“إنها إهانة للعدالة ولسيادة القانون أن نرى أن مثل هذه الأساليب لا تزال تستخدم في القرن الحادي والعشرين وأن معاقبة الفلسطينيين الجماعية تستمر”، هذا ما قاله المقرّر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مايكل لينك، منذ 3 سنوات، عقب تقديمه لتقرير أمام مجلس حقوق الإنسان تناول فيه تصرفات الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني.
ومنذ عقود مضت، تُمارِس دولة الاحتلال سياسية العقاب الجماعي مع السكان الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزّة المُحاصَر منذ زمن طويل، حيث مارسته بالترحيل الجبري، واقتلاع السكان من بيوتهم، وقراهم، ومدنهم، ومن أرضهم، واعتقلت الآلاف منهم إدارياً، ولم تقدمهم للمحاكمات، وقتلت، وتقتل مُتَعَمِّدة، ميدانياً وبلا مُحاكمات، على الحواجز وعلى الشوارع، وحتى أمام البيوت وبأسباب مُفتعلة.
ولا يزال جيش الاحتلال الصهيوني يٌمارس سياسة “العقاب الجماعي” ضدّ أهالي قرى ومدن الضفة الغربية المحتلة، ويفرض عليها طوقًا أمنيًا محكمًا ومشدّدًا تحت حجج واهية أبرزها احتضان المقاومة.
ما هي سياسة “العقاب الجماعي”؟
يرمز مصطلح “العقاب الجماعي”، إلى الممارسات “الإسرائيلية” الصهيونية بمعاقبة عائلات أو مجتمعات محلية أو أحياء أو قرى أو مدن فلسطينية بأكملها بسبب فعل قام به فرد أو عدة أفراد.
وتتضمن أشكال العقاب الجماعي التالي: محاصرة بيوت فلسطينية وتدميرها، وفرض منع تجول، ووضع حواجز على الطرق في الأراضي الفلسطينية، ومصادرة ممتلكات خاصة، واقتلاع الأشجار، وتدمير الأراضي الزراعية والبنى التحتية (مثل مصادر وأنظمة المياه والكهرباء الفلسطينية)، بالإضافة إلى إغلاق المواقع التجارية والتعليمية والثقافية الفلسطينية.
وأدت سياسة العقاب الجماعي إلى كارثة إنسانية حقيقية في قطاع غزة، مع العلم أن سياسة العقاب الجماعي محظورة حسب المادة 33 من اتفاقيات جنيف الرابعة وحسب القانون الإسرائيلي أيضاً.
آثار “العقاب الجماعي” المدمرة على الفلسطينيين
يتضرّر الملايين من الفلسطينيين الأبرياء يومياً ولم يتحقق أي شيء سوى نشوء توترات أعمق وأجواء مواتية لمزيد من العنف. “ويمكن رؤية مدى التأثير المدمر لسياسة “العقاب الجماعي” الصهيونية بشكل لافت للنظر في إغلاقها المستمر منذ 16 عاماً لقطاع غزة الذي يعاني الآن من انهيار الاقتصاد تام وبنية تحتية مدمرة ونظام خدمة اجتماعية بالكاد يعمل”.
وكان الأثر الفعلي للإغلاق، تدمير اقتصاد غزة، ممّا تسبب في معاناة لا حدود لها لمليوني نسمة”، بحسب مايكل لينك، الذي شدّد على أن حظر العقاب الجماعي منصوص عليه بشكل واضح في القانون الدولي الإنساني من خلال المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، قائلاً إن هذه المادة “لا تسمح بأي استثناءات”.
“قرية المغير” نموذج حيّ على سياسة الاحتلال
ومؤخراً، أقدمت قوات الاحتلال على إغلاق مدخلي قرية المغير في رام الله، لليوم الـ 17 على التوالي، ما تسبب بأزمة إنسانية واقتصادية خانقة. ولم تقتصر الإجراءات “الإسرائيلية” القمعية والقسرية على حد الإغلاق، إذ إن قوات الاحتلال تقتحم البلدات وتقوم بالاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم ومصادرة أراضيهم بـقوة السلاح، في إطار السياسة الترهيب والتخويف والتركيع، وتعدّ قرية المغير نموذجًا حيّاً على ذلك.
رئيس مجلس قروي المغير، أمين أبو عليا، أكد، أن سلطة الاحتلال تمارس سياسة “العقاب الجماعي” بحق أهالي قرية المغير شرق رام الله، حيث تعارض هذه السياسة نصوص القوانين الدولية التي جرمتها. وقال أبو عليا، في تصريح صحفي: إن “جيش الاحتلال أقام حواجز عسكرية على المدخلين الشرقي والغربي، ما أدى لمحاصرة القرية التي يقطنها قرابة أربعة آلاف مواطن معظمهم يمتهنون مهنة الزراعة ورعاة أغنام وعمال”.
إجراءات قاسية
وأضاف أن هذه الإجراءات الجديدة التي تضاف إلى سلسلة إجراءات قاسية أخرى ضد أهالي القرية التي تبلغ مساحتها 41 ألف دونم، أعاقت حركة المواطنين من الدخول إليها والخروج منها، كما تعطلت الدراسة فيها مدة 3 أيام، جراء عدم تمكن وصول المعلمين إلى المدارس. وأشار رئيس مجلس قروي المغير، إلى أن المواطنين قد اتبعوا طرقاً ترابية بديلة للتغلب على هذه الحواجز التي يتم إغلاقها وفتحها وفق “مزاج” الضباط والجنود “الإسرائيليين” الذي يجرون عليها عمليات تفتيش وتدقيق للمركبات والمواطنين.
وأوضح أبو عليا، أن التحريض “الإسرائيلي” على المغير يهدف للضغط على الأهالي والتجمعات البدوية في محاولة لتركيعهم وأيضًا لحماية المستوطنين والبؤر الاستيطانية المقامة على أراضي المواطنين في القرية ومن حولها. كما أكد أن جيش الاحتلال يمنع المزارعين من استصلاح جزء كبير من أراضي القرية والزراعة بها بدعوى أنها تقام على مناطق (ج) حيث تمنع سلطة الاحتلال المواطنين من أي أشكال الإعمار بها، وتحتل هذه المناطق ثلثي مساحة الضفة. وتعتقل قوات الاحتلال، المواطنين، حال نفذوا عمليات استصلاح في هذه الأراضي، كما يلفت أبو عليا.
ضغط دولي
وطالب من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية، بضرورة الضغط على حكومة الاحتلال لإزالة الحواجز وحماية المدنيين من التوغل (الإسرائيلي). وينظم أهالي قرية المغير مسيرات سلمية بشكل متكرر، رفضًا لإجراءات الاحتلال القمعية والاستعمارية، فيما تندلع مواجهات، وتسفر عن ارتقاء شهداء ووقوع إصابات واعتقالات. والجمعة الماضية، أصيب 4 مواطنين في القرية برصاص قوات الاحتلال وباعتداء من مستوطنين، كما وأدى هجوم المستوطنين لإحراق 5 مركبات، ومحاصيل زراعية.
ولليوم العاشر على التوالي، تشدّد قوات الاحتلال الصهيوني، من إجراءاتها على الحواجز العسكرية التي تقيمها على مداخل مدينة أريحا، وتحصرها، بإغلاق مداخلها بالحواجز. كما تسببت هذه الإجراءات في أزمة اقتصادية عند الأهالي، حيث تمنع وصول العمال والموظفين إلى الوصول إلى أماكن عملهم، وهي الإجراءات التي تنتهك بشكل واضح المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة.
تصعيد العقاب الجماعيّ بهدف الانتقام من الأسرى وعائلاتهم
وفي سياق ذي صلة، أكد نادي الأسير الفلسطيني، في بيان سابق، أن سلطات الاحتلال “الإسرائيلي”، تواصل التصعيد من جريمة العقاب الجماعي التي تستهدف عائلات الأسرى، عبر جملة من الأدوات والسياسات الممنهجة التي تندرج في إطارها.
وأوضح، أن هدم المنازل تُشكّل أبرز السياسات الممنهجة التي ارتبطت بتاريخ الاحتلال في تنفيذ سياساته الاحتلالية على مدار العقود الماضية، ورغم أنّ المؤسسات الدولية تعدّ هذا الإجراء انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي، وجريمة حرب وعقوبة جماعية، إلاّ أن الاحتلال ماضٍ في تنفيذه دون أدنى اعتبار لكل ما نصت عليه القوانين والأعراف الدولية.