في مواجهة الحملة المستمرة التي يشنّها اليمين المتطرف الفرنسي ضد الجزائر، حرصت وكالة الأنباء الجزائرية على وضع النقاط على الحروف وتوضيح الحقيقة حول وهم العطاء الفرنسي الذي يدور في فلك المصالح الذاتية. ففي برقية تفصيلية، ردت الوكالة على المزاعم التي تروجها بعض الأطراف الفرنسية حول “المساعدات التنموية” المزعومة، مؤكدة أن هذه الادعاءات لا تعدو كونها وهمًا غير قائم على الواقع ويتعلّق بتحويل أموال من فرنسا إلى فرنسا ولصالح فرنسا.
ردّت وكالة الأنباء الجزائرية في برقية طويلة على بعض مزاعم اليمين المتطرف الفرنسي تجاه الجزائر، معتبرة في مستهل البرقية أن “الطرف المعادي للأجانب والشوفيني والعنصري في فرنسا يدعو بصوت عالٍ إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد الجزائر”. وحرصت الوكالة على الإشارة إلى تنافس “اليمين المتطرف الفرنسي وأولئك الذين سيطروا على أفكاره داخل الحكومة الفرنسية في اقتراح عقوبات من شأنها، حسب زعمهم، حمل الجزائر على التراجع”.
وفي سياق هذه المنافسة لاختيار أقوى عقوبة، وصفت الوكالة كيف “يتسابق المتسابقون لاقتراح الإجراء الأشد قسوة والأكثر ردعًا والأكثر إثارة ضد بلدنا”. ولفتت وكالة الأنباء الجزائرية إلى أن “من بين كل الإجراءات المقترحة، فإن الإجراء المتعلق بما يسمى مساعدات التنمية المزعومة هو بلا شك الأكثر جذبًا للانتباه ويستحق معالجة خاصة”.
الجزائر المستقلة غصة في حلق فرنسا
وتضيف الوكالة “إن هذا الجانب من فرنسا، الذي تظل الجزائر المستقلة ذات السيادة غصة في حلقه”، هذه الغصة “تؤنب ضميره ليل نهار وتحرمه من النوم قرير العين”. وبسبب ذلك، بات “يردد تصريحات مضللة ومبتذلة ويعيد تكرارها مرارًا، حتى “تؤدي به بطبيعة الحال إلى النتائج نفسها”. فماذا يعني ذلك؟ تجيب وكالة الأنباء كالآتي:
“في ظل ظروف تشبه في بعض الجوانب تلك التي تعيشها العلاقة الجزائرية-الفرنسية اليوم، اقترحت فرنسا نفسها، وهي الحاقدة والبغيضة، في سنة 1994 توقيف ما تزعم أنه مساعدة فرنسية للتنمية لصالح الجزائر، في حين أن هذه المساعدة المزعومة لم تكن موجودة إلا في مخيلتها وفي رؤيتها التي تتوهم أن الجزائر دائمة التبعية لفرنسا، وتقابل ذلك بالجحود. بينما في الواقع يتعلق الأمر بـ “قروض توريد” ساعدت الشركات الفرنسية على الحفاظ على حصتها في السوق الجزائرية”.
غير أن الجزائر، تضيف الوكالة، “أخذت بزمام المبادرة وأعلنت حينها رسميًا تخليها نهائيًا عن هذه الآلية لتمويل الصادرات الفرنسية المقدمة زورًا على أنها مساعدة للجزائر”. أما اليوم، فإن التاريخ يعيد نفسه وتتكرر معه نفس أخطاء الماضي لفرنسا. وفي هذا الصدد، اعتبرت وكالة الأنباء أن “اليوم مثل الأمس، لا توجد مساعدات فرنسية لتنمية الجزائر”.
وجاء في برقية الوكالة أن معطيات الاقتصاد الجزائري تؤكد وجود “صادرات فرنسية بلغت قيمتها 3.2 مليار دولار أمريكي في 2023″، كما توجد “استثمارات فرنسية يبلغ حجمها الإجمالي 2.5 مليار دولار أمريكي، وهو بعيد كل البعد عن حجم استثمارات أهم المستثمرين الأجانب في الجزائر، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإيطاليا وقطر وسلطنة عمان ومصر وغيرها من الدول الصديقة”.
وأشارت الوكالة إلى أن الاقتصاد الجزائري تمتّع بـ”استفادة مفرطة من الصفقات العمومية الجزائرية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي سمحت للعديد من الشركات الفرنسية بفرص البروز، بل أنقذت بعضها من الإفلاس الوشيك”.
هذه هي حقيقة المشاركة الفرنسية في الاقتصاد الجزائري، –تؤكد وكالة الأنباء– وهي حقيقة “لا يمكن إنكارها ولا دحضها ولا الطعن فيها. أما الباقي كله فهو تغليط سافر ووهم عنيد. وعدا ذلك، هناك فتات يمكننا بسخاء شديد اعتباره جزءًا من المساعدات العمومية للتنمية”. وطرحت وكالة الأنباء هذا السؤال: “ما هي الحصة الفعلية لهذا الفتات في العلاقة الاقتصادية الجزائرية-الفرنسية؟”،
الوكالة أجابت كالآتي:
“تشير إحصائيات المفوضية الأوروبية لعام 2022 إلى أن إجمالي قيمة هذه المساعدات يبلغ حوالي 130 مليون أورو. وهكذا نرى بوضوح أننا بعيدون كل البعد عن الرقم الخرافي البالغ 800 مليون أورو، المتداول يمينًا وشمالًا في أوساط اليمين الفرنسي. ولابد من التوضيح أيضًا أن الأمر يتعلق هنا بإحصائيات أوروبية أُعدت استنادًا إلى معلومات صادرة من الطرف الفرنسي. فبالنسبة للطرف الجزائري، لا يتعدى تقدير قيمة المساعدات الموجهة للتنمية الواردة من فرنسا المبلغ الضئيل المقر بنحو 5 ملايين أورو. وإن هذه الأموال مرتبطة بتنفيذ مشاريع التعاون الثنائي، وهو الأمر الذي يجعل تصنيفها في خانة المساعدة العمومية للتنمية محل نقاش، حيث لا يتم منحها تلقائيًا بأي شكل من الأشكال”.
وفي ذات البرقية استدركت الوكالة بالقول: “لكن هناك ما هو أهم من كل ذلك، ألا وهو تخصيص هذه الأموال ووجهة استعمالها”، وفي هذا السياق أيضًا، ردت الوكالة كالآتي:
“أمام الإحصائيات التي تزودنا بها المفوضية الأوروبية، نلاحظ، باعتبار سنة 2022 كمرجع، أن هناك معطيين يصعب إنكارهما: المعطى الأول هو أن 80% من المساعدة السنوية المزعومة التي تقدمها فرنسا للجزائر لا تغادر حتى التراب الفرنسي. هذا الجزء، الذي لا تتعدى قيمته الإجمالية 106 ملايين أورو، موجه مباشرة إلى المدارس والجامعات الفرنسية بغرض تشجيع هذه المؤسسات على استقبال طلبة جزائريين. ويتم اختيار التخصصات، بطبيعة الحال، وفق أولويات فرنسا واحتياجات اقتصادها”، أما المعطى الثاني، المتعلق بالنسبة المتبقية والبالغة 20% من هذه المساعدات المزعومة الموجهة للجزائر، فهو في الواقع – تضيف الوكالة – “موجه لتمويل أنشطة تخدم بالأساس المصالح الفرنسية في الجزائر. تشمل هذه الأنشطة، على سبيل المثال، الترويج للغة والثقافة الفرنسيتين، ودعم المنظمات غير الحكومية الفرنسية المسموح لها بالنشاط داخل الجزائر، وتعزيز الوجود الاقتصادي الفرنسي في بلادنا. بعبارة أخرى، ما يصل إلى القطاعات التقنية، التي من المفترض أن تكون المستفيد الرئيسي من هذه البرامج، ليس إلا الفتات”.
وعلى ضوء هذه المعطيات، لا يمكن إلا الاستنتاج أن ما يسمى بالمساعدات العمومية الفرنسية لتنمية الجزائر ما هو إلا عملية تحويل أموال من فرنسا إلى فرنسا ولصالح فرنسا، إذ إن الدولة الجزائرية لا تستفيد بأي شكل من الأشكال من هذه المساعدة، حيث لا يتم إشراكها في وضع تصور لها أو توجيهها أو حتى تنفيذها في الميدان، وفق ما جاء في نص البرقية.
وهكذا يتضح جليًا – تؤكد الوكالة – “أنه لا توجد في الحقيقة أية مساعدة عمومية فرنسية لتنمية الجزائر بالمعنى المتعارف عليه. بل هو بالأحرى عمل تضليلي كبير يهدف إلى إبراز صورة تجسد احترام فرنسا لالتزاماتها الدولية. كما أنها خدعة مشينة تسعى إلى الترويج لصورة جزائر تتلقى مساعدات فرنسية لا يمكن الاستغناء عنها”.
وخلصت وكالة الأنباء الجزائرية إلى أن هناك “سوء استخدام للغة بهدف التغطية، بشكل أقل ما يقال عنه أنه سيئ، على حملة تكالب تحاول عبثًا عرقلة مسيرة الجزائر المصرة على تحقيق نهضتها”. وفي نهاية المطاف، وبغية تجنيب هذا الجزء من فرنسا، الذي يعتقد أنه لا يزال لديه شيء يصفيه مع الجزائر، عناء البحث عن وسيلة لإنهاء ما تزعم أنه مساعدات فرنسا لتنمية الجزائر، ختمت الوكالة بالقول: “لا يسعنا إلا التأكيد على أن الجزائر مستعدة للتخلي عن هذه المساعدات، إن وجدت فعلًا، وبصدر رحب”.