كشفت الآلية الثلاثية المكوّنة من ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة «إيغاد» لشرق إفريقيا، توصّلها إلى “تسوية سياسية مُرضية للأزمة في السودان”.
وطالبت الثلاثية في بيانها: “جميع الأطياف السياسية السودانية إلى الانخراط في العملية السياسية بروح بناءة، لإيجاد مخارج مناسبة للانسداد الذي ظل قائما منذ أكتوبر من العام الماضي”، معتبرة أن “إخراج السودان من النفق الحالي وتطبيع علاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي ومعالجة وضعه الاقتصادي، واستكمال السلام الشامل، يتطلب تضافر جهود الفرقاء، والتسامي على الخلافات”، مؤكدة أنها: “توصلت إلى تسوية سياسية بوسعها فتح آفاق جديدة للسودانيين، وتجاوز المرحلة الحالية”.
وفي حين تستكمل الآلية الثلاثية مشاوراتها مع القوى السياسية ـ لا سيما المكوّن العسكري الذي التقت عنه ـ يوم الأربعاء (12 تشرين الأول/ أكتوبر) ـ نائب رئيس مجلس السيادة «محمد حمدان دقلو»، وعرضت عليه بنود الاتفاق الأوّلي ـ رفضت مجموعة من القوى السياسية وبعض الشخصيات السودانية المستقلة مقترح التسوية، متحفظة على بعض بنوده.
وحسب مصادر مقربة من الأحزاب الداعمة لمقترح التسوية، تواصلت معهم «الأيام نيوز» فإن: “وثيقة الثلاثية تعتمد بشكل أساسي على الإعلان الدستوري الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين”.
تنازلات مزدوجة
ويرى الصحافي السوداني عبد الرحيم كمال، أن: “القوى السياسية المنضوية تحت مسمّى، الحرية والتغيير منخرطة حاليا في تنسيق واسع مع قوى” ـ تعتبر نفسها ممثلة لما يسمى (الثورة) ـ من بينها (لجان مقاومة) ومنظمات مجتمع مدني وتجمعات مهنيين “من أجل الخروج بإعلان سياسي موحّد يؤدي إلى تشكيل جبهة مدنية عريضة”.
ويقول كمال في إفادته لـ«الايام نيوز»، إن الآلية الثلاثية قد “تمكنت من التوصل إلى تصور مبدئي للحل عبر وثيقة تم مناقشتها مع المكونين المدني والعسكري”، كاشفا عما أسماه “تنازلات مزدوجة” بين المكونين، تقوم على أن “يتنازل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن بيان الرابع من يوليو الذي أعلن فيه الانسحاب من العمل السياسي، وفي المقابل تراجع قوى الحرية والتغيير عن مبدأ عدم التفاوض أو الشراكة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.
وحسب المتحدّث ذاته، فإن الآلية الثلاثية تسعى الآن إلى عقد اجتماع نهائي بين قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي – والمكون العسكري لمناقشة إطلاق عملية سياسية جديدة تسمح للمدنيين بتشكيل سلطة مدنية كاملة، على أن يكون عبد الفتاح البرهان قائدا للجيش ومحمد حمدان دقلو قائدا لقوات الدعم السريع”، ويؤكد كمال أن “الحكومة القادمة سوف تكون مدنية، وتقود الحياة السياسية للفترة الانتقالية، على أن تفرش الأرضية للاستحقاقات الانتخابية القادمة التي ستحدد شكل الحكم القادم”.
مقترح نقابة المحامين كإطار للتسوية
وحسب الإفادات التي كشفت عنها الآلية الثلاثية التي تقود المحادثات بين القوى السياسية السودانية، فإنها تعتمد على مسودة الدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين السودانيين كإطار للمرحلة الانتقالية، وكان مشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين الشهر الماضي، كإطار لإدارة الفترة الانتقالية، قد لاقي قبولا واسعا في الأوساط السودانية.
وينص المشروع على إقامة دولة مدنية تتبع نظام الحكم الفدرالي وتنأى بالمؤسسة العسكرية عن العمل السياسي والحكم، ويقضي المشروع إلى دمج كل الحركات المسلحة في جيش نظامي مهني واحد، ويحدّد مهام المؤسسة العسكرية في الدفاع عن سيادة وحماية حدود البلاد وحماية الدستور الانتقالي وتنفيذ السياسات العسكرية والأمنية للدولة، كما ينص على تبعية جهازي الشرطة والأمن إلى السلطة التنفيذية، على أن يكون رئيس الوزراء هو القائد الأعلى له.
لجان المقاومة والاقتراح المضاد
من جهة أخرى رفضت ما تسمى بـ”لجان المقاومة الشعبية” التي تقود الحراك الثوري في الشارع السوداني مقترح التسوية، ووقع عدد من كياناتها، مؤخراً على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب)، بهدف قطع الطريق أمام أي عمليات تسوية سياسية مقترحة.
ويقول تاج الدين إسحاق، (عضو اللجنة الفنية للجان المقاومة) إن “الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب المعلن خطوة في اتجاه صحيح نحو توحيد لجان المقاومة تحت مظلة برنامج سياسي واحد لإدارة الفترة الانتقالية عقب إسقاط الانقلاب” حسب وصفه.
ويرى إسحاق في إفادته لـ«الأيام نيوز» أن “مقترح الميثاق يمهد العتبة الأولى لوحدة قوى الثورة لإحداث اختراق في المشهد السياسي السوداني الحالي، وصولاً لإسقاط الانقلاب”.
ويقلل إسحاق من تأثير مواقف بعض القوى السياسية والتنسيقات من داخل لجان المقاومة، التي رفضت الميثاق المقترح، لأسباب أبرزها أنه يعبر عن رؤية الحزب الشيوعي السوداني، وليس جميع القوى المنضمة للجان، قائلا إن: “الميثاق لا يعبّر عن رؤية حزبية، بل على العكس من ذلك يسعى لتحويل السلطة إلى الشعب بانتزاعها من النادي السياسي النخبوي، بشقيه التقليدي والحديث، كونه يخدم أهداف تحالف التبعية للأطماع الخارجية ضد مصالح الغالبية العظمى من الشعب السوداني”.
ويضيف إسحاق: إن “الميثاق أعدته لجان مختصة تمثل طيفا واسعا من قوى لجان المقاومة، وهو بمثابة مسودة للنقاش والتوقيع”، مؤكدا أن “معظم القوى المشكلة للجان المقاومة قد وقعت عليه، حيث بلغ عدد الكيانات الموقعة إلى 50 كيان سياسي، الأمر الذي ينف تهمة تبعيته لحزب واحد”.
ويتضمن الميثاق الذي أعلنته لجان المقاومة، على خمسة مرتكزات أساسية متمثلة في الأحكام العامة، الإعلان السياسي، سلطة الشعب -البرلمان- ميثاق الشرف السياسي، برنامج الفترة الانتقالية والدستور.
وعاب عدد من السياسيين المحسوبين على تيار قوى الحرية والتغيير، إن الميثاق يكشف عن نفس أيدلوجي واضح يعبر عن رؤى الحرب الشيوعي السوداني، كما لا يتضمن على خطط تفصيلية بل على أحكام عامة.
كما رفضت قوى الحرية والتغيير تلبية دعوة حضور فعالية التوقيع على الميثاق، لتجاهلها أثناء إعداد مسودة الميثاق، والإصرار على إعداده “بشكل منفرد” من قبل من قالت إنهم موالون لحزب معين، في إشارة إلى “الحزب الشيوعي السوداني”.