بعد المكسب اللافت الذي حقّقته القضية الفلسطينية – على يد الدبلوماسية الجزائرية – في مجلس الأمن الذي تبنى للمرة الأولى قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد مرور أكثر من 5 أشهر على الحرب الصهيونية، تتجه الجزائر – الواقفة وراء القضية الأم – إلى تركيز جهودها المقبلة بمجلس الأمن على متابعة دقيقة لمدى تنفيذ القرار مع ضرورة تأمين المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني.
“أنا وراك دائما”: إنها العبارة التي قالها مندوب الجزائر في مجلس الأمن الدولي عمار بن جامع، وتعود قصتها إلى ما بعد انتهاء جلسة مجلس الأمن، إذ توجّه مندوب فلسطين رياض منصور لعقد مؤتمر صحفي مشترك مع بقية مندوبي المجموعة العربية ومن بينهم مندوب الجزائر عمار بن جامع، الذي طلب منه منصور الوقوف إلى جانبه في المقدمة، فرد عليه بن جامع “أنا وراك دائما”.
والتقطت الكاميرات الحوار الذي دار بين مندوبي الجزائر وفلسطين، وبدأ ناشطون بتداوله على نطاق واسع في العالم العربي، مشيدين ببديهة بن جامع وبالروح التي سادت خلال المؤتمر الصحفي.
ووصف بعض المدونين، الموقف الذي حدث بين عمار بن جامع ورياض منصور، بالموقف المشرّف الذي يؤكّد على دعم العرب المطلق للقضية الفلسطينية، والوقوف الدائم وراء أصحاب الحق في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم.
وقال مغردون إنّ كلمات مندوب فلسطين وهو يبحث عن زميله الجزائري كانت مؤثرة، وإنّ ردّ بن جامع كان بليغا وعميقا حين قال: “أنا وراك وفي ظهرك”، بما يعنيه من وجود صديق حقيقي يحمي ظهرك عند الشدائد. ورحب ناشطون في العالم العربي بما قامت به الجزائر في مجلس الأمن، وصولا إلى اعتماد القرار 2728.
مكسب لافت
وبشأن كل المحاور المتعلقة بقرار وقف إطلاق النار في غزة الصادر عن مجلس الأمن الأممي، يوم الاثنين، تحدّث وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، أمس الثلاثاء، معتبرا القرار بمثابة مكسب لافت للقضية الفلسطينية.
ففي ندوة صحفية عقدها بمقر وزارة الخارجية، شدّد عطاف على أنّ “اعتماد مجلس الأمن الأممي للقرار مكسب لافت للقضية الفلسطينية من ناحية المضمون والمحتوى والناحية الإجرائية”.
ولفت الوزير إلى أنّ القرار هو الأول من نوعه، يصدر عن مجلس الأمن بمضمون واضح وهادف وصريح، مضيفاً: “الوفد الجزائري بنيويورك قام بمبادرة مشتركة مع الأعضاء المنتخبين بمجلس الأمن الذين طرحوا مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي تم اعتماده بنجاح”.
وركّز عطاف: “رافعنا ولا زلنا نرافع للعمل على تفعيل وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة وتوفير الحماية القانونية للشعب الفلسطيني وفقا لما تنص عليه المواثيق الدولية”، مشدّداً: “لا بدّ من التصدي لمشاريع وحملات تهجير خارج قطاع غزة، ولابد من تشجيع التوجه نحو محاكمة الاحتلال الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية.
وأكد الوزير أنّ الجزائر ستركز في جهودها المقبلة بمجلس الأمن على متابعة دقيقة لمدى تنفيذ قرار الوقف الفوري لإطلاق النار على قطاع غزة مع ضرورة تأمين المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني.
الجزائر تريد تفعيل التدابير التحفظية لمحكمة العدل الدولية
وفي الندوة الصحفية وصف عطاف القرار بـ”الموضوعي”، يمثل في خطوة مفصلية شهدها تاريخ الأمم المتحدة، مسجّلاً أنّ: “الجزائر تقدمت بمشروع قرار لتفعيل التدابير التحفظية التي أقرتها محكمة العدل الدولية”.
وأفاد الوزير بأن مشروع القرار “حاز على 13 صوتاً مع امتناع دولة واحدة دائمة العضوية ودولة أخرى استخدمت حق الفيتو لإبطاله”، مشيراً إلى أنّ: “هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا التزام الدول الأعضاء على رأسها الموزمبيق منسّق المجموعة وسائر الدول” .
وأبرز عطاف: “عملنا على حشد الدعم للقضية الفلسطينية على مستوى مختلف المنظمات بما فيها جامعة الدولة العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وصولاً إلى حركة عدم الانحياز”.
وكشف عن لقاءات تشاورية عُقدت بمبادرة من الجزائر بين أعضاء من مجلس الأمن وأسر الضحايا الفلسطينيين، مستطرداً: “منذ انضمامنا إلى مجلس الأمن ركّزت دبلوماسيتنا على تكثيف المداولات وتعزيز الزخم الدبلوماسي لفائدة القضية الفلسطينية خارج مجلس الأمن والمبادرة بطرح مشاريع قرارات عدّة.
بعث الحل السياسي بعد تعطيله لأكثر من ربع قرن
أبرز عطاف: أن “الجزائر أكدت وتؤكد دائماً أنّ القضية الفلسطينية هي أولوية الأولويات، ورئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون يُشدّد دائما على تركيز الجهود الدبلوماسية والحث على بعث الحل السياسي بعد تعطيله وتغييبه لأكثر من 25 سنة”.
ونادى قائد الدبلوماسية الجزائرية بـ”ضرورة إعلاء الشرعية الدولية نصاً وروحاً لإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط والتوصل لحل دائم ونهائي”، وأوعز: “نركّز دائماً على حيثية قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وناضلنا من أجل تجريد المحتل من حصانة اللامحاسبة وتقييده بالشرعية الدولية.
وألّح عطاف على حتمية “عدم القبول بتجزئة العدوان الصهيوني واحترام الإرادة الفلسطينية في تحديد مستقبل القضية”، مضيفاً: “مشروع الحوكمة الانتقالية لم يُكتب له النجاح دون إدراجه في إطار إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”.
الجزائر ستظلّ وفية لعقيدتها الدبلوماسية
أشار عطاف إلى أنّ تحرك الجزائر تمّ في إطار مجموعة من التعليمات والضوابط والتوجيهات التي وضعها رئيس الجمهورية بصرامة شديدة وبصيغة واضحة وبثبات”. وذكر الوزير أنّ التركيز يقوم على حتمية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس مع العمل على اكتساب عضوية دائمة لفلسطين بالأمم المتحدة، ناهيك عن الدفع بمشروع المصالحة الفلسطينية الوطنية.
وأوضح عطاف بأنه “جرى تكثيف المداولات حول القضية الفلسطينية داخل مجلس الأمن انطلاقاً من عقد عدّة اجتماعات حول غزة منها سبعة اجتماعات بطلب من الجزائر لوحدها قصد مناقشة تطورات العدوان وتداعياته”.
واسترسل الوزير: “تمّ تعزيز الزخم الدبلوماسي الجزائري للقضية خارج مجلس الأمن خاصة بالمنظمات الدولية والإقليمية التي تنتمي إليها الجزائر على غرار جامعة الدول العربية والإتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وتعزيز المواقف المشتركة بينها، فضلا عن وضع صيغ مبتكرة على شكل لقاءات تشاورية بين الجزائر وأعضاء مجلس الأمن”.
وخلص عطاف إلى أنّ “الجزائر ستظلّ وفية لعقيدتها الدبلوماسية التي تتخذ من نصرة القضايا العادلة ركيزة أساسية لها، كما تسعى لأن تكون قوة اقتراح وقوة مبادرة في مجلس الأمن خاصة أن سياسة عدم الانحياز تجعلها همزة وصل بين الفاعلين الدوليين.
عطاف: “موضوع المغرب انتهى.. وسيادة الجزائر بين أيادٍ آمنة”
وأكد الوزير عطاف، بخصوص قضية مصادرة ممتلكات سفارة الجزائر في المغرب بأنّ هذا الأمر “انتهى”، وذلك عقب ردّ الجزائر في هذا الشأن.
وقال عطاف إنّ “سيادة الجزائر بين أيادٍ آمنة”، لافتا إلى أنّ “الموضوع أثير من قبل المغربيين، ونحن قمنا بالرد عليه، الأمر الذي دفع المغرب إلى اتخاذ قرار نعتبره لائقا، وانتهى الأمر عند هذا”.
يُشار إلى أنّ الجزائر كانت أدانت مؤخراً “بأشد العبارات” مشروع مصادرة ممتلكات سفارة الدولة الجزائرية في المغرب، مؤكدة أن الحكومة الجزائرية “سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة”.