الرقابة البيئية على المناجم.. النصوص القانونية في اختبار الواقع

تحدث البروفيسور محمد بواط، أستاذ باحث بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الشلف، عن التحديات البيئية التي تواجه القطاع المنجمي في الجزائر، مسلطًا الضوء على القوانين الحالية لحماية البيئة وأوجه القصور فيها، ومدى انسجامها مع المعايير الدولية. كما عدد الآليات الإدارية المعتمدة للحد من التأثيرات السلبية للأنشطة المنجمية، والعوائق التي تعترض سبيل تنفيذها بفعالية، مقدمًا مقترحات لتعزيز الرقابة البيئية وتطوير التشريعات لتحقيق التوازن بين استغلال الموارد الطبيعية وحماية البيئة.

الأيام نيوز: بداية، البروفيسور محمد بواط، ماهي أبرز القوانين الحالية في الجزائر التي تهدف إلى حماية البيئة من الأخطار المنجمية؟

البروفيسور محمد بواط: تعتبر الجزائر من الدول التي أولت اهتمامًا كبيرًا لحماية البيئة من المخاطر الناجمة عن الأنشطة المنجمية، ويتجلى ذلك في مجموعة من القوانين والتشريعات التي تهدف إلى تحقيق هذا الهدف. من أبرز هذه القوانين، القانون رقم 03-10 الصادر في 19 يوليو 2003، الذي يتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، حيث يحدد المبادئ الأساسية لحماية البيئة ويشمل جميع الأنشطة الصناعية والمنجمية. هذا القانون يضع إطارًا تنظيميًا يهدف إلى تقليل التأثيرات البيئية السلبية للأنشطة المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، هناك القانون رقم 14-05 الصادر في 24 فبراير 2014، الذي يتعلق بالمناجم، والذي يفرض على الشركات المنجمية الالتزام بالمعايير البيئية الصارمة، بما في ذلك ضرورة إجراء تقييم الأثر البيئي قبل بدء النشاط.

الأيام نيوز: هل تعتبر هذه القوانين كافية لمواجهة التحديات الراهنة؟

البروفيسور محمد بواط: على الرغم من وجود إطار قانوني قوي، إلا أن هذه القوانين ليست كافية لمواجهة جميع التحديات البيئية الراهنة المرتبطة بالأنشطة المنجمية. هناك أوجه قصور عدة تتطلب تحسينات مستمرة. من بين هذه الجوانب، ضعف تطبيق القوانين والرقابة على الأنشطة المنجمية، حيث تُلاحظ أحيانًا استمرارية بعض الممارسات الضارة بالبيئة. كما أن التحديث المستمر لهذه القوانين يعد أمرًا ضروريًا لمواكبة التطورات التقنية والتحديات البيئية المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني السلطات من نقص في الموارد البشرية والمالية اللازمة لتطبيق القوانين بشكل فعال. كما أن تعزيز التوعية البيئية وتدريب العاملين في القطاع المنجمي يبقى أحد المحاور التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام لتحسين الأداء البيئي للقطاع.

الأيام نيوز: ما مدى انسجام القوانين الجزائرية مع المعايير الدولية في مجال حماية البيئة من الأنشطة المنجمية؟

البروفيسور محمد بواط: يتماشى التشريع الجزائري إلى حد كبير مع المعايير الدولية في مجال حماية البيئة، حيث إن الجزائر طرف في العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالبيئة، وقد أدرج المشرع الجزائري النشاط المنجمي ضمن المنشآت المصنفة التي تخضع لإجراءات خاصة. على سبيل المثال، يفرض القانون 03-10 والقانون 14-05 ضرورة تقييم الأثر البيئي واعتماد مبادئ التنمية المستدامة. ومع ذلك، يمكن وصف هذا الانسجام بأنه جزئي، إذ توجد فجوة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي. لمواكبة المعايير الدولية بشكل كامل، ينبغي العمل على مراجعة القوانين بانتظام لتتوافق مع أحدث التقنيات والمعايير الدولية. بصفة عامة، هناك جهود لتحقيق هذا الانسجام، لكنها تحتاج إلى المزيد من العمل لضمان التوافق الكامل مع المعايير الدولية.

الأيام نيوز: ما هي التعديلات التشريعية التي تقترحها لتعزيز الرقابة البيئية على الأنشطة المنجمية؟

البروفيسور محمد بواط: لتعزيز الرقابة البيئية على الأنشطة المنجمية، يمكن إدخال تعديلات تشريعية عدة. أولًا، تعزيز آليات الرقابة والتفتيش من خلال زيادة عدد المفتشين البيئيين وتزويدهم بالمعدات الحديثة اللازمة لأداء مهامهم. ثانيًا، تشديد العقوبات على المخالفات البيئية لضمان الالتزام بالقوانين. ثالثًا، تحديث دراسات تقييم الأثر البيئي باعتماد معايير دولية متقدمة، مما يضمن دقة التقييم ومصداقيته. وأخيرًا، تشجيع الشفافية والمشاركة العامة عبر إشراك المجتمع المحلي في مراقبة الأنشطة وإتاحة المعلومات البيئية للجمهور.

الأيام نيوز: وما هي الآليات الإدارية المعتمدة حاليًا لمراقبة المشاريع المنجمية والحدّ من تأثيرها البيئي؟

البروفيسور محمد بواط: تعتمد السلطات الإدارية في الجزائر على مجموعة من الآليات لضبط الأنشطة المنجمية والحدّ من تأثيرها البيئي. من بين هذه الآليات، هناك الرقابة القبلية التي تتطلب تقديم ضمانات بيئية قبل منح التراخيص، مثل إعداد دراسات التأثير على البيئة التي تعد شرطًا أساسيًا لممارسة الأنشطة المنجمية. كما تعتمد السلطات على نظام الحظر والإلزام ونظام التقارير لمتابعة الأنشطة وضمان الامتثال للمعايير البيئية. في حال حدوث تجاوزات، تُفعّل السلطات أدوات قانونية ردعية تشمل الإعذار أو التنبيه، أو حتى سحب التراخيص ووقف النشاط إذا لزم الأمر. بالإضافة إلى ذلك، هناك رسوم مفروضة على الممارسين للأنشطة المنجمية، تُخصص لحماية البيئة خلال مراحل الاستغلال وما بعدها.

الأيام نيوز: ماذا عن التحديات التي تواجه السلطات الإدارية في تطبيق آليات الضبط البيئي بفعالية؟

البروفيسور محمد بواط: تواجه السلطات الإدارية تحديات عدة تعيق تطبيق آليات الضبط البيئي بفعالية. أولًا، هناك نقص في التمويل والموارد البشرية، مما يحدّ من قدرة السلطات على التفتيش والرقابة. ثانيًا، عدم التنسيق بين الجهات المعنية يؤدي إلى ازدواجية الجهود وضعف الفعالية. ثالثًا، قلة استخدام التكنولوجيا الحديثة في مراقبة الأنشطة المنجمية يمثل تحديًا كبيرًا، حيث تعتمد معظم العمليات على طرق تقليدية. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضعف في الالتزام من قبل بعض المنشآت، إلى جانب نقص برامج التوعية والتدريب للعاملين في القطاع المنجمي. وأخيرًا، الإجراءات البيروقراطية المعقدة تعيق تنفيذ السياسات بسرعة وفعالية.

الأيام نيوز: هل من اقتراحات يمكن أن تساهم في تحسين آليات الرقابة وتفعيل دور الإدارات المعنية؟

البروفيسور محمد بواط: لتحسين آليات الرقابة البيئية، يجب توفير التمويل اللازم وزيادة الموارد البشرية لتعزيز الرقابة. كما ينبغي تعزيز التنسيق بين الجهات المختلفة المسؤولة عن مراقبة القطاع المنجمي. يمكن أيضًا تبسيط الإجراءات الإدارية لتقليل البيروقراطية وتسريع تنفيذ السياسات. استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين عمليات المراقبة. وأخيرًا، يجب تنظيم برامج تدريبية لزيادة وعي العاملين والمجتمع المحلي بأهمية الامتثال البيئي وتشجيع الشفافية من خلال إشراك المجتمع في عمليات المراقبة والإبلاغ عن المخالفات.

مصطفى بن ميرة

مصطفى بن ميرة

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
ردًا على مجازر غزة.. المقاومة تستهدف عمق الاحتلال برشقات صاروخية وزير النقل يوجه بتوسعة مطار بجاية وتحسين ظروف استقبال المسافرين إطلاق شبكة 5G في الجزائر.. التحضيرات جارية وزارة التربية.. إجراءات صارمة ضد مقاطعة صب العلامات شركة صينية رائدة تعتزم إطلاق مصنع للسيارات وقطع الغيار في الجزائر انقلاب ناعم في الأفق.. هل وقّع زيلينسكي وثيقة النهاية؟ إطلاق تطبيق "تاكسي سايف" لتحسين خدمات سيارات الأجرة المحرقة قادمة.. آلة الحرب الصهيونية تستعد للانقضاض على غزة النيابة توجه تهمًا خطيرة له.. التماس 10 سنوات سجنًا نافذًا وغرامة مالية ضد صنصال هزة جديدة في المدية.. زلزال بقوة 4 درجات دون خسائر جبهة التحرير:" اليمين الفرنسي المتطرف يوظف ملف الهجرة لأغراض انتخابية" الشعب ضد التطبيع.. متى يُنصت المخزن؟ ملف المؤثّرين الجزائريين يعود للواجهة.. فرنسا تعتقل "دوالمن" مجددًا تمهيدًا لترحيله جرافات المخزن تدهس حقوق المواطنين.. المغرب لمن يدفع أكثر تقلبات جوية ورياح عاتية في هذه الولايات حملة انتخابية أم عداء ممنهج؟ نائب فرنسي يكشف دوافع تصريحات روتايو رسائل من ساحة المقاومة في عيد نصر الجزائر.. الذاكرة التي تتحدى فرنسا وتُلهم حركات التحرر فرنسا ترفض تسليم بوشوارب.. لعبة الابتزاز ومنطق حماية الفاسدين إطلاق الطبعة الأولى لجائزة رئيس الجمهورية للباحث المبتكر.. إليك رابط التسجيل السلطة المستقلة لضبط السمعي-البصري توجه إعذارات لهذه القنوات