في صبيحة السادس والعشرين من مارس لعام 2015 اندلعت الحرب في اليمن، فعمّت الفوضى، وتمزق النسيج الاجتماعي، وكلما مرّ من عمر الحرب بضعة أيام، كلما أزداد الأمر سوءا في البلاد على كافة الأصعدة، حتى وصل الحال إلى انقطاع المرتبات عن جميع الموظفين بمن فيهم مدرّسي المدارس العامة، ما أدى إلى تفلت التعليم. وقد بحث المعلمون عن فرص عمل خارج سلك التدريس ليعُولوا أسرهم، في ظل حرب فاقمت الوضع الاقتصادي في البلاد وقوّضت الأمن، وهنا وجد المستثمرون نافذة استثمار جديدة.
المدارس الأهلية استثمار في زمن الحرب
اتجه الكثير من أصحاب رؤوس المال نحو الاستثمار في مجال المدارس الخاصة، لاسيما بعد أن لحق الضرر بالمدارس العامة، خاصة في البُنى التحتية من جرّاء الحرب وعمليّات القصف تارة، وتارة أخرى لاستخدامها كمتاريس من قبل الأطراف المتحاربة، إضافة إلى توجّه المعلمين نحو مهن أخرى بعد انقطاع المرتبات، الأمر الذي شجّع الكثيرين على فتح مدارس خاصة استثمارية، فظهرت على إثر ذلك مئات المدارس، حسب الواقع والإحصاءات التي تُنشر من قبل منظمات مهتمة بالتعليم، هكذا يقول أحمد الخالدي الخبير الاقتصادي.
نافذة وحيدة
رغم تزايد الشكوى من قبل أولياء الأمور فيما يخص ارتفاع رسوم المدارس الخاصة، لاسيما في ظل غض الطرف من قبل الجهات المعنية سواء في المناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس الرئاسي المدعوم سعوديا، أو تلك الخاضعة لسلطة أنصار الله. إلا أن الكثير من الآباء وجدوا أنفسهم مجبرين على تجشّم العناء وتحمّل الأعباء المالية من أجل إلحاق أبنائهم بالتعليم الخاص.
إدارة المدارس المختلفة تُعللّ تلك الزيادة الملحوظة إلى جودة التعليم والامتيازات التي يحصل عليها الطالب في الجانب الفني والثقافي، إضافة إلى أجور المُعلّمين والإداريين وتكاليف نقل الطلاب من منازلهم صباحا وإعادتهم نهاية كل يوم دراسي في حافلات النقل المدرسي.. وعناصر أخرى تضمن تهيئة بيئة تعليمية مناسبة، وهو ما يتطلّب الكثير من النفقات.
من ناحية أخرى وبعيدا عن رسوم الدراسة الباهظة، يقول محمد البعداني، وهو أب لثلاثة أبناء: ” قبل الحرب كان يحظى أبنائي بتعليم حكومي متميز يتماشى مع العصر، لكنني وجدت نفسي فجأة مجبرا على إلحاق أبنائي في مدارس خاصة وبتكلفة تتجاوز نصف مليون ريال يمني وذلك من أجل ضمان تحصيل علمي لهم”.
غض الطرف
في ظل التساؤلات الملحّة حول الأسباب والمسببات التي دفعت كثيرا من المدارس لرفع رسوم التعليم، كان علينا طرق أبواب الجهات المعنية هنا وهناك بحثا عن إجابات واضحة من شأنها التقليص من مساحة الأسئلة المطروحة، لكننا وجدنا كل الأبواب موصده إلا باب أحد وكلاء التعليم بصنعاء، تم تسريحه مع بداية انطلاق الحرب في مارس2015، إذ يعزو سبب ارتفاع رسوم التدريس في المدارس الخاصة إلى النفقات المفروضة عليها من طرف الجهة الوصية على التعليم، والتي ليس لها مسوغ قانوني، غير جلب الكثير من الجبايات التي تفيد أطراف الحرب، وتمدّهم بالكثير من المال على حساب المنظومة التعليمية.
الأطفال يدفعون فاتورة الحرب
ما يزيد عن مليوني طفل في اليمن، حسب تقارير دولية، تركوا مقاعد الدراسة لأسباب يعزوها البعض لما ذكرناه سابقا، بينما يرى آخرون أن السبب الوحيد هو انخراط الكثير من الأطفال في سوق العمل من أجل البحث عن لقمة عيش، إضافة إلى نزوح أسر كثيرة من مدنها إلى مدن أخرى، بسبب أضرار الحرب وتأثيراتها.
إيلاف وأرياف طفلتان توأمان لأسرة مكونة من والدين وخمسة أبناء، قدموا إلى صنعاء في مطلع العام 2018 بعد تضرر منزلهم في مدينة الحديدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر والتي تشهد حربا قاسية، لم تتمكّن التوأمان من الالتحاق بالتعليم وظلتا تحدّقان بالطلاب في كل صباح وهم يتوجهون نحو مدارسهم، ويرى الأب أن السبب يعود إلى الرسوم غير القانونية، والتي جرى استحداثها مؤخرا في المدارس العامة، تحت مبرر توفير نفقات للمدرسين الذين تطوّعوا للتدريس.