الشباب التونسي وأحلام الهجرة في “قوارب الموت”

رغم الحوادث المُتكرّرة، رهبةُ الموت غرقا في عرض البحر لم “تُقنع” الشباب التونسي بالتخلّي عن حلم الجنّة الموعودة في دول أوروبا، فهم يُجدّدون المغامرة صوب المجهول، ويُطاردون ذلك الحلم، الذي تحوّل في كثير من المرّات، إلى كابوس متوحّش. فالأنباء تتدفّق كل يوم حاملة أنباء عن تسجيل مفقودين في البحر، أو انتشال لجثث شباب وأطفال ونساء وأحيانا عائلات بأكملها.

ولم تستطع هذه الأخبار والأحداث المأساوية أن تُولّد الوعي بأن الهجرة غير الشرعية هي مغامرة صوب الموت، والخسارة فيها أكبر بكثير من احتمال النجاح. وقد امتدّ ذلك الحلم من الفئات التونسية البسيطة والواقعة تحت رحى المعاناة، ليصل إلى الفئات النخبوية، من أطبّاء ومهندسين وكفاءات علمية، التي يُفترض فيها امتلاك قدر عميق من الوعي والإدراك لمعنى ركوب البحر في قوارب الوهم.

فكرة الهجرة غير الشرعية (الحرقة) صارت محل جدل وقضية للنقاش، ليس في اجتماعات الشباب فحسبن بل تسللت إلى العائلات التونسية التّي تُموّل هذه الهجرة وكأنها تُموّل مشروع دراسة أو عملا استثماريا.

الأرقام الرسمية تفيد بأنه خلال النصف الأول من العام الحالي تم ضبط 9111 شخصا في محاولات اجتياز للحدود البحرية من بينهم المئات من القصر. ويسعى مهاجرون من تونس ودول أجنبية، أغلبها من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إلى عبور البحر على متن قوارب صغيرة انطلاقا من السواحل التونسية، نحو أقرب نقطة من السواحل الأوروبية، لا سيما السواحل الإيطالية، من أجل الحصول على فرص حياة أفضل.

وقد كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يعنى بالهجرة، في آخر تقرير له أن 2206 مهاجرا تونسيا، وصلوا إلى ايطاليا حتى نهاية ماي من هذا العام، بينما بلغ عدد الضحايا والمفقودين 400 شخص، فيما قالت وزارة الداخلية التونسية أنها ضبطت في 2021 أكثر من 20 ألف مهاجر في عمليات هجرة غير شرعية، يُمثّل الأجانب أكثر من نصفهم.

وقال “زهير بن جنات” المختص في علم النفس الاجتماعي، حول آخر دراسة أشرف على إعدادها تحت عنوان “جائحة كوفيد 19 وتطور النوايا الهجريّة لدى الأسر التونسية”، وتحت رعاية المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن 70 بالمائة من العيّنة المستجوبة وهي 81 أسرة تونسية أقرّت بأن الظروف الاقتصادية في الخارج أفضل من تونس، وتُعدّ من أهمّ العوامل المُحفّزة على الهجرة .

وكشفت “بن جنات” لجريدة “الأيام نيوز” بأنه خلال الفترة الممتدة بين 15 جوان و15 جويلية 2021 أي بداية الارتفاع القياسي لنسق العدوى وذروة التوتر السياسي وارتفاع التجمعات الاحتجاجية، بيّن 65 بالمائة من المستجوبين أن المستقبل مضمون أكثر في الخارج، و58 بالمائة منهم أظهروا أن مستقبل أطفالهم سيكون أفضل في بلد الاستقبال الأوروبي.

وأضاف “بن جنات” أنه من أهمّ العوامل المُحفزّة على الهجرة هو العامل النفسي والمُتمثّل في اليأس من حال البلاد وعدم الاطمئنان للمستقبل وفقدان الأمل في التغيير، كما تتغير الأفضلية من بلد أوروبي إلى آخر، حيث أن فرنسا  تتمتع بالنصيب الأوفر من أفضل بلدان الوجهة حسب ترتيب أصحاب المشاريع الهجرية بنسبة تفوق 28 بالمائة، تليها ايطاليا بنسبة 15 بالمائة، ثم كندا بنسبة تجاوز 13 بالمائة، وبعدها ألمانيا بنسبة تفوق 12 بالمائة، فدول الخليج بنسبة تقارب 8 بالمائة، ثم الدول الإسكندنافية وهي النرويج والسويد والدنمارك بنسب متقاربة تجاوزت 7 بالمائة.

وأضح “بن جنات” أنهه بعد أكثر من عشر سنوات من الثورة، لم يبق أمام الشباب إلا ركوب البحر، هروبا من جحيم البطالة، حتى لو اضطره الأمر لركوب قوافل الموت، نظرا أرقام البطالة المرتفعة، مقابل تزايد التذمّر المجتمعي وبيئة التيئيس، وحركة المطالب الشبابية التي لم تجد من يُصغي إليها.

واعتبر “بن جنات” أن هدف الهجرة لم يعد مرتبطا بعوامل معينة كالفقر، بل أصبح مشروعا عائليا، وطموحا تسلل إلى داخل الأسر التونسية التي نراها اليوم تُموّل هجرة أبنائها وكأنه مشروع الهدف منهم ضمان تكوين دراسي أفضل ومستقبل مهني وحياة مستقرة، ويرجع هذا إلى السنوات الأخيرة التي عاشتها تونس في ظل التوترات السياسية وعدم استقرار الحكومات وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتراجع مؤشرات التنمية.

وتوقع المختص في علم الاجتماع أن تتعمّق مظاهر الهشاشة وعدم الاطمئنان على المستقبل، نتيجة السياسات العمومية التي لم تأخذ بعين الاعتبار التحولات الجديدة في مستوى احتياجات الشباب وطموحاته، وهو ما دفع إلى الضيق بالوطن والبحث عن وسائل للهجرة سوائل كانت شرعية أو غير شرعية، لتأمين حياة أفضل في الدوّل الأوروبية.

وأوضح “بن جنات” بأن تونس أصبحت تعيش مشكلا وهو تشديد إجراءات السفر من قبل دول الاتحاد الأوروبي حتى بالنسبة للجامعيين الذين أصبح أغلبهم يتحصّل بصعوبة على تأشيرة السفر حتى وإن تعلّق الأمر بحضور الندوات واللقاءات العلمية. وهذا دليل على أن الخارج لم يعد يثق في السياق التونسي الحالي، وهو أمرٌ دفع بالعديد من الشباب إلى انتهاج طرق عديدة من أجل الهجرة إلى الدول الأوروبية، مثل المرور بدول لا تشترط الحصول على تأشيرة.

جهاد الكلبوسي - تونس

جهاد الكلبوسي - تونس

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
إعادة تركيب الصورة المحطمة.. ديبلوماسية ماكرون في مرآة فرنسا الاستعمارية "إسرائيل" العالقة في مستنقع الموت تسأل: هل حرب غزة بلا نهاية؟ سموتريتش على اليمين وديرمر على اليسار.. نتنياهو يحاصر العالم بالشياطين قطع غيار إلى تونس ومعدات كهربائية إلى العراق.. سونلغاز تطلق حملة تصدير طموحة أحد أقطاب الأمن لدى الكيان يجيب.. هل الصهاينة من صنف البشر؟ انتهاكات المخزن بحق الصحراويين على طاولة مجلس حقوق الإنسان بجنيف سانشيز يهنئ الرئيس تبون ويؤكد: الجزائر ستجد دوماً في إسبانيا شريكاً وصديقاً موثوقاً قوجيل: الجزائر الجديدة نجحت في تعزيز الديمقراطية والشعب اختار رئيسه بحرية وسيادة عشية المولد النبوي.. حجز أزيد من 190 ألف وحدة من المفرقعات والألعاب النارية بالعاصمة رئيس تشاد يهنئ تبون بمناسبة انتخابه لولاية رئاسية جديدة رسميا.. شريف الوزاني يغادر نادي شبيبة الساورة التمدد الصهيوني الاستطاني يهدّد مواقع التراث الفلسطينية رسميا.. عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر لعهدة ثانية بنسبة 84.30 بالمائة للمرة الأولى.. حزب الله يقصف الجليل برشقة صاروخية كبيرة ويدمر ميركافا صهيونية مجمع “سونلغاز” يصدر توربينات لتوليد الطاقة الكهربائية نحو العراق رحلت في عيد ميلادها.. بطلة مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" ناهد رشدي في ذمة الله عمرة 2024.. الجوية الجزائرية تطلق خدمة جديدة تونس.. انطلاق الحملة الانتخابية للرئاسيات رئاسيات 2024.. الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات اليوم أسعار النفط تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية.. وبرنت يسجل 71,61 دولار للبرميل