تواصل الجزائر جهودها من أجل إيجاد توافقات عربية لإعادة سوريا إلى مكانتها على الصعيدين العربي والدولي، ووضع إطار يسمح بتمكين سوريا من العودة إلى مقعدها في الجامعة العربية، أو مشاركة محتملة لها في القمة المقبلة التي تحتضنها المملكة العربية السعودية، شهر ماي المقبل، ولعب دورها ضمن منظومة العمل العربي المشترك.
وتسعى الجزائر إلى تمكين سوريا من العودة إلى حضنها العربي، ووقف تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية منذ أن تمّ تجميدها منتصف نوفمبر 2011، على خلفية الأزمة الأمنية والسياسية التي دخلت فيها البلاد، ودعوة الرئيس بشار الأسد إلى القمة التي احتضنتها مطلع شهر نوفمبر الماضي، لكن مساعي الجزائر اصطدمت بمواقف عربية رافضة لعودة سوريا دون شروط وتفاهمات مسبقة لحل الأزمة.
وأثار عدم توجيه السعودية التي تقود جهوداً عربية جديدة، دعوة إلى الجزائر بصفتها الرئيس الحالي للقمة العربية، لحضور “اجتماع جدة” حول سوريا، جدلاً لافتاً وتساؤلات حول ما إذا كانت الرياض تسعى إلى تحقيق اختراق في الملف وتحاول القفز عن المسعى الجزائري، لتأكيد مركزية الموقف السعودي في القرار العربي المشترك، أم أن الأمر تم بتفاهم من الجزائر لمنح السعودية فرصة التركيز على إقناع الدول التي ما زالت مواقفها من دمشق ثابتة بسبب مماطلة النظام السوري في حلّ سياسي للأزمة.
وكان وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد قد حلّ مطلع هذا الأسبوع، بالجزائر بصفته مبعوثا خاصا للرئيس السوري، بشار الأسد، لإبلاغ رسالة إلى أخيه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، وعبّر الدبلوماسي السوري بأن “الجزائر بصفتها رئيسة القمة العربية، تحمّلت مسؤوليات كبيرة ودافعت عن حقوق هذا الشعب العربي في كل مكان، ووقفت قيادة وشعبا إلى جانب سوريا في كل التحديات التي مررنا بها خلال الفترة الماضية، وكانت تريد دائما أن تكون الجمهورية العربية السورية في قلب الحدث العربي، من أجل تحقيق إنجازات على صعيد الواقع العربي”.
إشادة بموقف الجزائر الثابت إزاء الأزمة السورية
أشاد وزير الخارجية والمغتربين السوري، فيصل المقداد، “بموقف الجزائر الثابت إزاء الأزمة ببلاده منذ بدايتها وحتى الآن”، مبرزا “أهمية العمل العربي المشترك باعتباره السبيل الوحيد الذي يصون كرامة وحقوق الأمة العربية ويمكنها من مواجهة التحديات المشتركة، مجدّدا تقدير بلاده للجهد الذي قامت به الجزائر فيما يتعلّق بوضع سوريا في القمة التي انعقدت بالجزائر والجهود المخلصة التي بذلتها في هذا المجال”.
إصلاح العلاقات الثنائية قبل العودة إلى الجامعة العربية
وعن حالة الانفراج التي تشهدها علاقات بلاده مع العديد من الدول العربية، عبّر المقداد في لقاء خاص مع قناة “الجزائر الدولية” قائلا “نحن في الدول العربية همنا الأساسي أن تكون علاقاتنا طبيعية وأن تكون على الأقل واضحة، تقوم على عمل مشترك من أجل مواجهة تحديات مشتركة”، موضحا أن “الزيارات التي قام بها مسؤولون عرب إلى دمشق ومسؤولون سوريون إلى عدد من الدول العربية كانت لذات الهدف وذات العنوان، وهو إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين الدول العربية”.
سوريا لا تفرض شروطاً على أشقائها العرب
وفي هذا الصدد، أكد المقداد أن “سوريا لا تفرض شروطاً على أشقائها العرب وأن كل الدول العربية تعرف أن ما تعرضت إليه بلاده يمكن أن يتعرض له أي بلد عربي”، وأكد قائلا إن “مصالحنا المشتركة والاعتداءات التي تقع على شعبنا الفلسطيني وعلى عاتق دولنا العربية والتحديات والإملاءات المفروضة من بعض الدول الخارجية والخطوط الحمراء التي تضعها على علاقاتنا العربية-العربية، يجب ألا تكون موجودة وذلك في إطار احترامنا لسيادتنا ولحريتنا في اختيار الطريق التنموي الذي يجب أن نسير عليه جميعا”.
وأشار وزير الخارجية السوري إلى أن “بلاده آمنت بالبعد العربي لكل القضايا التي تطالب بتوحيد الدول العربية ومواقفها”، مضيفا “إننا لا يمكن أن نقبل بأن نكون بلدا مسؤولا على التفرقة بين البلدان العربية، وإذا كانت مسألة عدم وجود سوريا في الجامعة العربية، تريح بعض العرب فلا مانع من أن نضحي بسوريا لوقت قصير من أجل لم الشمل العربي”.
الجزائر تدعم عودة سوريا وترفض المزاعم التي أدّت إلى إبعادها
يعتقد الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور رابح زاوي أن “الجزائر قد لعبت دورا كبيرا في دعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حيث برز ذلك من خلال جملة الزيارات التي قام بها وزير الخارجية السابق رمضان لعمامرة إلى مختلف الدول العربية من أجل إقناعها بإعادة سوريا إلى الجسم العربي، ونفى كلّ المزاعم التي أدّت إلى إبعادها خلال الفترة الماضية”.
وعبّر الدكتور رابح زاوي في تصريح لـ “الأيام نيوز” بأن “الموقف الجزائري هو موقف تاريخي يحسب لها باعتبارها أنها من أهم الدول التي دعمت عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إلى جانب الدول العربية الأخرى التي أيّدت هذا المسعى الذي يشكل المطلب الحقيقي والمشروع للشعب والنظام السوري”.
عودة سوريا بداية لحلحلة أزمات أخرى
ويرى الدكتور رابح زاوي بأن “سوريا لم تعد سوريا التي كانت خلال السنوات الماضية، بالنظر إلى عودة الأمن والاستقرار بعد بسط النظام السوري سيطرته على مناطق واسعة جدا، وأن الدوافع التي أدّت إلى إبعاد سوريا عن محيط الدول العربية قد زالت، وبالتالي هناك ضرورة ملحة لعودتها إلى جامعة الدول العربية، كما أن هذه العودة سوف تشكل بداية لحلحلة أزمات أخرى في المستقبل القريب على غرار الأزمتين الليبية واليمنية”.
التحركات الدبلوماسية الجزائرية تزعج العديد من الأطراف
وبخصوص غياب الرئيس تبون عن قمة الرياض، أشار الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلى أن ذلك “قد يُفهم في سياق موقف المعاملة بالمثل، ردا على غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن القمة العربية الأخيرة، التي عقدت في الجزائر مطلع شهر نوفمبر، حيث برّر القصر الملكي غيابه بأسباب صحية لم تقنع الجانب الجزائري”، وحسبه “فغياب الجزائر عن اجتماع جدة محاولة بائسة لإبعادها عن هذا اللقاء التشاوري الذي من المفترض أنه يبحث العودة السورية من عدمها وليس دعم مقاطعة عودة سوريا إلى الجامعة العربية”.
وأفاد زاوي بأن “التحركات الدبلوماسية الجزائرية الأخيرة قد أصبحت تزعج العديد من الأطراف التي ما تزال تحاول فرض منطقها على الجامعة العربية، والأكيد أنها لم تهضم أيضا نجاح القمة العربية الأخيرة في الجزائر وهي القمة التي نجحت في ظروف استثنائية في لم الشمل العربي حول عديد القضايا التي تضمنها البيان الختامي للقمة”.
موقف الجزائر ينطلق من أسس دبلوماسية وقانونية وأخلاقية أصيلة
ويعتقد الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، البروفيسور عكنوش نور الصباح، أن “موقف الجزائر إزاء سوريا ينطلق من أسس دبلوماسية وقانونية وأخلاقية أصيلة في مواد القانون الدولي وفي واقع العلاقات الدولية المعاصرة”، وحسبه فإن “عقيدة السياسة الخارجية الجزائرية واضحة مع الدول والمؤسسات الشرعية حيث تلتزم بالعمل في ضوئه”.
وأوضح البروفيسور عكنوش نور الصباح في تصريح لـ”الأيام نيوز” أن “المبادرة الجزائرية تجاه الدولة السورية الشقيقة تأتي في منظور استراتيجي للحفاظ على وحدة وديمومة دولة شقيقة عضو في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، فما اشتغلت عليه بشجاعة كبيرة ومسؤولية سياسية قوية الدبلوماسية الجزائرية، فتح الباب أمام باقي العرب دون تردّد لفتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات، وحولت الشقيقة سوريا من شخص غير مرغوب فيه إلى شخص مرحب به في المرحلة القادمة”.
التوافق العربي لمواجهة انعكاسات تحولات النظام الدولي
وأبرز الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية أنّ “حرص الجزائر على وجود دمشق ضمن هذا التوجّه القومي الإيجابي وهي قلب العروبة النابض أمام أجندات غرف التفكير الغربية والصهيونية الهدّامة وعودتها للصفّ العربي مكسب في ظل الاكراهات والسيناريوهات الراهنة”، مشيرا إلى أن “تصرف الجزائر موضوعي وهو ما لم تفهمه بعض الأطراف لعوامل شخصية ومصلحية ضيقة لا تخدم منظومة العلاقات العربية-العربية في ظل تحولات النظام الدولي الذي تسعى الجزائر كونها على رأس المنتظم العربي أن تضمن حدّاً أدنى من التوافق العربي لمواجهة تحدياته وانعكاساته على الأمة بصفة عامة”.
وأوضح المتحدث بأن “ما يحدث اليوم من اجتماعات ولقاءات بين دمشق وعواصم عربية أخرى يؤكد سلامة المنهج الذي تبنّته الجزائر وما زيارة وزير الخارجية السوري إلى الجزائر إلا رسالة مضمونها ألا شيء في الموضوع السوري تم وسيتم دون الجزائر كلاعب أساسي في عودة سوريا إلى العرب وعودة العرب إلى سوريا”.