فجأة توقّف الطيران الصهيوني عن التحليق في سماء غزة – بعد 190 يوما من القصف الهمجي – ولم يكن هذا بسبب هدنة إنسانية أو استجابة لموقف اتخذه المجتمع الدولي ضدّ الاحتلال الغاشم، بل كان بالتزامن مع الضربة العقابية التي وجهتها إيران إلى عمق الكيان.
للمرة الأولى منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة في 7 أكتوبر 2023، بدت سماء غزة خالية من الطائرات الصهيونية، وجاء ذلك بالتزامن مع إعلان حرس الثورة في إيران استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة بالصواريخ والمسيّرات، رداً على عدوان الكيان الصهيوني ضدّ القنصلية الإيرانية في دمشق.
وأكد البيان الصادر عن قيادة حرس الثورة، أنّ العملية التي تحمل اسم “وعده صادق” تأتي “في إطار معاقبة النظام الصهيوني على جرائمه”، بما في ذلك الهجوم على القسم القنصلي لسفارة طهران في دمشق واستشهاد القادة العسكريين والمستشارين الإيرانيين.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن 3 موجات من الطائرات المسيّرة انطلقت من إيران نحو الكيان، وقال الناطق باسم “جيش” الاحتلال الصهيوني إنّ إيران أطلقت عشرات الطائرات المسيّرة، فجر الأحد.
وأشارت صحيفة “الغارديان” إلى أنّ الهجوم الإيراني على الكيان يعتبر الأول من نوعه في تاريخ المواجهة بين الجانبين، والأول الذي توجّهه إيران انطلاقا من أراضيها، وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذا الهجوم جاء بعد أسبوعين من التكهنات حول طبيعة الضربة التي توعدت بها إيران عقب استهداف “إسرائيل” لقنصليتها في العاصمة السورية دمشق، وحول متى وأين وكيف ستردّ طهران أو حلفاؤها.
وتمتلك إيران أسطولا من المسيرات للاستطلاع والهجوم تتنوّع قدراتها في مدى وساعات التحليق، وأوزان المتفجرات والذخائر التي تحملها. وتؤكد طهران أنها ستردّ بصورة أقوى في حال كان هناك رد صهيوني على “وعده صادق”، وهذا ما يشير إلى أنها تمتلك مسيرات ذات قدرات تدميرية وفنية أكثر من التي ضربت بها الكيان:
- الطائرة دون طيار “شاهد 129” لأغراض الاستطلاع والهجوم يبلغ طولها 8 أمتار وقادرة على التحليق لمدة 24 ساعة ويمكنها قطع مسافة 1700 كم وحمل صواريخ “سديد 345”.
- “شاهد 136” الانتحارية تصل سرعتها إلى 185 كم في الساعة بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر كما تحلق لـ10 ساعات متواصلة وهي قادرة على حمل 50 كيلوغراما من المتفجرات.
- “شاهد 149” تحلق لفترة تفوق الـ35 ساعة بسرعة تصل إلى 350 كيلومترا في الساعة وقادرة على حمل 500 كيلوغرام من المتفجرات.
- “مهاجر 10” تحلق على ارتفاع 7 كيلومترات بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر وقادرة على حمل 300 كيلوغرام من المتفجرات ويمكنها التحليق لمدة 24 ساعة متواصلة بسرعة تصل إلى 210 كيلومترات ومزودة بأنظمة الحرب الإلكترونية.
- “كامان 22” تشبه المسيرة الأمريكية MQ-9 Reaper ويمكنها حمل 300 كيلوغرام من المتفجرات وتحلق لمدة 24 ساعة بمدى يصل إلى 3000 كيلومتر.
القواعد الأمريكية بالجوار في مرمى صواريخ إيران
شدّد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على أنّ طهران لن تتردّد في الدفاع عن مصالحها المشروعة ضد أي عدوان جديد إذا لزم الأمر، مشيراً في الوقت عينه إلى عدم وجود نية لدى بلاده لإطالة أمد العملية الدفاعية.
وفي كلمة له أمام سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية في طهران، أوضح أمير عبد اللهيان أن الكيان الصهيوني “فهم ضبطنا للنفس بشكل خاطئ وقام بعمليات إرهابية بمقاتلة وصواريخ أمريكية ضد القنصلية الإيرانية”.
وتحدث وزير الخارجية الإيرانية، عن فشل محاولات تحصيل إدانة المجتمع الدولي للعدوان الصهيوني على القنصلية في دمشق، بسبب وقوف حلفاء “إسرائيل” الغربيين حائلاً دون تحقيق هذا الهدف.
وعن العملية الدفاعية التي نفذتها القوات الإيرانية، يقول حسين أمير عبد اللهيان، إن القوات المسلحة الإيرانية “قامت بعملية منسقة ضربت فيها أهدافاً عسكرية داخل عمق الكيان الصهيوني”، مشيراً إلى أن الخارجية أرسلت للبيت الأبيض رسالةً، موضحةً أن “العمليات الإيرانية كانت محدودة وهي لمعاقبة الكيان الصهيوني”.
الرئيس الإيراني: أي مغامرة صهيونية جديدة ستقابل برد أقوى
قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس الأحد إن قوات بلاده استهدفت بعض المواقع العسكرية الصهيونية ولقنت (إسرائيل) درسا، مشيرا إلى أن أي مغامرة جديدة ستقابل برد أقوى وأكثر حزما، وذلك بعد شن طهران هجوما بالمسّيرات والصورايخ على الكيان.
واعتبر رئيسي أن “أمن واستقرار المنطقة ضروريان لضمان أمننا وسنوظف كل جهودنا لضمان ذلك”، لافتا إلى أن “الجميع بات يدرك أن إجراءات (إسرائيل) تعتبر تهديدا مباشرا للأمن والسلم الإقليمي والدولي”.
من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الأحد في منشور على منصة إكس إن إيران لا تنوي إطالة أمد “عملياتها الدفاعية” لكنها لن تتردد في حماية مصالحها المشروعة ضد أي عدوان جديد.
يأتي ذلك في حين قال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، إن قواتهم كان بإمكانها شن عملية واسعة، “لكننا حددنا أهدافا معينة وعمليتنا كانت محدودة وناجحة، وضربنا المواقع التي كانت منطلقا لاستهداف قنصليتنا بسوريا”.
كما قال رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء محمد باقري إن “إسرائيل” تجاوزت “الخطوط الحمراء” باستهداف قنصلية بلاده في سوريا، “وكان لا بد من الرد عليها”، مشيرا إلى أن الهجوم الإيراني أدى إلى تدمير موقعين عسكريين إسرائيليين مهمين.
ورغم حديث باقري عن عدم رغبتهم في مواصلة ذلك الهجوم، غير أنه أكد استعدادهم للرد “بقوة” إذا ما استهدفت “إسرائيل” مصالح بلاده، وقال إن مشاركة واشنطن في أي هجوم ضد إيران سيدفعهم لاستهدف قواعدها في المنطقة.
من جهته، اعتبر مندوب إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، أن رد بلاده جاء “دفاعا عن النفس وهو ما نصت عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”، محذرا من أن بلادها سترد على أي تهديد يستهدفها.
رد مستحق
وصفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العملية العسكرية التي قامت بها إيران ضد “إسرائيل” بأنها “حق طبيعي مستحق” يندرج ضمن حق دول وشعوب المنطقة في الدفاع عن نفسها.
وأوضحت حماس في بيانها أن العملية الإيرانية تمثل “ردا مستحقا على جريمة استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال عدد من قادة الحرس الثوري فيها”. ودعت الحركة الأمتين العربية والإسلامية “وأحرار العالم وقوى المقاومة في المنطقة لمواصلة إسنادهم لطوفان الأقصى”، وشددت على حق الشعب الفلسطيني “في الحرية والاستقلال وإقامته دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس”.
ويواصل الاحتلال الصهيوني حرب الإبادة وارتكاب المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فورا، ورغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية.
زاخاروفا للصهاينة: لم تدينوا قط اعتداءات أوكرانيا
أكّدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس الأحد، أنّ “(إسرائيل) لم تُدِنْ قط الهجمات الأوكرانية ضد روسيا”، فقذ تحدّثت ردّاً على دعوة سفيرة الكيان لدى روسيا، سيمونا هالبرين، موسكو إلى “إدانة الهجوم الإيراني ضد (إسرائيل) بالطائرات المسيّرة والصواريخ”.
وكتبت زاخاروفا في منشور لها على منصة “تليغرام”: “سيمونا، ذكّريني من فضلك، متى أدانت (إسرائيل) هجوماً واحداً على الأقل لنظام كييف على الأراضي الروسية؟ ألا تتذكّرين؟ ولا أنا أيضاً..”. وأضافت المتحدثة باسم الخارجية الروسية أنه “على العكس من ذلك أتذكّر تصريحات متكررة لمسؤولين إسرائيليين يدعمون تصرفات فولوديمير زيلينسكي”.
وقبل أيام، قالت زاخاروفا إنّ على قيادة الاتحاد الأوروبي، التي تزوّد أوكرانيا بالسلاح وتحرّضها على تنفيذ الجرائم، تحمّل المسؤولية مناصفةً مع القيادة الأوكرانية من جراء الأعمال الإرهابية التي تقوم بها بحق المواطنين المدنيين الروس.
وذكرت في تعليق نُشر في الموقع الرسمي للوزارة، أنه “بتحريض من الغرب، لا يتورّع الأوكرانيون عن ارتكاب أفعال إرهابية ضد البنية التحتية المدنية والسكان المسالمين في المدن الروسية”.
بايدن يدعو نتنياهو إلى عدم الرد على الهجوم الإيراني
أكد مسؤولون أمريكيون لشبكة “إن بي سي” أنهم يخشون أن تردّ “إسرائيل” على إيران “بتهور وبسرعة ودون التفكير في العواقب”، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، ومن بين ما ذكرت “إن بي سي”، أن هذه المخاوف “تنبع من وجهة نظر الإدارة الأمريكية حول نهج (إسرائيل) في حربها ضد غزة، فضلاً عن قرارها باغتيال المسؤول الكبير في قوة القدس حسن مهدوي في دمشق”.
بالإضافة إلى ذلك، قالت ثلاثة مصادر مطلعة على التفاصيل لشبكة “إن بي سي”، إنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن “أعرب عن قلقه من أن رئيس حكومة سلطة الكيان بنيامين نتنياهو يحاول جرّ الولايات المتحدة إلى داخل صراع أوسع”.
وبموازاة ذلك، أشار موقع أكسيوس الأمريكي عن مسؤولين، إلى أنّ بايدن “أبلغ نتنياهو أن الولايات المتحدة ستعارض أي هجوم مضاد إسرائيلي ضد إيران”، معبرا عن “قلقه البالغ” من أنّ الردّ الإسرائيلي على الهجوم الإيراني سيؤدي إلى حرب إقليمية ذات “عواقب كارثية”. وقال أحد المسؤولين إنه “عندما أخبر بايدن نتنياهو بأن واشنطن لن تشارك في أيّ عمليات هجومية ضد إيران ولن تدعم مثل هذه العمليات، قال نتنياهو إنه يتفهم ذلك”.