امتداداً لروح الانتفاضة.. جيل الثورة ينطلق من نتائج “طوفان الأقصى”

من المجازفة أن نتحدّث الآن عن جيل “طوفان الأقصى”، فالمسألة تحتاج إلى وقت لاستكشافها.

إنّ الحديث عن جيل “طوفان الأقصى” يعني أنّ جيلًا كاملًا قد تشبّع بمعاني وأهداف المعركة، وأصبح يعي مراميها، وأصبحت تشكّل لديه ثقافة عامّة ومعيارًا للحكم على الأشياء، فالتّغيرات في الأجيال لا تحدث بسهولة، وهي تحتاج إلى وقت وجهد عظيم بالإضافة إلى حدث عظيم مستمر.

حدث مثل هذا إبّان الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي استمرّت حوالي 6 أعوام، حيث استطاعت طباعة جيل فلسطيني سمّي جيل الانتفاضة، وهو جيل تميّز بالجرأة ومواجهة الاحتلال الصّهيوني.

قد نشهد اليوم أفول جيل الانتفاضة الأولى، فالشّباب الذين عاشوا تلك المرحلة أصبحوا اليوم كهولًا، فهل تستطيع معركة “طوفان الأقصى” أن تنشئ جيلًا يرتبط بها؟

بالرّغم من أنّه يصعب علينا الحديث الآن عن جيل “طوفان الأقصى”، كما يصعب علينا التنبّؤ بذلك، كما أسلفنا، إلّا أنّنا نرى بالمقابل إشارات تعكس رغبة لدى أطراف للحيلولة دون نشوء مثل هذا الجيل أصلًا، ويرى البعض ملامح ذلك في رغبة تلك الأطراف بعدم خروج المقاومة منتصرة بشكل واضح في المواجهة الحالية، كما يروا ملامحها في محاولات التّضييق على المحتوى الإعلامي الدّاعم للمقاومة ولمعركة “طوفان الأقصى”، والحملات الإعلامية لتشويه المقاومة وقياداتها والتّحريض عليها. وهي ذات الأساليب التي استخدمت لتشويه الرّبيع العربي للحيلولة دون نشوء جيل يؤمن بالمبادئ التي قامت عليها “الحرية والكرامة”.

طوفان الأقصى” حلقة في سلسلة ممتدة

ما لا يريد أن يفهمه العدو وحلفاؤه وعلى رأسهم واشنطن أنّ معركة “طوفان الأقصى” هي مجرّد حلقة في سلسلة ممتدّة منذ عشرينيات القرن الماضي من مسلسل المقاومة الفلسطينية الرّافضة للتّفريط بأرضها ومقدّساتها مهما كان الثّمن.

يسجّل التّاريخ مقاومة الشّعب الفلسطيني للاحتلال البريطاني والاحتلال الصّهيوني منذ بواكيرهما، لكنّ طمس هذا التّاريخ هو أحد الأهداف الرّئيسية للعدو حتى يعتقد الجميع أنّ الذي يجري في فلسطين المحتلة اليوم بدأ منذ السّابع من أكتوبر 2023.

“طوفان الأقصى” هي امتداد لثورة “موسم النّبي موسى” في عام 1920، وثورة “يافا” عام 1921، وثورة “البراق” عام 1929، وثورة “القسام” عام 1935، والثّورة الفلسطينية الكبرى عام 1936..

هي ثورة ممتدّة قدّم الفلسطينيون خلالها عشرات الآلاف من الشّهداء، لكنّهم دائمًا ما كانوا يصطدمون بالسّذاجة العربية وقصر النّظر وتقوقع كلّ بلد عربي على ذاته، ومن التّآمر الدّولي من جهة، ومن قلّة الإمكانات والحصار من جهة أخرى.

للأسف رغم كلّ تلك التّضحيات لم ينجح الفلسطينيون حتّى هذه اللّحظة في انتزاع أراضيهم واستقلالهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم، في المقابل لم ييأس الفلسطينيون أبدا ولم يرفعوا الرّاية البيضاء، و”طوفان الأقصى” لن يكون آخر إبداعاتهم.

هذا ما يجب أن يعلمه العدو والصّديق، فالمنطقة لن تنعم أبدًا بأيّ استقرار، والفلسطينيون لن يستسلموا ولو بقي منهم عشرة أنفار، وليس هناك قوّة في العالم تستطيع نزع حبّ فلسطين والقدس والأقصى من قلوبهم، وستبقى تلك الأرض وتلك المقدّسات دافعًا وحافزًا لتقديم الغالي والرّخيص من أجلّها.

لم تنجح كلّ الأساليب في طمس القضيّة الفلسطينية وجعلها نسيًا منسيًا، رغم الجهود الضّخمة والأموال الطّائلة التي بذلت من أجل ذلك، حتّى أنّ المناهج العربية لم تسلم من التّغيير وباتت القضيّة الفلسطينية فيها نسيًا منسيًا، لكنّ “طوفان الأقصى” جاء بطوفان القضيّة لتدخل كلّ بيت عربي ومسلم بل كلّ بيت في العالم، وقفزت القضيّة من المقعد الأخير إلى المقاعد الأولى حتّى في أذهان الأطفال.

يدرك العدو أنّ ساحة المعركة الحقيقية هي الوعي، ويسخّر كلّ إمكاناته ويوظّف كلّ أداوته حتّى العسكرية والإجرامية في هذه المعركة، فمتى ندرك ذلك؟

المقاومة تتصدّى ببطولة

بوصلة المقاومة واضحة ومعلنة على رؤوس الأشهاد، إنّها تقاوم وتتصدّى للعدو الصّهيوني على أرض فلسطين، رغم أنّ العدو يجابهها في كلّ أنحاء العالم، ويؤلّب عليها كلّ العالم، ويتآمر عليها في كلّ أنحاء العالم، ويلاحقها في كلّ مكان توجد فيه. المقاومة أثبتت أنّها الرّوح الأصيلة لهذه الأمّة، والأمينة على هويتها، بل لقد أثبتت أنّها خطّ الدّفاع الأوّل عن هذه الأمّة وتطلّعاتها في الحريّة والكرامة والاستقلال.

وقدّمت المقاومة في سبيل الله، وفي سبيل شعبها وأمّتها، وفي سبيل التصدّي للمشروع الصّهيوني العابر للدّول آلاف الشّهداء، قدّمت قياداتها وفلذات أكباد قياداتها. جاعت كما جاع شعبها، وحوصرت كما حوصر شعبها، ومنع عنها الدّواء كما منع عن شعبها، هل رأيتم كيف بدا أبو عبيدة في آخر ظهور له، واضح أنّه لم يكن يستمتع بالمناسف أو أطايب الطّعام والشّراب من فنادق السّبع نجوم! لقد بدا وكأنّ شبكة النّت انقطعت فلم يعد قادرًا على التّوصية على الطّلبات!

بعد أكثر من سبعة أشهر على مواجهة أعتى قوّة في الشّرق الأوسط، تعود المقاومة وكأنّها تبدأ من جديد، لقد أذهلت تلك المقاومة العالم كلّه، إنّها أشبه بالمعجزة، أصبح العدو وحلفاؤه حائرون، لدرجة أنّ عضوًا كبيرًا في الكونغرس الأمريكي يطلب صراحة بضرب غزّة بالنّووي! أجل، لقد حار العدو وحلفاؤه في غزّة، فها هي دبّاباتهم ومدرّعاتهم صيدًا سهلًا لرجال المقاومة الأشدّاء الذين لا يضرّهم من خذلهم ولا من حرض أو تآمر عليهم.

الصّمود الذي تبديه المقاومة حتّى الآن يسجّل في خانة المعجزات، وسيكشف التّاريخ قريبًا أسرارًا وعجائب سنقف أمامها مشدوهين. حما الله المقاومة، فهي خطّ دفاعي عن الأمّة كلّها.

رياح عاتية تعصف بالكيان

تكون الصّورة أحيانًا أبلغ من ألف كلمة، ووقعها على النّفوس ربّما يكون أبلغ من وقع القذائف، يمكن أن يكون للصّورة أثر الحرب النّفسية كذلك، ربما لم يقلق إرهابيو الكيان من قبل كما هو قلقون اليوم على مصير كيانهم.

تلك التوقّعات المتشائمة لا تصدر من أعدائهم؛ بل من حلفائهم الحريصين عليهم والذين أنفقوا مئات المليارات عليهم، فصورة على غلاف مجلة “الإيكونوميست” الشّهيرة، تلخّص الحالة التي يعيشها الكيان اليوم، ريح عاتية تعصف بعلم الكيان وسط صحراء قاحلة وتكاد تمزّقه وتنسفه في الهواء لكنّه مازال معلقًّا بعود خفيف. تلك الصّورة المخيفة رافقت تقريرًا بعنوان “إسرائيل وحيدة”.

التّقرير يلخّص عزلة الكيان الصّهيوني العالمية، لكنّ الصّورة تحمل إيحاءات أكبر من ذلك بكثير، ولا أدري إن كان المحرّر يقصدها أم لا؟ صحيح أنّ الكيان لا يزال قوّة هائلة، لكنّ الاتّحاد السّوفييتي انهار وكان يملك أكبر الجيوش وأكبر التّرسانات النّووية، فالقوّة المادية ليست وحدها ما يمكن أن يمنع انهيار الدّول والحضارات، وسنن الله غلّابة.

عبد الله المجالي - كاتب وإعلامي أردني

عبد الله المجالي - كاتب وإعلامي أردني

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الجزائر تضع خبرتها الطاقوية في خدمة القارة الإفريقية اجتماع تنسيقي لضمان تموين السوق الوطنية بالسلع والمواد مشاريع استراتيجية مرتقبة بين الجزائر ومصر في هذه المجالات بلمهدي: الجزائر تُحصي 16 ألف وقف مع مساعٍ لاسترجاع أملاك أخرى إطلاق منصة رقمية لتمويل مشاريع الجمعيات الشبانية سعداوي يؤكد التزام الوزارة على دعم الابتكار والريادة في المدارس الجزائرية الجزائر وإيطاليا تُعزّزان التعاون الأمني لمحاربة الجريمة المنظمة الجزائر في مُواجهة "حرب غير معلنة" تستهدف شبابها بالمخدرات الانجليزية تزعج كمال داود.. لأنها تُبعده عن "أمه الحنون"! رئيس الجمهورية يستقبل وزير الخارجية المصري مديرية الضرائب تمدد آجال اكتتاب التصريحات السنوية إلى هذا التاريخ وزارة التربية تستحدث جائزة وطنية لتشجيع الإبداع والابتكار وزير الخارجية المصري يحل بالجزائر سوناطراك توقع عدة اتفاقيات في هذا المجال شركة طيران الطاسيلي تحصل على شهادة مرموقة وزارة التضامن..8833 منصب شغل مؤقت..إليك التفاصيل وزير الاتصال يؤكد على أهمية بناء جبهة إعلامية موحدة تدافع عن الجزائر الصين تتقرب من الاتحاد الأوروبي بسبب الرسوم الجمركية مجموعة "أ3+" تدين أعمال العنف في الكونغو الديمقراطية وتدعو الأطراف لاستئناف الحوار وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تُطلق مسابقة توظيف بـ2025… اكتشف الرتب المطلوبة