من المعروف أنّ للناخبين الأمريكيين الأصليين، دورا مهما في تحديد نتائج الإستحقاقات الإنتخابية الأمريكية، من خلال قدرتهم على التأثير في إنتخابات الكونغرس بمجلسيه – الشيوخ والنواب – وهو ما يعني أيضا قدرتهم على تحديد من يفوز بأصوات المجمع الانتخابي في عدة ولايات، وبالتالي من سيُحدّد هوية الرئيس المُقبل للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن ما لا يزال غير معروف هو كيف سيستجيب كلا من الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب، المرشّحان الرئيسيان للإنتخابات الرئاسية المُقبلة، للقضايا الكبرى التي تهمّ الناخبين الأمريكيين الأصليين، وفي مقدمتها ارتفاع مستويات القتل والإختطاف في حق الأمريكيات الأصليات وكذا الحق في الأرض والحق في الوصول إلى المياه النظيفة والمطالبة بحظر تطوير المشاريع النفطية والطاقوية، في الأراضي ذات الأهمية الثقافية والتاريخية بالنسبة إلى مجتمع الأمركيين الأصليين.
تشير بيانات مستمدّة من دراسة أجراها معهد بروكينغز “The Brookings Institution ” – مركز دراسات مستقل مقرّه العاصمة واشنطن – إلى أنّه يجب على كلا الحزبين السياسيين – الديمقراطي والجمهوري – الاهتمام بقضايا السياسة التي تهمّ مجتمع الأمريكيين الأصليين، لأنها تختلف تماما عن أولويات الأمريكيين غير الأصليين.
ارتفاع معدلات جرائم القتل والإختطاف
ووفقا للدراسة الموسومة بـ”النساء المفقودات والمقتولات، القضية الأهم التي تواجه الأمريكيين الأصليين قبل انتخابات 2024″، فإنّ ارتفاع معدلات جرائم القتل والإختطاف في حق الأمريكيات الأصليات، تعدّ المشكل الأكبر بالنسبة لمجتمعهم.
وسأل الاستطلاع، المشاركين عما يعتبرونه أهم القضايا التي تواجهها مجتمعات الأمريكيين الأصليين، فقال 37℅ من المشاركين إنّ “المعدل المرتفع لنساء السكان الأصليين المفقودات والمقتولات” هو القضية الأكثر بروزا في قائمة اهتماماتهم، ورغم أنّ هذه القضية قد حظيت بمزيد من الاهتمام من قبل صناع السياسات خلال السنوات الأخيرة، إلا أنّها لا تزال غائبة في النقاشات التي تطرحها حملات المترشحين لرئاسيات الـ 5 نوفمبر 2024، بما فيهم حملة الرئيس الحالي جو بايدن كممثل للحزب الديموقراطي، وحملة الرئيس السابق دونالد ترامب، أبرز مرشحي الحزب الجمهوري.
الحقّ في الأرض والماء
القضية الثانية الأكثر أهمية بالنسبة إلى مجتمع الأمريكيين الأصليين هي “الحق في الأرض والحق في المياه وحماية الوصول إليها”، حيث قال 32℅ من المشاركين في الإستطلاع إنّ الحق في الأرض قضية هامة بالنسبة لهم، وقال 28℅ منهم إنّهم يعتبرون الحق في الأرض وحقوق الوصول إلى المياه النظيفة من الأولويات القصوى لمجتمعاتهم القبلية.
وتعليقا على الأرقام السابقة الذكر، قالت الدراسة إنّ الإجراءات السياسية المتّخذة لمعاجلة قضيتي حقوق الأرض والماء، بالنسبة للأمريكيين الأصليين، خلال السنوات الأخيرة، لا تنفي غيابها في النقاش السياسي الوطني، خلال المراحل الأولى من الحملة الرئاسية لعام 2024.
وإضافة إلى قضية الجرائم المرتكبة في حقّ الأمريكيات الأصليات، ومسألة الحق في الأرض والوصول إلى المياه النظيفة، تعتبر “التنمية الاقتصادية في المحميات” في صلب اهتمامات مجتمع الأمريكيين الأصليين، حيث قال 29℅ من المشاركين في الإستطلاع إنّهم بحاجة إلى رؤية إجراءات سياسية تضمن التطوّر الإقتصادي في مجتمعهم، خاصة بعد تعرّضهم لما يشبه “الدمار الإقتصادي” بسبب الركود الناجم عن وباء كوفيد-19، حيث واجهوا مجموعة من التحديات الهيكلية عندما يتعلّق الأمر بتعزيز رفاهيتهم الاقتصادية، خاصة في الأراضي القبلية.
كيف ينظر الأمريكيون غير الأصليون إلى قضايا نظرائهم الأصليين؟
وبالإضافة إلى استطلاع آراء الناخبين الأمريكيين الأصليين، تحدّث معهد بروكينغز عن استطلاع أجراه معهد تنمية الأمم، لفهم مستوى الدعم الذي تحظى به قضايا الأمريكيين الأصليين من قبل نظرائهم الأمريكيين غير الأصليين.
ووجدت الدراسة أنّ هناك وعيا محدودا للغاية بقضايا الأمريكيين الأصليين بين عامة الناس، ولكن هناك مستويات عالية من الدعم العام للسياسات الرامية إلى معالجة التحديات التي تواجه مجتمعات الأمريكيين الأصليين، خاصة بعد أن تمّ تزويد المشاركين ببعض المعلومات الأساسية حول بعض القضايا.
ووافق ما يقرب من 74℅ من المشاركين من غير الأمريكيين الأصليين على أنه ينبغي للحكومة الفيدرالية “التأكّد من أنّ قبائل الأمريكيين الأصليين لها الكلمة الأخيرة عند التفاوض مع الحكومة الفيدرالية أو الولايات في المسائل التي قد تؤثّر على مياههم وأراضيهم أو غيرها من الموارد الطبيعية”. ومع ذلك، ظهر انقسام حزبي كبير، حيث أعرب الديمقراطيون عن دعم أعلى من الجمهوريين لحماية حقوق الأمريكيين الأصليين، وبشكل عام، أيّد 69℅ من الجمهوريين والمستقلين من غير الأمريكيين الأصليين إعطاء القبائل الأمريكية الأصلية الكلمة الأخيرة في القضايا التي تؤثّر على مياههم وأراضيهم ومواردهم الطبيعية الأخرى.
كيف تعاطى ترامب وبايدن مع قضايا الأمريكيين الأصليين؟
لم تخرج الإجراءات المتخذة من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، وخليفته الرئيس الحالي جو بايدن، لمعاجلة قضايا الأمريكيين الأصليين، من دائرة “الرمزية”، حيث أصدر الرئيس جو بايدن عام 2021 أمرا تنفيذيا يوجّه العديد من الإدارات الفيدرالية لوضع إستراتيجيات لمعالجة المعدل المرتفع بشكل مثير للقلق لجرائم القتل والإختطاف في حقّ الأمريكيات الأصليات.
وفي الآونة الأخيرة، أصدر الرئيس بايدن إعلانا للاعتراف بأهمية هذه القضية، وخلال فترة حكمه، اتّخذ الرئيس السابق دونالد ترامب أيضا إجراء رمزيا مماثلا بشأن إختطاف وقتل الأمريكيات الأصليات، وأنشأ فريق عمل لمعالجة هذه القضية، ولكن الخطوة قوبلت بردود فعل متباينة لدى القبائل الأمريكية الهندية.
ورغم تعهّد الرئيس بايدن وغيره من كبار المسؤولين الفيدراليين في إدارته بالقيام بعمل أفضل في العمل مع قادة الأمريكيين الأصليين ودمج الأصوات القبلية في جهود الحفاظ على الأراضي وتخطيط إدارة الموارد، إلا أنّ العديد من مجتمعات السكان الأصليين لا تزال تناضل من أجل الحصول على استجابة حكومية جوهرية بشأن ارتفاع معدلات القتل والإختطاف في حقّ النساء الأمريكيات الأصليات، وحقوق الأرض والمياه والتنمية الإقتصادية وغيرها من المسائل الهامة بالنسبة إلى مجتمعاتهم، بما في ذلك إدارة الأراضي والموارد الطبيعية.
وعلى سبيل المثال، تعمل المجتمعات الأصلية على الإشراف على المعالم الوطنية المنشأة حديثًا وإدارتها في ولايتي يوتا وأريزونا، وفي ولاية نيو مكسيكو، نجح السكان الأصليون في إقناع وزارة الداخلية بحظر تطوير مشاريع جديدة للنفط والغاز الطبيعي في الأراضي ذات الأهمية الثقافية، بالنسبة لهم، ولكن في أماكن أخرى، مثل ولاية نيفادا، لا تزال القبائل تقاتل ضد استخراج اليورانيوم في الأراضي ذات الأهمية الثقافية والتاريخية بالنسبة إلى الأمريكيين الأصليين.
ورغم أنّهم شريحة هامة في المجتمع الأمريكي، وفئة لها وزنها في تحديد نتائج الإستحقاقات الإنتخابية في عدة ولايات، إلا أنّ اهتمامات الناخبين الأمريكيين الأصليين عادة ما تكون غائبة في الخطاب السياسي للمترشحين الرئاسيين، ونادرا ما تتاح لهم فرصة التعبير عن آرائهم من خلال الإستطلاعات المتعلّقة بتوجّهات الناخبين الأمريكيين وآرائهم.