السباق نحو البيت الأبيض.. ما مدى أهمية القضايا الخارجية في تحديد توجّهات السلوك الانتخابي للأمريكيين؟

مع استمرار الإنتخابات التمهيدية بمختلف الولايات الأمريكية، تحسّبا للإقتراع العام لرئاسيات الـ 5 نوفمبر 2024، يركّز الأمريكيون على قضايا هامة، في مقدّمتها الإقتصاد، وارتفاع أعداد المهاجرين المتدفقين عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك، وتصاعد مستويات الجريمة والإرهاب. كلّ هذه المواضيع مجتمعة، هي قضايا ذات استقطاب سياسي، تعود إلى الساحة السياسية الأمريكية مع كل موعد انتخابي، لكن الجديد في الإستحقاق الرئاسي المُقبل، هو اهتمام الأمريكيين بالسياسية الخارجية لبلادهم، ومتابعتهم باهتمام لتعاطي الإدارة الأمريكية، بقايدة الرئيس جو بايدن، مع الصراعات الخارجية، وفي مقدّمتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

من المعروف أنّ الناخب الأمريكي يتّخذ قرار التصويت بناء على مقترحات المترشحين السياسيين، لمعاجلة القضايا المتعلّقة بالشأن الداخلي، ورؤيتهم لحلول المشاكل التي تمسّ الحياة اليومية في الولايات المتحدة، لكن الحزم المالية الكبيرة التي خصّصتها واشنطن لدعم حلفائها في مختلف مناطق العالم، على مدار السنوات الأخيرة، ودعم الإدارة الأمريكية للحرب الهمجية الإسرائلية على قطاع غزة، غيّرت من اهتمامات الأمريكيين، ودفعت إلى إدارج مسألة تأثير الصراعات الخارجية على مصالح البلاد، ضمن قائمة أولويات الناخبين الأمريكيين، كما أنّ حجم الخسائر البشرية وسط المدنيين الفلسطينيين، والتي اقتربت من 31 ألف شهيد وآلاف الجرحى والنازحين، وضعت تعاطي بايدن مع الحرب الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية، تحت المجهر.

وحسب استطلاع جديد نشره “Pew Research Center” أو مركز بيو للأبحاث، وهو مركز دراسات مستقل، فإنّ حوالي ثلاثة أرباع الأمريكيين يرون أنّ الحرب بين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس الفلسطينية – 75% – والتوترات بين الصين وتايوان – 75% -، والحرب بين روسيا وأوكرانيا – 74% –  مهمّة للمصالح الوطنية الأمريكية.

وبينما يحثّ الرئيس جو بايدن الكونغرس على تمرير المساعدات الخارجية الطارئة، قال مركز “بيو للأبحاث”، إنّ استطلاعا أجري في أواخر عام 2023، أظهر أنّ  48% من الجمهوريين يرون أنّ الولايات المتحدة تقدّم الكثير من الدعم لأوكرانيا، بينما قال 16% فقط من الديمقراطيين الشيء نفسه، واتّسعت هذه الفجوة الحزبية بشكل مطرد منذ بداية الحرب.

ووفقًا لاستطلاع سابق أجرته وكالة “أسوشيتد برس” ومركز “NORC ” للشؤون العامة، فإنّ نصف البالغين الأمريكيين يعتقدون أنّ الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة قد “ذهبت إلى أبعد من اللازم”، وهي نتيجة مدفوعة بشكل أساسي بالرفض المتزايد بين الجمهوريين – تقليديا لا يدعمون الكيان الإسرائيلي – والناخبين المستقلين. وبشكل عام، كشف الاستطلاع أنّ الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي وتعامل إدارة بايدن مع الوضع يتراجع قليلا وسط كل الفئات.

وتضمنت نتائج الاستطلاع أخبارا مثيرة للقلق بالنسبة للرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، خاصة تلك المتعلقة بالدعم الشعبي لحزبه الديموقراطي، حيت تزايدت خطوط الانقسام في قاعدته الديمقراطية، بما فيها بعض الكتل الديمقراطية الرئيسية، غير الراضية على تعامله مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي من المحتمل أن يحتاجها بايدن بشدة، للفوز بولاية رئاسية ثانية.

وقال حوالي 6 من كل 10 ديمقراطيين إنهم لا يوافقون على الطريقة التي يتعامل بها الرئيس مع الحرب الإسرائيلية على المقاومة الفلسطينية، وأظهر الإستطلاع أنّ حوالي 7 من كل 10 ديمقراطيين تحت سن 45 لا يوافقون على سياسة بايدن تجاه الحرب، وهذا عكس موقف الديمقراطيين الأكبر سنا، الذين يوافق ما يقرب من 6 من 10 منهم على تعاطيه معها.

تباين حول الاقتصاد والهجرة والجريمة والإرهاب

وسط مخاوف مستمرة من ارتفاع أسعار المواد الإستهلاكية الأساسية، وغلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الكراء، قال أغلبية البالغين في الولايات المتحدة – 72℅ – إنهم قلقون للغاية بشأن استمرار ارتفاع الأسعار، وعبّر 64℅ منهم عن مخاوف بشأن تكلفة السكن.

وطبقا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث، سابقا، يرى ما يقرب من ثلاثة أرباع الأمريكيين – 73%- أنّ تعزيز الاقتصاد يجب أن يكون أولوية قصوى للرئيس بايدن والكونغرس هذا العام، وصنّف ما يزيد قليلا عن ربع الأمريكيين – 28% – الظروف الاقتصادية الأمريكية بأنها ممتازة أو جيدة، بزيادة قدرها 9 نقاط مئوية منذ أفريل 2023، ويقود هذا التحوّل إلى حد كبير الديمقراطيون والمستقلون ذوو الميول الديمقراطية، حيث يصنّف 44℅ منهم الإقتصاد في عهد بايدن بشكل إيجابي، مقارنة بـ 13℅ فقط من الجمهوريين والمؤيّدين للحزب الجمهوري.

وإلى جانب الوضع الإقتصادي، عبّر الناخبون الأمريكيون الجمهوريون عن قلقهم المتزايد بشأن تعاطي الرئيس جو بايدن، مع أزمة الحدود الجنوبية البلاد، حيث قال حوالي ستة من كل عشرة أمريكيين، إنّ التعامل مع الهجرة يجب أن يكون هدفا سياسيا رئيسيًا للرئيس والكونغرس هذا العام، وهي نسبة زادت بـ 18 نقطة  منذ بداية ولاية بايدن، عام 2021.

يعود هذا التغيير، حسب مركز بيو للأبحاث، إلى القلق المتزايد بين الجمهوريين، حيث يقول 76% منهم الآن إنّ الهجرة يجب أن تكون أولوية قصوى، مقارنة بنسبة 2021 التي كانت في حدود الـ 39℅.

وقال ثمانية من كل عشرة بالغين أمريكيين إنّ الحكومة الفيدرالية تقوم بعمل سيئ في التعامل مع العدد الكبير من المهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، بما في ذلك 45℅ قالوا إنها تقوم بعمل سيئ للغاية، وينتقد الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء الحكومة الفيدرالية بسبب تعاملها مع الوضع الحدودي، حيث يقول 89% و73% على التوالي إنها تؤدي عملا سيئا.

ويشكّل الإرهاب والجريمة كذلك مخاوف متزايدة، خاصة لدى الناخبين الجمهوريين، حيث قال حوالي ستة من كل عشرة بالغين أمريكيين إنّ الدفاع عن البلاد من الهجمات الإرهابية المستقبلية – 63% – والحد من الجريمة – 58% – يجب أن يكونا من الأولويات السياسية. لكن الجمهوريين يركّزون على هذه القضايا بشكل أكبر من الديمقراطيين، حيث ارتفعت مخاوف الجمهوريين بشأن الإرهاب بمقدار 11 نقطة منذ العام الماضي، ويرى 76% منهم الآن أنّ التصدي للإرهاب يجب أن يكون على رأس الأولويات، وبالمقارنة، يقول حوالي نصف الديمقراطيين – 51% – إنّ الدفاع ضدّ الإرهاب يجب أن يكون أولوية خلال هذا العام الإنتخابي.

هذا وتزايدت المخاوف بشأن الجريمة إلى حد ما في كلا الحزبين منذ بداية رئاسة بايدن، حيث قال حوالي سبعة من كل عشرة جمهوريين – 68℅- إنّ الحدّ من الجريمة يجب أن يكون أولوية قصوى، بزيادة 13 نقطة منذ عام 2021. وقال 47% من الديمقراطيين الشيء ذاته.

وإلى جانب توجهات الرأي العام الأمريكي حول القضايا السابقة الذكر، أشار استطلاع مركز بيو للأبحاث، إلى الأهمية التي يوليها الناخبون لقضيتي استخدام المال في السياسة، وسياسة المناخ، حيث قال حوالي ستة من كل عشرة أمريكيين – 62% – بما في ذلك حصص مماثلة من الديمقراطيين – 65%- والجمهوريين – 60%- إنّ الحد من تأثير المال في السياسة يجب أن يكون هدفا سياسيا رئيسيا هذا العام، وبرزت فجوات حزبية بشأن سياسة المناخ، لأنه من المرجح أن يقول الديمقراطيون أكثر من الجمهوريين إن حماية البيئة – 63% مقابل 23% – والتعامل مع تغيّر المناخ – 59% مقابل 12% – يجب أن تكون على رأس أولويات السياسة لعام 2024، والجدير بالذكر أنّ معالجة تغيّر المناخ، تأتي في المرتبة الأخيرة ضمن قائمة أولويات الناخبين الجمهوريين في الرئاسيات المُقبلة، مدفوعين بإعتقادهم أنّ التغيّرات الحاصلة في المناخ، تحدث بقدرة إلاهية، ولا يمكن للبشر التدخل لتغيير انعكاساتها، كما يرون أنّ الأطروحات الديموقراطية، الرامية إلى التوجه نحو الطاقات النظيفة والمتجددة، وتقليص الإعتماد على النفط والمصادر الطاقوية التقليدية، يضرّ بالإقتصاد.

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الصحراء الغربية.. عمال الساقية الحمراء يُجدّدون عهد الثورة انطلاق التصفيات الولائية لأولمبياد المهن شركة "سوكون" الصينية..مصنع جديد بباتنة وزير الثقافة يُعلن عن تحدٍّ وطني للطلبة في الذكاء الاصطناعي لخدمة التراث بالأرقام.. تقرير جديد يكشف حجم الأزمة الإنسانية في غزة جراء العدوان الصهيوني وزارة الفلاحة:" أسعار الماشية المستوردة في متناول جميع المواطنين" أحوال الطقس.. أمطار وثلوج على هذه المناطق شراكة تتجدد في بلجيكا ولوكسمبورغ.. الجالية الجزائرية في قلب الرؤية الاقتصادية الجديدة "هاكان فيدان" يحل بالعاصمة اليوم.. ما الجديد في العلاقات الجزائرية التركية؟ الجزائر تستقبل أولى شحنات أضاحي العيد المستوردة توقيع اتفاقيات بين "سكيلس سنتر" والمؤسسات الجزائرية لدعم التحول الرقمي أمن الشلف يضع حداً لشبكة دولية لتهريب مهاجرين عبر البحر أمن بشار يفكك شبكة إجرامية ويضبط 22.56 كيلوغرامًا من المخدرات هذا هو رابط المنصة الجديدة لأساتذة التعليم العالي للحصول على شهادة تدريس عبر الخط سفيان شايب: "الجزائر تضع أبناء الجالية ضمن أولوياتها لتنمية الاقتصاد الوطني" القرض الشعبي الجزائري..نمو ملحوظ في الصيرفة الإسلامية نحو إطلاق 12 مشروعًا رقميًا لحماية التراث الثقافي وحدات حرس السواحل تنفذ عملية إجلاء إنساني لـ 03 بحارين من جنسية بريطانية مزيان يدعو إلى تعزيز مهنية الإعلام لمواجهة حملات التضليل ضد الجزائر رداً على الاستفزازات الفرنسية.. حركة النهضة تدعو إلى رفع التجميد عن قانون تعميم استعمال اللغة العربية