الجزائر تُحرك المياه الراكدة في مجلس الأمن .. متى يتصدى العالم لمخططات الاحتلال ضد “الأونروا”؟

في مشهد يعكس تصاعد العدوان على الحقوق الفلسطينية والانتهاك الصارخ للمواثيق الدولية، بات دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” مهددًا كما لم يحدث من قبل، حيث أصبحت الوكالة في مرمى استهداف الاحتلال الصهيوني. وفي هذا السياق، تسعى الجزائر، خلال توليها رئاسة مجلس الأمن الدولي، إلى تسليط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها الوكالة الأممية، في وقت تعيش فيه غزة أوضاعًا إنسانية كارثية، وسط مخاوف متزايدة من مخططات تهجير قسري تطال سكانها العائدين على الأقدام إلى بيوتهم.

بدعوة من الجزائر، عقد مجلس الأمن الدولي، أمس الثلاثاء، جلسة إحاطة حول التحديات التي تواجهها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، في ظل وقف نشاطها في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، في إطار حرب متعددة الأشكال والأساليب تستهدف الشعب الفلسطيني.

وخلال هذا الاجتماع – وهو الثاني من نوعه الذي دعت إليه الجزائر بشأن “الأونروا” خلال شهر يناير الجاري – حذرت الجزائر على لسان ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع ، من أنّ وقف عمليات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” يعد بمثابة حكم بالإعدام على الفلسطينيين وخاصة اللاجئين منهم، داعية إلى تحقيق “مستقل ومعمق” في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة الأممية.

وأكد السفير بن جامع، على الدور “الحيوي” الذي تلعبه الوكالة بالنسبة للفلسطينيين، مؤكدا أنه “لا يكمن استبدال الأونروا أو الاستغناء عنها”.

وفي هذا السياق، تساءل بن جامع قائلا : “من دون الأونروا، من بشأنه تقديم 9500 مشورة وزيارة صحية توفرها الوكالة ومن سيوفر لمليون شخص الرعاية النفسية والغذاء لـ388 ألف أسرة تعتمد في وجودها وبقاءها على الوكالة ومن بشأنه أن يضمن عودة 660 ألف طفل فلسطيني إلى التعليم في مدارس “الأونروا” وهي فرصتهم الوحيدة للحصول على التعليم” .

وشدد ممثل الجزائر لدى الأمم المتحدة على الدور الحيوي “للأونروا” التي وصف عمالها بـ”الأبطال الذين يغامرون ويخاطرون بحياتهم يوميا في غزة التي أصبحت جراء العدوان الأكثر فتكا بالعاملين في المجال الإنساني”، مضيفا : “واجبنا كمجتمع دولي أن نوفر الحماية لهم وأن نوجد بيئة تسمح لهم بمواصلة عملهم المنقذة للحياة بطريقة آمنة وسلامة”.

فعلى مدى أكثر من 75 عاما، كما ذكر الدبلوماسي الجزائري، شكلت “الأونروا” شريان حياة للشعب الفلسطيني في مجال التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية ولا طالما كانت جزء لا يتجزأ من حياة هؤلاء الفلسطينيين لأجيال، موضحا أن هذا الدور تجلى بأهمية خاصة خلال الأشهر الـ 15 للعدوان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

وأضاف بن جامع أن الوكالة الأممية تعد العمود الفقري للاستجابة الإنسانية ودورها يظل أساسيا حتى في وقت وقف إطلاق النار، حيث تستمر الجهود للتعامل مع الاحتياجات الأولى للشعب الفلسطيني، محذرا من أن وقف عمليات “الأونروا” هو بمثابة “حكم بالإعدام بالنسبة للفلسطينيين خاصة الأكثر ضعفا وهشاشة بينهم من اللاجئين” .

وقال المتحدث إن الهجمات على “الأونروا” وحملات التضليل المغرضة ضدها ليست بجديدة، حيث ومنذ إنشائها تعرضت لـ “هجوم مدمِّر لا لأمر سوى أنها ترمز للاجئين الفلسطينيين ولحقهم في العودة، هذا الحق الذي لا يمكن لأحد أن ينكره”.

وبالمناسبة، أكد بن جامع على أن قضية حيادية الوكالة تمت إثارتها مرارا وتكرارا، مستدلا بتقرير “كولونا” الذي أفضي إلى أن “الأونروا” تمتلك “مقاربة أكثر تطورا فيما يتعلق بالحيادية مقارنة بكيانات أممية أخرى أو منظمات غير حكومية”، مضيفا أنه وبالرغم من هذه الحقائق تواصل الوكالة مواجهة هجمات ومزاعم خطيرة.

وفي هذا السياق، أكد الدبلوماسي على “إيمان الجزائر بأن أي من هذه المزاعم لابد من التحقيق فيها بشكل مستقل ومعمق. فلا يجب السماح لادعاءات كاذبة أن تقوض الدور الحيوي الذي تلعبه الأونروا في حياة ملايين الفلسطينيين”.

وهنا، أكد بن جامع بأن القانون الدولي واضح بهذا الصدد فالكيان الصهيوني، القوة القائمة بالاحتلال، لابد أن تضمن المعاملة الإنسانية للشعب الفلسطيني وتلبي كل احتياجاته. كما أنه ليس لهذه القوة حقوق سيادية على الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية وهو المبدأ الذي أكدت عليه المادة الـ47  من اتفاقية جنيف الرابعة”.

ووصف القوانين التي اعتمدها مؤخرا ما يسمى ببرلمان الكيان الصهيوني والتي تهدد الوجود الفعلي للوكالة، بأنها “انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي”، مشددا على ضرورة الوقوف “موحدين في معارضتنا لهذه القوانين مع الدعوة إلى التراجع عنها حيث أنها تهدد ليس فقط حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ولكن أيضا نسيج النظام الدولي بحد ذاته”.

وكانت الجزائر، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي خلال شهر يناير الجاري، قد دعت بصفتها الوطنية إلى مشاورات مغلقة للمجلس في 17 من الشهر نفسه حول وضع “الأونروا”.

وقدّم المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة، فيليب لازاريني، إحاطة أكد خلالها أن “تطبيق قرار الاحتلال الصهيوني بإنهاء عمل الوكالة في قطاع غزة سيُضعف بشكل كبير الاستجابة الإنسانية الدولية، مما سيؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية الكارثية بالفعل، خاصة في قطاع غزة”.

لازاريني، أكد أن الحظر الصهيوني لأنشطة الوكالة سيجعل مصير ملايين الفلسطينيين في خطر، مشدداً على أن مهاجمة الوكالة ستلحق ضرراً بالغاً بحياة ومستقبل الفلسطينيين. وأضاف في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، أن الهجوم المستمر على “الأونروا” يضر بثقة الفلسطينيين في المجتمع الدولي ويقوض أي احتمالات لتحقيق السلام والأمن.

من جانبه، أعلن سفير سلطة الاحتلال الصهيوني لدى الأمم المتحدة أن سلطات الاحتلال ستقطع جميع الاتصالات مع وكالة “الأونروا” وأي هيئة تمثلها. وجاءت هذه التصريحات قبل اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن قانون أقره الكيان لإنهاء الوجود القانوني لـ “الأونروا” في الأراضي المحتلة خلال 48 ساعة.

تلعب فروع “الأونروا” في فلسطين دوراً حيوياً في تقديم الرعاية الصحية والتعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك، ترفض سلطات الاحتلال الصهيوني باستمرار أنشطة الوكالة، لأنها تسعى إلى مساعدة ضحايا العدوان والحصار في غزة على التمسك بأبسط مقومات الحياة. ورد المفوض العام لـ”الأونروا”، فيليب لازاريني، على تصريحات السفير الصهيوني، مؤكداً أن الوكالة تقدم أكثر من نصف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، داحضاً الادعاءات الصهيونية التي تزعم عدم كفاية دعمها.

وأوضح لازاريني أن “الأونروا” تقدم أكثر من 17 ألف استشارة طبية يومياً في الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن وجود الوكالة يمثل ضماناً للاستقرار في المنطقة. وأكد أن فرض الحظر الصهيوني على الوكالة سيؤدي إلى تدهور قدرة الأمم المتحدة على تقديم المساعدات الإنسانية، في وقت تحتاج فيه هذه المساعدات إلى زيادة كبيرة.

انتقد المفوض العام لـ”الأونروا”، اتهام سلطة الكيان للوكالة بالإرهاب، معتبراً ذلك سابقة خطيرة في تعامل مؤسسات الأمم المتحدة. وأوضح أن حق الفلسطينيين في الحماية والمساعدة لا يعتمد فقط على ولاية “الأونروا”، بل هو حق مستقل ومكفول دولياً. وحذر من أن وقف عمليات الوكالة سيعرض حقوق اللاجئين الفلسطينيين للخطر، مشدداً على ضرورة ضمان حق العودة لهم.

وطالب لازاريني بتدخل حاسم لدعم السلم والاستقرار في الأراضي الفلسطينية، ومواجهة تشريعات الكنيست الصهيوني التي تستهدف عمل الوكالة، مع التأكيد على أهمية وضع مسار سياسي واضح يحدد دور “الأونروا” في تقديم خدماتها.

تأسست “الأونروا” عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقديم الدعم الإغاثي، والتعليم، والرعاية الصحية للاجئين الفلسطينيين في خمس مناطق: الأردن، لبنان، سوريا، الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة. وقدمت الوكالة منذ إنشائها خدمات حيوية لنحو 5.7 ملايين لاجئ فلسطيني.

وبعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال، تواجه غزة وضعاً إنسانياً وصحياً كارثياً، وسط مخاوف متزايدة من خطط أميركية لتهجير سكان القطاع إلى دول مجاورة. وعانى النازحون الفلسطينيون العائدون إلى منازلهم في غزة من رؤية مدينتهم مدمرة بعد حرب استمرت 15 شهراً. عاد كثير منهم للبحث عن مأوى بين الأنقاض أو عن أقاربهم الذين تفرقوا خلال رحلة العودة التي اتسمت بالفوضى.

لجان إفشاء السلام

من جهة أخرى، أعلنت الشرطة الصهيونية وجهاز الأمن العام “الشاباك”، أمس الثلاثاء، حظر نشاط لجان إفشاء السلام وإخراجها عن القانون بمصادقة وزير الدفاع الصهيوني يسرائيل كاتس. وقامت نحو 1500 عنصر من الشرطة الصهيونية، بينهم قوات خاصة و”حرس الحدود”، في وقت مبكر من صباح أمس، بمداهمة مئات الأهداف في أم الفحم. ووصفوا هذه العملية بأنها “غير مسبوقة” وتهدف إلى “استعادة السيادة” في البلدات العربية، وفقاً لزعم الشرطة.

أفاد شهود عيان بأن قوات المخابرات والشرطة الصهيونية اقتحمت منزل الشيخ رائد صلاح واعتقلته، قبل أن تطلق سراحه لاحقاً بعد انتهاء التحقيق معه. كما ذكرت مصادر محلية أن الشرطة الصهيونية اعتقلت سكرتير لجنة إفشاء السلام القطرية، توفيق محمد جبارين، والناشط معن إغبارية من مدينة أم الفحم، إضافة إلى القيادي في لجان إفشاء السلام الشيخ خيري إسكندر من منزله في باقة الغربية، واستدعت عدداً آخر من النشطاء للتحقيق.

وقامت القوات الصهيونية بتفتيش مكتب لجان إفشاء السلام في أم الفحم، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، والتي يرأسها الشيخ رائد صلاح. كما حظرت السلطات أنشطة لجان إفشاء السلام القطرية وجمعية “مؤسسة السلم الاجتماعي للإصلاح والتحكيم”، واحتجزت ممتلكاتها وجمّدت حساباتها البنكية، بزعم ارتباطها بالحركة الإسلامية (الشمالية) التي كان يقودها الشيخ رائد صلاح، والتي سبق حظرها من قبل سلطات الاحتلال في 17 نوفمبر 2015.

انتهاك الأقصى

وفي سياق آخر من العدوان والاستفزاز المتواصل، اقتحم عشرات المستوطنين الصهاينة، أمس الثلاثاء، المسجد الأقصى، وسط حماية مشددة من قوات الاحتلال. وأوضحت محافظة القدس في بيان لها أن 273 مستوطناً اقتحموا المسجد الأقصى على فترتين، صباحية ومسائية.

عادةً ما يدخل المستوطنون المسجد الأقصى من باب المغاربة، ويسلكون مساراً يمر قرب الجامع القبلي والمنطقة الشرقية، ثم يتجهون شمالاً وصولاً إلى باب السلسلة للخروج. ووفقاً لشهود عيان تحدثوا لوسائل إعلام، فقد أدى المستوطنون طقوساً تلمودية وصلوات داخل المنطقة الشرقية، دون تدخل من شرطة الاحتلال لمنعهم.

في الوقت ذاته، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين شمال القدس، حيث داهمت منزل الشهيد خالد حمد واعتقلت ثلاثة شبان. وذكرت محافظة القدس أن الاحتلال اعتقل نجلي الشهيد حمد وفرض عليهما شرطاً تعجيزياً للإفراج عنهما، تمثل في تسليم شقيقهما الثالث، علي خالد حمد، نفسه لقوات الاحتلال، ما دفعه إلى الامتثال للطلب وتسليم نفسه.

وفي بلدتي بدّو وبيت دقو شمال غرب القدس، داهمت قوات الاحتلال منازل المواطنين واحتجزت عدداً من الشبان واعتدت عليهم. كما أفادت محافظة القدس بإصابة عدد من الفلسطينيين بحالات اختناق جراء إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع خلال اقتحامها مخيم شعفاط شمال شرق القدس. وفي بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، اقتحمت قوات الاحتلال حي العباسية، فيما فرضت طواقم بلدية الاحتلال غرامات مالية على المركبات في شارعي صلاح الدين والزهراء.

ومنذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023، كثفت سلطات الاحتلال إجراءاتها القمعية في القدس، حيث استشهد 82 فلسطينياً بالمدينة واعتقل نحو 2100 آخرين. وفي الوقت ذاته، شارك أكثر من 73 ألف مستوطن في اقتحام المسجد الأقصى، وفق معطيات صادرة عن محافظة القدس.

موسى بن عبد الله

موسى بن عبد الله

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
جامعة الدول العربية: تجويع الفلسطينيين جريمة حرب وإبادة جماعية وثائق سرية تفضح تورط جنرالات فرنسا في تعذيب الجزائريين خلال الثورة التحريرية مشروع استراتيجي لتعزيز تصدير الكهرباء الجزائرية نحو تونس وليبيا عرقاب في بشار لإطلاق مشاريع طاقوية استراتيجية هيئة اللجان الأولمبية الإفريقية تُكرّم الرئيس تبون بالوسام الذهبي استحداث "بكالوريا مهنية" لتعزيز التكوين المتخصص وتلبية احتياجات سوق العمل الجزائر تُطلق أوّل مصحف رقمي موجّه للمكفوفين احتكار الذكاء الاصطناعي.. كيف تعيد القوى الكبرى رسم خرائط السيطرة؟ وكالة الأنباء الجزائرية: "كفى نفاقًا.. فرنسا هي المستفيد الأكبر من علاقاتها مع الجزائر" إنجاز مركز بيانات مرفق بمركز حوسبة للذكاء الاصطناعي بوهران "برج إيفل" يرتدي الحجاب.. ما القصة؟ في سابقة وطنية.. "صيدال" توفر أقلام أنسولين جزائرية للسوق المحلي التحويلات المالية بين الأفراد عبر الهاتف النقال ترتفع بأكثر من الضعف في 2024 الشيخ موسى عزوني يكسر الصمت: "هذا ما قصدته بحديثي عن السكن والزواج" بلعريبي يأمر بتسريع إنجاز مستشفى 500 سرير بتيزي وزو بلاغ هام لفائدة الحجاج قيود صهيونية جديدة على نشاط منظمات الإغاثة.. الاحتلال يقطع شريان الحياة الأخير عن غزّة حجز 34 حاوية من مادة الموز بميناء عنابة باحثتان جزائريتان تقودان ثورة علمية في مجالي الطب والبيئة.. ما القصة؟ وزارة الصحة تشدد على ضرورة إجراء التحاليل الطبية قبل الختان