أمر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، خلال ترأسه لمجلس الوزراء، الأحد الماضي، بالعاصمة الجزائر، حكومة بلاده بالشروع في مراجعة منحة البطالة ومستحقيها، كما شملت أوامره أجور العمال ومنح المتقاعدين، وذلك بما يتناسب مع التوازنات المالية والمداخيل الإضافية التي حققتها البلاد، وإدراجها في قانون المالية لسنة 2023.
واستحدثت الحكومة الجزائرية هذه المنحة، لصالح الشباب الجزائري، العاطلين عن العمل والمقيمين داخل البلاد، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و40 سنة، والمسجلين لدى الوكالة الحكومية للتشغيل كطالبي عمل، وينتهي صرفها بمجرد عثور المستفيد على وظيفة.
ومع نهاية شهر آذار/مارس 2022، شرعت السلطات الجزائرية في صرف هذه المنحة للعاطلين عن العمل لأول مرة في تاريخ البلاد، بمقدار 13 ألف دينار جزائري (حوالي 100 دولار).
الوضعية المالية للجزائر تسمح برفع قيمة المنحة..
وكان الرئيس تبون، قد أكّد خلال لقائه الدوري مع الصحافة، أواخر يوليو/جويلية الماضي، التزامه برفع أجور العمال ومنحة البطالة على ضوء التحسّن المسجل في المداخيل المالية للدولة.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير المالي الجزائري، نبيل جمعة، أن الوضعية المالية الحالية للجزائر تسمح بمراجعة هذه المنحة المستحدثة، مع مراعاة ميزانية الدولة لنهاية السنة الجارية 2022، وكذا التوازنات الكبرى للاقتصاد الجزائري.
وبهذا الخصوص، أكد جمعة، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن كل المؤشرات الاقتصادية والمالية للدولة الجزائرية في “اللون الأخضر”، سواء بالنسبة للميزان التجاري أو ميزانية المدفوعات، وهو ما يسمح لها بتغطية كل احتياجاتها الاجتماعية والاقتصادية.
وأوضح الخبير ذاته، أن “الاقتصاد الكلي في الجزائر متوازن كون أسعار البترول ارتفعت مؤخرا بنسبة 100 بالمائة، وبعد أن بلغت مداخيل الجزائر من المحروقات نهاية سنة 2021، حوالي 35 مليار دولار، يتوقع أن تكون المداخيل البترولية نهاية هذه السنة الحالية 2022، حولي الـ 55 مليار دولار، ناهيك عن ارتفاع أسعار الغاز بست إلى سبع مرات عما كانت عليه في السابق، إلى جانب سعي الحكومة الجزائرية إلى رفع صادراتها إلى 7 مليار دولار خارج قطاع المحروقات خلال هذه السنة، بالإضافة إلى اعتمادها على نظام ترشيد النفقات، كل هذه البرامج والسياسات التي اعتمدتها الحكومة الجزائرية أثّرت إيجابا على الاقتصاد الجزائري.”
وبالمقابل، قال جمعة، إن قيمة هذه المنحة، ستعرف ارتفاعا نسبيا حسب ميزانية وارادات الدولة الجزائرية، مؤكدا أن الاقتصاد الجزائري في أريحية، لكن يجب تفادي اختلالات الاقتصاد النقدي التي كانت في الثلاثين سنة الماضية.
وفي سياق ذي صلة، لفت الخبير جمعة، إلى أن الجزائر تخصّص دعما اجتماعيا يقدر بـ 17 مليار دولار، كما أن المواد الغذائية الأساسية الواسعة الاستهلاك مدعّمة من طرف الدولة الجزائرية، وبهذا استطاعت الحكومة ضمان الأمن الغذائي لمواطنيها، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي العالمي، حيث تشهد العديد من الدول تضخما وارتفاعا في الأسعار، وعليه ارتأت الدولة الجزائرية – حسبه – مراجعة منحة البطالة والمتقاعدين ورواتب العمال للتصدّي للركود والأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم.
محاربة التحايل للحصول على المنحة..
وعلى صعيد آخر، قال جمعة، إنه بعد المراجعة الجديدة المنتظرة، يجب أيضا إعادة النظر في الفئات المستفيدة من هذه المنحة، كون أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يستفيدون منها حاليا، ليسوا بعاطلين عن العمل ويعملون في القطاع الموازي، وهذا يؤثر على ميزانية الدولة وعلى الاقتصاد بصفة عامة.
وأردف يقول “وعليه يجب استحداث مصلحة على مستوى البلديات بالتعاون مع الوكالة الجزائرية للتشغيل، وصندوق الضمان الاجتماعي، لمتابعة هؤلاء الأشخاص، كل ثلاثة أشهر، سواء عن طريق التأمين، أو عن طريق أجهزة الأمن، حيث تكلّف لجنة أمنية بمراقبة هؤلاء المستفيدين، والتحقّق ما إن كانوا يمارسون عملا في القطاع الموازي، وإذا جرى التأكّد أن المستفيد من المنحة يعمل في القطاع الخاص، يتم إعداد تقرير، وإيقاف منحه إياها، حتى لا تذهب أموال الدولة لغير مستحقيها.
وفي السياق، أشار ذات المتحدث إلى توجّه الحكومة إلى رقمنة كل القطاعات، وإنشاء قاعدة بيانات بين وزارة الداخلية الجزائرية، وصندوق الضمان الاجتماعي، وكل محافظات البلاد، حيث تسمح قاعدة البيانات هذه بعمليات الفرز لتحديد الأشخاص الذين يستحقون هذه المنحة.
تحديد الفئة المستفيدة منها!
في حين، يرى الباحث الجزائري في علم الاجتماع السياسي، نورالدين بكيس، أنه من الصعب جدا تحديد الفئة المستفيدة من منحة البطالة بشكل دقيق حاليا، على أساس أن الجزائر كبلد لا زال يفتقد لإحصائيات حقيقية مضبوطة، ومازال بحاجة إلى رقمنة فعلية لجميع القطاعات.
وأردف بكيس، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، يقول ” المجتمع الجزائري عموما هو مجتمع غير مقروء، لا نعرف عدد الأغنياء فيه وعدد الفقراء حقيقة وعدد من يعملون وعدد من لا يعملون، بما أن القطاع الاقتصادي الموازي لا ينضبط في كثير من الأحيان بالمنظومة القانونية، وبالتالي يبقى دائما المجتمع مجهولا بالنسبة للسلطات الجزائرية وكذلك بالنسبة للباحثين”.
وأوضح الباحث بكيس، “إنه من غير المستبعد أن يكون أحد المواطنين يشتغل في السوق الموازية ويدرّ الملايين، لكنه غير مصرّح به وغير مؤمّن اجتماعيا ويعمل بطريقة غير قانونية، ويسجّل في خانة البطّالين، مضيفا أنها وقائع لا يمكن التأكد منها لطالما المجتمع ليست فيه احصائيات دقيقة ما عدا احصائيات الوفيات والولادات”، على حد قوله.
في انتظار تفعيل الاقتصاد التنموي
وفي سياق ذي صلة، قال بكيس إن منحة البطالة التي استحدثتها الدولة الجزائرية للمواطنين بدون عمل، تبقى حلا مؤقتا لسد بعض الحاجيات الأساسية للشباب الجزائري، خاصة وأن الجزائر مجتمع شبابي بامتياز، فهناك أزيد من 22 مليون جزائري أقل من 30 سنة، يقابلها ضعف وهشاشة اقتصادية لا تسمح بتوفير مناصب عمل وتوفير أجور محترمة تسمح بحياة كريمة، وبالتالي من حيث المبدأ المنحة في حد ذاتها هي قرار محمود، لكن لا يمكن لهذه المنحة أن تكون حلا بل هي مجرد مسكِّن في انتظار تفعيل اقتصاد تنموي يسمح بخلق ثروة تتيح إيجاد حلول لكل الجزائريين حسب الجهد الذي يقدمونه.
أما عن توسيع دائرة المستفيد من هذه المنحة، يرى الباحث بكيس، أن ذلك مرتبط بالدرجة الأولى بالظروف المالية للدولة الجزائرية وامكانياتها الاقتصادية، موضحا أنه حتى وإن كانت هذه الأخيرة تسمح بذلك، إلاّ أن المنحة ستصبح مكلّفة عندما يتجاوز عدد المكفولين بهذه الطريقة عدد المليونين شخصا وهو رقم مفتوح على الزيادة بشكل كبير جدا في ظل انتشار البطالة.
وأردف يقول “بالتالي فنحن نعيش تناقضين، من جهة هي مطلوبة وضروري توسيعها لكل الفئات الشبابية التي تعاني من البطالة، لكن في الجهة المقابلة يجب اعتماد حلول على المدى المتوسط والبعيد تعمل على خلق ديناميكية اقتصادية حقيقية، تغني الشباب على المطالبة بهذه المنح البسيطة”.
ما هي نسبة الزيادة المرتقبة؟
أما عن نسبة الزيادة المرتقبة في منحة البطالة والأجور، قال الخبير الاقتصادي الجزائري، إسحاق خرشي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، إن مقدار الزيادة في الأجور من الناحية الاقتصادية، يجب أن يتناسب ويتماشى مع معدل التضخم، بمعنى إذا كان معدل التضخم 5 بالمائة، الزيادة في الأجور يجب أن تكون 5 في المائة حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن.
وأوضح خرشي، أن قانون المالية لسنة 2023 هو الذي سيحدّد معدل التضخم، وإذا وضع القانون معدل التضخم المتوقع بقيمة 4.9 بالمائة مثلا، اقتصاديا يجب أن تكون الزيادة بـ 4.9 بالمائة في الأجور، مبرزا أن هذه الزيادات لن تكون دفعة واحدة ولن ترتفع الأجور بنفس القيمة التي ارتفعت بها الأسعار، خاصة وأن الرئيس تبون في آخر لقاء له مع وسائل الاعلام قال إن الزيادات ستكون على دفعات من أجل الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى.
التضخم العالمي يفرض رفع منحة البطالة والأجور
أما عن السبب الذي دفع الحكومة الجزائرية إلى التوجه نحو زيادة الأجور، قال الخبير خرشي، إن هناك تضخما عالميا والجزائر ليست بمنأى عما يحدث في العالم، مؤكدا أن الجزائر تتبع استراتيجية رشيدة للتصدي لذلك، تكمن في رفع الأجور حتى يزيد الطلب على المنتجات، لأنه عندما تكون الأجور منخفضة والأسعار مرتفعة تصبح القدرة الشرائية للمواطن ضعيفة، وبالتالي رفع الأجور يشجّع على الاستهلاك، خاصة وأن الجزائر تتبع خفض الواردات، قدر الإمكان، لتشجيع استهلاك المنتجات المحلية.
وبهذا الخصوص، أكد خرشي، أن واردات الجزائر، تم خفضها من 64 مليار دولار إلى 30 مليار دولار في سنتين، حيث قامت الحكومة الجزائرية بتخفيض حجم وارداتها خاصة في القطاعات التي تمتلك قاعدة إنتاج محلي، ورفعت في القدرة الشرائية ومازالت تعمل على رفعها من خلال زيادة الأجور لكي تشجّع الطلب على الإنتاج المحلي، مضيفا في السياق نفسه أن “كل هذه السياسات تعتمدها الجزائر لخدمة اقتصادها الوطني”.