على خطى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قرر الرئيس التونسي قيس سعيّد عدم حضور القمة العربية الطارئة المزمع عقدها في القاهرة، مفضلًا تفويض وزير الخارجية، لتمثيل تونس في أشغال القمة، ويطرح غياب بعض القادة العرب تساؤلات حول الرسائل السياسية التي تحملها هذه القرارات ومدى تأثيرها على مخرجات القمة.
وأعلنت الجزائر وتونس عدم مشاركة رئيسيهما في القمة العربية الطارئة المقرر انعقادها في القاهرة اليوم الثلاثاء لبحث تطورات القضية الفلسطينية، حيث قرر الرئيس تبون عدم الحضور، وكلف وزير الخارجية أحمد عطاف بتمثيل الجزائر، بسبب “احتكار مجموعة محدودة من الدول العربية لإعداد مخرجات القمة دون تنسيق مع بقية الدول”.
وفي السياق ذاته، أعلنت تونس الإثنين أن وزير الخارجية محمد علي النفطي سيترأس الوفد التونسي في القمة بتكليف من الرئيس قيس سعيد، ما يؤكد غياب الأخير عن الاجتماع العربي الطارئ.
ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية التونسية، فإن الوزير النفطي سيؤكد خلال القمة على موقف تونس الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، وعلى ضرورة تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل أراضيه، وعاصمتها القدس الشريف.
إشراك دول وإقصاء أخرى
ويأتي قرار الرئيس تبون بعدم المشاركة شخصيا في أشغال القمة العربية الطارئة التي تستضيفها مصر على خلفية الاختلالات والنقائص التي شابت المسار التحضيري لهذه القمة، حيث تم احتكار هذا المسار من قبل مجموعة محدودة وضيقة من الدول العربية التي استأثرت وحدها بإعداد مخرجات القمة المرتقبة بالقاهرة دون أدنى تنسيق مع بقية الدول العربية المعنية كلها بالقضية الفلسطينية.
وفي هذا الإطار، قالت وكالة الأنباء الجزائرية، نقلا عن مصدرها، إن رئيس الجمهورية قد حزت في نفسه طريقة العمل هذه التي تقوم على إشراك دول وإقصاء أخرى، وكأن نصرة القضية الفلسطينية أصبحت اليوم حكرا على البعض دون سواهم في حين أن منطق الأمور كان ولا يزال يحتم تعزيز وحدة الصف العربي وتقوية التفاف جميع الدول العربية حول قضيتهم المركزية، القضية الفلسطينية، لاسيما وهي تواجه ما تواجهه من تحديات وجودية تستهدف ضرب المشروع الوطني الفلسطيني في الصميم، يبرز المصدر ذاته.
وأشارت وكالة الأنباء إلى أن هذه هي المقاربة التي طالما نادت الجزائر بالاحتكام إليها والاهتداء بها، وبلادنا تواصل تكريس عهدتها بمجلس الأمن للمرافعة من أجل القضية الفلسطينية، صوتا عربيا يصدح بالحق، وصوتا عربيا يدافع عن حقوق المظلومين، وصوتا عربيا لا ينتظر من أشقائه جزاء ولا شكورا، ولكن يتحسر ويتأسف على ما آلات إليه أوضاع وأحوال الأمة العربية.
وستتناول القمة آخر تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، في ظل الاعتداءات المستمرة على قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى المحاولات الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم. كما تهدف القمة إلى توحيد الموقف العربي لدعم ومساندة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل استرجاع حقوقه المشروعة.
امتعاض في القاهرة
وأكدت مصادر دبلوماسية في الجامعة العربية في القاهرة، أن “هناك امتعاضاً شديداً في القاهرة، وقلق مصري وانزعاج كبير من ذلك، وهذا واضح في الاتصالات والنقاشات التي تتم في الكواليس، لكونه جاء عشية القمة وقد يشجع عدداً من الدول العربية الأخرى على تبني نفس وجهة النظر الجزائرية”، مضيفة أن “الموقف الجزائري بشأن طبيعة المشاركة في القمة على مستوى الرئيس كانت إيجابية في البداية عند الإعلان عن الدعوة إلى القمة”.
وأشار موقع العربي الجديد إلى أن “لقاء الرياض واستبعاد الجزائر منه، ربما أثار حفيظة الجزائر ودفع إلى تغيير الموقف”، معتبرة أن “الموقف الجزائري مبرر سياسياً بالنظر إلى أهمية دولة مثل الجزائر وخاصة موقعها الحالي في مجلس الأمن، لكنه قد يقرأ في القاهرة والرياض على أنه إحراج سياسي للقمة وترتيباتها”.
وتعد هذه القمة الرابعة التي يتغيب عنها الرئيس عبد المجيد تبون، والذي لم يشارك في قمة الرياض عام 2023 وفي قمة البحرين عام 2024، كما لم يشارك في القمتين الطارئتين العربية والإسلامية اللتين عقدتا على التوالي في نوفمبر الثاني 2023 ثم نوفمبر 2024 في الرياض، لبحث تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتبرز في السياق مخاوف من إمكانية أن يثير الموقف الجزائري أزمة في العلاقات، خاصة مع القاهرة والرياض، باعتبارهما الطرفين المعنيين بشكل مباشر بالموقف الجزائري، لكن عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عبد السلام باشاغا اعتبر أن “أي رد فعل من دول عربية بعينها اتجاه الموقف الجزائري لن يكون مبرراً”. وقال “بغض النظر عما قد يترتب على هذا الموقف في العلاقات الجزائرية مع أطراف عربية يمكن أن تكون معنية ببيان وكالة الأنباء، فإن الجزائر احتراماً لثقلها وموقعها الحالي في مجلس الأمن لم يكن ممكناً أن تسمح بأن تكون عبارة عن تابع في قضية مصيرية على غرار القضية الفلسطينية التي تعتبرها مركزية وفي هذا الظرف الدقيق التي تمر به بالأساس”.
وأضاف باشاغا “العتب يقع على من استفرد بالقرار العربي وليس العكس، والطبيعي هو أن تعاد صياغة الرأي العربي، خاصة فيما تعلق بالقضية الفلسطينية من منظور جماعي ورؤية عربية واحدة متوافقة، وليس إملاءات جاهزة تعتمدها دول أعطت لنفسها الحق في الاستفراد بالقرار العربي بحكم جغرافيتها، على الرغم مما جناه ذلك على القضية الفلسطينية والمنظومة العربية عموماً”، على حد تعبيره.
وكان لافتاً أن إعلان الاستياء الجزائري الرسمي سبقته مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ونظيره السعودي فيصل بن فرحان، وهو ما يعتبره رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة محمد عمرون بأنه “قد يُفسر على أنه محاولة من الرياض تقديم توضيحات بشأن تحفظات جزائرية ربما كانت قد نقلت عبر القنوات الدبلوماسية، غير أنه يبدو أن الجزائر لم تقتنع بذلك”. وقال عمرون إن “الموقف الجزائري قد يكون استباقياً وله صلة بالمخرجات التي جرى ترتيبها في الاجتماع الذي وصف بأنه غير رسمي قبل القمة، ومثل هذا النهج رفضته الجزائر، هذه القمة عربية، والقمم لها ترتيبات محددة لمسار إعداد الوثائق والمخرجات”.
وتابع “انزعاج الجزائر له ما يبرره على المستوى التنظيمي والسياسي، فمنذ جانفي 2024 وضعت الجزائر القضية الفلسطينية كملف رئيسي في جهدها الدبلوماسي، وبالتالي كان يفترض أن تكون على صلة بما يحضر بشأن إعادة إعمار غزة، من أجل تبنيها والدفاع عنها في مجلس الأمن”.
واعتبر أن “كل ما في الأمر أن الجزائر تحدثت بصوت مرتفع وبشكل صريح مع الأشقاء العرب ضد أي إقصاء أو استفراد”. وتوقع أن يظل تأثر علاقات الجزائر مع دول عربية محددة “مرتبطاً أساساً بكيفية تلقي هذه الدول للرسالة الجزائرية، إذا جرى تلقيها من باب حرص الجزائر على وحدة الصف العربي، ولأن تكون المبادرة العربية أكثر فعالية وقابلية للتطبيق فسيكون تلقياً إيجابياً، أما إذا تلقاها أي طرف عربي بمنطق أن الجزائر تريد خلط الأوراق قبل القمة أو أن الوقت لم يكن مناسباً لذلك، فدون شك ستكون للأمر تأثيرات”.