من المتوقع أن تبرز الجزائر -التي تتمتّع بمناظر طبيعية خلابة وتراث ثقافي غني- بصفتها وجهة سياحية جذابة على المستوى الدولي، خاصة بالنسبة إلى أولئك الباحثين عن بديل جديد أقل ازدحامًا من الوجهات السياحية التقليدية مثل إسبانيا.
يشهد قطاع السياحة في أوروبا، وخاصة في إسبانيا، توترًا متزايدًا بين السكان المحليين والسياح، إذ أصبحت السياحة الجماعية مشكلة تؤثر سلبًا على حياة السكان الأصليين، ففي مدينة برشلونة، على سبيل المثال، لم يعد السكان يتحملون التدفق الكبير للسياح، وهو ما دفعهم إلى التعبير عن استيائهم بطرق ملفتة مثل رشّ السياح بالماء في شارع الرامبلا الشهير. وهو الشارع الذي يعتبر رمزًا ثقافيًا وسياحيًا، لكنه أصبح الآن نقطة اشتعال للتوترات بين السكان والزوار.
ولم تقتصر الاحتجاجات على برشلونة فقط، فقد امتدت إلى وجهات أخرى شهيرة مثل لانزاروت وتينيريفي في جزر الكناري. فهناك، نظم السكان المحليون وجماعات بيئية احتجاجات تاريخية ضد الآثار السلبية للسياحة الجماعية، محذرين من التأثير البيئي والاجتماعي الذي يهدد التوازن الطبيعي والاجتماعي لهذه المناطق. ويشعر هؤلاء السكان بأن التدفق الكبير للسياح لا يؤثر فقط على جودة حياتهم، بل أيضًا على البيئة والمجتمعات المحلية التي تجد صعوبة في التكيف مع هذا العدد الكبير من الزوار.
في ظل هذا الوضع المتأزم في إسبانيا، بدأت بعض الوسائل الإعلامية البريطانية في تسليط الضوء على الجزائر كبديل محتمل وجذاب. ذلك أن الجزائر، بفضل مناظرها الطبيعية المتنوعة التي تشمل الصحراء الكبرى، الجبال الخضراء، والسواحل المتوسطية الطويلة، بالإضافة إلى تاريخها العريق وتراثها الثقافي الغني، تقدم تجربة سياحية فريدة من نوعها، كما تزخر الجزائر بالمدن التاريخية والمواقع الأثرية التي تعود إلى العصور الفينيقية والرومانية، مثل مدينة تيمقاد الرومانية، وقصبة الجزائر العاصمة التي تعتبر من مواقع التراث العالمي لليونسكو.
ويضم الجزائر -أكبر بلد بإفريقيا- مواقع إسلامية ورومانية وشواطئ وجبالا على بعد ساعة واحدة فقط بالطائرة من أوروبا، ومناظر طبيعية صحراوية ساحرة حيث يمكن للزوار افتراش الكثبان الرملية والالتحاف بسماء تتلألأ فيها النجوم وامتطاء النياق وعام 2023.
وإضافة إلى ذلك، تُعتبر الجزائر وجهة مثالية لمن يبحثون عن الهدوء والاسترخاء بعيدًا عن الازدحام، فالسياحة في الجزائر لا تزال في مراحلها الأولى من التطور، ما يعني أن الزوار يمكنهم الاستمتاع بتجربة أصيلة ومميزة دون أن يواجهوا حشودًا كبيرة من السياح. وهذا الوضع يتيح للزائرين فرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة الخلابة والتفاعل مع الثقافة المحلية في جو من الاسترخاء والسكينة.
كما أن الجزائر توفر إمكانات كبيرة لاستقبال السياح، مع بنية تحتية جيدة تشمل الفنادق الفاخرة، والمنتجعات السياحية، والمرافق الترفيهية المتنوعة. كما أن الحكومة الجزائرية باتت تولي اهتمامًا متزايدًا بتطوير قطاع السياحة، إذ تعمل على تحسين الخدمات السياحية وتعزيز الترويج الدولي لجذب المزيد من الزوار.
تسعى الحكومة الجزائرية إلى زيادة عدد الزوار القادمين إلى البلاد سنويًا بمقدار خمسة أضعاف بحلول عام 2030. كما تشهد الجزائر حاليا أعظم ازدهار لها في قطاع السياحة منذ العشرين عامًا الماضية، مع زيارة أكثر من 2.5 مليون شخص لها في عام 2023. غير أن الحكومة ترغب في استقبال عدد أكبر من الزوار، حيث تهدف إلى زيادة عدد السياح السنويين بمقدار خمسة أضعاف بحلول عام 2030.
وقبل أيام قليلة أعلن وزير السياحة والصناعة التقليدية مختار ديدوش بمستغانم أنه تم الانطلاق في إنجاز 800 مشروع استثماري جديد في المجال السياحي على المستوى الوطني. وقال ديدوش في كلمة له إن “الحظيرة الفندقية الوطنية وصلت إلى حوالي 1.650 مؤسسة فندقية توفر مجموع 152.000 سرير تتطلب التعزيز والتنويع لتبلغ في آفاق 2030 طاقة استيعاب تقارب 300 ألف سرير”.
وفي هذا الصدد أشار الوزير إلى أنه تم اعتماد أزيد من 2.200 استثمار سياحي منها 800 مشروع يمكنها توفير 90 ألف سرير واستحداث 45.000 منصب شغل انطلقت أشغال إنجازها فعليا.
وبعد أن أوضح أن القطاع يحوز على حافظة عقارية مشكلة من 249 منطقة توسع سياحي مصنفة, أشار ديدوش إلى المصادقة إلى يومنا هذا على 74 مخطط للتهيئة السياحية، تسمح بتوفير حوالي 1.400 وعاء عقاري. ويسعى القطاع حاليا لوضع هذه الأوعية العقارية تحت تصرف المستثمرين عن طريق المنصة الرقمية التابعة للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار, يضيف ديدوش.
وفي ماي الماضي، أكد وزير السياحة والصناعة التقليدية, مختار ديدوش على ضرورة تعزيز الاستثمار في قطاع السياحة في ظل المزايا والفرص التي يوفرها قانون الاستثمار، موضّحا لدى نزوله ضيفا على منتدى يومية “المجاهد” أنه من الضروري “تعزيز الاستثمار السياحي من أجل رفع طاقة الإيواء”, مشيرا إلى أنه “تم إلى حد الساعة اعتماد أزيد من 2200 مشروع سياحي مع وجود أزيد من 800 مشروع طور الانجاز”.
وبهذا الخصوص أبرز ديدوش أهمية قانون الاستثمار الذي “يمنح المستثمرين في مجال السياحة تسهيلات لإنجاز مشاريعهم”إلى جانب الدور المنوط بـ”الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار والوكالة السياحية الخاصة بتسيير العقار”، وفي هذا الشأن أشار الوزير إلى “توفر 249 موقع للتوسع السياحي, تم من بينه تهيئة نحو 70 موقعا وبرمجة 50 موقعا بغية تهيئته مستقبلا, من أجل وضعه في متناول المستثمرين لإنجاز مشاريعهم في مختلف مناطق الوطن”.
كما شدد الوزير في ذات السياق على ضرورة “تنويع المسارات السياحية ودعم الاستثمار لتوفير مرافق الإيواء وفق المعايير المعمول بها دوليا إلى جانب تحسين الخدمات السياحية بترقية وتحيين التكوين وفق طلبات الزبائن وبناء وجهة سياحية بامتياز”. وفي ذات السياق ذكر بـ”الارتفاع المسجل في عدد السياح الأجانب الذين زاروا الجزائر, لاسيما بمناطق الجنوب” مرجعا ذلك إلى “التسهيلات المتعلقة بالحصول على تأشيرة الدخول مباشرة بعد نزولهم إلى المطار”.
ولفت في هذا الشأن إلى دور “المخطط المدير للتهيئة السياحية لآفاق 2030, الذي انبثقت عنه الاستراتيجية الوطنية للتهيئة السياحية التي ترتكز على 5 ديناميكيات لتطوير السياحة, ترمي أساسا إلى الاستثمار وتحسين الخدمات وترقية الترويج وتطوير وسائل الاتصال ووضع ترسانة قانونية للتسيير الجيد للقطاع”.
وفي سياق متصل كشف الوزير أن التوقعات تشير إلى أن الجزائر “ستستقبل أزيد من 12 مليون سائح أجنبي في آفاق 2030”, مشددا على أهمية تجسيد ذلك من خلال انجاز الهياكل اللازمة ورفع طاقة الإيواء وتحسين الخدمات. ولدى تطرقه إلى موسم الاصطياف المقبل أوضح الوزير أنه “ثمة جهود تبذل حاليا في إطار لجنة وطنية تترأسها وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية بمشاركة مختلف القطاعات المعنية من بينها وزارة السياحة للتحضير الجيد لهذا الموسم”.
