النخبة الجزائرية والقضية الفلسطينية.. اهتمام مبكر وتفاعل مستمر

 خصص الباحث في التاريخ المعاصر مولود قرين دراسة أكاديمية حول النخبة الجزائرية وتفاعلها مع قضايا العصر ويتحدث في هذه المساهمة عن تبني الجزائريين للقضايا المتعلقة بالعالمين العربي والإسلامي.

لعل من بين أهم القضايا التي اهتمت بها النخبة الجزائرية حتى وهي تحت نير  الاحتلال الفرنسي في وقت مبكر هي القضية الفلسطينية، وكشف مخططات الصهيونية وأطماعها في فلسطين، ويعتبر “راسم” المعروف بمقته الشديد لليهود، من الأوائل الذين نبهوا إلى خطر اليهود والصهيونية على العالم الإسلامي، ويظهر هذا من خلال ردّه على الشيخ “رشيد رضا” الذي اقترح عقد اتفاق تعايش مع الصهاينة، فاستنكر راسم ذلك، وأعرب عن رأيه المتمثل في استحالة عقد اتفاق معهم، قائلاً: “… إن اتفاق زعماء العرب أبناء الفاتحين وأهل البلاد مع زعماء اليهود مستحيل، لأنه اعتراف بزعامة اليهود ورضى بمشاركة هؤلاء الأجانب في بلاد اشتراها أباءهم بدمائهم الطاهرة، فلا يحق لغير العرب وهم أبناء إبراهيم الأصفياء الأنقياء الموعودون بتلك البقعة المطهرة …. ولا غير راية الإسلام أن تخفق عليها ما دام في عروق العرب دم وفي أجسام المسلمين روح….”

وإلى جانب راسم كذلك نجد “ابن قدور” من الأوائل الذين بينوا للمسلمين مكائد اليهود ودسائسهم، فكان لهم في نظره دور كبير في إضعاف الدولة العثمانية كما قلنا سابقاً. فكل أعمالهم داخل الدولة العثمانية كانت تمهيداً لسيطرتهم على بلاد فلسطين.

وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانكشاف وعد بلفور المشؤوم الذي صدر في نوفمبر 1917، وبداية عمل الصهاينة علانية بدعوة اليهود للالتفاف حول الحركة الصهيونية ومساندتها بالأموال لاسترجاع أرضهم الموعودة كما يزعمون، كانت النخبة الجزائرية تتابع هذه الأعمال، وتطلع الرأي العام الإسلامي بمخططاتهم، ومن بين الذين تابعوا الحركة الصهيونية منذ عشرينيات القرن الماضي “السعيد الزاهري” الذي حاول في مقالات عدة بجريدة “البرق” أن يفند ادعاءاتهم المتمثلة في أن أرض فلسطين هي أرض وعد بها الله بني إسرائيل، وأكد بأن الحركة الصهيونية هي شكل من أشكال الاستعمار، ومما قاله “الزاهري”: “… يقول اليهود أن فلسطين ملكاً لهم بأمر الرب، وإذا كان الأمر كذلك فمن الذي أخرجهم منها وهل هو أقوى من الرب؟ وعلى كل حال فهي ليست لهم لأن أهاليها هم الذين لم يفارقوها ومكثوا فيها من قبل التيه إلى اليوم، ولم يأمر الرب ولم يوافق العدل على أن يملك تلك الأرض إلا المتدين باليهودية، بل الحق الذي لا مراء فيه هو أن استعمار فلسطين باليهود هو ظلم مثل بقية أشكال الاستعمار، ولذلك لا نرضى أن تكون تلك الأموال التي اختلسوها منا ومن غيرنا بالربا وبالوجوه المعلومة أساساً لبناء ملكهم ونفوذ سيادتهم على إخواننا المسلمين أهالي فلسطين الحقيقيين…”

الصهيونية والاستعمار وجهان لعملة واحدة

لقد واصلت النخبة الجزائرية في رفضها واستنكارها للأطماع الصهيونية في فلسطين، واعتبرت من خلال صحافتها، ورسائلها الاحتجاجية أن الحركة الصهيونية والاستعمار هما وجهان لعملة واحدة، وأن الاستعمار الغربي دعم الاستعمار الصهيوني في فلسطين حتى يحافظ على مصالحه الحيوية في المنطقة.

مما تقدم نستنتج أن النخبة الجزائرية كانت ملمة بكل التطورات السياسية التي شهدها العالم العربي والإسلامي خلال الربع الأول من القرن الماضي، كما نجدها قد تفاعلت مع أغلب القضايا الحساسة التي شهدتها المنطقة، وذلك نتيجة شعورها بانتمائها العربي والإسلامي، ومن أبرز القضايا التي دار حولها النقاش كثيرا من طرف النخبة الجزائرية بكل أطيافها قضايا الدولة العثمانية، خاصة الجامعة الإسلامية، وإلغاء الخلافة العثمانية وما ترتب عنه من جدل في أوساط النخب الإسلامية.

كما نلاحظ فالنخب الجزائرية وقفت بقلمها مناصرة للأقطار العربية والإسلامية في كل النكبات التي مرت بها لاسيما المتعلقة بالاستعمار وسياسته في المنطقة، فكانت النخبة الجزائرية تعتقد بأن هجمة الغرب الاستعماري على الشرق الإسلامي كان نتيجة حتمية لاختلال موازين القوى بين العالمين، ونتيجة تخاذل المسلمين للأسف.

الشعب الجزائري التف حول ثورته وآمن بها، وظل يقدم الدعم للثورة لغاية يوم الاستقلال عبر محطات كثيرة في مقدمتها هجومات أول نوفمبر وهجومات الشمال القسنطيني، وكذا إضراب مدينة الجزائر سنة 1957 ، الذي نجح وأوصل صوت الجزائر إلى هيئة الأمم المتحدة سنة 1957 ، لتأتي مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي تعتبر استفتاء جماهيريا مبكرا عبر فيه الشعب الجزائري عن إرادته وإيمانه العميق بجبهة التحرير الوطني وبمبادئها الكبرى، فهذه المظاهرات كانت نتيجة لمجموعة من الظروف الداخلية والخارجية فداخليا أكثر ما كانت تعانيه الثورة هو إستراتيجية ديغول والذي وضع ضمن أولوياته القضاء على الثورة الجزائرية وتبنى الخيار العسكري واستنجد بالجنرال شارل الذي دعم خط موريس بخط آخر،  وأصبحت الثورة الجزائرية لا يمكنها التواصل مع دول مجاورة على غرار تونس، كما تم تقسيم التراب الجزائري إلى مقاطعات عسكرية وأخضعها لحملات تمشيط واسعة النطاق لذلك كان لابد من جبهة التحرير الوطني أن تنقل المعركة إلى المدينة، وأن تعتمد بالدرجة الأولى على الشعب فكانت مظاهرات 11 ديسمبر.

إن ما يحدث اليوم في غزة هو شبيه لما كان بالأمس في الجزائر فمثلما كان المجاهدون الجزائريون يجابهون المستعمر بصدور عارية فكذلك هم المقاومون الفلسطينيون يصنعون صور المقاومة ويخطون سطور البسالة امام الهمجية العمياء للصهيونية.

إن من بين أوجه الشبه بين ما حدث بالأمس في الجزائر وبين ما نراه اليوم في غزة وفي فلسطين هو التلاحم الشعبي والالتفاف الجماهيري حول المقاومة. إن النصر آت لا محال لان التاريخ يثبت ان الشعوب التي تؤمن بحريتها وحقها في المقاومة سوف لن تكون إلا حرة ومنتصرة.

الآلة الإجرامية التي يقودها رئيس الوزراء نتنياهو في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين ليست إلا وجها لعملة موريس بابون الفرنسي نفسه الذي لم يستثن الأطفال في وحشيته ولنا في مثال الشهيدة الطفلة “فاطمة بدار” خير دليل.

على الفلسطينيين أينما كانوا ومهما اختلفت رؤاهم أن يقفوا على قلب رجل واحد في نصرة مقاومتهم وتحرير أرضهم ونحسب شهدائهم هم الثمن الذي يدفع لتحرير الأرض.

مولود قرين - أستاذ التاريخ المعاصر، بجامعة الدكتور يحيى فارس بالمدية - الجزائر

مولود قرين - أستاذ التاريخ المعاصر، بجامعة الدكتور يحيى فارس بالمدية - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
"غزة كشفت نفاقكم".. حفيظ دراجي ينتقد ازدواجية المعايير لدى البرلمان الأوروبي سفيان شايب يجتمع برؤساء المراكز القنصلية لتقييم الخدمات المقدمة للجالية الوطنية بتهمة التجسس.. توقيف صانع محتوى جزائري رفقة زوجته في لبنان الصين تثمن دور الجزائر في تعزيز السلام بالمنطقة والعالم نابولي يفشل في تأخير وصول مواني ليوفنتوس بن جامع يناشد المجتمع الدولي: "يجب التحرك فورا لمساعدة أطفال غزة" أسعار الذهب تقفز إلى أعلى مستوى منذ 3 أشهر زهاء 50 مشاركا في الرالي السياحي الوطني بالمنيعة الصحافة الدولية تسلط الضوء على تحرير الجزائر للرعية الإسباني قضية صنصال.. وزير الداخلية الفرنسي يهاجم "ريما حسن" التحضير لتنظيم ملتقى برلماني بخصوص التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر "الأرندي" يستنكر بشدة لائحة البرلمان الأوروبي "الأونروا": نحو 660 ألف طفل بغزة لا يزالون خارج المدارس الجزائر تحتضن الطبعة الإفريقية الأولى من Slush's D طقس مشمس وارتفاع في درجات الحرارة بهذه المناطق أسعار النفط تتجه نحو أول خسارة أسبوعية في 2025 استثمار كُتب السِّيَر في التربية والتعليم.. من يُوقظ أمّةً غَيّبت عظماءها في غبار التاريخ؟ مناقصة وطنية لتمويل برامج احتضان مبتكرة للمؤسسات الناشئة مبدأ "التضامن بين الأجيال".. نهج مبتكر لبناء مستقبل اجتماعي مستدام فرنسا والمخزن.. حسابات الذلّ والمهانة