اليمنيُّون و”معركة الماء” كلّ يوم

ما إن يحُلّ الفجر ضيفا على مدينة صنعاء، حتى يبدأ الكبار والصغار، النساء والرجال، يتدافعون من كل منزل، وبأيديهم أواني الماء الفارغة، باحثين عمّا يملأ أوانيهم من احتياجاتهم اليومية للماء. فهناك عند “ماء السّبيل”، وعلى هيئة طوابير كبيرة، تجدُهم مُتجمعين على قارعة الطريق، في انتظار وصول شاحنة الماء الكبيرة التي تُفرغ حُمولتها في خزّانات عديدة وضعها فاعلُو الخير، بُغية المُساهمة في تخفيف معاناة أُناس بات أكبر همُّهم لقمة العيش والماء.

منذ اندلاع الحرب في اليمن، تغيّرت الموازين، وانهار الاقتصاد، فأصبحت الكُلفة المعيشيّة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب. صار الوصول إلى أبسط مقومات الحياة أمرا يُؤرّق الكثير من مُعيلي الأُسر. وتزامُنا مع هذه الأوضاع الإنسانية المأساوية، ظهر ما يُعرف في المُسمى الشعبي اليمني “ماء السبيل”، وهو واحدٌ من الأعمال الخيرية التي تنتشر بكثرة في عديد الحارات لاسيما الشعبية منها، وتكون على هيئة خزّانات ثابتة في الحارات المختلفة، يُشرف عليها شخص من الحيّ، ومنها ما يكون على هيئة “شاحنة صهريج” تُفرّغ حمولتها مباشرة إلى الأواني التي بحوزة أبناء الحي، وهي مُساهمةٌ شخصية من أصحاب الشاحنات للتّخفيف من معاناة الناس.

لا ماء إلاّ  ماء السبيل

بين زحام الناس تجدُ امرأة طاعنة في السن تُدعى “أم أحمد” مع أوانيها الفارغة، تنتظر دورها في الحصول على حصتها اليومية من الماء والمُحددة بخمس أوعية بلاستيكية، حجم كل واحد منها 20 لترا. و”أمّ أحمد” تُدعى كذلك نسبة إلى ابنها الأكبر الذي اختفى منذ سنتين، بعد أن ترك دراسته الجامعية والتحق بإحدى جبهات القتال، وقد وردت عدة روايات تفيد بمقتله، لكن الأم ما زالت تعارك الحياة بصبر وأمل، بأن القادم سيعيد لملمة ما فرقته الحرب.

أمُّ أحمد.. حكاية يمنية مع الماء

كشفت “أم أحمد” لـ “الأيام نيوز” أنّه منذ بدء الحرب، وأهل الحي يعتمدون اعتمادا كليا على ماء السبيل في توفير احتياجهم اليومي من الماء الذي يحصلون عليها بالمجان، إذ أن توفير الأهالي لماء المنزل بات مُكلفا للغاية، لا سيما مع استمرار انقطاع المرتبات، حيث تبلغ كلفة الـ”وايت” (شاحنة صهريج الماء) من الحجم الصغير ما يتراوح بين (10000 – 8000) ألف ريال يمني، أي بما يتجاوز 15 دولارا. وقد يتضاعف السعر إلى ضعفين وأكثر في حال انعدام المُشتقات النفطية من المحطّات الحكومية، وتوافرها في السوق السوداء، وهو الأمر الذي يتكرّر كثيرا في جغرافيا تشهد حربا منذ أكثر من سبع سنوات.

يغيب الماء وروح التّكافل لا تغيب

تنشط الأعمال الخيرية في الأوساط الشعبية، فتمتد يد التّعاون والتّكافل لتمسح دمعة فقير، وتعين مُحتاجا ينتظر من يُساعده ويُخفف عنه، وهذا ما يلمسه المُتتبع لحياة الناس، ويُبصرهُ في وجوه المنتظرين طوابير أمام ماء السبيل.

“محمد حسام” واحدٌ من سكان حي الوحدة، الحيّ الشعبي الواقع في أطراف محافظة صنعاء، وهو المشرف على ماء السبيل فيه، يقول لنا: “منذ ثلاث سنوات وأكثر، تواصل معي زملاءٌ مغتربون وأبدوا استعدادهم في تنفيذ مشروع سُقيا للناس، ودعمه باستمرار”.

وأضاف، في حديثه لـ “الأيام نيوز”، بأنه يتلقّى الدّعم الشهري بقيمة تضمن شراء الماء ونقله إلى الخزانات الموضُوعة في الحي، والتي تسدُّ احتياج عشرات الأسر في الحي الذي يسكنه، إضافة إلى الأحياء المجاورة التي لا يوجد من يكفل لها نفقات الماء.

مشقّة يومية

الحصول اليومي على الماء يُمثّل مُهمّة شاقة لكل النّاس، إذ تستيقظ ربّات الأسر والأطفال وبعض الشباب وأرباب الأسر مع التسابيح الأخيرة لليل (ما قبل صلاة الفجر)، ويتدافعون نحو ماء السبيل، حتى إذا أشرقت عليهم الشمس، وجدتهم قد ملؤوا أوانيهم وعبواتهم البلاستيكية، ثم تأتي مرحلة نقلها إلى المنزل فوق عربة الدفع اليدوي، وكثيرٌ من الناس يحملون أوانيهم على رؤوسهم، ويقومون بأشواط بين سبيل الماء والبيت.

تقول إحدى ربّات البيت: “أصبحنا في المدينة نعيش حياة الريف، وباتت المرأة تبحث عن الماء منذ الصباح الباكر، تماما كتلك المرأة الريفية التي تسكن بين الحقول ووسط الجبال، وتراها تسابق أشعة الشمس نحو بئر الماء، لتجلب الماء للشرب والطهي، إضافة إلى سقي المواشي”.

تفاقم الأوضاع

بعد تفاقم الأزمة واشتداد معاناة اليمنيين، أصدر “خيرت كابالاري” المدير الإقليمي لليونيسف في منظمة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بيانا جاء فيه: “يُؤدي نُقص الوقود المُتكرر في اليمن، إلى تعميق أزمة المياه والصحة”. ويُضيف: “لا يستطيع أكثر من ثلثي اليمنيين والذين يعيشون في فقر مدقع، تحمُّل نفقات المياه الآمنة بتاتا”.

ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” هناك أكثر من 16 مليون شخص في اليمن، بما في ذلك 8.47 ملايين طفل، يحتاجون وبشكل عاجل إلى المساعدة في خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، حتى لا يكونوا عرضة لخطر محدق، من جرّاء سوء التغذية وما شابه ذلك، من أمور مُترتّبة عن وضعهم المعيشي والبيئة التي يسكنونها.

منير صالح - صنعاء

منير صالح - صنعاء

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
تونس.. انطلاق الحملة الانتخابية للرئاسيات رئاسيات 2024.. الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات اليوم أسعار النفط تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية.. وبرنت يسجل 71,61 دولار للبرميل بطلب من الجزائر.. مجلس الأمن يناقش استهداف عمال "الأونروا" في غزة تقلبات جوية.. طرق مقطوعة عبر 3 ولايات جنوبية فلسطين تجلس على مقعدها الرسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعزز حقوقها الدبلوماسية العاصمة.. تعديل في برنامج رحلات “ايتوزا” بداية من الأحد أمطار رعدية غزيرة عبر عدة ولايات ذكرى المولد النبوي الشريف.. الإثنين عطلة مدفوعة الأجر عبد الفتاح السيسي يُهاتف الرئيس تبون وهذا ما اتفقا عليه توقيف 4 إرهابيين واستسلام آخر بتمنراست رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن لدولة النيجر يهنئ الرئيس تبون تطعيم 105 آلاف طفل ضد شلل الأطفال خلال يومين في غزة قبل نهاية سبتمبر.. كاسنوس تدعو الفلاحين إلى تسديد الاشتراكات موسم الحج 2025.. ضبط القائمة النهائية لوكالات السياحة والأسفار عشية المولد النبوي.. وزير الصحة يُحذّر من خطورة استعمال الألعاب النارية الصداع النصفي"الشقيقة".. الأعراض وطرق العلاج وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعات الطلب على النفط خلال 2024 بريد الجزائر.. خدمة جديدة لحاملي البطاقة الذهبية هزة أرضية تضرب ولاية البويرة