يرفع شعار “القطع مع كل ما هو سائد” ويؤمن بمقولة أن “المثقف أو الفنان يمثّل ضمير الأمة” وإن “من يتخلّى عن التزامه الأخلاقي تجاه قضايا أمّته هو مثقف خائن”، كما عرّفه إدوارد سعيد، كما يرى أنه لا يمكن للفنان أن يقف على الحياد إزاء القضية الفلسطينية التي يقول دائما بأنها “شرف الأمة” رغم محاولات تشويهها سياسيا، إنه الممثل التونسي مهذب الرميلي الذي يؤيّد المقاومة المسلحة لاسترجاع الأرض وصيانة العرض.
تعرّض «مهذب الرميلي» لهجوم واسع ـ على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى من زملائه في الوسط الفني التونسي ـ عندما اعتبر أن مساندة القضية الفلسطينية تتطلب المساومة وفق قاعدة (أمن القدس مقابل أمن المعابد اليهودية في تونس)، ورغم هذه الانتقادات التي تطالع فإن «الرميلي» يواصل إثبات نضجه الفني في كل مرة، من خلال أعمال درامية من بينها مسلسلات: «مايسترو»، «حرقة1» و«حرقة2 الضفة الأخرى» هذا إلى جانب عديد الأعمال السينمائية وآخرها فيلم «قدر» الذي سيكون عرضه الأول يوم 18 أكتوبر الحالي بقاعات السينما التونسية.
في حواره لـ«الأيام نيوز» يفضل الفنان التونسي «مهذب الرميلي» الحديث أولا عن آخر عمل فني له، أدى ـ من خلاله ـ البطولة المطلقة وهو فيلم «قدر» للمخرجة التونسية الشابة «إيمان بن حسين»، فيقول: “جل الشخصيات في الفيلم لديها تعريف أولي للحكاية وجانب من الرمزية، وكأنها شخصيات نموذجية، وتدور أحداث الفيلم حول صناعة أقدار الشعوب وخاصة بالمنطقة العربية وتبدو تونس نموذجا لذلك”.
ويؤكد «الرميلي» أن: “فيلم «قدر» مختلف كتابة وإخراجا، لأنه يطرح معطى فنيا جديدا، يترجم ما يدور في أغلب البلدان العربية من زاوية (صناعة أقدار شعوبها)، كما أنه يبحث عمن يصنع سلطة الدولة العميقة في تونس، وهي فكرة للمخرجة «بن حسين» التي قامت بورشة كتابة ثلاثية تضم الممثل يونس الفالحي والممثلة رابعة السافي وقد اشتغل هؤلاء فترة طويلة تتجاوز الستة أشهر لإعادة الصياغة النهائية للسيناريو لذلك، أعتقد أنه سيكون محطة استثنائية في السينما التونسية”.
ضمانات نجاح العمل الفني..
وحول مشاركة في هذا الفيلم يقول الرميلي: “في البداية تم التواصل معي من قبل المخرجة وقبلت المشاركة في الفيلم بعد الاطلاع على السيناريو ورؤية المخرجة والمشاركين في العمل، وهذه كل ضمانات أساسية لتحقيق نجاح أي عمل فني، لأن هناك نفسا جديدا وطرحا جادا في السيناريو الذي يركّز على شبكة علاقات درامية تم الاشتغال عليها بحرفية كبرى”.
وفيما يخص التقارب بين الواقع وأحداث الفيلم أو محاكاة الواقع التونسي من خلال الفيلم يجيب الرميلي: “يدور الفيلم أساسا حول صناعة أقدار الشعوب العربية، من خلال قراءة معمقة للواقع وليست نقلا الواقع، القصة تروي تفاصيل المشهد التونسي كنموذج لمسألة مصير موحد للبلدان العربية وما تعيشه في راهنها، كما أنّ المحصلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعشيها اليوم التونسيون هي ليست صناعة تونسية محلية بل هناك من يصنع ويوجه وعي الشعب التونسي”.
للفنان مهذب الرميلي وجهة نظر تختلف عن العديد من الفنانين والممثلين الذين يختار أغلبهم عدم الخوض في الشأن العام، كما أنه يتأمل ما تعيشه تونس على جميع المستويات سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، ويخوض كل النقاشات الحامية، فهو يعتبر أن “الفنان هو امتداد لواقعه لأنه يحمل ضمير شعبه وقضايا أمته”.
تونس عاشت صدمات سياسية
يرى الرميلي أن: “تونس عاشت الكثير من الصدمات السياسية، وفيلم «قدر» ينقل وجهة نظر مبنية على أحداث مشابهة حصلت في تونس ولكنها غير موثقة تاريخيا لذلك فهو فيلم جريء على مستوى الطرح السياسي، طبعا في إطار حكاية.”
وعن تأثر أدائه الفني بمواقفه من أمهات القضايا في تونس يقول الرميلي: “بين الذاتية والموضوعية هناك خيط رفيع، وأنا أولا وأخيرا أؤدي وأتبنى شخصية ما بخصوصياتها وأبعادها، هذا ما يهمني، وفي اعتقادي، حان الوقت حتى ينزل المثقف والفنان في تونس من برجه العاجي، لأننا لم نعد في حاجة إلى الخطابات التلفزية المنمقة بقدر ما نحن في حاجة إلى خطابات واقعية ورسائل مباشرة، ذلك أن جميع النخب السياسية وثقافية ما زالت تنظر من أعلى الربوة إلى ألام شعبها”.
نعيش أزمة هوية و«الحرقة» ردة فعل
ويضيف مهذب الرميلي: “نعيش اليوم أزمة هوية وانتماء، فارتفاع نسب الحرقة بشكل لم تشهده تونس مجرّد ردة فعل، ولا يمكن أن أبرر الحرقة لأن من يستسلم للظروف ويفرّط في حقه ووطنه هو شخص جبان بالنسبة لي، لذلك أدعو الشباب التونسي الذي أحبط وتحطمت بعض من أحلامه أن يصرّ على انتزاع حقه في وطنه بدل ركوب البحر والمجهول.”
أعمال مهذب الرميلي التلفزية سجلت نجاحا بارزا من مسلسل الحرقة 1 والحرقة 2 (الضفة الأخرى)، ويقول الرميلي لـ«الأيام» إن الرؤية الإخراجية للمخرج «لسعد الوسلاتي» كانت مهمة، هذا بالإضافة إلى ملامسة الواقع من خلال اللقاءات التي تمت مع عائلات المفقودين وخاصة الأمهات الملتاعات ما أعطى للمثل طاقة إضافية في طرح القضية”.
وفي جانب آخر نجد أزمة الإعمال المسرحية أو أبو الفنون كما يسمى عند الإغريق، وهنا يرى الممثل التونسي مهذب الرميلي إن “المسارح في تونس أصبحت فارغة وأحيانا يلجأ التونسي إلى المسرح التهريجي”.
أنا موجود في المسرح.. لست «خبزيست» في الفن
دائما يواجه الفنان مهذبي الرميلي سؤالا يتردد في ذهنية المشاهد ـ حتى قبل الإعلامي ـ أين كان الرميلي من قبل؟ ويجيب قائلا: “أنا دائما أجيب بأنني موجود في المسرح، أما بالنسبة لاختياراتي الفنية فهي دائما ممنهجة لأنني حامل لمشروع فني وأحيانا أرفض بعض الأعمال لأنني لا أجد فيها نفسي وهذا طبيعي بالنسبة لي، لأنني لست خبزيست.. علاقتي بالقطاع علاقة استثنائية روحية ووجدانية أعيشها في تفاصيلي اليومية.”
ويقول الرميلي: “إلى حد الآن لم يتم اقتراح أي عمل جدّي بالنسبة لي، لدي أعمال سينمائية ستكون حاضرة قريبا وبالنسبة لرفضي المشاركة في مسلسل «معاوية» الذي أتمنى التوفيق لكل العاملين فيه، لأنني أعتقد أنه سيكون عملا فنيا مهما، لكن، على المستوى الحرفي والمهني، فإن طريقة تقديم العرض لي لم تكن في المستوى المطلوب”.
كما يعتبر الرميلي أن هناك تجارب عالمية على مستوى الأداء هي مرجع بالنسبة إليه مثل المسرح اليوناني، إلى جانب تجربة أحمد زكي التي يقول: “تهمني لأنه رجل كان يعيش الفن ولا يؤديه، لدي فكرة حول بعض تفاصيل حياته وكيف كان يمارس تجربته الفنية، إلى جانب الفنان الراحل ياسر نصري فهو ممثل مظلوم إعلاميا لكنه طاقة فنية رائعة وبعض تجاربه الدرامية تعد مدارس في التمثيل والأداء”، ويختم مهذب الرميلي حديثه بالقول إن: “الحياة اليومية للفنان والتصاقه بعامة الناس الذين يحملون الكثير من الصدق هي أهم مرجع للفنان”.