يروي الطبيب والناشط في قضايا الجالية العربية بالولايات المتحدة الأمريكية، الدكتور عبد المجيد قطرنجي، عن شاب أمريكي من أصول سودانية أنه تقدّم للحصول على منحة دراسية مخصّصة للأمريكيين من أصول إفريقية، وقوبل طلبه بالرفض من طرف الجهة المانحة بدعوى أنه ليس أسود البشرة، ورغم أن الطالب كانت بشرته داكنة أكثر من بشرة السيدة ـ من أصول إفريقية ـ التي رفضت طلبه، إلا أنها ـ يضيف قطرنجي ـ أجابته قائلة: “آسفة لا يحقّ لك الاستفادة من منحة الأمريكيين الأفارقة لأنك أبيض“.
المفارقة هنا ـ يقول قطرنجي ـ أنّ الشاب صاحب البشرة الأكثر سوادا من السيدة الأمريكية من أصول إفريقية، والقادم من بلد إفريقي، الذي تمّ رفض طلب حصوله على منحة دراسية لاعتباره من ذوي البشرة البيضاء، فقط لأنه من أصل عربي!
قصة الشاب السوداني الأمريكي التي رواها الدكتور عبد المجيد قطرنجي لـ”الأيام نيوز”، تعدّ واحدة من آلاف الحكايات والمواقف التي يعيشها العرب الأمريكيون يوميا، بسبب عدم الاعتراف بهم كأقلية في المجتمع الأمريكي، وتصنيفهم كعرق أبيض في التعداد السكاني.
كم عدد العرب الأمريكيين وأين يعيشون؟
بدأ المهاجرون العرب، القدوم إلى الولايات المتحدة بأعداد كبيرة خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتشير التقديرات إلى أن عددهم أصبح يُقدر بحوالي 3.7 مليون أميركي من أصول عربية حسب المعهد العربي الأمريكي (منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تهتم بدراسة قضايا العرب الأمريكيين)، ويتوزّع العرب الأمريكيون القادمون من عدة دول عربية على مختلف الولايات الأمريكية، لكن أكثر من ثلثيهم يعيشون في عشر ولايات فقط هي كاليفورنيا، ميشيغان، نيويورك، فلوريدا، تكساس، نيوجيرسي، إلينوي، أوهايو، بنسلفانيا وفيرجينيا، وتعد لوس أنجلوس وديترويت ونيويورك موطنًا لثلث العرب الأمريكيين.
وحسب المعهد العربي الأمريكي، فإن غالبية العرب الأمريكيين هم من مواليد الولايات المتحدة، وحوالي 82٪، منهم لديهم الجنسية الأمريكية، ورغم الاختلاف المسجّل بينهم من حيث البلد الأصلي، إلا أن غالبيتهم من لبنان وسوريا وفلسطين ومصر والعراق.
غير مُعترف بهم كأقلية.. لماذا؟
يُرجع المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأمريكي وقضايا الشرق الأوسط، محمد راجح عويص، سبب عدم اعتبار العرب الأمريكيين كأقلية عرقية مثل الأفارقة واللاتينيين وغيرهم من الأقليات، إلى عدم رغبتهم في ذلك.
فأغلب العرب الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في البداية ـ يقول المتحدث لـ”الأيام نيوز”، كانوا مسيحيين من فلسطين ولبنان، وآشوريين وأكراد من العراق وسريان (أقدم الطوائف المسيحية، كانوا يسمون بالآراميين، نسبة إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح الجد الأعلى لجميع الشعوب السامية) من سوريا، ثم التحق الأقباط من مصر.
ولأن العرب يُنظر إليهم دائما كمسلمين، رفض هؤلاء أن يصنّفوا كعرب، وفضّلوا تصنيف “White” أو أبيض، وبحكم ديانتهم المسيحية واليهودية ـ بالنسبة للبعض منهم ـ كان من السهل عليهم الاندماج والانصهار في المجتمع الأمريكي، خاصة وأن غالبيتهم كانوا تجارا ورجال أعمال.
وحتى العرب الذين هاجروا فيما بعد إلى الولايات المتحدة الأمريكية من شمال إفريقيا ـ ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب ـ كان أصل الكثير منهم أمازيغ وبالتالي لم يريدوا أن يتم إدراجهم ضمن أقلية عربية، حسب المتحدث.
عرق أبيض دون امتيازات !
يترتّب على تصنيف العرب الأمريكيين كعرق أبيض، خسارة الكثير من الامتيازات التي تتمتع بها الأقليات الأخرى في المجتمع الأمريكي يقول منجي الذوادي، المدير التنفيذي للتحالف الليبي الأمريكي (منظمة غير ربحية تنشط في مجال دعم الديمقراطية بليبيا، مقرها واشنطن العاصمة)، وقدّم الذوادي، في مقابلة مع “الأيام نيوز”، مثالا عن الامتيازات الضائعة: المنح الدراسية ومناصب العمل، إضافة إلى العقود التي تمنحها الجماعات المحلية للشركات التي يمتلكها أشخاص ينحدرون من الأقليات.
ففي ولاية كونيتيكت، التي كان يقيم بها منجي الذوادي قبل انتقاله إلى واشنطن، تُمنح على الأقل 25℅، من عقود الإنجازات لشركات يمتلكها أشخاص ينتمون لأقليات، ولأننا لسنا أقلية معترف بها ـ يقول المتحدث ـ نخسر كعرب الاستفادة من هكذا امتيازات، وإلى جانب ضياع الكثير من الفرص، يتحدّث منجي الذوادي عن صعوبة جمع بيانات العرب الأمريكيين في استطلاعات الرأي والبحوث العلمية، لأنه لا توجد خانة يصنّفون ضمنها، وبالتالي يستحيل على القائم بالدراسة أو الاستطلاع معرفة توجّهاتهم.
هل يمكن أن يتفق العرب على تصنيف يجمعهم؟
يستبعد المحلّل السياسي المتخصّص في الشأن الأمريكي وقضايا الشرق الأوسط، محمد راجح عويص، أن يتّفق العرب مستقبلا حول تصنيف يجمعهم كأقلية، ويعود ذلك ـ وفق رأيه ـ إلى اختلاف دياناتهم وأصولهم ورفض الكثير منهم أن يكون جزءا من الامتداد الإسلامي، لأن العربي بالنسبة للغرب هو مسلم، وحين يتعلق الأمر بمطلب تحديد أصله، قال محمد راجح عويص، إن “الأمريكي من أصول فلسطينية، يختار خانة “other” أو “آخر”، وأضاف أن معرفة أصله ليست من شأن من يطلب منه ذلك”.
ويعتقد منجي الذوادي، الأمريكي من اصول تونسية، والمدير التنفيذي للتحالف الليبي الأمريكي، أنّ جهل الجالية العربية بالولايات المتحدة للامتيازات والحقوق التي سيتمتّعون بها إذا تمّ الاعتراف بهم كأقلية، هو السبب الأكبر لعدم طرح هذا النقاش سواء في أوساطها أو أوساط الجمعيات المهتمة بقضاياها، وقال المتحدث إنه شخصيا يرفض أن يتمّ احتسابه من ذوي البشرة البيضاء، ويحرص على إضافة أصله بواسطة قلم كلما طُلب منه ملأ خانة العرق.
وفي المقابل، قال الدكتور عبد المجيد قطرنجي، الأمريكي من أصول سورية، إنه ورغم بشرته البيضاء وإتقانه الجيد للّغة الإنكليزية، ما يسمح له بالظهور وكأنه أمريكي الأصل، إلا أنه يفصح لمتحدثيه عن أصله العربي بل ويفتخر بذلك.
ودعا، المتحدث، العرب الأمريكيين إلى تجاوز الاختلافات الموجودة من بلد لآخر وتعريف أنفسهم كعرب أولا، ثم الحديث عن الاختلافات التي تميّزهم عن إخوانهم القادمين من بلدان عربية مختلفة عنهم، لأن الأمريكيين ـ يقول المتحدث ـ لا يهمّهم الاختلاف بين السوري واللبناني، أو الفلسطيني والجزائري مثلا، هم يروننا كعرب أو شرق أوسطيين وفقط.
ويرى قطرنجي، أنّ الاختلافات والخلافات الموجودة بين العرب، إذا تحدثوا عنها في المجتمع الأمريكي تصبح مصدر ضعف لهم، وأنّ تقبّل أصولهم والافتخار بها هو السبيل الأفضل للحصول على الحقوق ذاتها التي يتمتع بها ذوو البشرة البيضاء والأقليات المعترف بها في المجتمع الأمريكي.