تُخفي التبعية شبه المطلقة لبعض الدول الإفريقية، للمستعمرة السابقة فرنسا عدة أوجه، منها الولاء والعمالة والخيانة .. ، إلاّ أن فرنسا ومع مرور الوقت استطاعت أن تُطور وتُنوع من أدواتها لإبقاء الدول الإفريقية في قبضتها، ومن ثم تسهيل نهب ثرواتها وربط اقتصادياتها بالاقتصاد الفرنسي، القائم على مقومات الغير.
من بين الأدوات التي طوّرتها باريس للحفاظ على مصالحها ونفوذها في القارة السمراء، القوة الناعمة، وهنا لا نعني بالقوة الناعمة الدبلوماسية، وإنما سلاح آخر لا يقل خطورة، وهو سلاح المرأة التي يمكن أن تحقق ما تعجز عنه بقية الأدوات الأخرى.
اثنتان من الدول الإفريقية الأكثر تبعية من غيرهما لباريس، هما جمهوريتي ساحل العاج (كوت ديفوار) والغابون. هذان البلدان يعتبران رأس الحربة بالنسبة للنفوذ الفرنسي في القارة السمراء، الذي وإن تراجع في بعض البلدان مثل مالي والتشاد وبوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى، إلاّ أن هذين البلدين يبقيان في قبضة فرنسا الحديدية.
هناك امرأتان من أصول فرنسية تشاركان إن لم نقل تصنعان القرار في كل من أبيدجان وليبرفيل، وهما دومينيك واتارا، زوجة الرئيس العاجي، الحسن وتارا، وسيلفيا بونغو، زوجة رئيس الرئيس الغابوني، علي بونغو. فهما السيدتان الأوليتان في هذين البلدين الغارقين في النفوذ الفرنسي، إلى أذنيهما.
عندما وصلت زوجة الرئيس العاجي إلى أبيدجان في العام 1975، كانت مجرد موظفة صغيرة في هيئة الأمم المتحدة، غير أنها وبقدرة قادر، أصبحت في العام 2011 سيدة ساحل العاج الأولى بعد وفاة زوجها جون فولورو الأستاذ في الاقتصاد والإطار بصندوق النقد الدولي، قبل أن يتزوجها الحسن وتارا، الذي كان موظفا في صندوق النقد الدولي، وهي اليوم تعتبر السيدة الأولى في إفريقيا من حيث الثروة.
تزوج الحسن وتارا من السيدة دومينيك بولورو، التي وُلدت في قسنطينة بالجزائر في العام 1953 من عائلة أوروبية، في العام 1991، بالمقاطعة رقم 16 الباريسية، بحضور سيسيليا، الزوجة السابقة للرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، ورجل الأعمال الثري مارتين بويغ، وجون كريستوف ميتيران، شقيق الرئيس السابق، فرانسوا ميتيران، ومستشاره للشؤون الإفريقية.
وفي العام 2011 أصبح الحسن وتارا رئيسا لساحل العاج، ودومينيك واتارا، سيدة أولى في هذا البلد.
هل كان الحضور النوعي في زفاف واتارا ودومنيك في الدائرة الـ 16 بالعاصمة الفرنسية باريس، المشكَّل من سياسيين فرنسيين بارزين ورجال مال، مجرد مصادفة جميلة؟ الأكيد وراء هذا الأمر “إنّ كبيرة”، فسياسة ساحل العاج اليوم، تعتبر مجرد دائرة في وزارة الخارجية الفرنسية، إذ يشار إليها على أنها رأس الحربة التي تستعملها فرنسا ضد السلطات الانتقالية في مالي، التي طردت الجيش الفرنسي من أراضيها.
غير بعيد عن ساحل العاج، وبالضبط في خليج غينيا الاستوائية الذي تطل عليه دولة الغابون النفطية، هناك أيضا سيدة فرنسية تتسيّد القصر الرئاسي في ليبرفيل، تدعى سيلفيا بونغو، زوجة الرئيس الغابوني علي بونغو.
لم تكن سيلفيا بونغو سوى ابنة رجل أعمال فرنسي، هو إدوار فالنتان، الذي حطّ الرحال بالغابون في سنة 1974.
تزوجت سيلفيا من علي بونغو عندما كان وزيرا للدفاع في حكومة والده الراحل عمر بونغو، لمدة عشر سنوات، قبل أن يتوفى والده في العام 2009، ويخلفه رفقة سيلفيا على رأس هذه الدولة النفطية، التي يقال إنها مركز المخابرات الفرنسية الخارجية في القارة السمراء، ووكر دسائس الانقلابات المدبرة من قبال “الدي آس تي” ضد الرؤساء الأفارقة الذين يرفضون الخضوع لباريس. هل الأمر مجرد مصادفة أن تجد أكثر الدول الإفريقية ولاء لفرنسا، زوجتي رئيسيهما من أصول فرنسية؟ .