الجزائر المحروسة بالله

شهد الشهر الكريم لهذا العام، حربا إعلامية ومعلوماتية “غير معلنة” ضد الجزائر ـ تاريخا وشعبا وحضارة ـ شنّها شرذمة من شذّاذ الآفاق وتجّار الأوهام الذين لا يجدون في الجزائر “الجارة الشرقية” سوى شمّاعة لتعليق خيباتهم وخراباتهم، وقد تجنّد هؤلاء على قلب “فاجر واحد”، من كبير أئمتهم إلى صغير حثالاتهم من أجل شيطنة كل ما هو جزائري، فحتى «دقلة نور» لم تسلم هي الأخرى من غلّهم القاتل وحقدهم المسموم، وقد زادهم نكدا وهمّا غياب ردود الفعل، وكأنهم غير موجودين أصلا.

وبينما هم على ذلك من الهرج والمرج، قامت هرّة ضعيفة بحركة بسيطة فعرت سوآت غلمان «المخزن» وغوانيه، كما ردت عدوانهم وحطمت خرافاتهم، من مسجد أبي بكر الصديق بمدينة «برج بوعريريج»، وهكذا ارتقى اسم الجزائر وعلا، وجرى على ألسنة الخلق دهشة وانبهارا، من «رويترز» إلى «سي.ان.ان» إلى مختلف وكالات الأنباء العالمية وبقية القنوات التلفزية شرقا وغربا، عربا وعجما، إلى ملايين الصفحات التواصلية، إلى أكثر من مليار وستمائة مليون متابع في وقت قياسي، لم يسبق أن سجله حدث في العالم:

وقل الجزائر واصغ إن ذكر اسمها

تجد الجبابر ساجدين وركعا

إن الجزائر في الوجود رسالة

الشعب حررها وربك وقعا

لم يكد “الحاقدون المكابرون” يهنأون بصمت العالم عن القطة وقصتها وعن الجزائر وشعبها، حتى أظهر الله رجلا آخر أقام الدنيا ولم يقعدها، بصوت ملائكي خرافي رهيب ترتيلا وتجويدا لكتاب الله تعالى، صدح من المسيلة فطار وطاف الكرة الأرضية بعدما بلغ عنان السماء، فجعل اسم الجزائر يجري على ألسنة الورى مرة أخرى، دهشة وذهولا، إنه صوت مثل “الرحيق المختوم” تنزل من جنان النعيم، سرى بليل يشق جلابيب الدجى لـ”يسقي” آذان العالم و”يروي” أسماع الورى، بكلام الله كما لم يسمعه أحد من قبل إنسا كان أو جان، إنه صوت ابن الحضنة الشريفة، عبد العزيز سحيم، الذي جعله الله حجة ومنة وآية لتبليغ كتابه العزيز الكريم، في إعجاز صوتي خارق وأداء تصويري راق، ترك الناس يرخون قلوبهم سمعا قبل أسماعهم، رهبة ورغبة وخشوعا، إنها آية أخرى على أن هذا البلد محروس بعين الله التي تسهو ولا تنام.

حتى آخر رمق

عندما قرّر السلطان «سليمان القانوني» استدعاء القائد البحري الريس «خير الدين بربروس» إلى إسطنبول للاستعانة به على الأوروبيين، ولّى هذا الأخير على الجزائر الريس «حسن آغا الطوشي»، وهو رجل لا يقلّ كفاءة عن «خير الدين»، وهنا اغتنم الملك الإسباني «شارلكان» ـ المتربّص منذ زمن بالجزائر ـ الفرصةّ ليقوم بعمل بحري صليبي ضخم، ضدّ البلدة المجاهدة التي كانت بمثابة مفتاح لشمال إفريقيا، حيث جمع جيشا بلغَ تعداده مئات الآلاف من الجند، وأكثر من ستمائة سفينة، وشقّ البحر باتجاه البهجة، حتى رست مراكبه بخليج الجزائر.

سارع القائد «حسن آغا الطوشي» إلى عقد اجتماع طارئ مع زعماء المدينة وقادة الجند، فقرّر الجميع الدفاع عن البلدة حتى آخر رمق، وفي أثناء ذلك، تحرّك رجال الله من أولياء المدينة وراحوا يستحثون الناس على الجهاد، على رأسهم «ﺴﻴﺩﻱ ﻭﺍﻟﻲ ﺩﺍﺩﻩ»، «سيدي بُوقْدورْ» و«سيدي بَتْقة»، وبدأت القوات الغازية في قصف المدينة بالمدافع من ساحل وادي الحراش والحامّة، ومحاولة فتح ثغرة عند مرتفعات القصبة لتهويل السكان وترهيب قائد المدينة، «البيلَرْبَايْ» بالنيابة عن «خير الدين بربروس» «حسن آغا»، للضغط عليه فيسارع بالتسليم.

في هذه الأثناء المرعبة، تحرك أولياء الله بالمدينة، وراح كل يدعو ربه ويبتهل، بأن يحفظ الساكنة من شر قد اقترب، فخرج أحد الشيوخ مغتاظا ونزل إلى شاطئ «تافورة»، يجر جسده الهزيل المُنْهَك جَرًّا، فقد كان من أكثر أهل المدينة ورعا وتقوى، يحبه الجميع ويجلونه ويتمتع باحترام وإجلال كل الناس الذين يلقبونه بـ«ولي الله دادة»، وبمجرد أن غاصت قدماه النحيفتان في مياه الشاطئ، ضرب البحر الساكن بعصاه في غضب وغيض عدة مرات، ثم رفع رأسه ويديه إلى السماء مبتهلا طالبا الرحمة والرأفة بالمسلمين وبمدينتهم المجاهدة في هذا اليوم الجلل، ثم رجع مُدْبِرًا نحو القصبة عبر باب عزون، حيث كان الناس في انتظاره وكلهم إكبار وإجلال لشأنه.

حسم المعركة

تقول الرواية الشعبية، كما تداولها أبناء البهجة جيلا بعد جيل، بأنه ما إن خطا خطواته الأولى داخل المدينة، حتى اكفهرّ الجوّ وتلبّدت السماء، وأغرقتها سحب كثيفة داكنة، وهطلت أمطار غزيرة كالسيول لم تشهد «المحروسة» مثلها، فكانت عاصفة هوجاء من أغرب العواصف التي عرفتها الجزائر، هبّت كالصاعقة وحركت بقوّة أمواج البحر العاتية، فكانت عونا للأهالي على المعتدين وضربة قاضية للأسطول الصليبي وقواته المرابطة على مشارف القصبة، وحولت الحملة المسيحية الرهيبة إلى برد وسلام على الجزائر.

وأما على الجهة الأخرى، فيُروى أيضا بأن ابتهالات وبركات الولي الصالح «سيدي بُوقْدُور» كان لها نصيب هي الأخرى في هذا الانقلاب الجوي “العجيب” الذي ساعد على حسم المعركة لأهل البلد، كما تروي الأساطير الشعبية بأن هيجان البحر والتهاطل الغزير والمتواصل للأمطار طوال أيام العدوان، والمعارك التي تخللتها جاءا بعد أن ألقى الشيخ الجليل «قُدورَهُ» في البحر بعد أن قرأ عليها بعض الأدعية واللطائف والابتهالات.

وأما على أرض المعركة، فرغم القصف العنيف على المدينة ونيران البارود، إلا أن الإسبان قد فوجئوا بمقاومة في منتهى العنف والشدة، خاصة من كتائب المتطوّعين الذين انهالوا على مدينة الجزائر بمجرد سماعهم نزول الإسبان عند شواطئها، وكانوا أعرف وأخبر بأرض المعركة من عدوهم، مستغلين تلك الإمدادات الإلهية من عواصف بحرية وأمطار قوية حطمت سفن العدو وخيام جنده، ففسد مفعول البارود ولم يعد صالحا للاشتعال، فتحطّمت نصف قوة الجيش الإسباني.

بطولات رائعة

حاول «شارلكان» استدراك الأمر وسط هذه الكوارث، بإعادة ترتيب هجوم كاسح على المدينة من قبل باب الوادي، وعندها كشف أهل الجزائر عن الوجه الحقيقي للشجاعة والبراعة والاستماتة في النزال، فظهرت بطولات رائعة خاصة من كتيبة «الحاج بكر» قائد فيلق الفرسان التي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف المقدمة الإسبانية، واتبع المسلمون أسلوب الكرّ والفرّ العربي القديم في التعامل مع العدو الإسباني، وفشلت محاولات شارلكان لكسب ولو شبر من أرض الجزائر، واضطر لأن يلملم أشلاء جيشه وحملته الفاشلة ويبحر على من بقي من أسطوله المحطّم من عار وخزي الهزيمة، وهكذا توجه «شارلكان» إلى إيطاليا ولم يتوجه إلى إسبانيا.

وكان لفشله في هذه الحملة أثر عميق على الصعيد العالمي بأسره، فلقد نزلت أخبار الهزيمة كالصاعقة على أوروبا وانفرط عقد التحالف الصليبي الأوروبي، وانفض الجميع من حول الإمبراطور المهزوم، الذي لم تقم له قائمة بعد ذلك، إلى أن عجل القدر برحيله بوقت غير بعيد، ومنذ ذلك العهد، أخذت المدينة لها شعارا مقدسا، الجزائر المحمية بالله، وقد سبقهم إلى تحصينها ومعرفة قدرها شيخ الأولياء وتاج الصلحاء سيدي «عبد الرحمان الثعالبي» صاحب القبة والمقام، يوم أنشد مطمئنا:

إنّ الجزائر في أحوالها عجب

ولا يدوم بها للناس مكروهُ

ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتّسَع

إلا ويُسرٌ مِن الرحمن يتلوه

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
تتويج الجزائرية باداش بلقب الدورة الدولية للتنس لبنان.. 18 شهيدا و38 مصابا جراء عدة غارات صهيونية درجات حرارة قياسية عبر 10 ولايات التجارة الإلكترونية في الجزائر.. تجربة التسوّق بنقرة واحدة صواريخه أفقدت "إسرائيل" صوابها.. حزب الله يجرّ العدو إلى الجحيم الجبلي نداء من المكتبة الوطنيّة الفلسطينية.. من يحمي الذاكرة من الإبادة الثّقافية في غزّة؟ وفق هندسة معمارية تضمن الاستدامة.. معايير جديدة للإسكان في الجزائر أعطوه ناقوس الخطر ليدقّ عليه.. رواية "الملف المطوي" تصدم الملك المغربي السفير الصحراوي: قرار المحكمة الأوروبية كشف حقيقة الاحتلال المغربي بوغالي يدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم ضد الانتهاكات الصهيونية استرجاع ما يقارب 90 مليار سنتيم.. شرطة المغير تطيح بشبكة إجرامية عابرة للحدود يسبب نوبة صرع أو غيبوبة أو حتى الوفاة.. طبيب يحذر من الإفراط في شرب المياه مجلس الأمن قلق بشأن استهداف بعثة “يونيفيل” في لبنان ندوة دولية في نيويورك.. البرلمان الجزائري يدعو العالم إلى نصرة الشعب الصحراوي وزارة العدل تفتح باب التوظيف بتكليف من قوجيل.. الجزائر تستضيف ندوة حول قضية الصحراء الغربية بسبب خسارة مالية كبيرة.. "بوينغ" تُخطط لتسريح 17 ألف موظف شبيهة بالبشر وتحتفل مع الضيوف.. تسلا تكشف عن روبوتات “أوبتيموس” هذا برنامج سير رحلات القطار على خط الجزائر – زرالدة هل تنضم دول أخرى إلى المقاطعة؟.. نيكاراغوا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل”