اتّخذت العديد من دول أمريكا اللّاتينية ردود أفعال قويّة ومعادية ضدّ الكيان الصّهيوني إثر حرب الإبادة الجماعية التي يقترفها الكيان الصّهيوني ضدّ أهلنا في قطاع غزّة من جرائم قتل لعشرات الآلاف من الأطفال والنّساء والشّيوخ، وتدمير للبيوت على رؤوس قاطنيها، وتدمير لدور العبادة من مساجد وكنائس، وكذلك للمدارس والمستشفيات، وفرض حصار جائر على كافّة السكّان المدنيين، ممّا أدّى إلى مجاعة قاتلة.
هذه الجرائم الفظيعة أثارت الرّأي العام العالمي ضدّ الكيان الصّهيوني، بما في ذلك شعوب ودول أمريكا اللّاتينية، ممّا أدّى إلى قيام بعض هذه الدّول بقطع علاقاتها الدّبلوماسية مع الكيان الصّهيوني؛ مثل كولومبيا وبولوفيا، وبعضها قاموا باستدعاء سفير الكيان الصّهيوني، وقدّموا له رسائل شديدة اللّهجة حول جرائم الكيان الصّهيوني بحقّ المدنيين الفلسطينيين، ممّا أدّى إلى وجود علاقات متوتّرة بين هذه الدّول والكيان الصّهيوني، كدول البرازيل والمكسيك وفنزويلا وتشيلي.. إلخ.
ولعل أسباب وقوف هذه الدّول وتعاطف شعوبهم مع الشّعب الفلسطيني يعود لعدّة أسباب؛ منها:
- الشعور بالمظلومية:
فلطالما عانت شعوب دول أمريكا اللّاتينية من المظلومية بسبب تدخّل الولايات المتّحدة الأمريكية السّافر في شؤونها الدّاخلية، ومحاولتها تغيير الأنظمة لهذه الدّول، بانقلابات حكم تهدف إلى استبدال زعماء يساريين بآخرين يمينيين، أو بمجالس عسكرية خاضعة لرغبة أمريكا، أو بدعم أنظمة استبدادية سلطوية وفق المقياس الأمريكي؛ وذلك بهدف فرض مصالحها، وتعزيز نفوذها في تلك الدّول؛ ممّا أدّى إلى سخط تلك الشّعوب على أمريكا وشعورهم بالاضطهاد والظّلم.
هذا الشّعور يدفع صاحبه للتّعاطف مع كلّ مظلوم، كما يقول باحثًا علماء النّفس الاجتماعي (هودجز ومايرز)، رغم اختلاف البيئة والعرق واللّغة والدّين؛ لأنّ المرء تختلجه مشاعر الآخرين، حيث يتقمّص حالته العاطفية، ما يجعله يشعر بالضّيق، وعادة ما يرتبط بسبب المرور بتجربة مشابهة سابقاً، ما يجعل مشاعر التّعاطف أكثر حدّة، وتفتح الباب للرّغبة في المساعدة وتقديم العون.
لذلك نجد أنّ شعوب أمريكا اللّاتينية من أكثر الشّعوب تعاطفاً مع الفلسطينيين، لا سيما لشعورهم أنّ أمريكا لها اليد الطولى في ظلمهم للشّعب الفلسطيني، وذلك لمشاركتهم الكيان الصّهيوني، ودعمهم إيّاه في إبادة الشّعب الفلسطيني.
- تواجد جاليه عربية:
وجود جالية عربية كبيرة في هذه الدّول لها تأثير كبير على الرّأي العام في تلك الدّول. وعلى سبيل المثال يوجد في تشيلي نحو 500.000 مواطن فلسطيني، وبعضهم يشغل مناصب حكومية مهمّة ورفيعة، كذلك الشّأن في البرازيل، وهؤلاء لهم تأثير كبير في الرّأي العام لتلك الدّول.
- صعود أحزاب يسارية:
المتأمّل في واقع العالم اليوم، يجد أنّ الأحزاب اليمينية المتطرّفة أخذت في الصّعود في أغلب دول أوروبا، وقابَل ذلك صعود أحزاب يسارية في أمريكا اللّاتينية، لذلك نجد أنّ مواقف الدّول في أمريكا اللّاتينية، والتي بدأ يحكمها كثير من الأحزاب اليسارية معادية لسياسة الولايات المتّحدة الأمريكية ودول أوروبا تقف ضدّ توجّهات الدّول الغربية المؤيّدة للكيان الصّهيوني.
في الختام، فإنّ عنجهية الكيان الصّهيوني، وما اقترفه من مجاز بشعة بحقّ أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة، ومخالفتهم لكافّة القوانين والأعراف الدّولية، وعدم اكتراثهم بقرارات محكمة العدل الدّولية، واستمرارهم في الإبادة الجماعية، جعل من كلّ إنسان حرّ معادياً للكيان الصّهيوني، ويقف ويتعاطف مع الشّعب الفلسطيني. وما ظاهرة احتجاج الطلّاب في الجامعات الأمريكية وسائر دول العالم، إلّا مؤشّر ودليل ساطع على ذلك؛ ممّا يدلّ على تحوّل الرّأي العام العالمي من تعاطف للكيان الغاصب إلى معادي له، إضافة إلى تخلّي النّاس وكافّة الشّعوب عنه ممّا جعل الكيان الغاصب يعيش في عزلة وجفاء لم يشهدها من قبل، وهذا التحوّل هو بداية سقوط الكيان الصّهيوني بإذن الله.