريخ ولا الواقع ولا المستقبل أن تعتبر الجزائر القضية الفلسطينية قضيتها الأم، وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني دعمًا لصموده سياسيا، شعبيا، إغاثيا، إعلاميا وبرلمانيا، فالجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة كما قالها الرئيس الراحل هواري بومدين.
وأردف محدّث “الأيام نيوز” قائلا: “نحن نغبّطُ الشعب الجزائري الذي يرى اليوم نموذجًا حيًا عن ثورته ماثلاً على أرض غزة وعلى أرض فلسطين، هذا الشعب الذي خاض ثورات وقدّم تضحياتٍ جسّاما وأكثر من مليون ونصف مليون شهيد، لنقف اليوم على أرض الجزائر ونتحدث بهذه الحرية المُطلقة، والشعب الفلسطيني يخوض وينتهج المسار نفسه في مواجهة الاحتلال الصهيوني المستبد، بالإضافة إلى جهوده الرامية إلى الحصول على الدعم السياسي والإعلامي والدعم المادي كذلك لثورة ولمقاومة الشعب الفلسطيني، ليدحر هذا الاحتلال عن أرض فلسطين كما دُحِر المستعمرُ الفرنسي عن أرض الجزائر، وسنصلي جميعا – إن شاء الله – في القدس المحررة، وسيعود الجزائريون أيضا ليصلوا في أماكن الوقف، عل اعتبار أن الجزائر تحظى بحق في وقف فلسطين.
“الشعب الجزائري يقدّم اليوم لوحات رائعة في دعم صمود سكان غزة”
في سياق ذي صلة، تطرق الدكتور حمدان إلى الجانب الإغاثي والإنساني في دعم الجزائر للشعب الفلسطيني في القطاع، لافتًا إلى أن الشعب الجزائري اليوم يقدم لوحات أخرى من لوحات المشاركة في تعزيز صمود شعبنا الفلسطيني في غزة، سواء من خلال الجمعيات التي تنفّذ بشكل مباشر مشاريعها الإغاثية والإنسانية لتعزيز الحاضنة الشعبية التي تحتضن المقاومة، أو من خلال الدعم المباشر للمقاومة وهذا شيء يفتخر به الشعب الجزائري.
فالجزائريون، اليوم، يقفون مع المقاومة ومع الشعب الفلسطيني ويساهمون ماليا وماديا في دعم صمود الشعب الفلسطيني، وهذا جزء من حقنا على أمتنا وواجب الأمة اتجاه الشعب الفلسطيني الذي يخوض اليوم هذه المعركة نيابةً عن الأمة، والشكر موصول للجزائر ولكل من يضع له بصمةً في هذه المعركة التي سيسجلها التاريخ، فكما سجل التاريخ الجزائري العبارات والمواقف المشهورة لرموز الجزائر الداعمة للقضية؛ سنسجل اليوم مواقف الجميع وسنكون شهودًا على هذه المعركة وعلى مواقف الجميع من هذه المعركة معركة “طوفان الأقصى” معركة الدفاع عن قدس المسلمين وقبلتهم الأولى شقيقة مكة والمدينة.
وفي هذا الصدد، وجّه ممثل حركة حماس بالجزائر رسالةً قوية إلى الشعب الجزائري الداعم للحق الفلسطيني، أكّد من خلالها على أن الشعب الجزائري المُحب لفلسطين لديه آفاق كثيرة حتى يقف وينخرط في هذه المعركة، تعزيزًا لصمود المقاومة الفلسطينية على أرض الميدان، وإسنادًا لشعبنا الفلسطيني، ونحن نُثمّن كلّ مجهود تقوم به الجزائر على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي والسياسي والإعلامي وعلى المستوى البرلماني كذلك.
وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز ممثل حركة حماس بالجزائر الدكتور، يوسف حمدان، أن صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري رغم حجم الجرائم والمجازر الدامية التي طالته، يسجّل لحظةً استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ القضية، وبالتالي نحن نتطلع إلى أداء غير مسبوق واستثنائي من الجزائر للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني من خلال تفعيل جسر جوي لاستقبال الجرحى من غزة وإرسال مستشفيات ميدانية إلى القطاع، ونحن على يقين تام بأن الجزائر المحبة لفلسطين تستطيع أن تستقبل آلاف الجرحى وليس المئات فقط، الذين إن لم تسعهم مستشفيات الجزائر ستسعهم بيوت الجزائريين وقلوبهم المحبة لشعب فلسطين، هذا هو المأمول وهذا هو المطلوب من الجزائر إضافةً إلى جهدها السياسي والدبلوماسي الذي تقوم به لنصره القضية الفلسطينية، ونحن نعتقد أن الجزائر دائمًا في الموعد ولن تتخلّف ولن يسبقها أحد إلى دعم القضية وقوفًا إلى جانب الحق الفلسطيني.
الخبير في علم الاجتماع فوزي بن دريدي لـ “الأيام نيوز”:
“الجزائريون سبّاقون في مساندة الشّعب الفلسطيني”
يرى الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، أن تضامن ومساندة الشعب الجزائري المطلق للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة أمرٌ تاريخي محض، على اعتبار أن الشعب الجزائري بطبيعته هو شعب مقاوم يعي جيّدا ما يشعرُ به الفلسطيني، وتُضاف إلى ذلك مسألة رمزية القضية الفلسطينية، فهو لا يدعم فقط الفلسطينيين كشعب له حق في الاستقلال واسترجاع أرضه من الكيان الصهيوني الجائر، ولكن أيضا على اعتبار أن قضية المسجد الأقصى هي قضية أساسية ومرجعية لكل مسلم حر.
وفي هذا الشأن، أوضح الدكتور بن دريدي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنه لوحظ بعد عملية “طوفان الأقصى” مباشرةً، كانت هناك مشاركة كبيرة لكل فئات المجتمع الجزائري في مسيرة حاشدة عبّر من خلالها الجزائريون – بكل وضوح – عن مساندتهم القوية للحق الفلسطيني، مساندة ترجمتها المساعدات الإنسانية التي جاءت تحت أُطر المجتمع المدني، حيث كانت هناك عدة تصريحات أدلى بها سكان غزة أكدّوا من خلالها على استلام ووصول هذه المساعدات التي عسى ولعل تساهم ولو قليلا في التخفيف من الظروف الإنسانية القاهرة التي يعيشها الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، خاصةً في ظل استمرار آلة الحرب الصهيونية التي لم يسلم منها لا البشر ولا الحجر ولا الشجر.
في سياق ذي صلة، أبرز محدّثنا أن الشعب الجزائري لطالما كان سبّاقا إلى دعم القضية وتقديم المساندة اللازمة للشعب الفلسطيني، والحرص على إرسال مساعدات دائمة لأهلنا في فلسطين عبر فعليات المجتمع المدني أو على المستوى الشخصي، أو من خلال الموقف الجزائري على الصعيد الرسمي، على غرار لقاء المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بالجزائر، وحتى قبل بدء العدوان الصهيوني الهمجي على غزة، كانت الجزائر قد قدمت اقتراحا لمصر من أجل السماح لها بـ “توفير احتياجات” قطاع غزة من النفط “مجّانًا”.
وتابع المتحدث يقول: “إن المجتمع الجزائري وبكل فئاته من نخب فكرية أو قوى سياسية أو مجتمع مدني، الجميع دون استثناء يتفق على الدعم المطلق واللامشروط للقضية الفلسطينية، ويؤكد على ضرورة اعتراف المجتمع الدولي بحركة “حماس” كحركة تحرر مشروع، وليست حركة إرهابية كما يُسوّق ويُروج له الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب؛ فالجزائر دافعت بقوة على أن المقاومة الفلسطينية تملك كل الشرعية الدولية وفق نصوص الأمم المتحدة التي تؤكد على الحق في المقاومة بكل الطرق والأساليب التي تراها مناسبة”.
وختامًا، أشار الخبير في علم الاجتماع، الدكتور فوزي بن دريدي، إلى أن الجزائر كانت قد قدمت خلال القمة العربية على أن تكون هناك إجراءات عملية ضد الكيان الصهيوني، ولكن للأسف لم يتم تبني الطرح الذي قدمته الجزائر؛ وعليه، فإن الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية شعبًا وحكومةً هو موقف معروف ولا يقبل المزايدة عليه، ولا يخضع لأي تجاذبات سواء كانت سياسية أو أي تحولات إقليمية أو دولية.
المحامي والنّاشط الحقوقي محمـد آدم المقراني لـ “الأيام نيوز”:
“السّابع من أكتوبر الماضي شكّل نقطة فارقة في حياة الجزائريين”
يعتقد المحامي والنّاشط الحقوقي، محمـد آدم المقراني، أنّ “تفرغ المجتمع الجزائري لمتابعة العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي يبرز مدى التّضامن الذي يحمله الجزائريين بمختلف شرائحهم تجاه القضيّة الفلسطينيّة”.
وفي السّياق، أبرز محمـد آدم المقراني، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ “السّابع من أكتوبر الماضي شكّل نقطة فارقة في حياة الجزائريين الذي تركوا مختلف مشاغلهم الحياتية ليركّزوا كل اهتمامهم على متابعة الأحداث في غزّة ولدعم الفلسطينيين كلّ من موقعه”، مشيرا إلى أنّ ذلك “ليس بأمر جديد على الشّعب الجزائري الذي لطالما كان حاملا لقيم التحرّر وداعما لحقّ الشّعب الفلسطيني في تقرير مصيره”.
إلى جانب ذلك، ذكّر المحامي والنّاشط الحقوقي أنّ “الجزائريين والجزائر بصفة عامة احتضنت في عديد المناسبات الفلسطينيين بداية من إذاعة “صوت فلسطين”، صوت الثّورة الفلسطينية، التي كانت تبثّ عبر موجات الإذاعة الجزائرية إلى حدود مبادرة المصالحة بين الفصائل الفلسطينية التي قادتها الجزائر في الفترة الماضية”.
وحسبه، فإنّ “روح ثورة نوفمبر المجيدة ظلّت راسخة في المجتمع الجزائري الذي ما انفكّ يدعم الفلسطينيين ومن ورائه الدّولة الجزائرية التي جعلت من القضية الفلسطينية بوصلة لسياستها الخارجية وهو ما ينعكس على اهتمام الشارع الجزائرية بالعدوان في غزة، في عصر انحسر فيه التّضامن العربي فارتفعت فيه الجدران العازلة أمام كلّ مدّ تضامني لدعم للفلسطينيين في ظلّ أمواج التّطبيع التي اجتاحت عدّة دول عربية”.
في مقابل ذلك، أفاد المحامي والنّاشط الحقوقي، محمـد آدم المقراني، في ختام حديثه مع “الأيّام نيوز”، بأنّ “الجزائري يجد نفسه متحسّرا على وضع إنساني متأزّم في غزة ساهمت فيه المجموعة الدّولية بصمتها وسماحها بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في حقّ شعبِنا الفلسطيني الأعزل، لكنّه يظلّ متشبّثا بمتابعة الأوضاع تضامنا منه مع أشقّائه، فليس باليد حيلة في ظل حصار مطبق على قطاع غزة انقطعت معه سبل الدّعم لأشقّائنا الصّامدين في تلك الرقعة الجغرافية الصغيرة سلاحهم في ذلك صبرهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم”.
المحلّل السّياسي والخبير الأمني الفلسطيني صالح الشقباوي:
“الجزائر تقود محورا متقدّما لوقف الزّحف الصّهيوني على الأمة العربية”
أشاد المحلّل السّياسي والخبير الأمني الفلسطيني، الدّكتور صالح الشقباوي، بمواقف “الجزائر الثّابتة ونصرتها الدّائمة للقضيّة الفلسطينيّة”، مؤكّدا على أنّ “الدّبلوماسية الجزائرية تعمل دائما من أجل وقف العدوان على الشّعب الفلسطيني والتّصدي للمخطّطات الرّامية لتصفية القضيّة الفلسطينية”.
وأفاد الدكتور صالح الشقباوي بأنّ “الجزائر تقود محورا عربيا متقدّما جدا في سبيل استنهاض الأمّة وتحريرها من الهيمنة الأمريكية ومن سيطرة الغرب على ثرواتها وتسليط الكيان الصّهيوني عليها وعلى أمنها واستقرارها”.
وحسبه، فإنّ “مشاركة وزير الخارجية أحمد عطاف في قمّة الدوحة في ظلّ الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها القضية الفلسطينية خاصة في مجلس الأمن بعد لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى حق النقض “الفيتو” للحيلولة دون تمرير قرار وقف العدوان ومواصلة تقتيل المواطنين في قطاع غزة من شأنه أن يبعث برسائل تبرز رفض الأمة العربية لهذا المنهج الأمريكي الضارب لكل الأعراف الدّولية ولحقوق الإنسان”.
وخلال حديثه عن عضويّة الجزائر غير الدّائمة بمجلس الأمن الدولي مطلع السّنة القادمة، شدّد الشقباوي في تصريح لـ “الإذاعة الجزائرية”، على أنّها “ستساهم في تغير منظومة القوى الفاعلة داخل مجلس الأمن وستساهم في بروز قوى عالمية جديدة لا محالة خاصة في ظلّ التّطورات التي يشهدها العالم وبروز أقطاب جديدة ترفض الهيمنة الغربية والأمريكية”.
وفي السّياق ذاته، استنكر المتحدّث “الاختلالات الحاصلة في الأجهزة الدولية وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن أمام تصاعد وتيرة العدوان الصهيوني الغاشم على الشّعب الفلسطيني”، وأوضح أنّ “طوفان الأقصى شكّل صدمة للصّهاينة وحلفائهم وأسقط مقولة “الجيش الذي لا يقهر”، مشيرا إلى أنّ “إسرائيل” “كيان إرهابي دموي، خارج منظومة القانون الدّولي، عكس الرّوايات التي روج لها حلفاؤه”.
وحدها الديمقراطية المباشرة تُلجم الألسن..
الاستفتاء الشعبي سيحسم جدل علاقة الأردن بـ”إسرائيل”
بقلم: وليد عبد الحي – كاتب وباحث أكاديمي أردني
يمثّل الاستفتاء أحد أنماط ممارسة الدّيمقراطية المباشرة، فمن خلاله يصبح الشّعب هو صانع القرار، وتتكئ السّلطة فيه على أعلى درجات الشّرعية، وهذه الممارسة ليست أمرا مستهجنا، كما أنّها ظاهرة تاريخية بدأت قبل 383 عاما، وتزايد اللّجوء لهذه الممارسة تباعا، حيث تشير الأرقام المتوفّرة في المراجع الأكاديمية إلى أنّ الفترة الممتدة من 1793 إلى 2023 عرفت اللّجوء إلى الاستفتاء 1430 مرة، أي بمعدل 6 مرات سنويا في مختلف دول العالم. وقد يعتقد البعض أنّ هذه الممارسة مقتصرة على الدّول الغربية، وصحيح أنّ أغلبية الاستفتاءات تجري في أوروبا (ثلثي استفتاءات العالم)، بل إنّ ثلثي استفتاءات أوروبا كانت في سويسرا، التي تعدّ في مقدّمة دول العالم في مؤشّر الدّيمقراطية التي تكاد أن تصل للدّيمقراطية المباشرة، لكن إفريقيا تعرف معدّلا يصل إلى ثلاثة استفتاءات كلّ عام تقريبا، فمنذ الثلاثين سنة الماضية جرى حوالي 92 استفتاء في كل من جنوب إفريقيا وبوروندي ورواندا وجيبوتي وإريتريا ومالاوي وسيشل والكونغو الديمقراطية وأوغندا وزيمبابوي.. إلخ.
والملفت للنّظر أنّ هذه الاستفتاءات تجرى على قضايا كبرى؛ دستورية أو إقليمية أو وطنية ، وتجرى أحيانا على قضايا متوسّطة الأهمية، لكنّها أحيانا تجرى في بعض الدّول لتحديد موقع مشروع تنمية أو مصنع أو محطّة نووية؛ ما يعني أنّه إذا كان الاستفتاء يمارس في قضايا عادية فمن باب أولى أن يكون اللّجوء له ضرورة كبرى في القضايا الإستراتيجية.
لقد خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بعد استفتاء، ورغم أنّ الفروق بين من كان “مع” ومن كان “ضد” لم تكن كبيرة، لكن الدّولة احترمت إرادة شعبها. وجنوب إفريقيا أنهت حكم التّمييز العنصري باستفتاء، ولكن اليابان أجرت استفتاء لتحديد موضع محطّة طاقة لا أكثر!
هذه المقدّمة الطّويلة هي توطئة لطرح موضوع العلاقة بين الأردن و”إسرائيل”، فلماذا لا يتمّ طرح موضوع العلاقة مع “إسرائيل” على الشّعب الأردني عبر السّؤال التالي: هل تؤيّد قطع العلاقات وإلغاء الاتفاقيات مع “إسرائيل”؟ (نعم / لا)، وقد يتساءل البعض وما أهمية ذلك؟ لتكون الإجابة عبر النقاط الآتي ذكرها:
- إنّ العالم كله بما فيه الدّول المنادية ليلا ونهارا بالدّيمقراطية لا يستطيع رفض القرار، لأنّه تعبير عن أرقى درجات الدّيمقراطية المباشرة؛ وعليه، تكون مسؤولية السّلطة السّياسية أمام العالم محدودة لأنّ القرار تعبير عن الإرادة الشّعبية وليس اختيارا من مُتّخذ القرار، ويتعزّز هذا الموقف إذا أشرف وراقب على الاستفتاء -إلى جانب الهيئات المحليّة ذات العلاقة – جهات دولية معتمدة ومعروفة بنزاهتها، وهو ما سيلجم أي دولة قد تعترض على النّتائج.
- إنّ أيّة عواقب تترتّب على نتائج الاستفتاء لن يستطيع أحد من القوى السّياسية تحميل المسؤولية للسّلطة السّياسية؛ باعتبار أنّ القرار هو تعبير عن إرادة المجتمع، وبالتّالي سيتحمّل المجتمع هذه العواقب لأنّه هو من صنع القرار، والمجتمع الذي عاش من 1948 (النّكبة) إلى 1994 (معاهدة وادي عربة) أي قرابة نصف قرن دون أي شكل من أشكال العلاقة مع “إسرائيل” غير عاجز عن إدارة شؤونه كما فعل سابقا.
- إنّ القرار سيعطي صورة إيجابية عن إدارة الحكم في الأردن، فهو يعني أنّ السّلطة تحترم الإرادة الشّعبية فعلا لا قولا فقط في القضايا الإستراتيجية، بل وقد يشكّل ذلك تقليدا سيحرج الكثير من الدّول الأخرى، وأجزم أنّ ذلك سيؤدّي إلى امتصاص احتقانات مجتمعية كثيرة في الأردن.
وقد يقول قائل: “لماذا لا يقوم المجلس النّيابي باتخاذ هذا القرار؟”، وهنا سيكون القرار موضع شكوك وتأويلات واتهامات متبادلة حول مدى ممارسة السّلطة للضّغوط على النّواب، أيّا كانت النّتيجة، ولن تكون قوة القرار المستند للإرادة الشّعبية كقوة القرار المستند “لمفوضين” عن الشّعب، فالديمقراطية المباشرة هي أقوى أشكال الدّيمقراطية.
وما يبرّر الاستفتاء هو أنّ “إسرائيل” تشكّل “هاجسا أمنيا” لكلّ أردني في السّلطة وخارجها، فهي تحايلت على كلّ اتفاقياتها مع الأردن، وتعاملت مع الوصاية الهاشمية باستهانة لا نظير لها، وطرح بعض وزرائها خرائط سياسية تثير شكوكا عميقة حول خطط “إسرائيل” المستقبلية، بل إن تَمدُد التّيار الأكثر تطرفا في البنية السّياسية الإسرائيلية يستدعي قرارا مستندا لإرادة شعبية لايستطيع الاعتراض عليها أي طرف داخلي أو خارجي، أيّا كانت نتيجة الاستفتاء.
أعلم أنّ البعض سينظر للأمر “بنبش” مواقف وآراء وتلميحات واتهامات وغمز ولمز.. إلخ، لكنّي أعتقد أنّ المخرج الأكثر قوّة وعقلانية هو “الاستفتاء” الشّعبي النّزيه.. ربّما!