السياحة الروحية تثير جدلا في مصر

انشغل جزء من الرأي العام المصري ـ خلال الأسبوع الماضي ـ بالحفل الأسطوري الذي أقامته إحدى أكبر دور الأزياء الإيطالية بين جنبات مناطق أثرية بالأقصر، وانقسم متابعو مواقع التواصل الاجتماعي، بين مُرحب باستغلال هذا الحدث من أجل الترويج للسياحة المصرية في الخارج، لا سيما وأن شخصيات مهمة قد حضرت هذا النشاط، وبين مُعارض لهذا الحدث الذي جرى في أحد أهم المعالم الأثرية ذات البعد الروحي للتاريخ الفرعوني العريق.

وجاء تنظيم هذا النشاط بعد أن تقدمت إحدى أكبر دور الأزياء الايطالية الشهيرة بطلب للحكومة المصرية لاستغلال المناطق الأثرية في إقامة عرض أزياء عالمي، لا سيما بعد الاهتمام المتزايد لوزارة السياحة والآثار المصرية، لإنعاش السياحة الثقافية، بعد سنوات من الركود الذي أصاب القطاع السياحي نتيجة الأوضاع السياسية بعد الثورة، فضلا عن الجائحة الصحية التي شلت قطاعات السياحة والآثار.

وبعد موافقة الوزارة الوصية تم برمجت الحفل على مرحلتين، المرحلة الأولى منه وهي الافتتاح وحفل العشاء، وكان ذلك بين جنبات معبد الأقصر على شط النيل، بينما المرحلة الثانية هي عرض الأزياء وخطوط الموضة الجديدة والفقرات الفنية، وذلك تم بين جنبات معبد حتشبسوت بالدير البحري في مدينة الأقصر (جنوب مصر).

مشروع تنشيط السياحة الثقافية والأثرية  

كانت وزارة السياحة والآثار قد كشفت منذ بداية العام الماضي، عن مشروع طموح يهدف إلى استعادة الاهتمام بالسياحة الثقافية والأثرية في مصر، ذلك بعد أن تراجعت مصر عدة درجات في قائمة الوجهات السياحية العالمية، حيث استغلت عدد من الدول المنافسة الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تبعت ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013، لترويج عروضها السياحية البديلة للوجهة المصرية، وعلى رأس تلك الدول كل من تركيا واليونان.

كما تسببت “جائحة كورونا” في تراجع النشاط السياحي بشكل كبير، ما دفع الوزارة والهيئات المكلفة بتنشيط السياحة ـ فضلا عن الشركات السياحية الخاصة ـ إلى إطلاق عدد من الأنشطة المتعلقة بالترويج للسياحة الثقافية والأثرية، كهدف رئيس لاستعادة ثقة السائح الأجنبي، لا سيما وأن البلاد ترقد على تراث أثري هائل، فضلا عن المعالم الثقافية والروحية العتيقة كمعابد الأقصر وأسوان، ووادي الملوك، وأهرامات الجيزة، بالإضافة إلى معالم السياحة الروحية الإسلامية والمسيحية في منطقة مجمع الأديان.

وقد بدأ هذا المشروع بافتتاح المتحف الكبير والعرض الكبير الذي شاهده العالم لموكب نقل الموميات، ثم الحفل الأسطوري لافتتاح طريق الكباش في الأقصر، ليأتي الحفل الخاص بعرض الأزياء العالمي في معابد الأقصر.

الموضة في حضن التاريخ ولكن

يرى تامر أبو عرب أحد الناشطين في مجال السياحة: “أن إقامة عروض أزياء أجنبية في إحدى أهم المعالم الأثرية والروحية على مستوى العالم، يعد نوعا من التسليع لتاريخ عريق، لا سيما وأن النشاط أقيم في معبد يحمل الكثير من القداسة عند أسلافنا”.

ويقول أبو عرب الذي نشر عدد من التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، في تبريره لرفض الفعاليات، في إفادة خاصة لـ«الأيام نيوز»، أنه ليس ضد إقامة الاحتفال بشكل مطلق في مصر، لكنه: “لا يرى أي ضرورة لإقامتها في معبد يؤرخ لعلاقات المصريين القدماء بربهم”.

ويضيف أبو عرب: “مهما اختلفنا أو اتفقنا مع تلك الديانات التي اعتنقها أسلافنا، فإنها تبقى جزءًا من التاريخ الروحي للمصريين، وينبغي مراعاة ذلك، والحفاظ على قداسة المكان باعتباره معبدا تاريخياً، وأكبر متحف مفتوح على الهواء الطلق على مستوى العالم”.

ويتساءل أبو عرب: “هل يمكن أن يسمح الفرنسيون بإقامة عروض أزياء داخل متحف اللوفر في باريس؟!” ليجيب: “لا أظن أن هذا مرحب به لديهم، فما بالك إذا كان المكان ليس مجرد متحف بل أقدم معبد تاريخي”.

ويشدد أبو عرب بالقول: “نتفهم تماما أغراض تنشيط السياحة، وإعادة بعثها، وتسليط الأضواء على الأهمية التاريخية والسياحية لمصر، لكن ليس إلى الدرجة التي تدفع لإقامة عروض أزياء وحفلات عشاء ساهر في المعابد”.

ويقترح أبو عرب إمكانية استغلال معالم أخرى: “كالقصور الأثرية لتنظيم مثل هذه الاحتفالات عوض عقدها في المعابد الفرعونية”.

من جهته يرى محمد عثمان (رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية بالصعيد)، أن: “الحفل كان مناسبة جيدة لإعادة بعث السياحة الثقافية والأثرية والروحية، وربطها بنشاط يتابعه ملايين البشر عبر العالم”.

ويضيف عثمان في إفادته لـ«الأيام نيوز»، أن المناسبة كانت مميزة نظرا لأسباب كثيرة من بينها “إنها المرة الأولى التي يتم فيها المزج بين عروض الأوبرا مع عروض الأزياء ورؤية الآثار”، مضيفا أن: “عروض الأزياء تلك راعت خصوصية الموقع وصممت خطوطا تعبر عن تميّز الحضارة الفرعونية في الملابس والمظهر، وكذلك تميز الحفل بجذب سياح ذوي إنفاق مرتفع لرؤية معالم السياحة المصرية، وهذه (دعاية كبيرة لمصر)، ويبشر بموسم سياحي ضخم، خاصة مع اقتراب الاحتفال بمرور 100 سنة على اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون”.

ويكشف عثمان، أن “مصر تلقت إلى جانب هذا الحفل 5 عروض أخرى من شركات أزياء في فرنسا وألمانيا واليابان ترغب في إقامة حفلات مماثلة بين جنبات المواقع الأثرية المصرية في الأقصر وأسوان والجيزة”.

ويؤكد عثمان: “أن الحفل حضره أكثر من 500 شخصية من المشاهير ونجوم عالم الموضة من 38 جنسية من شتى أنحاء العالم، حضروا إلى الأقصر مباشرة على متن 50 طائرة خاصة، وحضرت لتغطيته 125 قناة تليفزيونية عالمية متخصصة في الموضة وجميعها ستسلط الضوء على منطقة آثار الأقصر والمناظر الخلابة بها”.

وعن المكاسب المادية التي تحققت فعليا لمصر من تنظيم هذا الحفل، يجيب عثمان: “أن هذا الحفل أدخل لخزينة الدولة المصرية 6 ملايين دولار هي قيمة ما دفعته وأنفقته شركة الأزياء، فضلا عن الدعاية الضخمة التي ستدر أرباحا كبيرة للبلاد فيما بعد، وهي قيمة مادية تفوق إضعاف الغلاف المالي المذكور”.

وتسعى الدولة المصرية عبر جملة من الأنشطة التي ترافقها رعاية الجهات السيادية، إلى التصدر في قائمة الوجهات السياحية الأكثر جذبا من خلال مشروع تنشيط السياحة الثقافية والروحية بجانب السياحة الأثرية، والترفيهية والعلاجية، وسياحة الفعاليات الكبرى والمؤتمرات.

محمود أبو بكر - القاهرة

محمود أبو بكر - القاهرة

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
تحتلّ المرتبة الثانية إفريقيًا.. الجزائر تطمح لبلوغ 20 ألف مؤسسة ناشئة بحلول 2029 رئيس زمبابوي:"لا تحرر لأفريقيا دون استقلال الصحراء الغربية" سوناطراك تُعزّز قدرات مستشفى الحروق الكبرى بمعدات حديثة إجراءات مشددة لدخول مكة هذا الموسم..تعرف عليها وزير الداخلية يأمر باستكمال مشاريع الحماية المدنية قبل موسم الاصطياف مشروع التصفية الكبرى في غزة.. هل يسكت العالم على نكبة القرن؟ وكالة "عدل" تُفنّد اتهامات والي وهران محادثات في جدة حول أوكرانيا.. "دبلوماسية الفنادق" تفرض إيقاعها آفاق جديدة للتعاون الجزائري الإثيوبي في قطاعات حيوية نداء أممي لرفع الحصار عن غزة وإدخال المساعدات فورًا ديوان الحج والعمرة يعلن فتح بوابة برمجة رحلات الحج بالتعاون مع اليونسكو.. توثيق رقمي ثلاثي الأبعاد لموقع تيمقاد الأثري نهاية مسلسل الاختراق.. "إسرائيل" تزحف داخل المغرب الحكومة الفرنسية تعتبر إشادة تبون بماكرون خطوة نحو تجاوز الخلافات وزير الثقافة: "السينما الجزائرية تشهد ديناميكية حقيقية" بينما الأمم المتحدة تتفرج.. الاحتلال المغربي يستمر في قمع الصحراويين تحذيرات جوية.. عواصف رعدية وأمطار غزيرة بهذه الولايات في ظل تحديات إقليمية ودولية.. قرارات رئاسية حاسمة العلاقات الجزائرية الفرنسية.. الرئيس تبون يضع النقاط ويحدّد المسار الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات استثنائية للجالية الوطنية بالخارج