منذ السابع من أكتوبر 2023، بات اسم القيادي الفلسطيني البارز في حركة فتح، مروان البرغوثي (64 عاماً)، يتردّد بقوة في كل المنابر باعتباره رمزا نضاليا كبيرا، ويتلمس الفلسطينيون في شخصه – على اختلاف توجّهاتهم – تجسيدًا لروح نيلسون مانديلا، بالإضافة إلى كونه المرشّح الأبرز لقيادة السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، ناهيك أنّه أهمّ أسير تصرّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على ضرورة إدراجه في أيّ صفقة تبادل مستقبلية مع قادة الاحتلال الصهيوني الذين ما إن يذكر اسم البرغوثي حتى ترتعد فرائسهم.
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===
وكانت سلطات الاحتلال الصهيوني قد قامت – في فيفري الماضي (2023) – بنقل الأسير مروان البرغوثي من العزل الانفرادي بسجن “ريمونيم” إلى العزل الانفرادي في سجن “الرملة”، مخافة أن يعمل عبر عدة “قنوات” لتوجيه الجماهير في الضفة الغربية إلى إشعال انتفاضة ثالثة، وفق تقارير نشرتها صحافة الاحتلال الصهيوني.
فالبرغوثي – المعتقل في السجون الصهيونية منذ 2002 يمثّل “خيارا توافقياً” لتسلّم السلطة الفلسطينية فهو يؤمن بالمقاومة ولا يقبل بالحلول الوسطى مع الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى أنه يمتلك الشرعية الكاملة التي تسمح له أن يملأ مكان الراحل ياسر عرفات.
واعتقل البرغوثي في عملية الدرع الواقي سنة 2002، حين اتهمه الاحتلال الصهيوني بتأسيس كتائب شهداء الأقصى العسكرية التي نفّذت عمليات مختلفة ضدّ الجنود الصهاينة، وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة مؤبدات و40 عاماً، في حين رفض البرغوثي أن يعترف بالمحكمة الصهيونية.
ورفضت سلطة الاحتلال في سنة 2011 الإفراج عن البرغوثي ضمن صفقة لتبادل الجندي الصهيوني، جلعاد شاليط، بمعتقلين فلسطينيين في سجونها، والتي أفرج فيها عن زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار.
وأكثر من يقلق الكيان المحتل هو رغبة حماس في الإفراج عن البرغوثي وهو مسعى ليس جديدا، تجسّد أول مرة في تصريح صحفي لرئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في حركة حماس، خليل الحية، نُشر عبر قناة الحركة على تلغرام في نوفمبر 2023، قال فيها “نسعى بأن يكون القائد مروان البرغوثي والقائد أحمد سعدات (الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ضمن أسماء صفقة التبادل”.
يشار إلى أنّ الحديث عن إطلاق سراح القيادي في فتح مروان البرغوثي وتوليه السلطة الفلسطينية ليس جديداً، ففي عام 2009 على سبيل المثال، ردّ البرغوثي في إجابات مكتوبة من داخل سجنه، على سؤال حول إمكانية ترشّحه للسلطة إذا ما أطلق سراحه، وقال “عندما تتحقق المصالحة الوطنية ويكون هناك اتفاق على عقد الانتخابات، سأتخذ القرار المناسب”.
وفي عام 2014، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقال رأي وصفت فيه البرغوثي بـ”نيلسون مانديلا”، كما قرّر البرغوثي عام 2021، رغم سجنه، الترشح للانتخابات الرئاسية الفلسطينية التي لم تعقد فيما بعد.
وفي الشهر الماضي، قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، قدورة فارس، إنّ إدارة مصلحة سجون الاحتلال نقلت الأسير، مروان البرغوثي، من العزل الانفرادي في سجن “ريمونيم”، معتبرا أنّ هذا الإجراء التعسفي جاء بعد تصريحات الوزير الصهيوني إيتمار بن غفير مؤخراً حول قضية عزله.
وأوضح أنّ عمليات النقل الواسعة والعزل الجماعي والانفرادي التي تنتهجها سلطات الاحتلال تأتي في إطار تصعيد “استهداف كافة الأسرى بعد السابع من أكتوبر 2023، وقيادات الحركة الوطنية الأسيرة إلى جانب عمليات التعذيب الممنهجة”، كما أشار إلى أنّ عمليات النقل المتكرّرة للبرغوثي في العزل الانفرادي في ظلّ استمرار منع المحامين من زيارته تثير خشية حقيقية على حياته، خصوصا أنّ ذلك يترافق مع عمليات تحريض مباشرة ومستمرة عليه في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وأكّد فارس أنّ استهداف البرغوثي بإجراءات العزل الانفرادي والتنكيل والاعتداءات، لن تنَال من عزيمته وإرادته الراسخة بحتمية الحرية وتقرير المصير، وفي الختام، دعا رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، المؤسسات الدولية والجهات المحلية ذات الصلة إلى “الوقوف عند مسؤولياتها والإسراع في العمل على زيارة السجون”، و”وقف كل الإجراءات والانتهاكات غير المسبوقة بحق الأسرى”.
سيد الانتفاضة..
رجل فلسطيني حرّ بموقف ثابت
يؤمن البرغوثي بأنّ المفاوضات يجب أن تستند إلى نطاق صلاحيات اتفاقات السلام، وتمثّل الرؤية التي يؤمن بها الرفض التام لتهويد القدس وسياسة الاستيطان اليهودي، ويعتبر المستوطنات بؤرا إرهابية يجب محاربتها، وهو من قيادات حركة فتح التي لها علاقة طيبة بالجماعات الإسلامية المقاومة.
ويعتبر البرغوثي أيَّ فلسطيني يساوم على حدود 1967 خائنا، لكنه يؤكّد ضرورة التوصّل إلى حل عادل ونهائي ضمن بنود قرارات الأمم المتحدة، ويرى حاجة عملية السلام إلى راعٍ آخر غير الولايات المتحدة لانحيازها الكامل للكيان المحتل.
انضم لصفوف حركة فتح وهو في عمر 15 عاما، وتعرّض للاعتقال أول مرة وعمره 17 سنة (عام 1976) لمدة عامين بتهمة الانضمام إلى الحركة، ثم أعيد اعتقاله في 1978 وأفرج عنه في مطلع 1983، ولم يلبث قليلا خارج السجن حتى اعتقل مرة أخرى وأطلق سراحه في العام ذاته.
بعد إطلاق سراحه في 1983 ترأس مجلس الطلبة بجامعة بيرزيت، وانتخب رئيسا لمجلس الطلبة لثلاث سنوات متتالية، كما كان من أبرز مؤسّسي حركة الشبيبة الفتحاوية، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1984 واستمر التحقيق معه لعدة أسابيع ثم أفرج عنه. وقد أعيد اعتقاله في ماي 1985 لمدة 50 يوما تعرّض خلالها لتحقيق قاس، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية خلال العام نفسه قبل اعتقاله إداريا في أوت.
برز دوره خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 في تشكيل القيادة الموحّدة، وسرعان ما أصبح مطاردا من قوات الاحتلال الصهيوني، حتى اعتقل وأُبعد للأردن بقرار من وزير الدفاع الصهيوني حينها إسحاق رابين. وبعد الإبعاد إلى الأردن توجّه إلى تونس وبدأت رحلته التنظيمية السياسية، واقترب من قيادة الصف الأول في حركة فتح. وخلال هذه الفترة عمل مع خليل الوزير ورافقه في زيارته الأخيرة إلى ليبيا، قبل أن يتم اغتيال الوزير بعد عودته إلى تونس بأيام.
انتخب مروان البرغوثي عضوا في المجلس الثوري لحركة فتح في مؤتمرها الخامس عام 1989. وبقي في المنفى عضوا في اللجنة العليا للانتفاضة في منظمة التحرير الفلسطينية، وعمل في اللجنة القيادية لحركة فتح، وتعامل مباشرة مع القيادة الموحّدة للانتفاضة. وعاد إلى الضفة الغربية في أفريل 1994 عقب اتفاق أوسلو، وانتخب نائبا للراحل فيصل الحسيني، وتولى منصب أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، وتم انتخابه عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة رام الله عام 1996 وعام 2006، وكان الأصغر عمرا بين النواب.
كان لمروان البرغوثي نشاطا واضحا سنوات قبل الانتفاضة الثانية، إذ بدأ إعادة ترتيب وبناء حركة فتح في الضفة الغربية، وعمل على زيارة القرى والمخيمات وتطوير بنيتها التحتية، وذلك بالتنسيق مع المجالس البلديّة وهيئات مختلفة. كما عمل على توسيع نشاطه السياسي بإجراء اتصالات ولقاءات مع ناشطي اليسار الإسرائيلي وجمعيات للسلام من حول العالم، وكان يأمل أنّ نهج السلام ونتائج اتفاقية أوسلو ستؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
خابت آمال البرغوثي بعد شهر من اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، نتيجة لعدم تنفيذ الاتفاقيات على أرض الواقع، وقال إنّ سلاح حركة فتح حاضر وستحافظ عليه حتى الحرية والاستقلال. وكان له حضور بارز خلال الانتفاضة الثانية، فقد شارك في المظاهرات وكان يقدّم واجب العزاء بزيارته بيوت أهالي الشهداء، وداوم على حضور اللقاءات الصحفية.
كما هاجم التنسيق الأمني، وطالب الأجهزة الأمنية بحماية الشعب الفلسطينيّ وكوادر الانتفاضة واستهداف العملاء. وبعد أقل من عام من اندلاع الانتفاضة انهالت الاتهامات الصهيونية على البرغوثي بمسؤوليته عن عدد من العمليات التي نفّذتها كتائب الأقصى، الذراع العسكرية لحركة فتح، وتعرّض لعدة محاولات اغتيال.
نجا مروان البرغوثي من عدة محاولات اغتيال فاشلة، أبرزها قصف موكبه أمام مكتبه في رام الله يوم 4 أوت 2001، مما أسفر عن استشهاد مرافقه مهند أبو حلاوة. وردا على هذه المحاولة، هدّد البرغوثي سلطة الاحتلال بتصعيد المقاومة، وبعد شهر أصدرت محكمة صهيونية مذكرة توقيف بحقه، وطلبت من السلطة الفلسطينية تسليمه بتهمة الضلوع في محاولات قتل وحيازة أسلحة بدون ترخيص والعضوية في تنظيم محظور. كما أرسل الاحتلال الصهيوني خلال اجتياحه لرام الله سيارة ملغّمة خصيصا للبرغوثي في محاولة أخرى لاغتياله باءت بالفشل.
ظلّ البرغوثي مطاردا حتى اعتقله الاحتلال الصهيوني من رام الله يوم 15 أفريل 2002 مع ذراعه الأيمن أحمد البرغوثي. وقد استمرت التحقيقات وجلسات المحاكم أشهرا عديدة حتى صدر الحكم عليه بعد عامين من اعتقاله بالسجن 5 مؤبدات وأربعين عاما، بتهمة الضلوع في قتل 5 إسرائيليين، والمشاركة في 4 عمليات أخرى، والعضوية في “تنظيم إرهابي”.
كان أمر اعتقال البرغوثي يستند للاشتباه في أنه ضالع في تنفيذ محاولات قتل وحيازة أسلحة بدون ترخيص، إضافة إلى عضويته في تنظيم محظور، في المقابل نفى البرغوثي هذه الاتهامات وأكّد أنّ دوره سياسي وليس له أيّ صلة بالأعمال العسكرية. واتهمته سلطة الكيان بأنه كان ضابط الاتصال بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وقادة المجموعات المسلّحة لحركة فتح، وأنّه كان المسؤول المباشر مع مرافقه الشخصيّ أحمد البرغوثي، عن توفير السّلاح والتمويل والمأوى وإعطاء الأوامر لتنفيذ العمليات العسكريّة.
داخل السجن أو خارجه..
هذه رسالة البرغوثي لكل الفلسطينيين
ينظر أغلب الفلسطينيين إلى مروان البرغوثي على أنه نيلسون مانديلا، وقد باتت حريته مطروحة في مفاوضات وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال الصهيوني، إذ تطالب قادة حماس، بالإفراج عن البرغوثي، كجزء من أي اتفاق لوقف القتال في غزة، بحسب ما تؤكد الأسوشيتد برس.
سلّط الطلب الأضواء مجدّدا على البرغوثي الذي يلعب دورا محوريا في السياسة الفلسطينية، رغم مكوثه أكثر من عقدين خلف قضبان السجون الصهيونية. ويتوقع أن يمهد إطلاق سراحه الطريق أمام انتخابه في نهاية المطاف لشغل منصب رئاسة السلطة.
وأظهر استطلاع للرأي في فترة الحرب نشر في ديسمبر الفارط أن البرغوثي هو السياسي الأكثر شعبية بين الفلسطينيين متفوقا على عباس وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، وينظر الصهاينة إلى البرغوثي باعتباره أخطر رجل يهدد مستقبل الكيان بالمنطقة.
وفي ديسمبر 2023، وجه القيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” الأسير مروان البرغوثي رسالة إلى كوادر حركة “فتح” والشعب الفلسطيني وأجهزة أمن السلطة، قال فيها: “يا شعبنا الفلسطيني العظيم، يا أهلنا في الضفة، ها هي رياح التحرير تتصاعد في سماء فلسطين، وتسيل في سبيلها دماء أهلنا في قطاع غزة منذ أكثر من شهرين إلى جانب الدم الذي يسفك يوميا في الضفة الغربية على يد الاحتلال المجرم، فلا تكونوا مجرد شهود، بل جنودا فاعلين في هذه المعركة الفاصلة”.
وتابع البرغوثي في بيان صحفي نقلته شبكة “قدس برس”: “يا كوادر حركتنا العملاقة، يا مغاوير شبيبتنا، إن فلسطين، التي شهدت تاريخا عريقا من الصمود والمقاومة، تتعرض اليوم لمجازر غير مسبوقة على يد الاحتلال ومستوطنيه، وبدعم أمريكي وغربي لا محدود، وأمام هذا الحدث الجلل، فإننا مطالبون يا أهلنا في الضفة بالوقوف صفا واحدا للدفاع والهجوم بكل ما نملك من قوة وإمكانيات وأدوات متاحة لردع الاحتلال وكسر إرادته، فالحرب الحالية لا تستثني أحدا، لذلك فإن تحركنا كهبة رجل واحد سيحدث فارقا في هذه المعركة المصيرية لتاريخ شعبنا”.
وأضاف: “لتكن ذكرى الانتفاضة الأولى في الثامن من ديسمبر نقطة فاصلة وبداية لحالة التحام متصاعدة مع العدو الصهيوني، في كل مكان يتوقعه ولا يتوقعه، وبما يتوفر من أدوات وإمكانات بسيطة كانت أم كبيرة.. إننا ندعو إلى الالتفاف الكامل حول خيار المقاومة الشاملة وتفعيلها في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة لصد الاعتداءات الغاشمة على شعبنا وأرضنا وحقوقنا ودفاعا عن حرائرنا اللاتي يتعرض لهن الاحتلال”.
كما دعا البرغوثي أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لتكون في “طليعة التصدي للعدوان الإسرائيلي الذي يسفك الدم الفلسطيني في كل مدينة وقرية، بما تملكونه من سلاح وتدريب، كل في موقعه، فلا عذر لأحد في عدم المشاركة بفصل من فصول معركة التحرير، لذلك نستنهض وطنيتكم أيها الشرفاء للقيام بواجبكم والدفاع عن أرضكم وعرضكم وشعبكم”، مشددا على أن “زمن الانتظار قد ولّى، وحان وقت الصمود والتصدي والتحرير، ولنجعل من كل بيت فلسطيني معقلا للثورة، ومن كل فرد جنديا في ساحة المعركة، فلنتحد، ولنثبت للعالم أجمع أننا قوة لا يمكن كسرها في هذه المعركة الممتدة والملحمة البطولية التي تصنعها المقاومة تدشن مرحلة جديدة في تاريخ شعبنا وفي سجل أمتنا”.
وختم الأسير البرغوثي بيانه بالقول: “إن دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وأبطالنا المقاومين ستعبد الطريق إلى الحرية والعودة والاستقلال، فالشعوب لا تتحرر إلا من خلال التضحيات ولا تنال الاستقلال إلا بالكفاح والمقاومة والتضحية”.
له إنجازاته..
مروان البرغوثي زعيم سياسي بروح مفكّر
في ديسمبر 2023، أشارت تقارير إعلامية إلى أنّ حماس تصر على أن تشمل صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين المقبلة الإفراج عن 3 قادة فلسطينيين بارزين من داخل السجون الإسرائيلية.
وتبين أن أولئك الثلاثة؛ هم: عضو اللجنة المركزية بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) مروان البرغوثي، وأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، والقيادي في حركة حماس عبد الله البرغوثي، وفق ما نقلته وكالة الأناضول.
ولد مروان البرغوثي وكنيته “أبو القسام” يوم 6 جوان 1959 في بلدة كوبر بمحافظة رام الله والبيرة. متزوج من فدوى البرغوثي، وهي محامية تعمل في المجال الاجتماعي والمنظمات النسائية. برزت سياسيا وإعلاميا بعد أسر زوجها، وكانت أهلا للدفاع عنه وحمل رسالته في كافة الدول والمنصات والملتقيات.
أنهى البرغوثي دراسة الثانوية العامة من مدرسة الأمير حسن في بيرزيت أثناء فترة اعتقاله وإبعاده عن مقاعد الدراسة بسبب سجنه بتهمة المشاركة في مظاهرات مناهضة للاحتلال في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، وأيضا تمكّن من تعلّم اللغة العبرية ومبادئ في اللغتين الفرنسية والإنكليزية وتعزيز ثقافته خلال فترة السجن.
وبعد الإفراج عنه، التحق بجامعة بيرزيت وتخرّج منها بدرجة البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية، وأنهى دراسة الماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة نفسها. وعمل حتى اعتقاله مجددا في أفريل 2002 محاضرا في جامعة القدس أبو ديس.
عام 2010 حصل على درجة الدكتوراه من قسم العزل الجماعي في سجن (هداريم) في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات التابع لجامعة الدول العربية، إذ أنهى كتابة رسالته في سجن “هداريم” واقتضى إيصالها سرا خارج السجن نحو عام كامل بمساعدة محاميه.
إنجازاته ومؤلفاته
كتب البرغوثي داخل زنزانته عدّة مؤلفات، وتمكّن من تسريبها ونشرها خارج السجن، ومنها:
- ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي.
- الوعد.
- الوحدة الوطنية قانون الانتصار.
- كما سرب يوم 18 أفريل 2017 – بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني – مقالا نشر في نيويورك تايمز، تحدّث فيه عن “وحشية الممارسات الصهيونية” داخل السجون الصهيونية.
- إضافة إلى رسالة الدكتوراه الخاصة به، التي حملت عنوان “الأداء التشريعي والسياسي للمجلس التشريعي الفلسطيني ومساهمته في العملية الديمقراطية في فلسطين من 1996 إلى 2006”.
الباحث عبد الرحمان بوثلجة لديه إجابة..
لماذا يشكّل اسم “البرغوثي” عقدة مزمنة لدى الكيان؟
يرى الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ اسم “مروان البرغوثي” يُشكّل عقدة مزمنة لدى الكيان الصهيوني، لأنّه الاسم الذي يخلط كل أوراق وحسابات الاحتلال ويُحبط كل مؤامراته ومخططاته التي ما فتئ يعمل عليها على مدار سنوات بهدف تصفية القضية الفلسطينية، وهو الذي تعتبره “إسرائيل” المسؤول الأول عن الانتفاضة الثانية سنة 2000، وهو يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ 2002، وحُكم عليه بأكثر من خمس مؤبدات وأربعين سنة.
وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ مروان البرغوثي ينتمي إلى حركة فتح وتحديدا إلى الجناح الذي يؤمن بفكرة العمل المسلّح من أجل تحرير فلسطين، وهو الأمر الذي يتوافق مع ما تؤمن به حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي، ما يجعله يشكّل خطرا وتهديدا بالنسبة إلى “إسرائيل”، التي تحمّله المسؤولية في مقتل عدد كبير من الصهاينة خلال الانتفاضة الثانية.
في السيّاق ذاته، أكّد المتحدث، أنّ الكيان الصهيوني يرى في تحرير مروان البرغوثي، شرارة لانتفاضة أخرى في الضفة الغربية، قد تحوّلها إلى غزّة ثانية، أمّا بالنسبة إلى حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أو المقاومة الفلسطينية بصفة عامة في قطاع غزّة، فهي تصرّ على إطلاق سراح أسماء كبيرة مثل مروان البرغوثي وعبد الله البرغوثي القيادي في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، بالإضافة إلى أحمد سعادات والكثير من الأسماء الكبيرة في حركة المقاومة الفلسطينية.
وأردف قائلا: “إلى حدّ هذه اللحظة لم يتم التوصّل بعد إلى إبرام أيّ اتفاق بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية بهذا الشأن، رغم المفاوضات الجارية منذ مدة في باريس وفي قطر وحاليا هناك حديث عن استمرارها في مصر، لكن التعنّت الإسرائيلي وخاصة من قبل بنيامين نتنياهو في قبول مطالب المقاومة، ووضعه في كل مرة شروطا جديدة بهدف إفشال هذه الصفقة رغم أنّ ذلك يتعارض مع الرغبة الأمريكية والرئيس جو بايدن الذي تحدّث عن حسم هذه الصفقة قبل حلول شهر رمضان”.
وفي هذا الإطار، أبرز الأستاذ بوثلجة، أنّه لا يخفى على أحد أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد التوصّل إلى إبرام أيّ صفقة أو توقيع اتفاق هدنة، حيث أنّ هناك انقساما كبيرا داخل حكومة الحرب الإسرائيلية بين نتنياهو من جهة وبين غالانت وغانتس من جهة أخرى، الذين يرون أنّ نتنياهو يتّخذ قرارات تخدم مستقبله السياسي فقط، ولا يهتم بقضية استرجاع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة، ولا بمصالح الكيان الصهيوني بصفة عامة.
في سياق ذي صلة، أبرز الباحث في الشؤون الدولية، أنّ إصرار المقاومة الفلسطينية على إطلاق سراح هذه الشخصيات والأسماء الكبيرة، شيء طبيعي ومتوقع، بالنظر إلى الثمن والتضحيات الجِسام التي قدّمها الشعب الفلسطيني خلال العدوان الصهيوني الهستيري المتواصل على قطاع غزّة، فنحن نتحدث الآن عن أكثر من 30 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير شبه كلي للبنى التحتية في القطاع.
وتابع قوله: “إنّ الإصرار على إطلاق سراح مروان البرغوثي، أحمد سعدات وغيرهم، تريد من خلاله المقاومة الفلسطينية بأن تبعث برسالةٍ قوية مفادها “أنّ المقاومة في غزّة هي للجميع وتعمل لصالح كل الشعب الفلسطيني دون أيّ استثناء، وليس لحماس فقط أو لحركة الجهاد فقط”، بدليل أنّ مروان البرغوثي ينتمي إلى حركة فتح، كما أنّها في الوقت ذاته تخطّط للمستقبل، على اعتبار أنّ إطلاق سراح مروان البرغوثي سوف يعيد حركة المقاومة إلى الضفة الغربية”.
إلى جانب ذلك، أفاد المتحدث، بأنّ مروان البرغوثي لا يقلق الكيان الصهيوني وحده فقط، إنما يقلق أيضا بعض الشخصيات الفلسطينية، التي تطمح في خلافة محمود عباس على رأس السلطة، باعتباره شخصية تحظى بشعبية كبيرة في فلسطين خاصة في الضفة، وبالتالي فإنّ اسمه قد يكون مطروحا لقيادة الفلسطينيين خلال المرحلة القادمة، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مروان البرغوثي من الشخصيات التي تدعو إلى الوحدة، وهو الذي يرفع شعار “رفقاء الدم يجب أن يكونوا رفقاء القرار أو السلطة”، بمعنى من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي هو من يملك الحق وله الأهلية في قيادة الشعب الفلسطيني، وهذا ما يتوافق تمامًا مع ما تراه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة.
وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أكّد الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ نجاح المقاومة الفلسطينية بتاريخ السابع من أكتوبر 2023، ومن خلال عملية “طوفان الأقصى” في أسر عدد كبير من الإسرائيليين والعسكريين وبرتب عالية، سوف يجبر “إسرائيل” على القبول بشروط المقاومة وإبرام هذه الصفقة، خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الضغط المتزايد على الكيان الصهيوني سواء من الداخل الإسرائيلي أو من مختلف دول العالم بما فيهم أمريكا، والأكيد أنّ المقاومة الفلسطينية لن تسمح للكيان الصهيوني بتحقيق أهداف عن طريق السياسة، فشل في تحقيقها عن طريق الحرب، لذلك فإنّ تحرير أسماء كبيرة مثل مروان البرغوثي سيكون انتصارا كبيرا للمقاومة في فلسطين.
محمد الدويكات لـ”الأيام نيوز”:
“البرغوثي” شخصية قيادية كبيرة تعكس رهانات المرحلة
أبرز عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس)، محمد الدويكات، أنّ الأسير الفلسطيني “مروان البرغوثي” هو قائد وطني كبير، لعب دورًا بارزًا ورئيسيًا في الانتفاضة الثانية، ويُمثّل أحد قادة الحركة الوطنية الأسيرة داخل سجون الاحتلال، ومن هنا نجد أنّ الاحتلال الصهيوني يرفض إطلاق سراحه، كما يرفض إطلاق سراح كل الأسرى المحكومين بالمؤبد وبالأحكام العالية، ودائما ما يستفزّ الاحتلال الحديث عن إطلاق سراح هؤلاء الأسرى، الذين يعتبرهم خطًا أحمرا ولا يسمح بالحديث بشأنهم.
وفي هذا الشأن، أوضح الدويكات في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل”، إذا ما تمت سيكون على رأسها كل قادة الحركة الأسيرة الفلسطينية والمحكومين بأحكام مؤبّدة، وهم الذين كان الاحتلال يرفض إطلاق سراحهم في كل مرة وعلى مدار الفترات السابقة، لكن هذه المرة نحن أمام صفقة كبيرة، وشروط هذه الصفقة وكما تم التوافق عليه ما بين الأجنحة العسكرية للمقاومة ستكون وفق مبدأ “الكلّ مقابل الكلّ”، وهنا نتحدث عن تبييض السجون الإسرائيلية من المعتقلين والأسرى الفلسطينيين، الذي يقدّر عددهم بالآلاف، حيث أنّ هناك نحو 500 أسير محكوم بأحكام مؤبّدة، وجزء منهم تجاوز الثلاثين سنة داخل السجون، ومنهم من يقترب من الأربعين سنة، ومنهم من تعدى الأربعين سنة داخل سجون الاحتلال الصهيوني.
في السياق ذاته، أشار المتحدث، إلى أنّ الشروط التي كان الكيان الصهيوني دائما ما يضعها ويفرضها في أيّ صفقة تبادل، انكسرت أخيرًا أمام إصرار المقاومة على تبييض السجون الإسرائيلية، خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ الأسرى والجنود الإسرائيليين الذين هم بحوزة المقاومة، بالنسبة إلى الاحتلال يشكّلون عددا كبيرا، وهو ما يملي على الاحتلال ويفرض عليه بأن يرضخ ويقبل شروط المقاومة الفلسطينية، حيث أنه لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال استرجاع الرهائن الإسرائيليين إلا مقابل تبييض السجون الإسرائيلية.
على صعيدٍ متصل، أفاد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس)، بأنّ “إسرائيل” تحاول أن تضغط باتجاه تخفيف أو كسر شروط المقاومة، وتُراهن كذلك على تحرير الأسرى الإسرائيليين من خلال العمليات العسكرية البرية والجوية والقصف الجنوني لقطاع غزّة، ولكن ثبت بالملموس أنه لا يمكن للاحتلال أن يحقّق ذلك، بالرغم من كل الإمكانيات العسكرية والتكنولوجية التي بحوزته والتي يتمتع بها والدعم الأمريكي المطلق له إن كان ذلك على مستوى الأسلحة أو على مستوى التكنولوجيا بالإضافة إلى الدعم البريطاني أيضا، فهذا الكيان المستبد لم يتمكن إلى غاية هذه اللحظة، إخراج أسير واحد حي من قطاع غزّة.
وفي هذا الصدد، أكّد الدويكات أنّ هذه المعطيات تعزّز موقف المقاومة الفلسطينية وإصرارها على أنه لا يمكن إخراج أي أسير إسرائيلي إلا من خلال عقد صفقة تبادل، وبالتالي فإننا أمام مرحلة جديدة، الفلسطينيون هم من يفرضون فيها شروطهم، رغم كل ما يتعرضون له من تقتيل وتنكيل واستهداف ممنهج لكل ما ينبض في الحياة في قطاع غزّة.
في سياق ذي صلة، أشار المتحدث إلى أنّ هناك عدة مطالب للحركة الوطنية الفلسطينية ولفصائل المقاومة، تتخلص في إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين “الكل مقابل الكل”، ووقف العدوان وانسحاب الاحتلال من قطاع غزّة بشكل كامل، وإدخال كل ما يلزم القطاع من مواد طبية وغذائية وتموينية، وإعادة إعمار قطاع غزّة، وهذه الشروط الرئيسية تصرّ المقاومة الفلسطينية على التمسك بها من أجل عقد صفقة تبادل للأسرى، وبالمقابل يُحاول الاحتلال جاهدا تضليل المجتمع الصهيوني أولا، وتضليل الرأي العام ثانيا، بأنه يوافق على إبرام صفقة تبادل والتوصّل إلى اتفاق هدنة، إلا أنه وعلى الأرض يسعى وبشكل مستمر حتى يصل إلى جنوده وأسراه بطرق أخرى، وهو الأمر الذي فشل فشلا ذريعا في تجسيده إلى حدّ هذه اللحظة.
خِتاما، أبرز عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس)، محمد الدويكات، أنّ الاحتلال الصهيوني أخفق في تحقيق أي هدف من أهدافه المعلنة التي وضعها
منذ الأول لعدوانه الجائر على القطاع، وعلى رأسها تحرير الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، والقضاء على المقاومة وتهجير الشعب الفلسطيني، هذه هي التقاط الثلاث الرئيسية التي أعلن عنها قادة الاحتلال مع بداية هذه الحرب الشعواء على القطاع، وفشل في تجسيدها على الأرض، أمام صمود الشعب الفلسطيني وثباته وتمسكه بخيار المقاومة، في التفاف جماهيري واسع ومنقطع النظير حول المقاومة الفلسطينية، حيث أصبح كل الشعب الفلسطيني يدرك أنه لا خيار أمامه إلا التمسك بالمقاومة الفلسطينية ودعمها كخيار إستراتيجي من أجل إنهاء هذا الاحتلال الجائر وتحقيق أهداف الفلسطينيين في نيل حريتهم واستقلالهم والعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا منها قسرا.
كان قد رُفض إدراج اسمه في صفقة “شاليط”..
لماذا يخشى الاحتلال وجود البرغوثي خارج القضبان؟
بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني
هناك إجماع فلسطيني على أنّ مروان البرغوثي سيكون له دور سياسي مهمّ في المستقبل الفلسطيني فيما لو قدّر لصفقة تبادل الأسرى أن تتمّ ويفرج عن الأسير مروان البرغوثي وقد مضى على فترة اعتقاله ما يقارب 22 عامًا، وقد حكمت محكمة الاحتلال الصّهيوني على مروان البرغوثي في عام 2004 بالسّجن 5 مؤبّدات و40 عاماً.
السّيرة النّضالية للأسير مروان البرغوثي
ولد البرغوثي عام 1959، في بلدة كوبر، بمحافظة رام الله والبيرة، ويُعتبر أوّل عضو من اللّجنة المركزيّة لحركة فتح، وأوّل نائب فلسطيني تعتقله سلطات الاحتلال وتحكم عليه بالسّجن المؤبّد.
تعرّض للاعتقال لأوّل مرّة عام 1976، ثم أعاد الاحتلال اعتقاله للمرّة الثّانية عام 1978، وللمرّة الثّالثة عام 1983، وبعد الإفراج عنه عام 1983 التحق بجامعة بيرزيت، وانتخب رئيسًا لمجلس الطّلبة لمدّة ثلاث سنوات متتالية، وعمل على تأسيس حركة الشّبيبة الفتحاوية، إلى أن أعاد الاحتلال اعتقاله مجدّدًا عام 1984 لعدّة أسابيع، وكذلك عام 1985، حيث استمرّ اعتقاله لمدّة 50 يومًا، وتعرّض خلالها لتحقيق قاسٍ، وفُرضت عليه الإقامة الجبرية واعتقل إداريًا في العام ذاته.
في عام 1986، بدأ الاحتلال بمطاردته، إلى أن اعتقل وجرى إبعاده، وعمل إلى جانب الشّهيد القائد أبو جهاد، ثم انتخب عضوًا في المجلس الثّوري لحركة “فتح” في المؤتمر العام الخامس 1989، ثم عاد إلى الوطن في أفريل عام 1994، وانتخب نائبًا للشّهيد القائد فيصل الحسيني، وأمين سر حركة فتح في الضفّة الغربيّة، لينتخب عام 1996 عضوًا في المجلس التّشريعي لحركة فتح، وكان أصغر عضو فيه.
مسيرة مروان البرغوثي النّضالية أكسبته شعبيّة وجعلت منه أيقونة نضالية متميّزة تخشاه “إسرائيل” وتتحفظ على إطلاق سراحه وسبق أن رفضت أن يدرج اسمه في صفقة تبادل شاليط. وبعرض سريع لسيرة مروان النّضالية، في محاولة لتقديم تفسير مقنع لشعبيّته الجارفة. بدأ مروان النّضال التّطوعي والتّنظيمي وهو فتى، حيث اعتقل وهو في المرحلة الثّانوية، وحصل على شهادة الثّانوية وهو في السّجن، وأمضى في المعتقل 5 سنوات، حيث عاش تجربة الحركة الأسيرة، وانخرط بعد إطلاق سراحه في الحركة الطلابية وأصبح عمودها الفقري، وتجلّى ذلك بانتخابه 3 مرّات رئيسًا لمجلس الطّلبة في جامعة بيرزيت، ولعب دورًا وحدويًا للحركة الطّلابية، ومن ثمّ أبعد إلى خارج الوطن في العام 1987 لمدّة 7 أعوام، وكان حينها رئيسًا لمجلس الطّلبة.
وكان ينظر كلّ من “الإسرائيليين” والفلسطينيين إلى مروان البرغوثي بعد أبو جهاد على أنّه مهندس الانتفاضة الأولى وعقلها المدبّر، ومن ثمّ انتخب عضوًا في المجلس الثّوري لحركة فتح في العام 1989، حيث كان أصغر عضو في المجلس. عاش مروان تجربة التشرّد، وعرف ما يعانيه شعبنا في أماكن اللّجوء والشّتات، حيث كان ينظر إلى الشّعب الفلسطيني ككلّ، ولا يقتصر على شعبنا في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وهذا منحه نظرة شاملة تعكس مصالح مختلف التّجمعات الفلسطينية.
وكان مروان على تواصل مستمرّ مع النّخب الفلسطينية على اختلاف أنواعها داخل الوطن وخارجه، حيث كان متواضعًا يتقن الاستماع لوجهات النّظر المختلفة معه من دون التّقليل من شأنها. وأكسبه قربه، وهو في الخارج، من الشّهيدين ياسر عرفات وأبو جهاد، معرفة وخبرة قيادية وفي كواليس القيادة الفلسطينية، وبذلك تميّز بحصوله على تجربة الدّاخل والخارج، وعاد إلى أرض الوطن بعد 7 سنوات من الإبعاد، وإذا أضفنا إلى ذلك ربع قرن قضاه في الأسر، والسّنوات التي كان فيها مطاردًا، فنجد أنّه أمضى معظم حياته مناضلًا ومعتقلًا ومطاردًا لا يثنيه أيّ شيء عن مواصلة نضاله، حتّى أنّه لم يعش مع أسرته وأبنائه (قسّام، عرب، شرف، ربا) إلّا سنوات قليلة، وكانت زوجته فدوى نعم الزّوجة والمناضلة والقائدة، وهي حملت قضيّته في مختلف أنحاء العالم.
مروان شجاع في الحرب وشجاع في السلام، فهو اعتبر أنّ “أوسلو” فرصة ويجب إعطاؤه الفرصة، وعمل على إقناع التنظيم به، ولكنه سرعان ما اكتشف أنّ “أوسلو” لم يؤد إلى إنهاء الاحتلال ولا إلى وقف التوسّع الاستعماري الاستيطاني، وأنّ “إسرائيل” استخدمت العملية السّياسية لاستكمال تطبيق مشروعها الاستعماري، فقاد الانتفاضة بكلّ شجاعة ومثابرة وإصرار.
وممّا يجب الإشارة إليه أنّ ما يميّز أبو القسّام قناعته بأنّ العمل السّياسي والمفاوضات من دون مقاومة استجداء، وأنّ المقاومة من دون عمل سياسي ومن دون استثمارها مغامرة.
وفي هذا السّياق، نقل عن عاموس جلعاد، المنظّر الإستراتيجي في وزارة الحرب “الإسرائيلية” لمدّة طويلة، بأنّه فسّر عدم إطلاق سراح مروان رغم المطالبة الواسعة، حتّى من أوساط “إسرائيلية”، لأنّه أبو عمار جديد، يمكن أن يفاوض ولكنّه لن يتخلّى عن المقاومة لتحقيق حلم حقّ تقرير المصير وحقّ العودة.
قاد مانديلا جنوب إفريقيا من خلف القضبان نحو حريّتها واستقلالها من نظام الفصل العنصري، بعدما أجبره شعبه على إطلاق سراحه والتّفاوض معه على الاستقلال، كما يلقّب الكثير من الفلسطينيين مروان البرغوثي بـ “مانديلا فلسطين”، ويعقدوا عليه آمال واسعة وعريضة في السّير على خطاه.
هل يكون الرّئيس المقبل للفلسطينيين؟
منذ السّابع من أكتوبر 2023، عاد مجدّداً اسم القيادي الفلسطيني البارز في حركة فتح، مروان البرغوثي (66 عاماً)، يتردّد كشخصيّة يُحتمل أن تتسلّم رئاسة السّلطة الفلسطينية، إذ تصرّ حركة حماس على أن يكون الرّجل ضمن القياديين المفرج عنهم في أيّ صفقة جديدة لتبادل المعتقلين والرّهائن.
لماذا تخشى “إسرائيل” وجوده خارج القضبان؟
مروان البرغوثي هو أشهر أسير داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويرى الكثير من الفلسطينيين أنّه أكثر الشّخصيات المؤهّلة لخلافة محمود عباس في رئاسة منظّمة التّحرير ورئاسة السّلطة الفلسطينية أيضًا، إذا ما حدث ونُظّمت انتخابات رئاسية لم تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ 2005 في أعقاب وفاة الرّئيس ياسر عرفات. وهو يتمتّع بشعبية كبيرة لدى العديد من الشّرائح الفلسطينية وعلى اختلاف اتجاهاتهم وأطيافهم السّياسية والأيديولوجية.
وكانت صحيفة “ها آرتس” قد نشرت مؤخّرًا مقابلة مع عامي آيالون، الرّئيس السّابق لجهاز الأمن العام “الإسرائيلي” (الشين بيت أو الشّاباك) قال فيها “إنّ قيام دولة فلسطينية ليس فقط مصلحة “إسرائيلية” يجب الموافقة عليها، بل يجب الإفراج عن البرغوثي ليقود محادثات إقامة الدّولة ويتولّى رئاستها أيضا”.
وقال آيالون: إنّ مروان هو الزّعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكن انتخابه، وأن يقود سلطة فلسطينية شرعية تجاه طريق الانفصال عن “إسرائيل” بالتّراضي وفق مقابلة المسؤول الأمني السّابق مع “هآرتس”.
كما أنّ الاستطلاعات التي جرت منذ اعتقاله، كانت كلّها تخلص لنتيجة واحدة وهي أنّ البرغوثي هو أوفر السّاسة حظًّا ليقود الشّعب الفلسطيني نحو انتخابات حرّة.
البرغوثي وطوفان الأقصى
يبدو أنّ هذه المكانة هي أكثر ما تخشاه “إسرائيل”، فالبرغوثي لم يدل بأيّ تصريح صحفي من داخل سجنه وزوجته فدوى المحامية والعضو البارز في حركة فتح لم تره منذ أكثر من عام ونصف. ثم جاء طوفان الأقصى لتضييق الخناق على الأسير البارز، فنقلته “إسرائيل” إلى سجن أيالون ووضعته رهن الحبس الانفرادي مدّة 5 أيام، بذريعة أنّه كتب رسالة يؤيّد فيها عمليّة حماس.
قدورة فارس صديقُ عُمْر البرغوثي ورئيس نادي الأسير الفلسطيني، كان قد صرّح لإحدى وسائل الإعلام الغربيّة أنّ الرّسالة التي تتحدّث عنها “إسرائيل” هي محض افتراء، وكشف أنّ القيادي غارق في الظّلام داخل زنزانته وقد أُعطي الحدّ الأدنى من الطّعام كما حُرم من فراشه ومن النّوم أيضًا عبر بثّ سلطات السّجن موسيقى صاخبة.
وقال قدورة إنّ “الاسرائيليين” أرادوا إذلاله من خلال تقييد يديه وراء ظهره. لكن منذ ذلك الوقت تمّت إعادة البرغوثي إلى سجن ريمونيم بعد أن وكّلت عائلته محاميًا إسرائيليًا بارزًا للدّفاع عنه.
وبحسب ما أوردت صحيفة معاريف “الإسرائيلية” فإنّ البرغوثي نقل من سجن عوفر إلى سجن آخر لم تسمّه مع وضعه في العزل الانفرادي في فيفري الماضي، بعد أن تلقّت مصلحة السّجون “الإسرائيلية” معلومات تفيد بأنّ البرغوثي كان يعمل عبر عدّة قنوات لإثارة اضطرابات في الضفّة الغربيّة في محاولة لإشعال انتفاضة ثالثة.
ورحّب وزير الأمن القومي “الإسرائيلي” اليميني إيتمار بن غفير بوضع البرغوثي في العزل الانفرادي مجدّداً، بينما ترفض الحكومة “الإسرائيلية” برئاسة بنيامين نتنياهو أيّ حلّ دولي مطروح لإقامة دولة فلسطينية.
تخشى “إسرائيل” الرّموز النّضالية الفلسطينية وتتحسب من ردّات الفعل للشّعب الفلسطيني ولا شكّ أنّ الحرب على غزّة غيّرت من موازين القوى وأصابت الاحتلال الإسرائيلي في مقتل ولا يستبعد أن يعود اسم البرغوثي وسعدات والسيّد وغيرهم الكثير ممّن يقبعون في سجون الاحتلال إلى تصدّر أولويّة الإفراج عنهم، وعندها يمكن القول أنّ الكثير من المعادلات الفلسطينية ستتغيّر وتتغيّر معها قواعد كثيرة وعلى كلّ المستويات والتي ستقود حتمًا للتّوصل إلى حلول تفضي للتحرّر وتحرير فلسطين من الاحتلال وتمكين الشّعب الفلسطيني من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس.
منطق التّمويه الدبلوماسي..
قراءات على هامش طاولة المفاوضات الملغّمة
بقلم: وليد عبد الحي – كاتب وباحث أكاديمي أردني
رغم أنّ اتفاقًا رسميًّا ومعلنًا بخصوص نتائج التّفاوض في باريس لم يتمّ الإعلان عنه حتّى الآن، إلا أنّ التّسريبات التي تنقلها وسائل الإعلام وتصريحات الرّئيس الأمريكي الأخيرة تستحقّ التّوقّف عندها، ففيها ما يُفزع:
1– لا أستبعد – بحكم الخبرة التّاريخية النّظرية في الدّبلوماسية الدّولية على الصّعيد العربي – أن لا تكون المفاوضات التي تجرى في باريس أو في الدّوحة هي فقط قنوات التّفاوض الوحيدة، فكلّ المعاهدات والاتفاقيات العربية “الإسرائيلية” كان ميلادها في أماكن غير التي تتواجد فيه القابلة، من كامب ديفيد 1979 إلى لقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا 2020 مرورًا بأوسلو ووادي عربة واتفاقات أبراهام.. إلخ.
2– تشير تصريحات بايدن الأخيرة إلى ما يلي:
أ- هناك احتمال وليس مؤكّدًا “أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق النّار” خلال هذا الأسبوع، والملاحظ هنا التّمويه في اللّغة، فبدلاً من استخدام تعبير “الهدنة” التي لا يريدها الطّرف الفلسطيني لأنّها تعني وقفًا قصيرًا، يتمّ استخدام تعبير وقف إطلاق النّار “المستدام”، أي هُدَن متلاحقة على غرار ما جرى في المرحلة الأولى، ذلك يعني أنّ الاتفاق – حسب الإعلان النّظري – هو على وقف إطلاق نار، بينما الحقيقة هو اتّفاق على هدنة قيل أنّ مدّتها 40 يومًا، وليس وقف إطلاق النّار، وفي الفقه الدّولي لا تعني الهدنة وقفًا لإطلاق النّار بالمعنى المتداول..
ب- إنّ سياق التّفاوض يجعل من إطلاق الرّهائن هي الأولوية وليس الانسحاب “الإسرائيلي” ولا المساعدات بالمستوى الذي تطالب به الأمم المتّحدة، فالتّفاوض لا يسير بالتّوازي بين الموضوعات بل بجعل كلّ ما تريده “إسرائيل” يعلو على غيره، ومن المؤكّد أنّ إطلاق سراح الرّهائن بالتّدريج هو إزاحة للهمّ المركزي لنتنياهو، وبعد ذلك تصبح يده طليقة في فعل أيّ شيء دون رادع من أيّ طرف ودون قلق من أهالي الرّهائن، ويتأكّد ذلك ممّا جاء في لقاء بايدن مع NBC حيث أكّد وجود “اتفاق بين الإسرائيليين على عدم القيام بأيّة أنشطة خلال رمضان لكي نمنح أنفسنا وقتًا لإخراج الرّهائن”.
وأرى أنّ التّدقيق في عبارات بايدن يشير لأمرين هما أولويّة إعادة الرّهائن من ناحية ولكن استئناف القتال بعد إعادتهم من ناحية أخرى، وهو ما يستوجب التنبّه له من جانب المقاومة، ويجب عدم الفصل بين نهايتين مترابطتين هما: نهاية موضوع الرّهائن الاسرائيليين مع نهاية الوجود العسكري الاسرائيلي في القطاع.
ت- وقال بايدن إنّ “إسرائيل” تعهّدت بعدم القيام “بأنشطة عسكرية ” خلال رمضان، ولكن ما تعريف “إسرائيل” للنّشاط العسكري، فهل إدخال مزيد من القوّات “الإسرائيلية” إلى القطاع يعدّ نشاطًا عسكريًا أم لا؟ وهل استمرار البحث عن عناصر المقاومة أو عن الأنفاق أو مخازن السّلاح أو عن تجنيد العملاء أو منع إصلاح بعض المرافق بالقوّة عملاً عسكريًا أم لا؟ إنّ بقاء القوّات “الإسرائيلية” على أرض غزّة هو في حدّ ذاته عملاً عسكريًّا.
ونقطة أخرى في هذا الجانب، إذا كانت المقاومة تتبنّى شعار وحدة السّاحات، فلماذا لا تتضمّن الهدنة وقف اقتحامات المدن والمخيّمات والأرياف في الضفّة الغربيّة؟ وماذا عن الموقف في الأقصى وتطويقه عسكريًا بخاصّة في شهر رمضان (شهر الهدنة المقترحة).. ناهيك عن الاعتقالات التي سيتمّ توظيفها للمقايضة مع الرّهائن “الإسرائيليين”؟
ث- يقول بايدن إنّ “إسرائيل” التزمت بتمكين الفلسطينيين من الإخلاء من رفح قبل تكثيف حملتها هناك لتدمير حماس، وهو ما يعني بشكل واضح أنّ بايدن موافق على احتلال رفح واستئناف العمل العسكري في رفح (رغم أنّه كان يحذّر سابقًا من ذلك، ولكنّه طوى الآن هذه التّحذيرات)، والخلاف بينه وبين نتنياهو هو أنّه يريد تخفيف انعكاسات قتل المدنيين على صورة “إسرائيل” بينما لا يرى نتنياهو أنّ الأمر بتلك الخطورة، وهو ما يعني أنّ بايدن أكثر حرصًا من نتنياهو على صورة “إسرائيل”، فهو يريد تدمير رفح دون إيذاء صورة “إسرائيل” من خلال الإبادة التي تمارسها.
3- تواترت أنباء من وكالات إعلامية دوليّة أنّ اتّفاقًا على وشك النّهاية ينصّ على:
أ- تبادل رهائن ومعتقلين بواقع “إسرائيلي” مقابل كلّ 10 معتقلين فلسطينيين، فإذا صحّ ذلك فإنّه يعني إطلاق سراح حوالي 130 “إسرائيلي” مقابل 1300 فلسطيني، وهو ما يعني إطلاق الرّهائن “الإسرائيليين” بنسبة 100 بالمائة، مقابل إطلاق سراح حوالي 15 – 16 بالمائة من المعتقلين الفلسطينيين.. وهو ما يجعل من موضوع “تبييض السّجون” موضع سخرية.. لذا يجب أن يكون التّبادل بالنّسبة، 10 بالمائة أو 20 بالمائة أو 100 بالمائة منهم مقابل 10 بالمائة أو 20 أو 100 بالمائة من الفلسطينيين، وقد يرى البعض أنّ ذلك مبالغة، وهنا نسأل: ألم يطلقوا سراح 1027 مقابل شاليط؟ لدى المقاومة الآن حوالي 130 شاليط.. فلماذا تتغيّر المعادلة؟ ويمكن اعتبار شاليط سابقة تاريخية يجوز الارتكان لها وتطبيقها.
ب- إدخال 500 شاحنة من المساعدات، وهنا لا بدّ من الحذر، فالشّاحنات تعبير فضفاض، فهناك شاحنة تتّسع لعشرة أطنان، وغيرها لطنين.. لذا من الضّروري أن يتمّ تحديد كميات المساعدات لا عدد ناقلاتها، (في ملاحق أوسلو حدّد اليهود أنواع الواردات للضفّة الغربيّة وغزّة إلى حدّ تحديد نوع الحمّص والعدس الذي يدخل والذي لا يدخل..)، وعليه فإنّ المعادلة يجب أن تكون على أساس تقديرات المنظّمات الدّولية لحاجة الفرد من السّعرات الحرارية يوميًا، وكميّات الاستهلاك من الماء والكهرباء والغاز للفرد الواحد في الوضع الطّبيعي، ثمّ يتمّ إدخال هذه المساعدات على أساس الحاجة اليوميّة، ولتكن المساعدات كلّ أسبوع بكميّات تكفي أسبوعا، وهكذا..
ت- تواترت أنباء عن السّماح لسكّان شمال غزّة بالعودة مع اشتراط أن لا يكون بينهم رجال فوق 18 سنة، (وهو ما يعني أنّ “إسرائيل” تخشى أنّ العودة لهؤلاء تعني احتمال الالتحاق بصفوف المقاومة)، ولكن كيف ستعود الزّوجة وأطفالها وتترك زوجها، فمن يعينها ويعيل أولادها؟ لذا يجب أن تكون العودة على أساس أسر (عائلات) ويتمّ الاتفاق على العدد طبقًا لواقع المفاوضات، مع اشتراط أن تكتمل عمليّة العودة إلى سكّان الشّمال مع حلول عيد الفطر.
ث- قيل إنّ “إسرائيل” ستلتزم بعدم القيام بنشاطات جويّة (الطّيران الحربي أو المسيّرات) 8 ساعات كلّ يوم (أي يحقّ لها 16 ساعة)، فإذا علمنا أنّ معدّل سرعة المسيرات تتراوح بين 450 إلى 500 كيلو متر في السّاعة، وعلمنا أنّ مساحة قطاع غزّة كلّه 365 كيلومتر مربع، وأنّ أطواله (من الشّمال إلى الجنوب ومن الشّرق إلى الغرب) لا تتجاوز في أوسع الحالات 20 كيلو.. أي أنّ الـ 16 ساعة المسموح للطّيران “الإسرائيلي” التحرّك خلالها في أجواء غزّة تكفي للانتقال من موسكو إلى مدينة خاباروفسك الرّوسية التي تبعد 6147 كيلو لمرّة ونصف تقريبًا، أو القيام بمسح القطاع حوالي 12 مرّة يوميًا.
أخيرًا، إنّ إطار التّفاوض يوحي:
أ- أنّ هناك اتفاقًا “إسرائيليًا” أمريكيًا عربيًا على التخلّص من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة.
ب- التّحضير لحكومة فلسطينية (واستقالة أشتية هي مقدّمة لذلك) تكون موافقة على “الشّرعية الدّولية” والعودة إلى أوسلو بحلّته الجديدة، وهي المبادرة العربية السّعودية، وهو ما سيعطي “إسرائيل” مخرجًا للمناورة بخصوص حلّ الدّولتين، وهو ما سيعيدنا إلى فصل جديد من فصول قصّة إبريق الزّيت الشّعبية.
ت- تدرك “إسرائيل” من خلال ما جرى خلال الشّهور الخمس الماضية تقريبًا أنّ الدّول العربية ومن ضمنها سلطة التّنسيق الأمني لن تقطع علاقاتها مع “إسرائيل” حتّى لو احتلّت “إسرائيل” القطاع كاملاً وهجّرته واستوطنت كلّ الضفّة الغربية ودمّرت الأقصى، وهو تقدير إستراتيجي تعجّ به تقارير مراكز الدّراسات “الإسرائيلية” المهمّة، وهي تدرك أنّ الدّول العربية تقطع علاقاتها مع بعضها لأتفه الأسباب، لكن التغلغل الأمريكي في المؤسّسات العربية يخنق أيّ موقف ضدّ “إسرائيل”..
ث- حتّى الآن، ورغم جهود محور المقاومة في التّأثير على المسار السّابق، فإنّ الالتزام بالحدود الحالية لمسرح المعارك سيجعل “إسرائيل” أكثر ثقة بقدرتها على السّيطرة على أيّة تداعيات على المسار السّائد حتّى الآن.
ج- من الضّروري أن تطالب المقاومة بلجنة دوليّة تضمّ عددًا من الدّول التي ترسل مراقبين لضمان التّنفيذ، وأن تكون من بين دول المراقبة روسيا والصّين وجنوب إفريقيا والبرازيل.. ومن تقترحهم “إسرائيل” إذا وافقت على ذلك.
لم أكن يومًا خائفًا من المعارك العسكرية العربية، وغزّة تدلّ على ذلك بوضوح، لكن رعبًا يسكنني من معاركهم السّياسية..