لم يعد مجرَّد تصريحاتٍ أو مخطَّطات على الورق، بل أصبح واقعًا على الأرض. قرارات سلطات الكيان الأخيرة تؤكِّد أنَّ مخطَّط ضمِّ الضِّفَّة الغربيَّة يسير على قدم وساق، فقد تمَّ سحب صلاحيات تنفيذية من السُّلطة الفلسطينية في مناطق شرق بيت لحم وجنوب شرق القدس المحتلَّة، وتطبيق القانون “الإسرائيلي” في مناطق تسيطر عليها السُّلطة الفلسطينية إداريًّا. كما تمَّ تقنين خمس بؤر استيطانية في الضفَّة الغربيَّة، ونشر عطاءات لبناء آلاف الوحدات السَّكنية في المستوطنات.
ما سلف جزء من خطَّة وزير مالية الكيان الصُّهيوني الغاصب “بتسلئيل سموتريتش”، الذي لا يخفي أنَّه يسعى جاهدًا لا لضمّ الضفّة الغربية إلى كيانه، بل إلى توحيد الكيان، فهو لا يرى أصلًا أنّ الضفّة الغربية جزء غريب عن الكيان حتّى يتمّ الحديث عن ضمّه، بل هو جزء من الكيان يجب توحيده!!
مخطّطات الإرهابي “سموتريتش” تروق تمامًا للإرهابي “بنيامين نتنياهو”، ولذلك فهي تلقى لديه آذانًا صاغية، ولا يبدو الأمر هنا مجرّد مصالح انتخابية، بل يمثّل حقيقة ما يعتقده ويعتنقه “نتنياهو”.
عجز السّلطة عن مواجهة تلك المخطّطات
يعمل “سموتريتش” على أن تكون الضفّة الغربية منطقة مزرية لا تطاق حتّى يجبر الفلسطينيين على التّفكير بالبحث عن أماكن أخرى يجدون فيها الأمن والاستقرار، وبالفعل فالمستوطنون يقومون بهذا الجزء من الخطّة، وقد أحالوا حياة آلاف الفلسطينيين خصوصًا من البدو والرّعاة جحيمًا، وقد استطاعوا إبعاد الكثيرين منهم عن أرضهم وممتلكاتهم.
تقف السّلطة عاجزة تمامًا عن مواجهة تلك المخطّطات التي تستهدفها هي أيضًا، لكنّ الحالة التي وصلت إليها لا تؤهّلها إلّا لإصدار بعض البيانات التّنديدية والاستنكارية، فاتّفاقية (أوسلو) التي أوجدت السّلطة هي ذاتها التي بذرت بذور فنائها منذ البداية.
الأوضاع في الضفّة الغربية تغلي، وجيش العدو يفتك بشعبها بصورة يومية، والبعض ليس عنده سوى وصفة واحدة: “حلّ الدّولتين”! وهل بقي ضفة حتّى تكون عليها دولة؟ وهل سننتظر حتى يصبح الحديث عن الدولة الفلسطينية، لكن في مكان آخر كما يقترح عالم الآثار الصّهيوني “أبراهام فاوست”!!
المقاومة بالضفّة.. تطور لا تخطئه العين
لم تعد اقتحامات الجيش الصّهيوني لمخيّمات الضفّة الغربية المحتلّة مجرّد نزهة، بل باتت مكلفة جدًّا له حيث يعود بخسائر وأشلاء وحطام آليات.
المقاومة الشّرسة التي يواجهها العدو خلال اقتحاماته مخيّمات الضفّة باتت سمة بارزة، وأمرًا لا تخطئه عين.
لا شكّ أنّ المقاومة بالضفّة تستلهم الثّبات والصّمود والتّضحية والإبداع من المقاومة في غزّة، وليس سرًّا أنّ المقاومة في غزّة أسهمت في هذا التّطور اللّافت، ولا غرو فالشّعب الفلسطيني في غزّة والضفّة شعب واحد، أحلامه وطموحاته واحدة، ويواجه عدوًّا واحدًا، وليس العجب في أن ينهض أهل الضفّة لمساعدة إخوانهم في غزّة أو ينهض أهل غزّة لمساعدة إخوانهم في الضفّة، بل العجب العجاب هو أن يجلس الأشقَّاء يشاهدون أشقَّاءهم وهم يُقتلون ويُحاصَرون ولا يحركون ساكنًا.
طوَّرت المقاومة بالضفّة أساليب المواجهة، وباتت تعتمد على العبوات النّاسفة شديدة الانفجار، وقد شاهدنا كيف دمّرت إحداها آلية للعدو اعترف فيها بمقتل جندي وضابط، ولولا أنّ الانفجار حدث بعد نزول الجنود من الآلية وبقاء السّائق والضّابط فيها لكانت الخسارة كبيرة جدًّا في صفوف العدو.
560 شهيدًا ونحو 5300 جريحًا هي حصيلة العدوان الغاشم على الضفّة الغربية منذ السّابع من أكتوبر الماضي، ومع ذلك فإنَّ المقاومة تتعزَّز ويشتد عودها، وبحسب التَّقارير فإنَّها ماضية في تطوير نفسها مستلهمة إبداعات المقاومة في غزَّة.
لقد كانت عملية “طوفان الأقصى” فتيلًا أيقظ المارد، ورغم أنَّه ما زال يتململ، إلّا أنَّ العدوان الهستيري على الضفّة يعكس خوفًا ورعبًا من تلك المقاومة.
لا شكَّ أنَّ المقاومة في الضفّة استفادت من تهريب الوسائل القتالية، فهي كشقيقتها في غزّة تعاني حصارًا شديدًا من القريب والبعيد، في المقابل فإنَّ عدوها يأتيه المدد من كلّ مكان وفي وضح النّهار؛ سلاح ومال وحتى رجال، وهي معادلة تستعصي على الفهم لدى كثير من الشّباب العربي والمسلم.
تطوّر المقاومة بالضفّة لا تخطئه عين، لكن في الوقت نفسه فإنَّ عيونًا كثيرة ترقبه!!