اُختُتمت يوم الأحد 20 نوفمبر 2022 ـ بجزيرة جربة في تونس ـ قمة رؤساء وحكومات المنظمة الفرنكوفونية التي تضم 88 عضوا.
وكانت تونس قد استعدت لاحتضان هذه القمة وسط تحديات تعلقت بما آلت إليه اللغة الفرنسية في البلاد ـ خلال السنوات الأخيرة ـ من تراجع بعد أن شهدت انفتاحا على عديد اللغات مثل الانجليزية والتركية.
ويبدو أن الولوج إلى مثل هذه اللغات ضاعف القناعات لدى البلدان الفرنكوفونية بشأن حقيقة تقهقر الفرنسية لصالح لغات أخرى، مع العلم أنه بعد 14 جانفي 2011، شهدت تونس حملات مناهضة للفرنكوفونية حيث دعا عديد السياسيين خاصة المقربين من التيار الإسلامي، إلى ضرورة مقاطعة منظمة الفرنكوفونية لأنهم يرون فيها امتداد للاستعمار الفرنسي في تونس.
وفيما نجحت تونس في مجال التنظيم المحكم للقمة الفرنكوفونية والذي أشاد به المتابعون للحدث، يبقى هدف قادة الفرنكوفونية بحسب المتخصّصين هو محاولة لبسط نفوذهم وهيمنتهم على إفريقيا من جديد عبر استعمال اللغة تحت عنوان التنوع الثقافي والفكري والانفتاح، وذلك خوفا من دخول قوى صاعدة أخرى على الخط.
وفي وقت سابق، وعلى خلفية تأجيل انعقاد القمة الفرنكوفونية في مناسبتين، كانت قد وُجّهت دعوات سياسية إلى الرئيس التونسي قيس سعيد بالاعتذار عن احتضان هذه القمة التي يرى بعض المراقبين أنها “تدعم القيم الفرنسية واللغة الفرنسية عبر الضغط على مستعمراتها القديمة”، الأمر الذي أفرز جدلا سياسيا حول القضية، بين من يدعم القمة ويؤكد أنها تمثّل فرصة مهمة لمساعدة تونس واقتصادها المتداعي، فيما ذهب آخرون إلى استنكار القبول بتنظيم الحدث في تونس.
اللغة التي طُويت صفحتها
يقول عبد المجيد العبدلي ـ أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة التونسية ـ لـ«الأيام نيوز» إن: “الفرنكوفونية هي منظمة غير تقريرية ودائما تحوم حولها الريبة لأن كل شعوب إفريقيا يريدون الخروج من الهيمنة الاستعمارية، لذلك يتضح مدى التوجس والخشية من العودة إلى الاستعمار عبر فرض نشر اللغة الفرنسية من جديد بعد تقهقرها في السنوات الأخيرة أمام اللغة الانجليزية.”
ويضيف العبدلي: “مثلا دولة الجزائر رفضت الانضمام لمنظمة الفرنكوفونية لأنها تنظر إليها كمنظمة استعمارية وتضم بلدانا استعمرت عديد الشعوب وقتّلت الملايين، أما الدول التي انضمت إلى المنظمة فكان انضمامها على مستوى الأنظمة وليس الشعوب، فمثلا ـ بالنسبة لتونس ـ لم يستشر الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الشعب التونسي قبل أن يعلن انضمام تونس إلى هذه المنظمة.”
ويؤكد العبدلي أن: “صفحة النظرة القدسية للغة الفرنسية” طُويت لأن للشعوب لغاتها الخاصة واللغة هي نافذة تطل منها الأمة على حضارات أخرى، هذا بالإضافة إلى النظرة السلبية نحو فرنسا التي تسعى لبسط نفوذها من جديد على القارة الإفريقية عبر لغتها، فمثلا، يبدو أن قدوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قمة الفرنكوفونية بمدينة جربة التونسية متأخرا لم يكن اعتباطيا وكأنه تعمد أن يكون آخر رئيس يتم استقباله في القمة حتى يمرر رسالة بأنه الأب الروحي للمنظمة”.
ويعتبر العبدلي أن: “الحدث لم يجد اهتماما إعلاميا غربي كبيرا، رغم حضور عدد من قادة دول لتأدية واجب نحو اجتماعات عابرة، وبالنسبة لتونس فإنه بحكم ما تمر به البلاد من أوضاع اقتصادية صعبة أعطت لهده القمة حيزا من الأهمية كما أن تونس ليست في حاجة للفرنكوفونية لتعزيز دبلوماسيتها التي يشهد لها العالم بثوابتها وتقاليدها في السياسات الخارجية”.
ويؤكد زهير حمدي أمين عام حزب التيار الشعبي التونسي لـ«الأيام نيوز» أن “الفرنكوفونية كلغة وثقافة تجاوزها الزمن ويجب مراجعتها مستقبلا من زاوية اقتصادية، لأن طبيعة المرحلة هي كذلك بالأساس، فإذا واصلت هذه المنظمة في المسار ذاته ستكون عبارة عن جسم ميت مآله الاندثار”.
ويضيف حمدي: إن “أي مناسبة دولية تقام على أرض تونس هي لمصلحة البلاد وعنصر إشعاع على جميع المستويات سواء الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، بينما المهم هو تحقيق نتائج إيجابية لأن هذه القمم مثل قمة تيكاد8 وقمة الفرنكوفونية هي في تقديري ليست فلكلور فقط”.
مكسب لتونس
يقول أحمد الونيس الدبلوماسي السابق لـ«الأيام نيوز» إن “احتضان تونس للقمة الفرنكوفونية كان مكسبا هاما، خاصة وأن القمة شهدت حضور عديد الوفود الرسمية والاقتصادية، ونجاح تونس في تنظيم هذه التظاهرة العالمية يأتي في إطار استمرارية الدولة التي حققت من خلال هذا الحدث مكسبا ليس الأول لأنها نظمت في يشهر أوت الماضي قمة تيكاد 8”.
ويضيف ونيس بأن: “اللغة حاملة إلى معاني وأفكار وفلسفة للحياة تعزز الحرية والرقي وحقوق الإنسان، وتونس تمكنت من اكتساب اللغة الفرنسية منذ ما قبل الاستعمار، كما حاربت المستعمر الفرنسي بلغته ونجحت في إخراجه من أرضها”.
الفرنكوفونية في سطور..
ويعود تأسيس المنظمة الدولية للفرنكوفونية إلى 20 مارس 1970 حين وقّعت 21 دولة في نيامي بالنيجر على اتفاقية إنشاء وكالة للتعاون الثقافي والتقني لتعزيز التعاون في الثقافة والتربية والبحث العلمي، وجاء التأسيس بمبادرة من الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة ونظيريه السنغالي ليوبولد سيدار سنغور والنيجري حماني ديوري، إضافة إلى أمير كمبوديا نورودوم سيهانوك.
وفي 1998، أُطلق على هذه الوكالة اسم الوكالة الحكومية الدولية للفرنكوفونية، ثم صار اسمها المنظمة الدولية للفرنكوفونية بداية من 2007، وحتى 2014 كانت المنظمة تضم 80 دولة (57 عضوا و23 مراقبا)، ثم بدأت تتوسع لتشمل التعاون السلمي والديمقراطية والتنمية المستدامة والاقتصاد والتقنيات الجديدة، فارتفع العدد إلى 88 دولة (54 عضوا و7 منتسبين و27 مراقبا).