يرى الخبير الاقتصادي والبرلماني عضو لجنة المالية والميزانية، عبد القادر بريش، أن الوضعية المالية للبلاد اليوم تتميّز بأريحية ملحوظة، وذلك بفضل عدة عوامل اقتصادية وطنية ودولية، ساهمت في تحقيق نوع من الصلابة المالية، وربط الخبير انتعاش الدينار الجزائري باستمرار وتيرة النشاط الاقتصادي المُسجّل منذ نهاية 2022، مؤكدا في حوار مع «الأيام نيوز»، أن الحكومة تعمل على هذا المسعى من خلال تفعيل قانون الاستثمار واعتماد مشاريع جديدة وطنية وأجنبية، قصد تعزيز دور ومكانة الجزائر على خارطة الاستثمارات الدولية في مجالات هامة منها الصناعة، المناجم، الفلاحة، والطاقات المتجدّدة، وهو ما يُؤهّلها ـ حسب تحليله ـ إلى بلوغ المكانة الاقتصادية والسياسية التي تتيح لها فعالية أكثر ضمن محيطها الجيوسياسي، إلى جانب قدرتها على اقتحام المزيد من دوائر المجموعات الاقتصادية على غرار مجموعة «بريكس».
الأيام نيوز: كيف تُقيّم الوضعية المالية للجزائر اليوم؟
عبد القادر بريش: وفقا للأرقام التي أعلن عنها بنك الجزائر والتي تخُصّ السداسي الثاني لسنة 2022، نستطيع القول إن الوضعية المالية تتميز بأريحية، إن لم نقل تتميز بـ”الصلابة”، باعتبار أن كل المؤشرات الاقتصادية الكلية إيجابية، وخاصة التّوازن الخارجي، اذ تم تسجيل فائض في ميزان المدفوعات بـ11 مليار دولار، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى احتياطي الصرف إلى 52 مليار دولار، دون احتساب رصيد احتياطي الذهب، كما أن مستوى السيولة البنكية شهد ارتفاعا ملحوظا وصل إلى 1809.1 مليار دينار، إضافة إلى تسجيل فائض في الميزان التجاري بـ18 مليار دولار، ووصلت الصادرات خارج المحروقات إلى 7 مليار دولار مع نهاية 2022.
الأيام نيوز: ماذا تقول في انتعاش قيمة الدينار مؤخرا؟
عبد القادر بريش: في البداية أوضح أن انتعاش قيمة الدينار يعود إلى زيادة الصادرات بشكل عام وخاصة صادرات المحروقات، نتيجة ارتفاع اسعار البترول في الأسواق الدولية، بفعل التّحولات الجيوسياسية التي شهدتها الساحة الدولية.
كل هذه العوامل ساهمت في الارتفاع المُسجل لقيمة الدينار وكذلك نتيجة للسياسة النّقدية الحذرة التي انتهجها بنك الجزائر للتحقيق استقرار قيمة الدينار وكبح التضخم والإبقاء عليه في مستوى مُتحكم فيه.
الأيام نيوز: بحسب المؤشرات الموجودة، هل سيستمر ارتفاع قيمة الدينار؟
عبد القادر بريش: بالنسبة لارتفاع قيمة الدينار مستقبلا هذا يعود إلى تطور ونمو الاقتصاد من خلال تحقيق معدل نمو على الأقل 3.7 بالمائة كما هو مُخطط له، بالإضافة إلى تسريع وتيرة النشاط الاقتصادي والمحافظة على التوازنات الاقتصادية الكلية، لأن ارتفاع قيمة الدينار مرتبط بالصحة والصلابة المالية، وخاصة استقرار مؤشرات التوازن الخارجي، وهذا كله لا يتحقق إلا باستمرار وتيرة النشاط الاقتصادي المسجل في نهاية 2022 وبداية 2023.
الأيام نيوز: باعتبارك مُشرّعا، كيف تقرأ الإصلاحات في المنظومة المالية وفتح مشروع قانون القرض والسند؟
عبد القادر بريش: إن من بين أهم القوانين المطروحة حاليا للدراسة والنقاش أمام البرلمان ـ وتحديدا بالغرفة السفلى للمجلس الشعبي الوطني ـ مشروع القانون النقدي والمصرفي، والذي جاء ليعدل قانون النقد والقرض.
ويأتي هذا القانون لتحقيق الإصلاحات المالية والمصرفية وحوكمة المنظومة المصرفية وتحديثها وعصرنتها، مع إدخال التكنولوجيا المالية في البنوك الجزائرية، بالإضافة إلى توسيع الصيرفة الإسلامية وتعزيز الشمول المالي، علاوة على إعطاء دور للبنوك من أجل المساهمة الفعالة في تمويل الاستثمارات، كما يأتي هذا النص لتحقيق المرونة والانسجام بينه وبين ما جاء به قانون الاستثمار، وجعل بيئة الاستثمار في الجزائر أكثر شفافية وجاذبية.
الأيام نيوز: بتوجه الحكومة إلى بعث استثمارات قطاعية، هل نستطيع الجزم بان الاقلاع الاقتصادي سيتحقق فعلا وفق ما سُطّر له؟
عبد القادر بريش: بالحديث عن رفع وتيرة الرفع من الاستثمار، فإن الحكومة تعمل على هذا المسعى من خلال تفعيل تطبيق قانون الاستثمار واعتماد مشاريع استثمارية جديدة وطنية وأجنبية، قصد تعزيز دور ومكانة الجزائر على خارطة الاستثمارات الدولية سواء في مجال الطاقة، الصناعة، المناجم، الفلاحة، والطاقات المتجددة.
ونستطيع القول إن سنة 2023 ستكون سنة الاقلاع الاقتصادي من خلال الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تمت مُباشرتها، سواء على الصعيد التشريعي من خلال إعادة تحيين وتحديث القوانين أو من خلال الإجراءات المتخذة في مجال إعادة تنظيم الاقتصاد وإعادة بعث القطاع الإنتاجي الوطني.
الأيام نيوز: فيما يخص فتح ورشات التعاون الثنائي مع مختلف الشركاء الدوليين، ما رأيك في هذا التوجه؟
عبد القادر بريش: كما هو ملاحظ فإن الجزائر أصبحت محل اهتمام العديد من الشركاء الدوليين، فهي تنتهج سياسة تنويع الشركاء على قاعدة رابح –رابح، وتُنوّع من مجالات الشراكة والتعاون الاقتصادي في شتى المجالات وهذا ما سينعكس ايجابيا على إطلاق دينامية اقتصادية.
بالنسبة إلى الجزائر فإن هذا يؤهلها للوصول إلى المكانة الاقتصادية والسياسية وتصبح فعالة في محيطها الإقليمي والدولي، كما يؤهلها لاقتحام دوائر جيوسياسية بكل فعالية، خاصة فيما يتعلق باقتراب انضمامها إلى مجموعة «بريكس» وعودة الجزائر إلى مواقع التأثير والفعالية الدبلوماسية عربيا وإفريقيا مع الشركاء الأوروبيين والقوى الفاعلة على المستوى الدولي.