أبرز الخبير الاقتصادي الدولي، البروفيسور فارس هباش، أنّ أثار العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزّة لِما يزيدُ عن ستة أشهر على التوالي، ألقى بظلاله وبشكلٍ لافت على اقتصاد “إسرائيل”، وعلى مختلف الأصعدة والمجالات، بالرغم من محاولات حكومة نتنياهو التكتم والتستر عن هذه الإخفاقات والهزات التي تعصف بالاقتصاد الإسرائيلي والتي تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية على غرار قطاع الصناعة، الفلاحة، السياحة، المؤسسات الناشئة، الصغيرة والمتوسطة، قطاع المال والأعمال وكذا قطاع الإعمار والبناء، إضافةً إلى قطاع التجارة سواء البينية الداخلية أو التجارة الخارجية.
وفي هذا الصدد، أوضح البروفيسور هباش في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ كل الأرقام تُشير إلى أنّ اقتصاد الكيان الصهيوني أمام مفترق طرق وهو على عتبة الإفلاس، فلولا المساعدات التي يتلقاها بطرق مباشرة وغير مباشرة من الدول الداعمة له لكان قد انهار تماماً وقُضي أمره، حيث أنّ الخسائر التي تحملها الاقتصاد الصهيوني بسبب تداعيات العدوان على قطاع غزّة بعد ستة أشهر من هذا العدوان الغاشم وصلت إلى حدود 73 مليار دولار وهي ميزانية كبيرة وضخمة جدّا خاصة في ظل الأزمة العالمية التي يعرفها الاقتصاد العالمي ككل.
في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّه ومن خلال تمحيص الأرقام والإحصائيات المُتاحة، نجد أنّ اقتصاد الكيان الصهيوني سيسجل عجزا في الموازنة العامة بنسبة 8.6 بالمائة خلال السنة المقبلة أي ما يعادل ما قيمته 33 مليار دولار، في حين تشير التوقعات إلى أن العجز في الموازنة سيستمر لسنوات قادمة ومن المرجح أن يصل إلى ما نسبته 3.9 بالمائة خلال سنة 2025، ومن المرجح كذلك أن يصل إلى مستويات أكبر خلال باقي السنوات القادمة نتيجة عدم قدرته على التعافي من هذه المخلفات الكبيرة، كما أن الإنفاق بالنسبة إلى اقتصاد الكيان الصهيوني في السنة المنقضية ارتفع إلى حدود 12.5 بالمائة وبالتالي فمن المتوقع أن يتم تسجيل عجز في الموازنة مقارنةً بالناتج الإجمالي المحلي بما نسبته 65.7 بالمائة، كذلك تشير التقديرات إلى أنّ الكيان الصهيوني سيتحمّل أعباءً إضافية وخسائر تصل قيمتها إلى حدود 69.7 مليار دولار خلال الفترة الممتدة ما بين سنتي 2023 و2025.
في سياق ذي صلة، يرى الخبير في الاقتصاد أنّ هذه الإحصائيات هي نتاج للتقلبات والهزات الكبيرة جدّا التي يشهدها اقتصاد الكيان الصهيوني والذي يقترب من شلل شبه تام على مستوى العديد من القطاعات والمجالات، فمثلا لو نلقي نظرة على قطاع السياحة الذي كان يعتبرُ أحد أهم روافد الدخل الوطني بالنسبة لاقتصاد الكيان، نجد أن عدد الرحلات خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى 2024 قد تراجع مقارنةً بسنة 2022 إلى 2023 من 70 ألف رحلة سنويا إلى 38 ألف رحلة، وهذا فقط عبر مطار بن غوريون، وهذا مؤشر قوي جدا على أن البيئة هناك أصبحت بيئة غير مستقرة تتسم بحالة من عدم الاستقرار، كما أنها تحولت إلى بيئة غير جذابة سواء بالنسبة للسياحة أو بالنسبة حتى لمناخ الاستثمار ومناخ المال والأعمال وما إلى ذلك.
إلى جانب ذلك، أفاد البروفيسور هباش، أنّ اقتصاد الكيان الصهيوني في الوقت الراهن يتحمل كذلك تبعات كبيرة جدّا على المستوى الداخلي، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تم نزوح أكثر من 240 ألف صهيوني من الجنوب إلى الشمال، الأمر الذي استدعى تأجير نحو 438 فندقا ومركز إجلاء بتكلفة وصلت إلى حدود 6.8 مليار دولار، إلى جانب ذلك تشير التقديرات الأولية إلى أنّ شركات التأمين تلتزم بتقديم التعويضات لما يزيد عن 64 ألف مصاب، تصل قيمتها إلى حدود 6.2 مليار دولار، هذا ما شكّل عبئا آخر على اقتصاد الكيان الصهيوني.
إضافةً إلى حالة الركود التي يعرفها القطاع الصناعي بالنسبة إلى معظم المؤسسات الصناعية الاقتصادية الإسرائيلية على مختلف مستوياتها، وذلك بسبب حالات تغيب العمال الكبيرة، لعدة أسباب أبرزها الهجرة الكبيرة جدا التي عرفها هؤلاء المرتزقة نحو بلدانهم الأصلية بسبب طول أمد الحرب الشعواء التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي السافر ضد الآمنين في بيوتهم في قطاع غزّة.
هذا، وأشار المتحدث إلى أنّ اقتصاد الكيان الصهيوني أصبح يعرف خناقا كبيرا جدا فيما يتعلق بالتزود بالمواد الأولية والمواد النصف مصنعه على اعتبار أنّ معظم الموانئ الإسرائيلية أصبحت تعرف شلالا تاما بسبب رفض المؤسسات الناقلة البحرية الكبرى القدوم إلى موانئ الاحتلال نتيجة الاضطرابات التي تعرفها منطقة البحر الأحمر، بسبب رد فعل الحوثيين على العدوان على قطاع غزة، إضافةً إلى الهجمات الإيرانية التي ضاعفت من حجم الضغط والتوتر الذي تعرفه المنطقة، وبالتالي أصبحت الموانئ الإسرائيلية أو الوجهة الإسرائيلية وجهةً غير مرغوب فيها لما تشكله من مخاطر عالية جدا، ومن هنا أصبحت مختلف المؤسسات التجارية تتجنب الوجهة الإسرائيلية، أما بعض السفن التي تصل إلى موانئ الاحتلال فإنها تُحمّل الكيان أعباءً كبيرة جدا نتيجة ارتفاع تكلفة النقل من جهة وارتفاع تكاليف التأمين من جهة أخرى، وهذا ما ينعكس مباشرة على ارتفاع أسعار المواد النهائية بالنسبة لاقتصاد الكيان الصهيوني ما يؤدي إلى ارتفاعات في معدل التضخم وتراجع في الطلب ومن ثم دخول الاقتصاد الإسرائيلي في حالة ركود شبه تام.
على صعيد آخر، أبرز الخبير الاقتصادي الدولي، أنّ المؤسسات المصدرة للكيان الصهيوني أصبحت لا تجد المسار آمنا لتصدير منتجاتها عبر منطقه البحر الأحمر وهي المنطقة الأقرب والأكثر نفوذا إلى الأسواق الأوروبية والأسواق الآسيوية نتيجة الاضطرابات التي سبق الإشارة اليها، وعليه فإن اقتصاد الكيان الصهيوني حاليا يعرف خناقا على المستويين الداخلي والخارجي معا، وهو في حاله تخبط كبيرة وشديدة جدا ولم يجد مخرجا من هذا المأزق الذي لم تكن سلطات الكيان الصهيوني تتصوره، ولم تحسب حساب أن تستمر هذه الحرب وهذا العدوان إلى حدود أكثر من نصف عام.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ الانعكاسات الاقتصادية أصبحت كبيرة ومباشرة وغير مباشرة على اقتصاد الكيان الصهيوني، حتى أنّ البنك المركزي الإسرائيلي قام بطرح سندات خلال شهر فيفري للاكتتاب العام بحثاً عن السيولة المالية، إلى أنّ هذه المبادرة لم تعرف ذلك الرواج والإقبال الذي ربما خططت لها الجهات النقدية الإسرائيلية لاستقطاب السيولة المالية، حيث أصبحت البيئة الاستثمارية ومناخ الأعمال بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي مناخا طاردا للاستثمار ومناخا غير جذاب وغير مستقر، وهذا ما أكدته وكالة موديز للتصنيف الائتماني، هذه الوكالة العالمية التي قامت بتخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد الإسرائيلي في شهر فيفري وهو تخفيض تاريخي لم يعرفه الاقتصاد الإسرائيلي من قبل وهذا ما يشكل الآن حسب التقرير ذاته مؤشرا قويا جدا لهروب العديد من الاستثمارات الدولية التي كانت متواجدة داخل الكيان من جهة وعدم قدرة البيئة والمناخ الاستثماري الإسرائيلي على جذب استثمارات خارجية من جهة أخرى، حيث أن الاستثمار في هذه البيئة وفي هذه الظروف يشكل مخاطرا مالية واقتصادية كبيرة جدا”.
في سياق متصل، أوضح الخبير في الاقتصاد، أنّ استمرار هذا العدوان سيكلف تكاليف حرب إضافية، حيث تشير التقديرات إلى أنه في النصف الأول من العدوان الصهيوني على القطاع، كانت التكاليف تقدر تقريبا بنحو 240 مليون دولار يوميا والآن اصبحت ابتداء من شهر جانفي في حدود 93 مليون دولار يوميا، وهذا مؤشر على تراجع القدرة المالية وتأثر الاقتصاد الإسرائيلي من الناحية المالية ومن الناحية الاقتصادية وعدم قدرته على توفير السيولة المالية اللازمة للاستمرار في هذه الحرب، حيث تشير مصادر مطلعة أن تكلفة الصواريخ التي تم استعمالها لاعتراض المسيرات والصواريخ التي تم إطلاقها مؤخرا من إيران اتجاه الأراضي المحتلة، قدرت بحوالي واحد مليار دولار، تأتي كلها كأعباء إضافية تضغط أكثر على اقتصاد الكيان الصهيوني المُنهك أساسا.
وتابع قائلا: “هناك نقطة أخرى ربما لا ينتبه إليها الكثير، وهي قضية المقاطعة، مقاطعة الشركات العالمية الكبرى التي كانت تشكل دعما للكيان الصهيوني، حيث تراجعت القدرات المالية لهذه الشركات بسبب المقاطعة، ما دفعها إلى التخفيض من مستوى وحجم وقيمة دعمها للاقتصاد الإسرائيلي وهي نقطة مهمة جدا ضاعفت من حجم الضغوط على اقتصاد الكيان الصهيوني وعلى حكومة نتنياهو”.
خِتاماً، أبرز الخبير الاقتصادي الدولي، البروفيسور فارس هباش، أنّ كل هذه المؤشرات سواء المؤشرات المالية أو الاقتصادية أو الاستثمارية المباشرة وغير المباشرة، الداخلية أو الخارجية كلها تصنف في الخانة الحمراء وكلها تدق ناقوس الخطر وتنذر بأن اقتصاد الكيان الصهيوني ومن خلال مواصلته العدوان على قطاع غزة، هو اقتصاد مقبل على الإفلاس وعلى حالة فشل وركود شبه تام، خاصةً أنّ هذه الحالة غير المستقرة وهذا العدوان أعاق التجارة الدولية للكيان الصهيوني وقلل من الثقة بينها وبين معظم الدول مما أثر سلبا على الاستثمارات الأجنبية والتعاون الاقتصادي وهذا ما انعكس على التنمية الاقتصادية المستدامة وأثر بشكلٍ لافت على قدره الكيان الصهيوني على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيه.