بين مآسي الموت اليومية ومعاناة النزوح القسري، شددت المقاومة الفلسطينية على أن مصير الأسرى الإسرائيليين يبقى مرهونًا بسلوك سلطة الاحتلال، محذّرة من تداعيات التنصل من اتفاقات وقف إطلاق النار. وفي الضفة الغربية، تتصاعد حدة العدوان الصهيوني، مما يفاقم مأساة المدنيين عبر سياسات الهدم الممنهج والتهجير القسري. أما على الصعيد الدولي، فتتجه الأنظار نحو موقف مصر من الخطة الأمريكية المثيرة للجدل بشأن قطاع غزة، وسط تقارير تشير إلى رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارة واشنطن إذا تضمنت المحادثات خطة تهجير الفلسطينيين من القطاع التي يروّج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
أكد الناطق باسم سرايا القدس، أبو حمزة، أنّ مصير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في قطاع غزة “مرتبط بسلوك رئيس سلطة الاحتلال –مجرم الحرب- بنيامين نتنياهو، سلباً أو إيجاباً”، محمّلةً القيادة الصهيونية تبعات التنصل مما نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار والخروق المستمرة له.
وشدّد أبو حمزة، أمس الأربعاء، على “القاعدة الثابتة، بأنّ المقاومة ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار بكل حيثياته، طالما التزم به العدو”، وأضاف أنّ الوقائع والأحداث، منذ بدء “طوفان الأقصى”، وحتى اللحظة، “أثبتت أنّ الحل الوحيد لاسترداد الأسرى وعودة الاستقرار لا يتم إلا عبر صفقة التبادل”، كما أكد أنّ المقاومة الفلسطينية “قامت بواجبها والتزاماتها على أكمل وجه، في الوقت الذي ترك العدو أسراه في دائرة الخطر والمجهول”.
وعقب تصريحات أبي حمزة، نشر الإعلام الحربي في سرايا القدس فيديو بعنوان: “مصيرهم حتماً مرتبط بسلوك نتنياهو”، وأظهر الفيديو أسرى إسرائيليين سابقين، أطلقت المقاومة سراحهم ضمن صفقة التبادل. وختم الفيديو بعبارة: “لقد خرج غادي موزس وأربيل يهود ورفاقهم عبر صفقة التبادل فقط.. فماذا عن البقية؟ مصيرهم حتماً مرتبط بسلوط نتنياهو”.
أما من جانب الاحتلال الصهيوني، فأقرّ اللواء في احتياط “الجيش”، عاموس غلعاد -ضمن مقال كتبه في صحيفة “يديعوت أحرونوت- “بـ”عدم وجود بديل من المفاوضات من أجل إعادة الأسرى”، و، حذّر غلعاد، وهو رئيس الدائرة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن سابقاً، من أنّ استئناف الحرب على قطاع غزة “سوف يعرّض حياة الأسرى للخطر”.
ومن جهة أخرى، تواصل قوات الاحتلال الصهيوني تصعيد عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، لاسيما في مدن وبلدات شمالي الضفة مثل جنين وطولكرم وطوباس. فقد اندلعت النيران في مخيم جنين بعد قيام قوات الاحتلال بإحراق عدد من المنازل، مما أدى إلى نزوح واسع للسكان وسط عمليات تدمير ممنهجة، ووفقاً لمصادر صحافية، أطلقت قوات الاحتلال النار على المواطنين العائدين لتفقد منازلهم في المخيم، مما يزيد من معاناة السكان الذين فرّوا من المنطقة بسبب العدوان المستمر.
وأفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بإصابة 3 فلسطينيين جراء العدوان المستمر على المخيم، حيث تستمر قوات الاحتلال في تحركاتها في محيط المخيم وتعزز وجودها العسكري في المنطقة. وإلى جانب ذلك، قام الاحتلال بوضع لافتات تحمل أسماء عبرية في شوارع استحدثها بالقوة بعد هدم عدد كبير من المنازل في مخيم جنين والمناطق المحيطة به.
وفي تطور ميداني آخر، اقتحمت قوات الاحتلال وآلياته مدينة طوباس، بينما تسللت قوات خاصة إلى بلدة عقابا، وحاصرت أحد المنازل. وفي مخيم نور شمس في طولكرم، استشهد الفلسطيني خالد مصطفى عامر بعد اشتباكه مع قوات الاحتلال، فيما اقتحمت قوات الاحتلال الخاصة مدينة قلقيلية.
وقبل ذلك، حذرت وكالة “الأونروا” من تصاعد عمليات التهجير القسري للفلسطينيين في شمال الضفة الغربية، مشيرةً إلى تهجير 40 ألف لاجئ منذ منتصف عام 2023. وأكدت الوكالة أن مخيم جنين أصبح خالياً من السكان بسبب تصاعد الهجمات الصهيونية.
وتستمر قوات الاحتلال في عدوانها على مدن جنين، طولكرم، وطوباس منذ أكثر من شهر، ما أسفر عن استشهاد وإصابة العشرات، واعتقال آخرين. وصعّدت قوات الاحتلال انتهاكاتها بحق المواطنين، شملت دهم المنازل، سرقة محتوياتها، وتدمير بعضها، بالإضافة إلى فرض قيود شديدة على حركة التنقل، والاستيلاء على مبانٍ لتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومواقع لقنّاصاتها. هذا وكشفت وزارة الاقتصاد الفلسطينية أن قوات الاحتلال هدمت 48 منشأة اقتصادية من أصل 126 في الضفة الغربية خلال شهر جانفي الماضي.
موقف مصر
وعلى الصعيد الدولي، قال مصدران أمنيان مصريان إن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يسافر إلى واشنطن لإجراء محادثات في البيت الأبيض، إذا كان جدول الأعمال يشمل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
ووجّه ترامب دعوة مفتوحة للسيسي لزيارة واشنطن في اتصال بينهما في الأول من فيفري الجاري، حسبما ذكرت الرئاسة المصرية في وقت سابق، فيما قال مسؤول أمريكي إنه لم يتم تحديد موعد لمثل هذه الزيارة.
وأثار ترامب غضب العالم العربي بخطته لتهجير أكثر من مليوني فلسطيني بشكل دائم من قطاع غزة والسيطرة عليه وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وطالب مصر والأردن باستقبال الفلسطينيين الذين سيتم إبعادهم.
وناقش ترامب الخطة خلال اجتماع مع عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، والذي بدا الملك خلاله منزعجا، حيث كرر ترامب خطته بامتلاك غزة وإدارتها وتهجير أهلها، مذكرا أن الولايات المتحدة تقدم أموالا كثيرة للأردن ومصر، قائلا “لكننا لن نصدر تهديدات بشأنها”. وقال السيسي مرارا إن مصر لن تشارك مطلقا في تهجير واسع للفلسطينيين عبر الحدود.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، يوم الثلاثاء، عن مسؤولين مصريين قولهم إن السيسي قلق بشأن الصورة العامة إذا ما زار واشنطن والتقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد دعوته مصر والأردن لاستقبال أهالي غزة.
وأضاف المسؤولون أن السيسي يشعر بالقلق أيضا من المخاطر المترتبة على تعرضه لضغوط أمريكية علنية، مع مواصلة ترامب الترويج لخطته التي أكدت القاهرة رفضها القاطع لها كما يرفضها الشعب المصري، وقد تعد مشكلة أمنية للـ “جيش”.
ولا أنباء حتى الآن عن لقاء مرتقب أو مخطط بين الرئيسين الأمريكي والمصري، لكن ترامب قال سابقا إنه سيتحدث مع الرئيس المصري بشأن خطته لغزة وعن استقبال القاهرة سكان القطاع. وكان السيسي قد شدد يوم الثلاثاء على إعادة إعمار قطاع غزة بهدف جعله قابلا للحياة، وذلك من دون تهجير سكانه الفلسطينيين، وبما يضمن الحفاظ على حقوقهم ومقدراتهم في العيش على أرضهم.
وقدمت الولايات المتحدة لمصر منذ توقيع اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني عام 1979 ما يقدر بأكثر من 80 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية طبقا لتقرير لخدمة أبحاث الكونغرس اطلعت عليه الجزيرة نت.
ويفترض أن تحصل مصر هذا العام على 1.433 مليار دولار من إدارة ترامب، منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية و133 مليون دولار مساعدات غير عسكرية، في حين وقع الأردن اتفاق سلام مع العدو عام 1994، وحصل على مساعدات قيمتها تقترب من 30 مليار دولار، ويحصل على مساعدات عسكرية واقتصادية هذا العام مقدراها 1.45 مليار دولار.
مأساة الأسرى المحررين
ولا يزال الاحتلال الصهيوني يمارس، منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة في 19 جانفي الماضي، إرهابًا ممنهجًا بحق الأسرى المحرَّرين وعائلاتهم. وشملت هذه الممارسات تهديدات وصلت إلى حد القتل وإعادة الاعتقال، إضافة إلى تسجيل عمليات اقتحام لمنازل الأسرى وتخريبها وتدمير محتوياتها.
وتضمنت التهديدات أيضًا منع العائلات من إقامة أي مظاهر احتفالية عقب إطلاق سراح أبنائهم الأسرى، أو رفع أي راية أو علم. كما هدد جيش الاحتلال بقصف أماكن تجمع المهنئين، حيث تم توجيه هذه التهديدات عبر اتصالات شملت جميع عائلات الأسرى المحرَّرين.
وكشف المتحدث باسم نادي الأسير الفلسطيني، أمجد النجار، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، أنه “على مدار أكثر من أسبوعين منذ بدء تنفيذ صفقة التبادل في مرحلتها الأولى، يواصل الاحتلال الصهيوني توجيه تهديدات إلى عائلات الأسرى، قبل وبعد الإفراج عن أبنائهم، وهو ما يؤكد أنه يمارس إرهابًا ممنهجًا بحقهم يهدف إلى ضرب رمزية الأسير الفلسطيني ومكانته في المجتمع”.
وأوضح النجار أن “من بين العائلات التي جرى اقتحام منزلها، عائلة الأسير المحرَّر عمار الشوبكي من قلقيلية، حيث تعرض أشقاؤه لاعتداء على يد قوات الاحتلال، إلى جانب التهديدات. كما جرى اقتحام منزل الأسير رائد بدوان من بلدة بدو يومًا قبل إطلاق سراحه وفي يوم الإفراج عنه. وتعرض الأسير بدوان لوعكة صحية خطيرة استدعت نقله إلى المستشفى، وما يزال يتلقى العلاج هناك. علمًا أنه من الأسرى المرضى الذين عانوا من جرائم طبية ممنهجة خلال سنوات اعتقالهم”.
وأضاف النجار أن قوات الاحتلال “نفذت اقتحامًا لمخيم بلاطة أثناء استقبال المحرَّر فهد الصوالحي، وأطلقوا الرصاص الحي بهدف القتل”.
وأشار النجار إلى أن “من بين ما تعرض له المحرَّرون، احتجاز أحدهم بعد الإفراج عنه بيومين على أحد الحواجز العسكرية في محافظة الخليل، وذلك أثناء توجهه لتلقي العلاج في أحد مستشفيات المدينة. وقد تعرض للتنكيل خلال احتجازه، علمًا أنه يعاني من مشاكل صحية وآثار إصابات بليغة تعرّض لها قبل سنوات عند اعتقاله”.
ولفت النجار إلى أنه تم استدعاء الأسيرة المحرَّرة أشواق عوض لمقابلة المخابرات في معتقل “عاصيون”، مضيفًا أن هذه الممارسات الإرهابية تكررت مع العديد من الأسرى عقب تحريرهم.
وفي هذا السياق، أعرب الناطق باسم نادي الأسير الفلسطيني عن تخوفه من احتمالية إقدام الاحتلال على إعادة اعتقال المحرَّرين، خاصة مع وجود مادة في الأمر العسكري الصهيوني الصادر عام 2009، والتي تتيح إعادة اعتقال الأسرى المفرج عنهم ضمن صفقات التبادل لاستكمال ما تبقى من عقوبات، استنادًا إلى “ملف سري”.
وأكد النجار أن “جميع هذه التهديدات ليست أمرًا جديدًا، فقد دأب الاحتلال على ممارسة هذه السياسة منذ سنوات طويلة، وكانت تتركز بشكل أساسي في القدس، ومنها إعادة اعتقال الأسرى لحظة الإفراج عنهم. ومع مرور الوقت، توسعت دائرة التهديدات والاستهداف لتشمل جميع المدن الفلسطينية”.
ووجه النجار نداءً إلى الوسطاء “لضرورة التدخل لوقف الإرهاب الممنهج والمنظم الذي يمارس بحق الأسرى المحررين وعائلاتهم، خاصة أن الصفقة لا تزال في مرحلتها الأولى، وتحديدًا فيما يتعلق بعمليات الضرب والتنكيل التي تعرض لها المحرَّرون قبل الإفراج عنهم، وضمان إسقاط المادة الخاصة بالأمر العسكري المتعلقة بإعادة اعتقال المحرَّرين”.