يوصف بأنه مدني، يفتقد إلى الخبرة في مجال الحرب والأسلحة، لكنه – من جهة أخرى – محنّك، شديد الذكاء، منفتح على الابتكار والأفكار الجديدة وصاحب طروحات حداثية خلّاقة؛ إنّه أندريه بيلوسوف، الخبير الاقتصادي الذي اختاره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – في هذه المرحلة بالذات – لتولي مهمة الدفاع، خلفا لـ”سيرغي شويغو” الذي سينصّب سكرتيرا جديدا لمجلس الأمن الروسي.
وفي أول ظهور رسمي له بعد ترشيحه لتولي مهام وزارة الدفاع الروسية، وصل أندريه بيلوسوف – وكانت ترافقه رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو – إلى إحدى قاعات المجلس حيث انطلقت مشاورات حول تسميته للمنصب الجديد، وذلك بحضور أعضاء ومسؤولين من المحكمة الدستورية.
وفي 9 ماي 2022، ظهر أندريه بيلوسوف عند وصوله إلى العرض العسكري ليوم النصر في موسكو، ليتضح أنّ هذا الرجل – الذي شغل منذ 21 جانفي 2020 منصب النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، وفي الفترة من 30 أفريل إلى 19 ماي 2020، شغل منصب رئيس الحكومة بالنيابة – قد حصل على ثقة بوتين ليعطي الضوء الأخضر يوم الأحد، لتعيينه وزيرا جديدا للدفاع خلفا لـ”سيرغي شويغو”.
ويأتي ذلك في وقت كثّف الجيش الروسي من ضرباته الجوية على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا والمناطق المجاورة لها بهدف الاستيلاء على مواقع جديدة قبل وصول دفعة جديدة من الأسلحة والمساعدات المالية الغربية إلى أوكرانيا.
سابقة أولى
وهذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها مدني منصب وزير دفاع روسيا منذ سقوط نظام الاتحاد السوفياتي. أما الهدف من ذلك فهو السماح لوزارة الدفاع “بأن تكون منفتحة على التجديد والأفكار الرائدة” وفق المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف.
وعلى الرغم من عدم امتلاك أندريه بيلوسوف (65 عاما) أية خبرة في المجال العسكري، فبوتين يعوّل كثيرا على خبرته السياسية ومعرفته الدقيقة للاقتصاد وتخصّصه في مجال التصنيع.
وقد تخرج بيلوسوف في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو في 1981. ومن 2008 إلى 2012، شغل منصب مدير قسم الاقتصاد والمالية في الحكومة الروسية عندما كان فلاديمير بوتين رئيسا لهذه الحكومة في 2008 خلال عهدة الرئيس السابق مدفيديف.
رجل “الابتكار والاستثمارات في المجال الرقمي”
أندريه بيلوسوف، مولود في 17 مارس 1959 بموسكو، وهو ابن عائلة رجل الاقتصاد السوفياتي، المشارك في تطوير الإصلاح الاقتصادي في الستينيات، ريم بيلوسوف (1926-2008).
نجح في بناء علاقات وطيدة مع بوتين عندما كان الأخير رئيسا للحكومة الروسية، ما جعل نجمه يسطع بقوة والدليل على ذلك تعيينه في 2012 وزيرا للتنمية الاقتصادية لغاية جوان 2013. في 2020، فقد تقلّد منصب المستشار الخاص في قصر الكرملين وتقرّب أكثر من الرئيس بوتين.
يعرف بيلوسوف بانفتاحه على الحداثة والاقتصاد الرقمي. ويعدّ من بين الذين أثّروا في بوتين في هذا المجال وأقنعه بالاستثمار في الاقتصاد الرقمي والعملات الافتراضية على غرار “بيتكوين” و”بلوكتشين”.
من جهته، علّق المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف على تنصيب بيلوسوف على رأس وزارة الدفاع قائلا: “من يريد اليوم أن ينتصر في ساحة المعركة فعليه أن يكون أكثر ابتكارا”. وهذا – بالضبط – ما أكده بوتين شخصيا في إحدى خطاباته، إذ قال: “يجب على وزارة الدفاع أن تكون منفتحة على الابتكار وعلى الأفكار الجديدة والمتقدمة وعلى التنافسية الاقتصادية”.
وإضافة إلى هذا التصريح، حثّ الرئيس الروسي، القائمين على مجال الصناعة العسكرية على الابتكار وإنتاج الأسلحة بكمية كبيرة من أجل تكثيف الهجمات على أوكرانيا التي تستهلك موارد مادية ومالية وإنسانية كبيرة. فيما يعد أندريه بيلوسوف الرجل المناسب للقيام بهذه المهمات كونه يدرك جيدا كيف يسير الاقتصاد وله ميول كبيرة نحو التجديد والابتكار والتطوير الصناعي والعسكري.
ومنذ عام 2022، أشرف أندريه بيلوسوف أيضا على تطوير تقنيات إنشاء مركبات النقل عالية السرعة وأنظمة التحكم الذكية ومعدات النقل من الجيل الجديد. كما حصل على وسام الشرف سنة 2009 وتم تكريمه من قبل الرئيس الروسي.
وأّلف أندريه بيلوسوف كتابا عنوانه “تطوّر نظام إعادة إنتاج الاقتصاد الروسي: من الأزمة إلى التنمية” (2006). وينتظر بوتين من وزير دفاعه الجديد أن يعطى دفعة قوية للجيش الروسي ويزوّده بالأسلحة المتطوّرة لكي يتفوق في الحرب التي أعلنها على أوكرانيا وذلك قبل وصول فصل الشتاء والمساعدات العسكرية والمالية التي وعدت الدول الغربية بتقديمها في الأيام والأشهر المقبلة لكييف.
وفي تغريدة، أكدت الباحثة الروسية تاتيانا ستانوفايا، والمتخصصة في السياسية الروسية في معهد “كارنيغي” أن وزير الدفاع الجديد ليس هو من سيدير المعارك الميدانية في أوكرانيا، فهذه المهمة ستسند إلى رئيس الأركان القوات الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف”.
بيلوسوف الذي سيعجّل إعلان النصر في أوكرانيا
رحب إيغور كوروتشينكو رئيس تحرير مجلة “الدفاع الوطني” باقتراح الرئيس بوتين على مجلس الفدرالية تعيين أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع، مشيدا بخبرته التي ستعجّل النصر في أوكرانيا.
وقال كوروتشينكو في حديث لوكالة “نوفوستي”: “من المؤكد أن أندريه بيلوسوف رجل دولة ووطني يتمتع بخبرة كبيرة ومعروف بنظرته الاستراتيجية ونهجه المتميز في حل مجموعة واسعة من المشاكل الحيوية التي تعالجها روسيا. لا شك في أن سبب تعيينه وزيرا للدفاع يعود إلى ثقة الرئيس بوتين الشخصية به”.
وأضاف: “يمكن اعتبار هذا التعيين ناجحا بجدارة حيث سيأتي بيلوسوف بالكثير من الخطوات المفيدة لأداء وزارة الدفاع في ظروف المواجهة بين روسيا والغرب”. وأوضح وأضاف أن هذا التعيين “سيسمح بترشيد استخدام الموارد المالية للدفاع وتحسين سير مشتريات الدولة الدفاعية وتأمين المجمع الصناعي العسكري الروسي الأنواع الحديثة من الأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة للعملية العسكرية في أوكرانيا”.
ووصف كوروتشينكو بقاء فاليري غيراسيموف في منصب رئيس الأركان بأنه قرار طبيعي بالكامل و”ضروري لضمان استمرارية أداء المجموعة الروسية في منطقة العملية العسكرية”.
شويغو بصلاحيات جديد في منصبه الجديد
تعيين أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع لا يعني تغييب الوزير السابق سيرغي شويغو، فقد تم اختياره سكرتيراً لمجلس الأمن القومي تغييباً له، على الرغم من أن المنصب وظيفي إداري، ولا لا صلاحيات له، إلا منصب يتيح لصاحبه الوصول المباشر إلى الرئيس في أي وقت، وهو أمر لا يحصل عليه أي وزير؛ لكن هذا ليس الأهم في حالة شويغو الذي كان أصلاً مقرباً جداً لبوتين، ذلك أن الأهم هنا أنه مع التعيين تم إحداث تعديل لافت في الصلاحيات.
ويحمل شويغو – وفقاً للمرسوم الرئاسي – مع صلاحيات منصبه الجديد صفة نائب رئيس اللجنة الصناعية العسكرية. وهو المنصب الذي شغله حتى الآن ديمتري مدفيديف بصفته نائباً لرئيس مجلس الأمن القومي؛ علماً بأن رئيس اللجنة هو بوتين نفسه. أيضاً كُلف شويغو في منصبه الجديد برئاسة “هيئة التعاون التقني العسكري مع البلدان الأجنبية”.
وهو ما يعني أنّ شويغو في منصبه الجديد، غدا الذراع اليمنى لبوتين في شؤون الصناعة العسكرية وإدارة المجمع الصناعي في البلاد، فضلاً عن كونه المشرف على تطوير التعاون في هذا المجال خارجياً (مع البلدان الأجنبية) وداخلياً لأنه يتولى إدارة الحجوزات التي يقدمها الجيش إلى المؤسسات الصناعية.
اللافت هنا، أنّ لجنة الصناعات العسكرية كانت حتى وقت قريب تحت إشراف وزارة الدفاع، وتم نقل إدارتها أخيراً إلى الكرملين، وتولى بوتين شخصياً رئاستها؛ ما يُظهر أن التعيينات الحالية تمت خياطتها بدقة تمهيداً للحظة الإعلان رسمياً عنها.
لافروف يحتفظ بمنصبه
في مقابل التعديلات المهمة في القطاع العسكري، لم تحمل قرارات بوتين في التشكيلة الوزارية مناقلات قد تبدل مسار عمل الحكومة السابق. على صعيد السياسة الخارجية يحظى الوزير سيرغي لافروف برضا كامل، والسياسات التي قادها خلال الفترة الماضية حققت نتائج مهمة في صد محاولات عزل روسيا، وفي تعزيز أوراقها في الملفات الخارجية المختلفة.
وحافظ ألكسندر كورينكوف على منصبه وزيراً للطوارئ، كما احتفظ سيرغي ناريشكين وألكسندر بورتنيكوف بمنصبيهما رئيسين لجهاز المخابرات الخارجية وجهاز الأمن الفيدرالي؛ وفيكتور زولوتوف مديراً للخدمة الفيدرالية لقوات الحرس الوطني.
وكذلك فلاديمير كولوكولتسيف سوف يواصل عمله في وزارة الداخلية، بعدما حقق إنجازات مهمة خلال الفترة الماضية، وأطلق عملية واسعة لتطبيق رؤية الكرملين في منح الجنسية الروسية لسكان لوغانسك ودونيتسك ومنطقتي زابوريجيا وخيرسون. ووفقاً لبيانات، فقد حصل 3.2 مليون شخص على الجنسية الروسية في هذه المناطق خلال العام الأخير.
بهذا المعنى، فإنّ السلطتين السياسية والأمنية لم تشهدا تغييرات، بينما اتجه الجهد لتعزيز القطاع العسكري، ووضع الأسس كما يقول خبراء لصمود أكبر، وتوفير مقومات تحقيق اختراقات أوسع في الحرب التي بات ينظر إليها أكثر من السابق، بأنها ستكون طويلة وأكثر استنزافاً لموارد روسيا.
هذه تعليقات وسائل الإعلام الغربية
وعلقت وسائل الإعلام العالمية على ترشيح أندريه بيلوسوف لمنصب وزير الدفاع الروسي، إذ قالت سي إن إن: إن التغييرات التي حدثت مهمة، وكانت خطوة “مثيرة للاهتمام” من جانب الرئيس الروسي، على حد تعبير وزير الدفاع الأمريكي السابق إسبر، الذي تابع: “لعل أهم استنتاج من ذلك هو أن روسيا تتجه نحو اقتصاد الحرب”.
أما نيويورك تايمز، فقالت: التغييرات في الحكومة الروسية يمكن أن تكون نقطة تحوّل في العملية العسكرية الروسية، وبالمقابل علقت Der Tagesspiegel، كالآتي: وفقا لبعض الخبراء، فإن تعيين بيلوسوف خلفا لشويغو يعني أيضا أن بوتين يريد إكمال العملية العسكرية الروسية الخاصة بنجاح، في المقام الأول، من خلال زيادة الإنتاج في الصناعات الدفاعية.
ومن جانبها قالت لو فيغارو: إن رحيل سيرغي شويغو البالغ من العمر 68 عاما يعد أمرا مهما، نظرا لمرور أكثر من عامين على بداية العملية العسكرية الروسية ودخول الجيش الروسي مرحلة جديدة من الهجوم ضد القوات الأوكرانية، التي تعاني من نقص في الذخيرة والقوى البشرية، فيما اعتبرت “إلباييس” أن تغيير قيادة وزارة الدفاع يحدث خلال فترة انتقالية على الجبهة الأوكرانية.