ينشر الرئيس الأمريكي جو بايدن أو أحد المسؤولين الرئيسيين في إدارته على الملأ منذ بداية الأزمة الأوكرانية وأحيانا في الوقت الفعلي تقريبا معلومات سرية عن التحركات الروسية المقبلة، مستبقين بذلك الأحداث، في تكتيك يهدف إلى حرمان خصمهم من عنصر المفاجأة الذي استفادت منه موسكو عند استيلائها على شبه جزيرة القرم عام 2014 ومهاجمتها لجورجيا عام 2008.
قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن المواجهة بين المخابرات الروسية والأمريكية هذه المرة تدور رحاها بشكل غير اعتيادي، بحيث أصبح ما كان يحدث في الخفاء يقع في وضح النهار، وسط معركة إعلامية عالمية كبرى.
وأوضح مراسل الصحيفة في واشنطن أدريان غولمز أن الأمريكيين يواجهون الحرب الروسية بطريقة جديدة تقوم على استعراض المعلومات المضادة، إذ ينشر الرئيس الأمريكي جو بايدن أو أحد المسؤولين الرئيسيين في إدارته على الملأ منذ بداية الأزمة الأوكرانية وأحيانا في الوقت الفعلي تقريبا معلومات سرية عن التحركات الروسية المقبلة، مستبقين بذلك الأحداث، في تكتيك يهدف إلى حرمان خصمهم من عنصر المفاجأة الذي استفادت منه موسكو عند استيلائها على شبه جزيرة القرم عام 2014 ومهاجمتها لجورجيا عام 2008.
وهكذا – تقول الصحيفة – بعد تصريحات بايدن يوم الجمعة الماضي بأن القوات الروسية تنوي الهجوم على أوكرانيا في الأيام المقبلة أوضح مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” (CBS) أن الأمريكيين حريصون على إطلاع العالم على خطط روسيا ونواياها وكيف ستقوم بتنفيذها “ما فعلناه هو أن نشرح للعالم أن هذا الصراع لم يكن أزمة انجرفت إليها (موسكو)، ولكنه حرب اختيارية وحشية”.
ويبدو أن بعض المعلومات الاستخبارية التي كشف عنها الأمريكيون والبريطانيون الذين يتعاونون معهم بشكل وثيق داخل تحالف “العيون الخمس” بين المخابرات الناطقة باللغة الإنجليزية ليست – كما توضح الصحيفة – سوى معلومات خام تقليدية تم جمعها من خلال صور الأقمار الصناعية والتنصت الإلكتروني.
وتشمل الصور تجمعات القوات الروسية على طول حدود أوكرانيا، وبعضها الآخر يبدو ذا طبيعة من نوع آخر، إذ جُمع عن طريق عمليات سرية من المرجح أنها مأخوذة من مصادر رفيعة المستوى في المخابرات الروسية، وربما من الكرملين مباشرة.
ويبقى مصدر هذه المعلومات سريا، لأن هذا الجزء من حرب الاستخبارات بين وكالة المخابرات المركزية “سي آي إيه”، ووكالات الاستخبارات الأمريكية الأخرى من جهة ووكالة المخابرات الاتحادية والمخابرات العسكرية الروسية من جهة أخرى يظل غامضا بطبيعته، كما تبقى الفرضية القائلة إن لدى الأميركيين عميلا رفيع المستوى في جهاز الدولة الروسي ممكنة لأن ذلك له سابقة.
واستعرضت الصحيفة مجموعة من الأحداث، من بينها تسريب وسائل الإعلام الروسية في سبتمبر/أيلول 2019 اسم المسؤول الروسي الكبير أوليغ سمولينكوف المشتبه في أنه عميل لـ”سي آي إيه”، بعد أن فر من روسيا مع عائلته عام 2017 على متن يخت أثناء عطلة مزعومة في الجبل الأسود.
وأكدت “سي إن إن” أن الولايات المتحدة رحبت بالعميل المزعوم الذي عمل 10 سنوات لصالحها بتقديم معلومات مباشرة من الكرملين، وقد قالت مصادر أمريكية إن المعني كان أحد المصادر الرئيسية للتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، وإن “سي آي إيه” هربته خشية أن يكشف هويته -دون قصد- الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يتعامل دون حذر كبير مع المعلومات السرية خلال لقاءاته مع الروس.
وفي هذا السياق، ذكّرت الصحيفة بطرد الروس الرجل الثاني في السفارة الأمريكية في موسكو بارت جورمان دون أي تفسير، واكتفت الولايات المتحدة بالقول إنها تعتبر هذا الطرد “تصعيدا” و”تدرس الرد عليه”.
والحقيقة – حسب الصحيفة الفرنسية – هي أن جميع الأبطال من ذوي الخبرة في هذه اللعبة الخفية يعرفون بعضهم البعض بشكل شخصي، ضاربا المثال برئيس “سي آي إيه” الحالي وليام بيرنز الذي كان دبلوماسيا محترفا ناطقا بالروسية وشغل منصب سفير الولايات المتحدة في موسكو بين عامي 2005 و2008، وقد أرسله بايدن إلى موسكو في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وتحدث مباشرة مع بوتين، والتقى بالعديد من كبار رجال المخابرات الروسية.
وعلى الرغم من الشكوك الأولية بشأن التقارير التي يرفض الأمريكيون الاستشهاد بها فقد أثبتت معظم المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها واشنطن حتى الآن أنها دقيقة، حيث قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن كل شيء يحدث في أوكرانيا “وفقا للسيناريو المتوقع”، حسب الصحيفة.