يذهب نظام المخزن إلى حد “اعتبار المنطقة المغاربية مجال نفوذ حيوي له”، حيث يسعى النظام المغربي إلى فرض نفسه كقوة إقليمية، مستفيدًا من دعم أصدقائه الأمريكيين و”الإسرائيليين” الجدد. ومن الواضح أن المغرب غيّر لهجته السياسية بشكل جذري منذ أن دخل الكيان الصهيوني إلى المنطقة.
ويرى المراقبون أن التغيير في الخطاب الرسمي لنظام المخزن ملفت للنظر، حيث انتقلت الرباط من الدعوة إلى الحوار إلى تبنّي سياسة عدائية. وهذا ما يؤكده الدكتور الطيب بروال، الخبير الجيوستراتيجي بجامعة باتنة، موضحًا أن “الجزائر، مثل أي دولة ذات سيادة، تنتهج سياسة خارجية واقعية، وهو ما دفعها إلى تعليق العلاقات مع النظام المغربي”.
ويوضح الباحث أنه من الضروري فهم أن كل فعل في العلاقات الدولية يقابله دائمًا رد فعل، ولهذا فإن “قرار الجزائر السيادي بتجميد علاقاتها مع المغرب جاء نتيجة لتراكمات عديدة على مرّ السنين”.
ويؤكد الباحث أن “نظام الرباط يعمل باستمرار على عرقلة إقامة علاقات شفافة مع الجزائر”، مضيفًا أن “سياسة المخزن تضع مصالحه الضيقة فوق كل اعتبار، على حساب مبادئ حسن الجوار، والتنسيق المغاربي، والتكامل الإقليمي، في إطار اتحاد المغرب العربي الذي أضعفته السياسة الخارجية الفاشلة للنظام المغربي”.
تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تحملت لسنوات طويلة عناد نظام المخزن، الذي يستخدم، وفق تحليل الباحث، “جماعات الضغط، والدبلوماسية العدوانية، فضلًا عن تطبيعه الشرس مع الكيان الصهيوني”. ويضيف الباحث أن “النظام المغربي فتح الباب على مصراعيه أمام “إسرائيل”، التي تسعى إلى ترسيخ وجودها في المنطقة كجزء من استراتيجيتها التوسعية”.
ويؤكد، في هذا السياق، أن الخطاب الذي يروّج له نظام الرباط لا يتحدث عن “التطبيع”، بل يقدّمه على أنه “تجديد وتوطيد للعلاقات بين البلدين”. وهذا، كما يشير، يعكس “تواطؤًا طويل الأمد بين نظام المخزن و”إسرائيل”، امتدّ لعقود”.
ويرى الباحث أن هذا التواطؤ يمكن أن يكون مثالًا واقعيًا على الدور المشبوه الذي تلعبه “إسرائيل” في زعزعة استقرار المنطقة، من خلال استخدام أدواتها الأمنية والاستخباراتية لتنفيذ أجندات تخدم مصالحها على حساب الدول المغاربية”.
ويضيف الأكاديمي أن “نظام المخزن يرفض الاعتراف بحقيقة أن الجزائر، بفضل عودتها القوية إلى الساحة الدولية، لم تعد بحاجة إلى أي تواطؤ مكشوف أو ارتهان لقوى خارجية من أجل تحقيق شرعية سياسية، كما يحاول المغرب أن يفعل”. فطبيعة الاجتماعات والزيارات التي أجراها مسؤولون رفيعو المستوى من عدة دول قوية خلال الأشهر الأخيرة تؤكد، وفقه، أن “الجزائر تحظى بمكانة استراتيجية متزايدة دون الحاجة إلى دعم أي طرف مشبوه”.
ويصرح الدكتور بروال قائلًا: “يجب على الجزائر أن تعتمد نهجًا دبلوماسيًا ذكيًا في التعامل مع هذا الجار المندفع، الذي يسعى، بتوجيه من عواصم أجنبية، إلى احتضان “إسرائيل” وإدخال المنطقة في دوامة صراعات لا نهاية لها”.
وفي تساؤله عن المستفيد الحقيقي من هذا التصعيد، يجيب الباحث قائلًا: “بالتأكيد ليس شعوب المنطقة”.
في تحليل الباحث، تشبه أدوات السياسة الخارجية لنظام المخزن “ممارسات دولة مارقة أكثر منها ممارسات دولة ديمقراطية”. الفساد، والإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحريك الشبكات العميلة، وممارسة الضغوط، والتجسس على المسؤولين والناشطين باستخدام برنامج “بيغاسوس”، هي من بين “الآليات الدبلوماسية” التي تحشدها الرباط لكسب الشرعية بين “شركائها الأوروبيين”.
تكشف العديد من التسريبات الإعلامية عن الاستراتيجية الخبيثة التي ينتهجها نظام الرباط. أولًا، “التأثير والتدخل” من خلال الأجهزة المغربية، التي لطالما “تصرفت بشكل سيئ” في بلدان أخرى، وخاصة في فرنسا. ويذكّرنا هذا، كما يقول الباحث، بقضية المهدي بن بركة، زعيم المعارضة المغربية في عهد الملك الحسن الثاني، الذي اختفى في وسط باريس عام 1965.
“الأجهزة المغربية لا تخجل حتى عندما يتم ضبطها متلبسة”، وهذا يثير، يضيف الدكتور بروال، “الكثير من التساؤلات حول صمت الدول الأوروبية المتضررة من ممارسات الرباط”.
بالإضافة إلى ذلك، تبقى قضية الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع ويقطنها حوالي 600 ألف نسمة، “حجر الزاوية في الدبلوماسية المغربية، وأساس كل محاولاتها للتدخل، إن لم يكن الهيمنة”. وتزعم المملكة السيادة على الأراضي الصحراوية الغنية بالفوسفات، وعلى الشريط الساحلي الغني بالثروة السمكية.
ويذكّر الباحث بأن هذه القضية قد حُسمت قانونيًا منذ عام 1975، عندما قضت محكمة العدل الدولية لصالح حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
ويعود الباحث للتأكيد على أن المغرب غيّر لهجته الدبلوماسية إلى استفزازات أكبر منذ دخول “إسرائيل” إلى المنطقة، من خلال تشجيع افتتاح مقرات دبلوماسية وممثليات رسمية في مدينة العيون المحتلة.
وبحسب المراقبين، فإن التغيير في الخطاب الرسمي لنظام المخزن لافت للنظر، إذ انتقلت الرباط من الدعوة للحوار إلى تبنّي سياسة عدوانية، تقوم على الاحتلال العسكري، وانتهاك حقوق الإنسان في المدن المحتلة، وفرض العقوبات الجماعية على السكان الصحراويين، في حين تواصل جبهة البوليساريو التذكير بضرورة التوصل إلى حل سياسي يستند إلى تنظيم “الاستفتاء كحل وسط”.
ولا ينبغي، كما يرى الدكتور بروال، “أن نغفل أن بعض الدول العربية مهدت الطريق أمام نظام الرباط للانضمام إلى موجة التطبيع، على أمل الترويج لوهم الرخاء الاقتصادي في الصحراء الغربية”.
وبعبارة أخرى، فإن هذا التطبيع ليس سوى وسيلة لنظام يعاني من الفراغ السياسي والأزمة الاقتصادية، في محاولة منه لـ «شراء” السلام في قضية الصحراء عبر فرض الأمر الواقع.
كما ينبغي التذكير بأن إصدار مجلس الدولة الفرنسي قرارًا يُلزم جميع المنتجات القادمة من الصحراء الغربية بحمل وسم خاص يُحدد بلد المنشأ، يُعد انتصارًا جديدًا للقضية الصحراوية.
هذا القرار يُلزم فرنسا باحترام وتطبيق الحكم التاريخي لمحكمة العدل الأوروبية الصادر في 4 أكتوبر 2024، والذي أكد أن الصحراء الغربية ليست جزءًا من المملكة المغربية، وأوضح الوضعية القانونية للإقليم.
كما أن هذا القرار يُعد تأكيدًا على إلزامية تطبيق الدول الأوروبية لهذا الحكم، مما يعزز حماية الثروات الطبيعية للشعب الصحراوي من الاستغلال الممنهج من قبل دولة الاحتلال المغربي.