تعدّ الصيرفة الإسلامية اليوم، من بين أهم صيغ التمويل التي تعتمد عليها مختلف الدول، بما فيها غير الإسلامية، نظرًا لنجاعتها في التمويل ومواجهة الأزمات المالية والاقتصادية. واتجهت الجزائر نحو هذه الصيغة بموجب قانون النّقد والقرض 90-10 الذي فتح المجال للقطاع الخاص والأجنبي بإنشاء المصارف ومنها المصارف الإسلامية في الجزائر، وذلك من خلال فتح أبواب أول مصرف إسلامي في التسعينيات وهو مصرف البركة، لتدعم التجربة بعد ذلك بإنشاء مصرف السلام ليكون ثاني مصرف إسلامي.
وتم توطين الصيرفة الإسلامية في البنوك الجزائرية، من خلال السماح بفتح شبابيك ونوافذ إسلامية والتي أقرّها نظام بنك الجزائر (20-02) المحدد للعمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها.
ويؤكد مختصون في المجال، أن الصيرفة الإسلامية من الممكن أن تلعب دورًا كبيرًا في استقطاب السيولة وتعبئة الادّخار المحلي من أجل تمويل الاستثمار، شريطة العمل على إزالة كل العقبات التي تعيق هذا التحوّل وخاصة عقبة قانون النقد والقرض الذي وضع على مقاس البنوك التقليدية ولم يراع خصوصية العمل المصرفي الإسلامي.
سد الفراغ في مسار السوق المالية
قال المستشار في مجال التنمية الاقتصادية، عبد الرحمان هادف: “إن تجربة الخدمة المالية الإسلامية في الجزائر لا تزال في بداياتها الأولى، وهي من بين أهم الإصلاحات التي عرفتها المنظومة البنكية في البلاد، خاصةً وأنها جاءت لسدّ الفراغ الموجود في مسار السوق المالية، تماشيًا مع ما يُناسب ثقافة وخصوصيات المجتمع الجزائري المسلم”.
وأوضح هادف في تصريح لـ«الأيام نيوز»: “أن هذا النوع من الخدمات البنكية جاء استجابةً لمطالب متكررة من شريحة واسعة من المواطنين وكذا المتعاملين الاقتصاديين، الذين يفضلون استخدام آليات تمويل إسلامية بعيدا عن الربا”.
وتابع: “من خلال تقييم موضوعي، يمكن القول إن خدمات الصيرفة الإسلامية في الجزائر تسير في اتجاه إيجابي، ولكن من الضروري جدا أن نهيئ لها البيئة والظروف اللازمة لتحسين أدائها، ويتحقق ذلك، كمرحلة أولى عن طريق تقييم العلاقة وردة فعل الزبائن ومدى تقبلهم لهذه الخدمة، خاصةً وأن الصيرفة الإسلامية تميّزها جملة من الخصوصيات”.
وفي هذا السياق، قال الخبير المتخصص في الاقتصاد: “أولا يجب الفصل بين الخدمة المالية الإسلامية، والصيرفة أو البنوك التقليدية، فنحن نعتقد أن أول عائق لرواج هذا النوع من الخدمة، هو أن الكثير من الزبائن يرون أن البنوك التقليدية هي بنوك ربوية، وبالتالي لا يمكن خلط الأموال بين هذه البنوك الربوية والبنوك الإسلامية”.
النقطة الأخرى التي أشار إليها عبد الرحمان هادف، هي ضرورة تطوير الجانب التقني لهذه البنوك، باعتبار أن الصيرفة الإسلامية لها خصوصياتها وتقنياتها الخاصة بها، على غرار تقنية تحرير العقود، التي تحتاج إلى كفاءات ويد عاملة مؤهلة في هذا المجال، إضافة إلى إبرام شراكات خاصة في مجال التسيير والتكوين لتحسين هذه الخدمة والذهاب بها إلى مرحلة جديدة.
في السياق ذاته، أكد المستشار في مجال التنمية الاقتصادية: “أن عامل الترويج مهم جدّا لتحسين صورة الخدمة المالية الإسلامية في الجزائر، وذلك من خلال العمل الجواري مع المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين، لتأسيس نوع جديد من التعامل المالي، خاصةً وأن الصيرفة بصفة عامة مبنية أساسا على الثقة والعلاقة الخاصة بين الزبون والبنك”.
هذا، وأشار الخبير الاقتصادي في ختام حديثه لـ«الأيام نيوز»، إلى ضرورة الاستفادة من تجارب البلدان السبّاقة في هذا المجال، من أجل جذب الزبون والأموال للبنوك الإسلامية، على غرار التجربة الماليزية والإندونيسية، وحتى من تجارب الدول غير الإسلامية على غرار إنجلترا وفرنسا.
ضرورة الفصل بين العمليات الإسلامية والربوية
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، أبو بكر سلامي: “أن الخدمة المالية الإسلامية تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للدولة الجزائرية وكذا البنوك والزبائن من مؤسسات ومواطنين، خاصةً، وأنها تعتمد على تقاسم الفوائد بطريقة مطابقة للشريعة الإسلامية”.
وأوضح سلامي في تصريح لـ«الأيام نيوز»: “أن الصيرفة الإسلامية حققت نجاحًا باهرًا حتى في الدول غير الإسلامية، وبما أن هناك نفورا من كل ما هو ربوي لدى الجزائريين، فمن المتوقع أن تنجح مستقبلا، باعتبار أن انطلاق هذه الخدمة في بلادنا لم يكن بالشكل المطلوب”.
وتابع: إن “نقص الخبرة والتكوين في هذا المجال، هو من بين أبرز المعيقات التي قد تعرقل مسار تطوير هذه الخدمة في بلادنا، لذلك لا بدّ من بذل جهود أكبر للتعريف بها وإظهار مزاياها حتى يتسنى للجميع الاستفادة منها”.
هذا، وأشار الخبير المختص في الاقتصاد، إلى أنه ينبغي الفصل بين المعاملات الإسلامية وتلك التقليدية الربوية، وذلك من خلال إنشاء بنوك إسلامية وفروع مستقلة للخدمات المالية الإسلامية في بعض البنوك التقليدية لكسب ثقة المتعاملين.
وختم قائلاً: “إن القيام بالعمليات الإسلامية والربوية من طرف ذات البنك، قد يخلق نوعًا من الشك والريبة لدى المتعامل الذي يرى بأن معاملاته مع البنك من الممكن أن تختلط بالعمليات الربوية، وهذا الأمر يقتضي إيجاد منافذ وحلول لمعالجته، من أجل النجاح في تطوير هذه الخدمة وترسيخها كعماد للاقتصاد الجزائري”.
يذكر، أنه في مارس/آذار 2020 أصدر البنك المركزي الجزائري 2020 نظام 02-20 الذي يحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية.
ويؤسس هذا النظام لتوطين الصيرفة الإسلامية ويحدد آليات تنفيذها في الواقع، فكان الفاتح أفريل 2020، موعدا لإعلان المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر عن تأسيس الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية، وهي الهيئة التي تمنح شهادة المطابقة الشرعية للبنوك والمؤسسات المالية للشروع في ممارسة الصيرفة الإسلامية.
وتعتبر هذه الهيئة الشرعية سندا لبنك الجزائر في توطين الصيرفة الإسلامية بالجزائر، بعدها شرعت هذه الهيئة في دراسة ملفات البنوك والمؤسسات المالية للحصول على شهادة المطابقة الشرعية للعمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، لتكون الانطلاقة الميدانية لتوطين الصيرفة الإسلامية في النظام البنكي الجزائري، ويفتح الباب أمام تشجيع المبادرات التي تساعد على إحداث النقلة النوعية في تنمية الاقتصاد الوطني.
ومع بداية شهر أوت/أغسطس 2020 تم انطلاق نشاط الصيرفة الإسلامية رسميا على مستوى البنك الوطني الجزائري، لتكون البداية الميدانية للحكومة الجزائرية لتنفيذ الصيرفة الإسلامية من خلال تسويق المنتجات المطابقة للشريعة الإسلامية، من خلال الإشراف المباشر للوزير الأول السابق عبد العزيز جراد، وهي الرسالة الواضحة التي تؤكد حرص الحكومة على التوجه نحو الصيرفة الإسلامية واعتماد آلياتها بهدف إنعاش الاقتصاد الجزائري وفتح آفاق جديدة أمامه.
هذا، وتضمنت توصيات أشغال الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي، التي احتضنتها الجزائر أواخر العام المضي، رسالة هامة تؤكد الحرص على تفعيل وتوسيع مجالات الصيرفة الإسلامية في المنظومة المالية الجزائرية، وتقديم الدعم والمساندة لتوفير الأجواء المناسبة والمناخ الجيد لضمان انطلاقة ناجحة لتوطين الصيرفة الإسلامية وجعلها عاملا مساعدا على إنعاش التنمية الوطنية الشاملة.