العار في معبر رفح والأطماع في محور فيلادلفيا.. مصر “السيسي”.. “غطّيني يا صفية مفيش فايدة”!

سيحفظ التاريخ لغزة، بطوفان أقصاها وبمأساة محرقتها التي التهمت إنسانها وسط طعنات الظهر من الأقربين قبل الأغربين، أنها كانت الغربال الذي ميز الخبيث من الطيب، والبائع من الشاري، وذلك بتساو مطلق، لم يترك وراءه مجالا للتموقع خارج واحد من ثنائية “إما عميل خائن تقاضى حصته من صفقة البيع، أو بطل ثابت ينتظر لحظة استشهاده في ساحة الرجولة”..

مصر المعز، ومصر أم الدنيا، ومصر جمال الناصر ومصر “الجدعنة “، وفوق هذا وذاك، مصر ذلك الزعيم الذي ما زال تمثاله يتوسط محطة الرمل بالإسكندرية، معلنا أنه مر من هناك جدع مصري، تحدى مقابض البنادق البريطانية بمعاول الفلاحين، ليختم حياته بخيبة قاتلة عنوان خذلانها، صورة لعجوز منكسر هرع لسريره منهارا، بحثا عن غطاء، ليقول لزوجته مستسلما رغم أنه “سعد زغلول” الزعيم: “غطيني يا صفية مفيش فايدة”! قُلنا، مصر تلك، والتي كانت محروسة الأمة العربية ومصدر عزتها وعروبتها، تمخضت على “سيسي” أو بواب عمارة برتبة “شاويش” معابر، أخرجها من عزة نيلها وتاريخها وألقى بها إلى حيث الجُب ذئبا، وإلى حيث السفارة “نتنياهو” لم يتردد في تمديد أرجله إلى فراش النيل، مرددا أنه قادم من أغوار التاريخ، ليؤسس من على ظهرها وظهر السيسي وزمن “البوابين”، حلم “إسرائيل” الكبرى، وكل ذلك بعد أن أصبحت السفارة هي قلب و”سيسي” العمارة..

ما كشفته مجريات محاكمة الكيان الصهيوني في محكمة لاهاي عن الدور المصري القذر في معبر رفح، وما فضحه محامي الدفاع الإسرائيلي عن تورط مصر في مذبحة منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة من معبر رفح، ليس إلا ذلك العار الذي أخرج قاهرة المعز من عباءة المحروسة التاريخية، التي كانت عاصمة الأمة، فأضحت “القاصمة” لظهرها، فمصر “السيسي”. وبعد الاتهام الصريح الذي شهد عليه العالم كله، صفعها ساسة الكيان الصهيوني، رغم كل خدمات السيسي التاريخية له، لتقول ملة نتنياهو للعالم إنه كما فلسطين لم يخنها ويخذلها إلا ذووها من حكام وأنظمة وحتى شعوب مستكينة، فإن مصر الأمة أضحت هي الخنجر المغروز في الخاصرة العربية، وذلك بعد أن أخرجت محاكمة لاهاي الزعيم التاريخي سعد زغلول من قبره ومعه كل تاريخ “الجدعنة” بأم الدنيا، ليصرخ في كل “صفية” من حرائر الأمة: “غطي مصر يا صفية، مفيش فايدة! “. فترى، ماذا جرى لمصر؟ وكيف انتهى الحال بمحروسة العرب لأن تهوى من بطولة كانت هي “العبور” العربي في بارليف الرجال، ليرسو مزادها على دور الشاويش “عتريس” في محاصرة أمة من “معبر” يدعى رفح وسيسي أيضا؟

من مصر “العبور” إلى مصر “المعبر”.. وين “الغطاء” يا صفية؟

في واحدة من المخططات والأجندات التاريخية التي تواصل تمددها بثبات منقطع النظير، لم يتردد في تسعينيات القرن الماضي، السياسي الأمريكي المعروف بيهوديته والمدعو “ريتشارد بيرل”، والذي كان مقربا من جورج بوش، في التصريح العلني على أن العراق هدف تكتيكي والسعودية هدف إستراتيجي، أما مصر فإنها الجائزة الكبرى، التي ستكون في عرف لعبة الظلام نهاية المسار في تجسيد الحلم والمشروع الصهيوني، وهو لسان وصورة ونتيجة الحال الذي نعايش أطوار تجسيده، بعد أن تم جر قاهرة المعز إلى وحل الخنوع بشكل لم يكتف بتجريدها من دورها التاريخي كقلب نابض للأمة، ولكن بتحويلها لدرع حام لـ “إسرائيل” ومعابر ومخططات وأجندات صهيون، وهو ما يسمى بالجائزة الكبرى، التي كان يكفي أن تتحصل عليها “إسرائيل”، ليتم تحييد القدس كقضية والعرب كأمة، ناهيك عن تحييد مصر كـ”قِبلة” صمود وخط دفاع أخير كان هو صمام البقاء في حياة الأمة..

مصر السيسي، وبعد أن عرت محاكمة لاهاي دورها في محاصرة غزة من خلال خنق أطفالها في حليبهم برفح، لم يعد لها من ذكر إلا ما سبق من تاريخ كان عبد الناصر وكان أكتوبر العبور وملحمة بارليف. أما حالها اليوم، فإنها مصر الشاويش عتريس، الذي قايض بقاءه على رأس عرشه بحراسة معبر يسمى رفح، فيما التاريخ الذي كان لم يعد إلا سفارة في عمارة عنوانها أن مصر باعت ملحمة العبور في كامب ديفيد، لتجدد البيعة والبيع في زمن السيسي بمعبر رفح، معلنة للعالم أنه آن لتمثال سعد زغلول أن يصرخ في واقع اليوم: “غطيني يا مصر، مفيش فايدة.”.

بعبارة أخرى، وبعيدا عن كل التهاوي والسقوط والردة التي طالت الأمة من مصرها إلى بغدادها وصولا إلى “مكتها”، التي مسختها عمائم آل سعود وأخرجتها من أي صلاة ودعاء، فإن ما انتهت إليه قاهرة المعز من مآل “سيسي” وبائس، ليس إلا فصلا أخيرا من أجندة تفتيت معولمة، استثمرت في إنتاج وتفريخ حكام مرحلة على مقاس الخنوع والتبعية والخضوع، وطبعا لا مجال للصدفة فيما حدث، فالمخابر العالمية وقبل أن تعزل الأمة في مصرها ومكتها وبغدادها، كان لابد لها من طينة “سيسي” على رأس العروش العربية، ومن المحيط إلى الخليج، فإن السيسي كما بن سلمان وزايد الإمارات وسادس المغرب، ليسو إلا استنساخا مخبريا لحاكم وخانع واحد، حتى وإن اختلفت مسميات وشكل وطرق السيطرة والتحكم فيه، إلا أنه علامة من منتج واحد، عنوانه أن ليست الأوطان العربية ولا الشعوب من تم تدجينها، ولكنها عروش الحكم التي تم اصطناعها لهذا الغرض وتلك الغاية، التي انتهت بمصر – مثلا – ورغم كل تاريخها الذي كان – إلى محطة الدولة المعبر أو إلى نظام الشاويش والبواب الذي لا يهمه إن باع الأمة كلها، مادامت الصفقة عرش وسيسي متجدد العهدات والانتخاب والخنوع..

الصحن ” فيلادلفيا”، والصفقة “بقلها وفومها وعدسها”.. !

القادم من مخاوف على غد مصر ليس ما نراه اليوم من إقالة وتحييد اقترنا بعزل وإعدام كل دور لمن كانت هي حصن الأمة العربية وخط صمودها ودفاعها الأخير، ولكنه كابوس التبعية المطلقة والإنهاء التام لكل سيادة افتراضية لمصر على أرضيها، وهو الأمر الذي لاحت بوادر تجسيده في إستراتجية الجائزة الكبرى، وخاصة بعد أن أعلنها نتنياهو بصريح العبارة والجرأة مطالبا عرش الشاويش عتريس بمحور فيلادلفيا، كمرحلة ما بعد محرقة غزة، وبعيدا عما يسمى غضبا مصريا افتراضيا ردا على المطامع الإسرائيلية، إلا أن الحقيقة المغيّبة في صفقات ” بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا” التي أصبحت هي لسان الحُكم في مصر السيسي، أن مصر “العبور” الكبير لم تعد إلا لعبة معابر إسرائيلية، ومن معبر رفح إلى محور فيلادلفيا وما يحاك حوله كأمر واقع الحدوث، فإن حالة مصر اليوم أنها قايضت الذي هو خير بالذي هو أدنى. أما المقابل لتلك الصفقات، فإنه البصل والفوم والعدس، وطبعا الطباخ كما الطبيخ، ليس إلا زمن سيسي هوى بأم الدنيا إلى القاع من أجل أن يملأ عبد الفتاح ثلاجة بيته التي اشتكى يوما أنها لم تكن تحوي إلا الماء وذلك لعشر سنوات من سنوات عجاف..

مجمل القول ومنتهاه، التنازلات المصري لصالح الكيان الصهيوني لن تتوقف عند حدود فيلادلفيا ولا محورها، ولكنها ستنتهي إلى سيناء ومخطط التهجير القسري لسكان غزة باتجاه صحراء سيناء، والذي تم تأجيله نتيجة ردود الفعل الدولية، سيكون المحطة القادمة في مخطط شامل عنوانه أن المشاريع الصهيونية، يمكن أن تؤجل لكنها في نهاية المطاف ستتجسد ولو بعد حين. وإلى ذلك الحين، فإن مصر ليست مصر، كما أن “غطيني يا صفية، مفيش فايدة”، كانت المقدمة لمقولة ثائر عاد مثخنا بالخيبة بعد سنوات من القتال، ليتهاوى مستسلما وصارخا في زمنه وزمن كل سيسي قادم: ” كلهم كاذبون يا رفيقي.. لا المطرب العاطفي عاشق، ولا المذيع المُتحمس يُحب وطنه، ولا رجل الدين يعرف الله”…

ذلك الثائر لم يكن إلا تشي غيفارا، والزمن ليس زمن مصر العبور ولا زمن تشي غيفارا، ولكنه زمن فومها وعدسها وبصل وبقوليات سِيسِها، فسلام على مصر السابقين، فقد انتهى زمن العبور إلى إغلاق معبر وكذا إغلاق مصر.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
بعد قرار محكمة العدل الأوروبية.. ساعة الحسم تتحرّك بتوقيت البوليساريو صفّارات الإنذار تدوّي دون انقطاع .. "إسرائيل" تشهد يوم الهروب العظيم حان وقت الحساب الشعبي.. هل تعيش حكومة المخزن أيامها الأخيرة؟ ناباك 2024.. وهران تُضيء وهج التحوّل الطاقوي بوصلة التاريخ تشير إلى المستقبل.. الجزائر والهند تتجهان نحو شراكة استراتيجية عابرة للقارات تخصيص مساحة 3 ألاف هكتار.. الشروع في إنتاج الحبوب من طرف الإيطاليين بالصحراء جدد دعم الجزائر الثابت للقضية الفلسطينية .. قوجيل يدعو إلى تفعيل اتفاق الجزائر رسميا.. الجزائر تتأهل إلى”كان” 2025 وزارة التربية تفرج عن رزنامة العطل المدرسية محرز احتياطي.. هذه التشكيلة الأساسية لـ “الخضر” في مواجهة توغو شراكة إسبانية مع سيبسا.. إنشاء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر حزب الله يستهدف قاعدة "ستيلا ماريس" البحرية شمالي غربي حيفا في ظرف 24 ساعة.. 9 مدن جزائرية تتصدر قائمة المناطق الأكثر حرا في العالم دفع مجالات الاستثمار والمبادلات التجارية.. هذا ما اتفق عليه تبون مع نظيرته الهندية الجزائر تُوقع مذكرات تفاهم لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى 3 دول أوروبية استحداث أول جامعة للعلوم الصحية في الجزائر اللقاح مجاني.. انطلاق حملة التلقيح السنوية ضد الأنفلونزا الموسمية في اليوم الـ374 من الحرب.. قتلى وجرحى في قصف عنيف بدير البلح استمرار موجة حر عبر عدة ولايات أكتوبر الوردي.. الجزائر تتبنى الأمل في مواجهة سرطان الثدي