تعهد الجمهوريون في الكونغرس بفتح عدة تحقيقات في إدارة بايدن وعائلته إذا استعادوا الأغلبية بعد انتخابات التجديد النصفي التي أجريت الثلاثاء الماضي، ولم تحسم نتائجها بسبب تأخّر عدّ الأصوات في عدة ولايات أبرزها جورجيا، أريزونا ونيفادا، التي تعد ولايات متأرجحة – مرة تصوّت لصالح الديموقراطيين ومرة لصالح الجمهوريين – وتأتي وعود الجمهوريين بإجراء تحقيقات في حق بايدن بعد سنوات من التنديد بالتحقيقات التي فُتحت ضد الرئيس السابق دونالد ترامب ومحاولة عزله باعتبارها ذات دوافع سياسية.
وفي حين أمضى هذا الأخير، سنوات حكمه يواجه وحزبه الجمهوري محاولات العزل التي طالته، ووجد نفسه بعد مغادرة البيت الأبيض محاطا بتحقيقات لجنة الـ 6 يناير، المكلّفة بالتحقيق في مدى تورطه في اندلاع أعمال الشغب في الكابيتول، وتحقيقا بشأن الوثائق السرية التي قال مكتب التحقيقات الفدرالي إن ترامب أخذها معه حين غادر واشنطن بدل تسليمها للمصالح المعنية، وغيرها من القضايا والتحقيقات الفدرالية والولائية، يجد اليوم الرئيس الحالي جو بايدن نفسه أمام المصير ذاته في حال حسم النتائج لصالح الجمهوريين الذين يُرجح فوزهم بأحد مجلسي الكونغرس على الأقل، في مشهد يطرح العديد من التساؤلات حول حالة ما يبدو أنه انتقام سياسي يقول البعض أنه أصبح سنة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية.
فما هي القضايا التي سيلاحق الجمهوريون بايدن بشأنها في حال فوزهم بالأغلبية؟ إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه التحقيقات وهل يمكن أن تؤدي لعزله من منصبه كرئيس؟ والسؤال الأهم، هل تحوّلت التحقيقات في واشنطن من طريقة لكشف سوء تسيير الشأن العام إلى تقليد سياسي هدفه النيل من الخصوم متى استفرد أحد الحزبين بالقوة؟
خلال ندوة صحفية – الأربعاء الماضي – أعقبت الكشف عن نتائج التصويت بغالبية الولايات الأمريكية، والتي أظهرت تقدّم الحزب الجمهوري على الحزب الديموقراطي في الكونغرس بغرفتيه – 49 مقعدا للجمهوريين مقابل 48 مقعدا للديموقراطيين و 211 للجمهوريين مقابل 204 للديموقراطيين في مجلس النواب، و24 مقعد حاكم ولاية للجمهورين، مقابل 22 مقعدا للحزب الديموقراطي، وفق ما نشرته شبكة “ABC” صباح اليوم الجمعة – قال الرئيس جو بايدن في رده على سؤال أحد الصحفيين حول عزم مشرعي الحزب الجمهوري فتح تحقيقات في إدارته ومحاولة عزله، إنه لا يستطيع التحكّم فيما قد يقوم به أعضاء الحزب المنافس لحزبه الديموقراطي، مما يعني أن إمكانية خضوعه للتحقيق في عدة قضايا وعد الجمهوريون بالتدقيق فيها واردة وأضحت قريبة.
تكثيف التحقيقات في قضايا هانتر بايدن
ولطالما وعد الجمهوريون بالتحقيق مع الرئيس بايدن وعائلته، وتحديداً ابنه هانتر بايدن، الذي يخضع بالفعل للتحقيق بشأن مزاعم ارتكابه لجريمة غسيل الأموال وانتهاكات تتعلق بتمويل الحملات الانتخابية، وقوانين الضرائب والقوانين المتعلقة بالتعامل مع جماعات الضغط الأجنبية، وركز التحقيق، الذي بدأ في عام 2018 بقيادة مكتب المدعي العام الأمريكي في ولاية ديلاوير، على أنشطة هانتر التجارية في الدول الأجنبية، بما في ذلك العلاقات مع شركة طاقة صينية، بينما كان والده نائبا للرئيس، ولكن أشارت تقارير إعلامية أخيرة إلى أن التحقيق تكثف في الأشهر الأخيرة، ومن المتوقع توسيعه بعد سيطرة الجمهوريين على إحدى غرفتي الكونغرس أو كلاهما معا.
اتهامات لوزارة العدل والـ “الأف بي آي” بالتحيّز السياسي
أصدر الجمهوريون أعضاء اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي، تقريرًا مطولًا الأسبوع الماضي، يحمل شهادات موظفين بوزارة العدل الأمريكية، تتهم الوازرة ومكتب التحقيقات الفدرالي “آف بي أي” في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، بالتحيّز لليساريين ومناهضة المحافظين.
ومن المتوقع أن ترسم الوثيقة المقدمة – تقرير مكوّن من 1000 صفحة – خارطة طريق لمزيد من التحقيقات التي تزايدت تهديداتها بعد أن داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي مقر إقامة الرئيس السابق دونالد ترامب في مار إيه لاغو بولاية فلوريدا شهر أغسطس الماضي، وصادر 20 صندوقًا يحتوي على وثائق يُزعم أنها سرية.
وأكد المدعي العام بوزارة العدل الأمريكية، ميريك جارلاند، أنذاك أنه وافق شخصيا على قرار طلب مذكرة تفتيش لمار إيه لاغو، وعلى الرغم من أن الخبراء أثاروا مخاوف من أن ترامب كان يمكن أن يُعرض وثائق تتعلق بالأمن القومي الأمريكي للخطر من خلال عدم الاحتفاظ بها بشكل غير صحيح، إلا أن العديد من الجمهوريين انتقدوا التحقيق واعتبروا دوافعه سياسية بحتة، وغرّد زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، كيفين مكارثي، عقب الحادثة، قائلا “عندما يستعيد الجمهوريون مجلس النواب.. لن ندخر جهدا في تغيير النائب العام جارلاند والتحقيق فيما حدث”.
الانسحاب من أفغانستان.. قضية تأمين الحدود وتعامل فاوتشي مع الجائحة
دعا الجمهوريون في الكونغرس إلى فتح تحقيق شامل في كيفية سحب الرئيس الحالي جو بايدن للقوات الأمريكية من أفغانستان شهر أغسطس عام 2021، وواجه بايدن وإدارته في البيت الأبيض، انتقادات واسعة النطاق حول كيفية التعامل مع خروج الولايات المتحدة من أفغانستان التي وصفوها بالفاشلة، لأنها حسب رأيهم مكّنت حركة طالبان من السيطرة على السلطة في جميع أنحاء البلاد، كما قال الجمهوريون إن وزارة الخارجية أخفقت في وضع إجراء لإجلاء الأمريكيين من أفغانستان، وسيسعى الجمهوريون من خلال التحقيق في القضية – حال فوزهم بالأغلبية في انتخابات التجديد النصفي – إلى الحصول على أجوبة حول التخطيط والاستخبارات التي على أساسها تم اتخاذ قرار الانسحاب.
وبينما واجه بايدن اللوم حول كيفية التعمال مع الملف، جادل الديمقراطيون بأن اتفاق ترامب السابق بسحب القوات من أفغانستان ترك الولايات المتحدة في موقف ضعيف أدى للانسحاب بالشكل الذي كان عليه.
إلى جانب التحقيق في تعامل بايدن ووزارة خارجيته مع سحب القوات الأمريكية من أفغنساتان، يتحضر الجمهوريون أيضا لطرح تحقيق في وزارة الأمن الداخلي، يتعلق بمعالجة بايدن لقضية الهجرة، التي كُلفت بها نائبته كامالا هاريس، ووجّهت لها انتقادات واسعة وصفتها بالفشل في إدارته، بعد أن قطع مئات الآلاف من المهاجرين بطريقة غير شرعية الحدود متجهين نحو الولايات الجنوبية، التي قام حكامها بشحنهم عبر حافلات وطائرات أنزلتهم في ولايات يحكمها الديموقراطيون، كولاية شيكاغو ونيويورك والعاصمة واشنطن، حيث تم إنزال المئات منهم أمام منزل نائبة الرئيس، في مشهد أثار عدة تساؤلات ورافقته عدة اتهامات للسياسيين تقضي باستخدامهم لطالبي اللجوء كورقة ضغط سياسي.
إلى جانب التحقيقات التي من المنتظر أن تطال بايدن وإدارته، أكد الجمهوريون في عدة مناسبات عزمهم التحقيق في الكيفية التي تعامل بها الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، مع ملف جائحة كوفيد-19، وعلى الرغم من أن هذا الأخير سيتقاعد من منصبه شهر ديسمبر المقبل، إلا أن بعض المشرعين الجمهوريين عازمون على ملاحقته، وأبرزهم السناتور راند بول من ولاية كنتاكي، الذي غرد قائلا “استقالة فاوتشي لن تمنع إجراء تحقيق شامل في أصل الوباء، سيُطلب منه الإدلاء بشهادته تحت القسم بخصوص أي مناقشات شارك فيها بشأن تسريب الفيروس من مختبر”.
السيناريوهات المقبلة !
يعتقد المحلل السياسي والسفير السابق للولايات المتحدة الأمريكية بالإتحاد الإفريقي جون سايمون، أن فوز الجمهوريين بالأغلبية على الأقل في مجلس النواب تكاد تكون مضمونة مائة بالمائة، والسؤال الوحيد الذي يبقى مطروحا حسب رأيه هو ما مدى اتساع هذه الأغلبية وما مدى قدرة الجمهورين على الفوز بمجلس الشيوخ أيضا بالنظر إلى أن حظوظ المرشحين من الحزبين الديموقراطي والجمهوري متقاربة جدا.
وقال المتحدث في مقابلة مع “الأيام نيوز” أن استحواذ الحزب الجمهوري على غرفة واحدة – مجلس الشيوخ أو مجلس النواب – ستكون كافية لإعطائهم الحق والقوة لفتح التحقيقات التي تحدثوا عنها، ويعتقد المتحدث أنه ولسوء الحظ أصبح فتح التحقيقات حول الخصوم السياسيين، تقليدا في السياسة الأمريكية، مشيرا إلى استحالة إفضائها لشيء إذا لم يستطع الجمهوريون الفوز بالأغلبية في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وبالعودة لما حدث في السنوات الماضية، يقول سايمون، نجد أن الولايات المتحدة وعلى مدار مائتي سنة لم تشهدا أي تحقيق، على عكس ما حدث في الـ 20 سنة الأخيرة التي شهدت عدة تحقيقات ومحاولات لعزل رؤساء.
أما بالنسبة لما قد تفضي عليه التحقيقات التي يعتزم الجمهوريون فتحها، فيرى المحلل السياسي والسفير السابق جون سايمون، أن قضية إبن الرئيس الحالي جو بايدن، من المنتظر أن تكون الأولوية والأهم، ولكن – يقول سايمون – من المستبعد أن تصل لأي نتيجة تدين الرئيس بايدن بشكل شخصي، وبالنسبة لبقية القضايا، يرى جون سايمون، أن التحقيق في سحب القوات الأمريكية من أفغنستان، وقضية التعامل مع ملف جائحة كوفيد-19، لن يخدم الحزب الجمهوري، لأن البحث فيهما سيؤدي لا محالة للتدقيق فيما حدث في فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، بحكم أن بدايات القضيتين تعود لفترة رئاسته، وفيما يتعلق بقضية تأمين الحدود وملف الهجرة غير الشرعية، يعتقد محدثنا أن التحقيق وإن تم فتحه لن يتوصل لحقائق تستحق المتابعة القضائية أو العزل، بل سينتهي إلى أن الأمر لا يعدو كونه سوء تخطيط وسوء تسيير، وبالتالي فعلى أعضاء الكونغرس، يقول جون سايمون الإدراك بأن هكذا تحقيقات ليست الوسيلة الفعالة لتحقيق الأهداف التي يريدون الوصول إليها.