انتحار الحقيقة احتجاجا على تغوّل الزيف.. هل تنذر نهاية “بوشنل” ببداية “الربيع الأمريكي”؟

يعاني نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، حالة مزمنة من الازدواجية التي تُظهر مستوى رهيبا من النفاق والانحطاط الأخلاقي والتنكّر للحقيقة مهما كانت واضحة، خدمة للمصالح الآنية، وقد انكشفت هذه الازدواجية – على نحو يمثّل أقصى مظاهر الفضيحة – من موقفها إزاء حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة، ما دفع الشاب الأمريكي آرون بوشنل إلى إحراق نفسه حتى الموت أمام مقر سفارة سلطة الكيان الصهيوني بواشنطن احتجاجا على استمرار العدوان الصهيو-أمريكي، وهو الحادث الذي كشف – بطريقة مبسّطة وواضحة لكنها مأساوية – حقيقة السقوط الأمريكي الكامل والأبدي.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون وسهام سوماتي ومنير بن دادي ===

مشهد انتحار آرون بوشنل يوم الأحد 25 فيفري 2024، أعاد إلى الأذهان ذكرى انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي في 17 ديسمبر 2010، احتجاجا على مصادرة الشرطة عربة الخضار التي كان يستخدمها، لكن واشنطن، في ذلك الوقت، اعتبرت البوعزيزي – وهو تاجر متجوّل – بطلا واتّخذته رمزا لما كان يسمّى بـ”ثورات الربيع العربي”.

غير أنّ حادثة انتحار بوشنل – وهو جندي في القوات الجوية الأمريكية – تمّ تجاهلها، بل وصفها بأنّها نتيجة لمرض نفسي، لكنّ الحقائق فيما بعد أثبتت أنّ بوشنل كان قد اطلع على معلومات سرية تفيد بوجود “قوات أمريكية على الأرض تقتل أعدادا كبيرة من الفلسطينيين”، وهو ما دفعه للانتحار لأنه يرفض الانتماء إلى جيش يمارس ذبح الأطفال والنساء في فلسطين.

وفي هذا الشأن، قال كاتب أمريكي إنّ الولايات المتحدة بلد منقسم على نفسه، ليس بسبب الحرب التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة فقط، ولكن بسبب نظرتها المتناقضة – كذلك – إلى حادثتي إحراق الذات وقعت إحداهما قبل أيام قليلة أمام سفارة الكيان في واشنطن، والأخرى في تونس العاصمة في 2010.

وأوضح عضو هيئة التحرير بصحيفة واشنطن بوست وكاتب العمود فيها، شادي حامد، أنّ بعض ردود الفعل على إحراق الجندي في القوات الجوية الأمريكية، آرون بوشنل، نفسه أمام السفارة الصهيونية في واشنطن مؤخّرا وهو يصرخ “فلسطين حرة”، لم تقتصر على الرفض، بل انطوت – أيضا – على سخطها لما أقدم عليه.

وعلّق الكاتب على ردود الفعل تلك بالقول إنّ مسارعة بعض الناس إلى تفسير تصرّف بوشنل بأنه ناجم عن علّة نفسية يوحي بازدواجية معايير، واستدل على ذلك بوصف مايكل ستار في مقاله بصحيفة جيروزاليم بوست حادثة الانتحار احتجاجا على مذبحة غزة، بأنّها “حالة من الهستيريا”، بينما وصف الصحفي مارك جوزيف ستيرن من يُقدمون على هذا الفعل بأنهم “يعانون من اختلال عقلي”.

وعندما تعلّق الأمر بانتحار البائع التونسي المتجوّل محمد البوعزيزي بإحراق نفسه في 17 ديسمبر 2010 احتجاجا على مصادرة الشرطة عربته اليسيرة، وهي الحادثة التي أشعلت ما كان يسمّى بـ”ثورات الربيع العربي”، لم يشكّك أحد حول ما إذا كان يعاني من مرض عقلي، بل إنّ الرئيس باراك أوباما أشاد به حينها معدّا إياه “بطلا”، وفق مقال واشنطن بوست.

ونادرا ما وصفت وسائل الإعلام الغربية وفاة البوعزيزي بأنه انتحار، وإزاء هذا الكيل بمكيالين، يتساءل الكاتب شادي كيف يمكن لحادثة انتحار أن تكون عملا بطوليا، بينما الأخرى تُعدّ تصرفا جنونيا؟”، و”ما الذي يجعل حادثة انتحار عملا نبيلا، والأخرى فعلا ناجما عن اعتلال نفسي؟”.

ويقارن المقال بين انتحار بوشنل والبوعزيزي، مشيرا إلى أنّ الجندي الأمريكي فكّر مليا على ما يبدو ونبّه وسائل الإعلام إليها قبيل تنفيذ مشهد انتحاره بساعات، بخلاف البائع التونسي المتجول الذي كان تصرفه ردا على مصادرة السلطات بضائعه وإساءة الشرطة معاملته.

وأشار أحد المنتقدين إلى أنه في حين كان البوعزيزي يحتج على حكومته، كان بوشنل منشغلا بــ”صراع عرقي وديني بعيد”، ويعتقد الكاتب في مقاله أنّ الجندي الأمريكي ليس له “وشائج قربى” بالمنطقة، “فلماذا ينتابه شعور عارم تجاه مشكلات الآخرين؟”.

ويقودنا هذا – حسب الكاتب – إلى وجود انقسام جوهري يتعلّق بالكيفية التي يفسّر بها الأمريكيون الحرب على غزة. ووفقا للمقال، فهذه الحرب ليست مجرّد صراع خارجي فتك بأرواح عشرات الآلاف، وهي ليست بعيدة، كما يعتقد بعض المحللين.

وحول السؤال المطروح في مقال “شادي حامد”: لماذا انتاب بوشنل “شعور عارم تجاه مشكلات الآخرين؟”، يجب تفحّص الحقائق الخطيرة التي ظهرت لاحقا، وأثبتت أنّ مشهد انتحار بوشنل كان أكبر إدانة لنظام الحكم الأمريكي الذي ارتطم بالحد الأقصى من الانحطاط.

ما بين بوشنل وضحايا “الإبادة” في غزة أكبر من “وشائج قربى”

نقلت صحيفة “نيويورك بوست”، تفاصيل جديدة عن العسكري الأمريكي آرون بوشنل – الذي أحرق نفسه أمام سفارة الكيان الصهيوني تضامنا مع غزة – عن صديق له قال أنّ بوشنل أخبره باطلاعه على معلومات سرية تفيد بوجود “قوات أمريكية على الأرض تقتل أعدادا كبيرة من الفلسطينيين”.

ووفقا لما ذكره هذا الصديق المقرب – الذي لم تنشر الصحيفة اسمه لكنها قالت إنّها تحقّقت من علاقته بالمتوفى – فإنّ بوشنل (25 عاما) أبلغه أنّ لديه تصريحا يخوّله الاطلاع على بيانات للاستخبارات العسكرية الأمريكية من فئة “سري للغاية”.

وكان بوشنل يخدم في الجناح الـ70 للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بالقوات الجوية الأمريكية، التي قيل إنه كان يعمل بوظيفة “فني بخدمات الابتكار”، وقال صديقه إنّ “وظيفته الفعلية تنطوي على معالجة بيانات استخبارية، وبعضها كان متعلّقا بالصراع الصهيوني في غزة”.

وأوضح أنّ بوشنل اتصل به ليل السبت 24 فيفري – أي قبل ساعات من إحراق نفسه ظهر يوم الأحد 25 فيفري – وأخبره أنّ بعض المعلومات التي اطلع عليها تفيد بأنّ “الجيش الأمريكي متورط في عمليات الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين”.

وتابع “أخبرني أنّ لدينا قوات على الأرض، وأنها تقتل أعدادا كبيرة من الفلسطينيين”، وذكر أيضا أنّ بوشنل تحدّث عن جنود أمريكيين يقاتلون في الأنفاق التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

وأقدم الشاب على إضرام النار في جسده أمام السفارة الصهيونية، وذلك في تسجيل مصوّر بثه مباشرة عبر الإنترنت وهو يقول “لن أكون متواطئا بعد الآن في الإبادة الجماعية”، وسكب بوشنل على نفسه – وهو يرتدي زيه العسكري – سائلا حارقا ثم أشعل النار وهو يردّد “فلسطين حرة”. وقد توفي بعد ساعات متأثرا بحروقه، وأقام ناشطون أمريكيون فعاليات عدة لتأبين بوشنل، مطالبين بوقف الدعم الأمريكي للإبادة الجماعية في غزة.

وبالعودة إلى مقال “شادي حامد” عضو هيئة التحرير بصحيفة واشنطن بوست وذلك السؤال المتعلق بالجندي الأمريكي المنتحر على اعتبار أنّ ليس له “وشائج قربى” بالمنطقة، “فلماذا ينتابه شعور عارم تجاه مشكلات الآخرين؟”، يمكن استخراج الإجابة من عبارة بوشنل “لن أكون متواطئا بعد الآن في الإبادة الجماعية”.

بما يعني أنّ بوشنل احتكم إلى الموقف الأخلاقي الإنساني، وليس إلى “وشائج قربى” وفق رابطة الدم، وذلك بعد أن اكتشف حقيقة جيش بلاده ونظام الحكم الذي كان يعمل لحسابه، فقد تبين له من التقارير التي اطلع عليها أن واشنطن شريكة في المجزرة الصهيوني ضد أطفال ونساء غزة.

ويقول “شادي حامد” في مقاله بصحيفة واشنطن بوست إن الولايات المتحدة هي الراعي العسكري الرئيس للكيان المحتل، إذ تزوده بأسلحة “الطوارئ” والإمدادات التي يحتاجها للاستمرار في عدوانه. والأكثر من ذلك – على حد تعبير شادي – أنّ القوات الجوية الأمريكية التي كان بوشنل أحد جنودها، تزود الاحتلال بمعلومات استخباراتية تعينه على استهداف المواقع في غزة بالقصف الجوي المكثف، ويؤكد كاتب المقال أن الولايات المتحدة متورطة بصورة مباشرة على نحو لا يحدث في أي صراعات أخرى.

ولم ينظر بوشنل إلى الحرب في غزة على أنها صراع بعيد عنه، بل قال “لن أتورط بعد الآن في الإبادة الجماعية”، محذّرا في الوقت ذاته من أنه على وشك القيام بعمل “احتجاجي متطرف”، لكنه استدرك أنه بمقارنة ما ظل يشهده الناس في فلسطين “على أيدي من يحتل أرضهم، فإن (الاحتجاج) ليس تطرفا على الإطلاق كما دأبت نخبتنا الحاكمة على إقراره بأنه وضع طبيعي”.

وطبقا لمقال واشنطن بوست، لعل من غير المنطقي أو حتى من الخبل التفكير بالقيام بمثل ما قام به بوشنل، لكن من غير المعقول ألا يشعر بوشنل –وملايين آخرون من الأمريكيين- بإحساس متزايد بالعجز إزاء ما تقوم به حكومتهم من تسهيل عمليات القتل الجماعي لشعب أعزل إلى حد كبير. 

جنود أمريكيون يحتجون..

مأساة بوشنل أحرقت الكذبة الصهيونية

أطلقت حادثة العسكري الأمريكي آرون بوشنل، دوامة من الاحتجاجات بين جنود أمريكيين سابقين لامستهم قصة الجندي الأمريكي، فخرجوا ليعبّروا عن غضبهم وتضامنهم معه عبر إحراق زيهم العسكري في شوارع الولايات المتحدة.

وأمام هذه الحادثة، حاول البعض وضع قصة آرون واحتجاجه في خانة “معاداة السامية”، في حين لجأ البعض إلى تقويل آرون ما لم يقله، كالادعاء بأنه غرد قبل مماته قائلا: “فلسطين ستكون حرة عندما يموت جميع اليهود”، وهو ما تبين لاحقًا أنه افتراء.

هذا التشويه للحقائق دفع الجندي الأمريكي السابق لوكس كايج إلى نشر فيديو دفاعًا عن آرون، وقال كايج: “كما كان متوقعًا، بعض اليهود المستعلين والصهاينة هزؤوا بآرون وقالوا يجب على جميع مؤيدي حماس أن يفعلوا الشيء ذاته. ولقبوه بمؤيد المغتصبين ومؤيد حماس، وغيرهم كلورا لومر قالوا تبًا له إنه مريض عقليًا”.

وأضاف قائلًا: “آرون لم يفعل ذلك من أجل حماس. وجميعهم يعلم أنه لم يفعل ذلك من أجل حماس. هذا الرجل ضحى بحياته من أجل النساء والرجال والأطفال الذين يتعرضون للقتل الجماعي على يد جنود جيش الهجوم الصهيوني، لأن (إسرائيل) لا تدافع عن نفسها. (إسرائيل) في موقع الهجوم منذ خمسة وسبعين عامًا”.

ولم يؤثر آرون في الجنود الأمريكيين فقط، بل خرجت فتاة أمريكية يهودية، وقالت: “هذا الرجل توفي وهو يصرخ فلسطين حرة.. هذا الرجل كان يخدم في جيشنا الأمريكي. رجل أبيض، يعرف امتيازاته جيدًا. كان يعرف أنه بقتل نفسه هكذا، سوف يحصل على تغطية إعلامية”.

ومضت تقول: “كم أمريكيًا يجب أن يخرج للمطالبة بحرية فلسطين ووقف إطلاق النار؟!! ما العدد المطلوب لتعرفوا أننا لا ندعم حق الاحتلال بإقامة دولة في فلسطين. لعل حكومتنا لا تأبه ولن تفعل شيئًا أمام مطالبتنا بإنهاء هذا الاحتلال غير الشرعي لفلسطين”.

“الكيان أكبر كذبة وبدأ العالم يكتشف ذلك”

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعلًا واسعًا مع الفيديوهات القادمة من الولايات المتحدة حول قصة الجندي الأمريكي أرون بوشنل، وعلّقت رجاء على الموضوع قائلة: “هم يحاولون استخدام غول المرض العقلي والنفسي ليضفوا شيئًا من الشك على السبب والنوايا وراء قيام آرون بهذا النوع من الاحتجاج الذي كان يهدف لنشر الوعي في المجتمع الأمريكي بخصوص مشاركة وتواطؤ الولايات المتحدة في هذه الإبادة”.

بدوره، قال كامل يوسف: “الكيان أكبر كذبة وبدأ العالم يكتشف ذلك”. أما بارديا فقالت: “أمريكا هي أكبر خطر على الإنسانية والسلم العالمي بهذه الحروب التي لا تنتهي واضطهاد الشعوب في كل مكان”.

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، ليس آرون أول شخص يضرم النار في نفسه احتجاجًا على ما يجري في فلسطين، فقد قامت فتاة في ديسمبر الماضي، بإشعال النار في جسدها أمام مبنى القنصلية الصهيونية في أتلانتا، وهي تحمل العلم الفلسطيني، فيما لا تزال الفتاة في المستشفى.

السؤال الذي تخشاه الصحافة الأمريكية..

لماذا أحرق آرون بوشنل نفسه؟

ولد آرون بوشنل عام 1999، في مدينة سان أنطونيو، بولاية تكساس الأمريكية، التحق بالمدارس العامة لشبه جزيرة “رأس كاد” في ماساتشوستس، وينتمي بوشنل إلى القوات الجوية الأمريكية، فقد كان متخصّصا في عمليات الدفاع الإلكتروني والدعم الاستخباراتي بالقاعدة 531 في “سان أنطونيو لاكلاند” المشتركة في تكساس.

وأصبح عضوا نشطا في القوات الجوية في ماي 2020، إذ عمل في قسم تكنولوجيا المعلومات وعمليات التطوير. وكان قد كتب على موقع “لينكد إن” أنه يتطلع للانتقال من سلاح الجو الأمريكي إلى هندسة البرمجيات، وكان يسعى للحصول على بكالوريوس العلوم في هندسة البرمجيات بجامعة “نيو هامبشير”.

وذكرت صحيفة “ستارز آند سترايبس” العسكرية أنه كان أحد أبرز جنود القوات الجوية، وأنه انتقل إلى أوهايو مطلع عام 2024 لحضور دورة لأفراد الخدمة الذين ينتقلون من الجيش.

وقال أصدقاء آخرون له من سان أنطونيو إنهم تحدثوا مع بوشنل عن الفلسطينيين، وتقاسموا معه نفورهم المشترك من دور الولايات المتحدة في الحرب الصهيونية على غزة، ولكنه لم يعبر لهم عن أي مؤشر على ما كان يخطط له في 25 فيفري 2024.

وقال صديق آخر له يدعى بيربونت إنه بحلول عام 2024، أصبح بوشنل أكثر انفتاحا بشأن اعتراضاته على الجيش، ففي أعقاب مقتل الشاب الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد الشرطة في مينيابوليس عام 2020، أخبره بوشنل أنه بدأ البحث في تاريخ الولايات المتحدة وأراد اتخاذ موقف ضد جميع أعمال العنف التي تقرها الدولة.

وقال أيضا إن بوشنل فكر في ترك الجيش مبكرا، لكنه قرر أنه قريب بما يكفي من نهاية خدمته المطلوبة، فقد كان من المقرر مغادرته الجيش في ما 2024. وأضاف أنه كان يعتزم العثور على وظيفة تسمح له بكسب ما يكفيه من المال ليعيش وينخرط في النشاط السياسي، وقال بيربونت إنه شجع صديقه على الذهاب إلى الجامعة والحصول على شهادة في تخصص يتعلق بمعتقداته.

وللتذكير فإن آخر منشور للراحل بوشنل على موقع فيسبوك، جاء من خلال سؤال أخلاقي صميمي صادم للضمير الغربي والأمريكي: “يحب الكثير منا أن نسأل أنفسنا.. ماذا سأفعل إذا كان بلدي يرتكب الإبادة الجماعية؟ الجواب هو، أن تفعل ذلك. في الوقت الحالي”.

ويواصل الإعلام الأمريكي تجاهله المتعمد لتبعات دعم إدارة الرئيس جو بايدن العدوان الصهيوني على قطاع غزة على الداخل الأمريكي، وكانت حالة إضرام الطيار آرون بوشنل النار في نفسه حتى الموت أمام سفارة الكيان المحتل بواشنطن، احتجاجا على موقف بلاده من العدوان، آخر فصول هذه السياسة.

واستمر التجاهل منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، الذي نتج عنه حتى الآن استشهاد ما يقرب من 30 ألف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف الآخرين، مع دعم أمريكي كامل لـ(إسرائيل) سواء في جانب التسليح أو في المحافل الدولية وأهمها مجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية.

ولا يتناول الإعلام الأمريكي، في أغلبه، تبعات دعم إدارة جو بايدن العدوان الصهيوني في الداخل الأمريكي، ويخفف من تأثير الحراك المجتمعي الذي شمل عديدا من مراكز صنع القرار الحكومية، وكبريات الجامعات الأمريكية.

ومع اتهام منتقدي السياسات الصهيونية والمطالبين بوقف دعم واشنطن للعدوان على غزة بـ”معاداة السامية” أو التعاطف مع ما يسمونه “الإرهاب”، انتقل الإعلام الأمريكي ليمهد إلى أن بوشنل ربما كان “مريضا نفسيا أو مختلا عقليا”.

وأصبح من الصعب على الإعلام الأمريكي التقليدي، خاصة داعمي (إسرائيل) داخله، أن يصدقوا أن الناس العاديين قد يهتمون فقط بالقتل الجماعي ومعاناة الرجال والنساء والأطفال في قطاع غزة، من دون أن يكونوا من “أعداء السامية أو إرهابيين” كما يصفونهم.

وغردت خبيرة الشؤون الدولية أسال أراد – عبر منصة إكس – مستغربة من موقف 4 من كبرى شبكات الأخبار الأمريكية والعالمية. ورصدت كلا من صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، ووكالة رويترز، وشبكة “سي إن إن”، التي اختارت جميعا أو اتفقت على عدم طرح سؤال “لماذا أحرق آرون بوشنل نفسه؟”، عند تغطيتها الخبر.

إنها 4 وسائل إخبارية رئيسية لديها العنوان ذاته تقريبا لحادثة إحراق بوشنل نفسه، ولم تذكر إحداها كلمة “غزة” أو “الإبادة الجماعية”، أو سبب احتجاج آرون، أو كلمة “فلسطين”، أو كلماته الأخيرة.

وفي الوقت الذي تجاهل فيه البيت الأبيض ووزارة الخارجية تناول هذه الحادثة أو التعليق عليها، علق المرشحان المستقلان لانتخابات الرئاسة المقبلة، بانتقادات مباشرة لسياسة الإدارة الأمريكية تجاه العدوان الصهيوني على غزة.

وقال المرشح كورنيل ويست – في تغريدة عبر منصة إكس – “دعونا لا ننسَ أبدا الشجاعة والالتزام الاستثنائيين للأخ آرون بوشنل الذي مات من أجل الحقيقة والعدالة. أصلي من أجل أحبائه الأعزاء. دعونا نكرس أنفسنا من جديد للتضامن الحقيقي مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لهجمات الإبادة الجماعية في هذه الأوقات!”.

في حين طالبت جيل شتاين، مرشحة الرئاسة عن حزب الخضر، بالصلاة من أجل آرون بوشنل، قالت على منصة أكس “كل الرحمة إلى آرون بوشنل. (لن أكون متواطئة في الإبادة الجماعية بعد الآن. فلسطين حرة)!، آمل أن تعمق تضحيته التزامنا بوقف الإبادة الجماعية الآن”.

بالدليل القاطع..

انتحار “بوشنل” أثبت التهمة على التورّط الأمريكي في إبادة الغزيين 

أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني، مأمون أبو عامر، أنّ الموضوع الذي أثاره صديق الجندي الأمريكي الراحل “آرون بوشنل”، بشأن امتلاكه لمعلومات سرية عن قوات أمريكية تقاتل في أنفاق غزّة بفلسطين، كان قد تحصّل عليها بحكم مهمّته في الجيش، والمتعلقة بتحليل ومعالجة البيانات الاستخباراتية وتقديمها للاستغلال من قبل رؤسائه في شتى المصالح العسكرية، يمكن اعتباره بمثابة الدليل الذي يقطع الشك باليقين حول مشاركة وتورّط الجيش الأمريكي في عملية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.

وفي هذا الصدد، أفاد الأستاذ أبو عامر في تصريح لـ “الأيام نيوز”، بأنّه في السابق لم تكن هناك أدلة قطعية حول هذا الأمر، فقط كانت هناك بعض المعلومات والبيانات المسرّبة وبعض التصريحات، لكن حديث صديق “آرون بوشنل” يُمكن اعتباره تصريحًا قطعيًا، بما لا يدع مجالا للشك، ويؤكد القناعات التي كانت سائدة حول هذا الموضوع، خاصة وأنّ الأدلة التي كانت موجودة من قبل لم تكن حاسمة، فمثلا لم يتم نشر أي خبر حول مقتل جندي أمريكي داخل قطاع غزة، ولا سيما أن من يُقتلون في قطاع غزة يتم إخفائهم حتى من اليهود أنفسهم، وهذا الأمر زاد من تعقيد مهمة الحصول على دلائل قطعية تثبت مشاركة الجيش الأمريكي في العدوان الجائر على القطاع.

في السياق ذاته، أوضح المتحدث، أنّ هناك عدّة تفسيرات حول رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إشراك الجيش الأمريكي في العدوان على غزّة، الجانب الأول يتعلق بمساندة ودعم الاحتلال الصهيوني في حربه الشعواء ضد الآمنين في بيوتهم في القطاع، والجانب الآخر يتعلق بالتدريب، حيث يعتق الأمريكان أنهم بحاجة إلى التعرف على القتال عبر الأنفاق، هذا النوع من القتال الذي يعتبر غريبا بالنسبة لهم، خاصةً وأنّ الأنفاق الموجودة في القطاع تختلف مثلا عن تلم الأنفاق التي كانت تستخدمها الفيتنام في القتال قبل خمسين عاما.

في سياق ذي صلة، أشار المحلّل السياسي الفلسطيني، إلى أنّ الأنفاق التي كانت موجود في الفيتنام كانت تستخدم في العمليات المباغتة ومن ثم الانسحاب، لكن الأنفاق الموجودة داخل القطاع، تتم على مستواها مختلف العمليات من قيادة وسيطرة وإمداد وتخفي وما إلى ذلك، حتى أنّ كل العمليات العسكرية في غزّة تقريبا تتم إدارتها من تحت الأنفاق، وإن كان بعضها يتم تنفيذها من على وجه الأرض، لكن المركز الأساسي لمعظم العمليات هو الأنفاق، وحتى أنّ معظم الأسرى والرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة يتواجدون داخل الأنفاق، وهذا الأمر مهم جدّا في إدارة العمليات العسكرية، لذلك نجد أن الأمريكان مهتمين جدّا بالمشاركة في هذا العدوان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تقديم المساعدة وتجريب التكنولوجيات الأمريكية في هذا الإطار.

وأردف قائلا: “من هنا نجد أنّ غزّة لا تواجه الكيان الصهيوني وحده، إنما تواجه معه أمريكا أيضا وعددًا من الدول الغربية الاستعمارية، والأمر لا يقتصر فقط على المشاركة في حرب الأنفاق، هناك أيضا الطائرات المسيرة الأمريكية والقوات المسيرة البريطانية التي تقوم بمحاولات للالتقاط الاتصالات والتجسس والتصنت وتحليل البيانات وتقديمها إلى الجانب الإسرائيلي فيما بعد، حتى يستخدمها في مختلف عملياته العسكرية، وهو الأمر الذي أكّده الجندي الأمريكي “آرون بوشنل” قبل وفاته، ليقطع الشك باليقين المطلق حول مشاركة الجيش الأمريكي وتورّطه في إبادة سكان القطاع”.

خِتامًا، أكّد المحلّل السياسي الفلسطيني، مأمون أبو عامر، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي التي ترعى عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، وهي الحامي الأول عن “إسرائيل”، بل هي المسؤول رقم واحد على تواصل العدوان الهستيري على غزّة، من خلال استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن، ضد أي قرار يدعو إلى وقف النار وإنهاء هذا العدوان، إضافة إلى الدعم العسكري المطلق والعلني لجيش الاحتلال الإسرائيلي، والتدخل في منطقة الأحمر، زيادة على ذلك ممارسة الضغوطات السياسية والاقتصادية على أي دولة في العالم ترفض وتدين العدوان الإسرائيلي على القطاع، واليوم جاء هذا الجندي الأمريكي ليُقدّم دليلا قاطعا على مشاركة الجيش الأمريكي في عمليات الإبادة في غزة، وأثبت الحقيقة التي كان الجميع يعرفها لكن لم تكن هناك أدلة قطعية على صحتها.

الباحث علي الطواب يتساءل..

لماذا لم يُفصح “بوشنل” عن المعلومات المسربة من قبل؟ 

يَنظرُ الباحث المصري في الشؤون السياسية والإستراتيجية علي الطواب، إلى قضية انتحار الجندي الأمريكي “آرون بوشنل”، نظرةً مختلفة نوعاً ما عما هو مُتداول في هذا الإطار، حيث يرى الخبير في السياسة أنّ هذا الجندي أقدم على حرق نفسه أمام سفارة الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، تعبيرًا منه على رفضه ما يحدث في قطاع غزّة، ولكن هذا الأمر لا يكادُ يشكّل شيئا أمام عشرات الآلاف من الشهداء الذين ارتقوا جراء العدوان الإسرائيلي الهمجي المتواصل على أهل القطاع، والذي يقترب من دخول الشهر السادس على التوالي، في مشاهد مروّعة ومجازر دامية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً.

وفي هذا الصدد، أوضح الطواب في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ قضية انتحار “آرون بوشنل” ربما قد تحرك ساكنا داخل الشارع الأمريكي، خاصةً وأنّه قبل وافته أخبر أحد أصدقائه بأنه يمتلك معلومات سرية حول تورّط الجيش الأمريكي في عملية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يتحدث “أرون بوشنل” عن هذه المعلومات من قبل، لماذا انتظر كل هذا الوقت؟

في السياق ذاته، أبرز المتحدث، أنّ هذه الرسالة وهذه المعلومات كان يجب أن تظهر للعالم منذ بداية العدوان الصهيوني الجائر على قطاع غزة، فلربما كنا قد شاهدنا تحركًا فعليا لبعض قادة الجيش في أمريكا أو في فرنسا أو في بريطانيا، بدل رفعهم الشعارات الرنانة والرايات معلنين عن غضبهم إزاء ما يحدث في قطاع غزّة.

تحرّك “آرون بوشنل” لا يعبّر عن حقيقة المشهد الأمريكي

إلى جانب ذلك، أفاد الخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية، أنّ ما قام به الجندي الأمريكي في حقيقة الأمر لم يغيّر شيئا في سياسة أمريكا، بل على العكس تماما لازالت أمريكا تواصل دعمها اللامشروط للكيان الصهيوني، بمزيد من المعلومات وبمزيد من الأسلحة وبمزيد من الدعم اللوجيستي من خلال الأقمار الصناعية وما إلى ذلك، وبالتالي فإنّه من المؤكد بما كان أنّ الجيش الأمريكي بنفسه وبجنوده متورّط في عمليات الإبادة الجماعية بحق الأبرياء والمدنيين العزل في قطاع غزة، بل حتى أن هناك بعضا من الجنود الأمريكان يقتلون أعدادا كبيرة من المدنيين العزل بأسلحتهم وبطائراتهم المسيرة وصواريخهم وقنابلهم ومختلف الأسلحة الأمريكية الأخرى، وبفرض سياسة التجويع تارةً أخرى.

على صعيدٍ متصل، أشار الطواب، إلى أنّ التحرك الأمريكي من قبل الجندي الراحل “آرون بوشنل”، هو في حقيقة الأمر لا يتجاوز كونه تحركا فرديا يبقى في سياقه الفردي لا يعبر عن الرغبة الأمريكية، ولا عن حقيقة المشهد الأمريكي، فنحن نتحدث عن أقوى دولة في العالم، وعن أكبر جيش في العالم، بعض قواته رابط في محيط المتوسط ينتظر فقط الإشارة من “إسرائيل” حتى يدخل على الخط في أي لحظة، في حال إذا ما تطورت المواجهة من قبل حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أو في حال قامت بعض الجهات الأخرى بفرض سيطرتها على الأرض، حينها سنشهد تحرك كل الأسطول الأمريكي لوأد هؤلاء، وبالتالي فكرة المقاومة لا تزال باقية قوية وفكرة انتحار الجندي الأمريكي لا تزال فكرة بسيطة تخطت حدود الزمان والمكان بأمتار قليلة، هذه رؤية لابد أن تُطرح أمام الجميع.

في ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز الباحث المصري في الشؤون السياسية والإستراتيجية علي الطواب، أنّ الإدارة الأمريكية ومعها الدول الغربية الاستعمارية هي جميعًا مشتركة في عملية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة، والشعب الفلسطيني له رب كريم، وله حضور طاغي من قبل المقاومة الإسلامية حماس، ومن قبل الجهاد الإسلامي، و من قبل سرايا القدس، ومن قبل التيارات السياسية التي ما أحوجنا جميعا لأن تقف على أرضية واحدة تعلن التوافق فيما بينها، حتى ما إذا تشكلت الحكومة الفلسطينية القادمة، والتي من المرجح أن تكون حكومة تكنوقراط، يكون لها موطئ قدم تستطيع أن تتحرك من بعده إلى آفاق أرحب وإلى فكرة توحيد المقاومة في شكل مُقاومة، لا نقول فيها سرايا القدس، أو شهداء الأقصى أو حماس، إنما كل فصائل المقاومة تنصهر في بوتقة واحدة، في شكل مسلح قوي، ربما يكون نواةً لوجود قوات فلسطينية تدافع عن أرضها كحقٍ مشروع لها، فكل دولة لها جيش وقواتها الخاصة، آن الأوان لأن تكون المقاومة الفلسطينية تحت لواء واحد وفكر واحد وتحرك عسكري واحد يتصدى للاحتلال الصهيوني المستبد ومن ورائه أمريكا الداعم رقم واحد لـ “إسرائيل” على مرّ التاريخ.

من فيتنام إلى غزة..

الولايات المتّحدة الصّهيونيّة!

بقلم: البروفيسور عكنوش نور الصباح – باحث في الشّؤون الإستراتيجية

“إسرائيل” هي أمريكا وأمريكا هي “إسرائيل”، حقيقة دينية واقتصادية وهيكلية واستراتيجية يدركها تلميذ الابتدائي في أيّ مدرسة في العالم قبل السّابع أكتوبر، لكن ما يحدث اليوم أنّ الأمريكي نفسه أصبح على يقين بهذه الحقيقة ولعلّ حرق الجندي الأمريكي لنفسه فيها رمزيّة من خلال فعل الحرق للذّات بالنّار التي تحرق أطفال ونساء غزّة والتي لا تريد أمريكا وقف إطلاقها على غزّة قبل أن تمحي آثار الجريمة التي تقوم بها في القطاع بشكل علني ومفضوح.

والجندي الأمريكي المنتحر يملك حقائق عن هذه الجريمة تتعلّق بالمشاركة المباشرة للمركب الصّناعي العسكري الأمريكي في الحرب من خلال مرتزقة أو من خلال نخب عسكرية أمريكية محترفة في حرب العصابات في العراق وأفغانستان وغيرها أو فرق مختصّة ومجهّزة في القنص وتحرير الرّهائن وهندسة الأنفاق تؤدّي مهام تكتيكية في الميدان الذي أصبح بؤرة حرب بين أمريكا والمقاومة كنموذج مهدّد لمصالح واشنطن في الشّرق الأوسط ويجب التخلّص منه ولو تطلّب الأمر الانتقال مباشرة إلى غزّة بالسّلاح والعتاد والأفراد في إطار استراتيجية حرب فشلت في الصومال قبل ذلك.

تصرّ الإدارة الأمريكية جيوسياسيا على إعادة التّجربة في بيئة أخرى طاردة لها بحكم التّاريخ والدّين والواقع وهو ما أحرق الجندي الأمريكي في صورة تسويقية مؤثّرة لنهاية إمبراطورية أخلاقيًا وسياسيًا وإعلاميًا وفي حركة دراماتيكية قويّة ستنعكس على الأمن المعنوي للجيش الأمريكي في مهمّته القذرة هذه في ظلّ حرب لا تناظرية يستحيل حسمها في الزّمان والمكان اللّذان تريدهما واشنطن والتي بدل أن ينجح جنودها في حرب الأنفاق سيدخلون أنفاقًا أخرى بالمعنى النّفسي تؤدّي بهم إلى ظواهر انتحارية أخرى بعد أن تتحوّل غزّة بالنّسبة لهم إلى فيتنام بسيكولوجي لتكون النّتيجة كما ساهمت أمريكا في اختراع “إسرائيل” ستكون “إسرائيل” مساهمة في إضعاف أمريكا وبالتّالي ستكون غزّة مقبرة لهما معًا بصمود المقاومة التي أحرقت أوراق الغرب اليهودي المسيحي أمام العالم ليس انتحارًا بل انتصارًا.

في صورة الجندي الذي أحرق نفسه..

أبو حبله” يقرأ دلالات المشهد المأساوي 

بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني

آرون بوشنل كان جنديًا عاديًا في القوّات الجويّة الأميركية قبل تاريخ 25 فيفري من الشّهر الماضي، وبعد هذه التّاريخ بات أيقونة على مستوى العالم وخاصّة في العالم العربي.

بوشنل فتح بثًّا مباشرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأضرم النّار بنفسه أمام مقر السّفارة “الإسرائيلية” في واشنطن وهو يرتدي زيّه العسكري ويهتف “لن أتواطأ بعد الآن في الإبادة الجماعية”، احتجاجًا وتنديدًا بالحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزّة التي دخلت يومها الـ 144، وأدّت للعديد من المجازر التي ارتكبها الاحتلال “الإسرائيلي” ضدّ المدنيين في القطاع.

المقطع انتشر كالنّار في الهشيم على منصّات التّواصل العربية والغربية، وتصدّر وسم آرون بوشنل قائمة الترند في عدّة دول عربيّة وأجنبيّة، وشبّه مدونون بوشنل بالشّاب التّونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجًا على مصادرة البلدية لعربته التي كان يبيع عليها الخضار وأصبح أيقونة وشرارة الرّبيع العربي.

وتساءل آخرون هل سيكون آرون بوشنل “بوعزيزي” النّظام العالمي؟ وهل سيكون الشّرارة التي توقظ الوعي العربي؟ وعلى الرّغم من محاولات التّعتيم على قيام “آرون بوشنل” بحرق نفسه احتجاجًا على حرب الابادة التي تشنّ على قطاع غزّة من قبل الاحتلال “الإسرائيلي” بدعم أمريكي وغربي، وصف معاناته بـ “الضّئيلة” مقارنة بمأساة غزّة.. لافظًا أنفاسه الأخيرة، مودّعًا العالم بعبارة: “لن أكون متواطئاً في الإبادة الجماعية”، كانت هذه كلمات الطّيّار الأمريكي آرون بوشنل الأخيرة قبل أن يضرم النّار على جسده في مشهد صدم الأمريكيين وفضح الانحيازات الأمريكية والغربيّة الفجّة لصالح الاحتلال “الإسرائيلي” الذي يشنّ حرباً وحشيّة ضدّ المدنيين العزّل في قطاع غزّة.

وبخصوص خفايا عبارة “لن أكون متواطئاً في الإبادة الجماعيّة”، فقد أفادت مصادر صحفيّة، أنّ الجندي الأمريكي آرون بوشنل، قد عَلم بأنّ قوّات من الجيش الأمريكي تقاتل في قطاع غزّة قبل إقدامه على إحراق نفسه أمام السّفارة “الإسرائيلية”، وبحسب صديق مقرّب منه، فإنّ بوشنل كان لديه “تصريح بالاطلاع على المعلومات فائقة السريّة” للمخابرات العسكرية الأمريكية، ثمّ تواصل معه وقال له: إنّ “لدينا قوّات في تلك الأنفاق، وأنّ جنوداً أمريكيين يشاركون في عمليّات القتل”. وأضاف: “الجيش الأمريكي متورّط في عمليّات الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين”.

وكان بوشنل، قبل وفاته، يعمل في القوّات الجويّة الأمريكية كمختصّ بالأمن السّيبراني، وكانت وظيفته الفعليّة تنطوي على معالجة البيانات الاستخباراتية، والتي من ضمنها ما له علاقة بالحرب الجارية في غزّة.

وأشار صديق بوشنل، أنّه وخلال المكالمة بدا له أنّ “هناك الكثير من الأشياء التي لا أعرفها، لكن يمكنني أن أخبرك أنّ نبرة صوته كانت تحتوي على شيء يخبرني أنّه كان خائفاً”، بحسب تعبيره.

وتناقض المعلومات التي كشفها بوشنل، ما أعلنه البيت الأبيض عدّة مرّات بأنّه لن يرسل قوّات أمريكية على الأرض في غزّة، وأنّ القوّات التي جرى نشرها في “إسرائيل” من العمليّات الخاصّة الأمريكية منذ الـ 7 أكتوبر، هدفها “التعرّف على أماكن الرّهائن، بما في ذلك الرّهائن الأمريكيين”.

ويظهر الفيديو بوشنل وهو يضع جهاز التّسجيل على الأرض ثمّ يسكب على نفسه سائلاً مجهولاً ويشعله وهو يصرخ مراراً وتكراراً “فلسطين حرّة” ثمّ انهار في النّهاية عندما أسرع ضبّاط الشّرطة لإخماد النّيران بطفّايات الحريق، وقد تمّ تأكيد هويّة بوشنل من قبل السّلطات الأمريكية، وقالت روز رايلي، -المتحدّثة باسم القوات الجوية الأمريكية-، إنّه كان طيّارًا في الخدمة وقالت القوّات الجويّة إنّه سيتمّ تقديم تفاصيل إضافية بعد اكتمال إخطارات الأقارب.

الحادث ليس الأوّل من نوعه، ففي ديسمبر أضرم شخص النّار في نفسه خارج القنصليّة “الإسرائيلية” في أتلانتا، فيما قالت الشّرطة إنّه “على الأرجح عمل احتجاجي سياسي متطرّف”. وقالت الشّرطة ومسئولو الإطفاء للصّحفيين في مؤتمر صحفي إنّه تمّ انتشال العلم الفلسطيني الذي كان جزءا من الاحتجاج في مكان الحادث، وتمّ استخدام البنزين.

وفي ردّ الفعل على ما أقدم عليه الطيّار الأمريكي، آرون بوشنل.. قال طيّارون عسكريون أميركيون احتشدوا عند السّفارة “الإسرائيلية” في واشنطن تخليداً لذكرى زميلهم آرون بوشنل الذي أحرق نفسه حتّى الموت أمام السّفارة داعياً لخروج أميركا من المشاركة في حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها “إسرائيل” ضدّ الفلسطينيين. وتناوب الطيّارون المحتجّون على الكلام مؤكّدين تبنّي شعارات بوشنل بوقف حرب الإبادة بحقّ الفلسطينيين ووقف الدّعم الأميركي للجرائم “الإسرائيلية” وحماية قادة “إسرائيل” من المحاسبة والمساءلة. ووجّهوا في ختام اللّقاء التّضامني النّداء لكلّ الأميركيين وكلّ شعوب العالم للتحرّك بسرعة طلباً لتكثيف الضّغوط عبر العالم لفرض وقف الحرب.

تجاهلت وسائل إعلام أمريكية شهيرة للحيثيات التي أدّت إلى وفاة بوشنل، والمتمثّلة في تضامنه مع غزّة وفلسطين، وتجاهلت الصّحافة الأمريكية المجاعة التي يتعرّض لها سكّان غزّة وهم يتعرّضون منذ الـ 7 أكتوبر، لحرب مدمّرة تشنّها “إسرائيل” بدعم أمريكي وغربي على قطاع غزّة وهي حرب غير مسبوقة في التّاريخ البشري الحديث خلّفت عشرات الآلاف من الضّحايا، معظمهم أطفال ونساء، وتسبّبت بدمار هائل في البنية التّحتيّة وكارثة إنسانية غير مسبوقة، الأمر الذي أدّى إلى مثول “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدّولية بتهم ارتكاب “إبادة جماعية”. ورصدت العديد من وسائل الإعلام التي نشرت عبر حسابها على منصّات “إكس” صورًا من تغطية “نيوزويك” و”واشنطن بوست” و”سي إن إن” ووكالات غربيّة للحادث.

وقالت: “بشكل عفوي اتّفقوا على عدم ذكر سبب إحراق الجندي “آرون بوشنل” نفسه أمام السّفارة “الإسرائيلية” في واشنطن.. رغم أنّه أعلن السّبب بنفسه في فيديو شاهده الجميع، وقالت إنّ السّبب هو “احتجاجه على الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” ضدّ الفلسطينيين في غزّة”. والتّساؤل عن تجاهل السّبب في عناوين تلك الصّحف قولهم: “لا يعرفون السّبب ولم يصلهم الفيديو الذي نشره الجندي وسبب آخر!”

هذا التّجاهل للصّحافة الأمريكية والغربيّة لهذا الحدث وعدم ذكر تفاصيله والمسبّبات التي دفعت الجندي الأمريكي لحرق نفسه وتجاهل فلسطين وحرب الإبادة التي تتعرّض لها غزّة يدلّ على الانحياز وسياسة الكيل بمكيالين فيما يخصّ “إسرائيل”، ويدلّ على كيفية انحياز الصّحافة الأمريكية للرّواية “الإسرائيلية” في هجوم السّابع من أكتوبر وهجومها على الفلسطينيين، رغم عدم دقّتها وصحّتها فيما كشفت عنه الصّحافة العبرية فيما بعد وفنّدت الرّواية الرّسمية، ورغم ذلك ضجّت مواقع التّواصل الاجتماعي بحادثة حرق الجندي الأمريكي لنفسه.

هناك تحوّل حقيقي تجاه القضيّة الفلسطينيّة التي باتت تستحوذ الاهتمام لدى الغالبية من الأمريكيين والغربيين وعزّز هذا التحوّل تضحية الجندي الأمريكي بنفسه انتصارًا للحقّ والعدالة التي باتت فلسطين في صلب هذا الاهتمام.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
وزير الاتصال..الجزائر توسّع بثها الإعلامي دوليًا عبر الأقمار الصناعية سونلغاز تفتح أبوابها لنقل خبرتها إلى بوركينا فاسو قائد الجيش السوداني:"الخرطوم حرة" استنفار وطني لمواجهة أسراب الجراد ومنع انتشارها إلى ولايات جديدة رقمنة الخدمات التجارية.. "مرافق كوم" الحل الذكي لمتابعة مداومة التجار دوفيلبان يتصدر الشخصيات السياسية المفضلة في فرنسا بعد مواقفه من غزة والجزائر هذه أبرز الملفات التي ناقشها اجتماع الحكومة الجزائر في صدارة الدول المصدرة للغاز المسال بإفريقيا ليلة القدر في الجزائر.. نفحات إيمانية وعادات متجذرة الكاردينال فيسكو: "تصريحات روتايو مستفزة والجزائر لن تخضع للخطاب التهديدي"  غزة تشتعل.. تصعيد عسكري ونفير عام ورسائل تهز "إسرائيل" بوغالي يطالب إسبانيا بمراجعة موقفها من قضية الصحراء الغربية القضاء الفرنسي يرفض طلب تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري "دوالمن" بشراكة صينية.. نحو إعادة إطلاق مصنع الإسمنت بالجلفة سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر