يقول المفكر الفرنسي إتييان دو لا بويسي في كتابه “العبودية الاختيارية”: “عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل، تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية، وتتأقلم مع الاستبداد، ويظهر فيها ما يمكن أن نسميه: المواطن المستقر.”
في أيامنا هذه، يعيش المواطن المستقر في عالم خاص به، وتنحصر اهتماماته في ثلاثة أشياء: الدين، لقمة العيش، كرة القدم.
الدين عند المواطن المستقر ليس له علاقة جوهرية بالحق والعدل، وإنما يقتصر على أداء الطقوس واستيفاء الشكل دون أن ينعكس على السلوك. فالذين يمارسون الكذب والنفاق والرشوة بلا حرج، لا يشعرون بالذنب إلا إذا فاتتهم إحدى الصلوات!
وهذا المواطن لا يدافع عن دينه إلا إذا كان متأكدًا من أنه لن يصيبه أذى جراء ذلك. فقد يستشيط غضبًا ضد الدول التي تبيح زواج المثليين بحجة أن ذلك يخالف إرادة الله، لكنه يلتزم الصمت أمام الظلم والاستبداد في بلاده، ولا يحرك ساكنًا إزاء المعتقلين الأبرياء أو ضحايا التعذيب! كما أنه قد ينغمس في الفساد والموبقات داخل بلاده، ثم يحمد الله بعد ذلك وكأن شيئًا لم يكن!
تمثل لقمة العيش الركن الثاني في حياة المواطن المستقر، فهو لا يعبأ بحقوقه السياسية، ولا يهتم إلا بتأمين مستقبله الشخصي. حياته تتمحور حول العمل فقط من أجل تربية أطفاله حتى يكبروا، فيزوج بناته، ويوفر وظائف لأولاده، ثم يقرأ في الكتب المقدسة ويخدم في بيت الله، على أمل أن يحظى بـ”حسن الختام”.
في كرة القدم، يجد المواطن المستقر تعويضًا عن كل ما حُرم منه في حياته اليومية. هذه اللعبة تُنسيه همومه، وتوفر له عدالة افتقدها في مجتمعه، حيث تسود القواعد الواضحة التي تطبق على الجميع، فيعيش من خلالها نشوة الانتصار ولو كان وهميًا.
المواطن المستقر هو العائق الحقيقي أمام كل تقدم ممكن. لن يتحقق أي تغيير حقيقي إلا عندما يخرج هذا المواطن من عالمه الضيق، ويدرك أن ثمن السكوت على الاستبداد أفدح بكثير من عواقب الثورة ضده!