يبدو أن شهر فبراير لن يمر بسلام على سدنة المملكة المخزنية القائمة على تجاهل المطالب الشعبية ومواجهتها بافتعال الأزمات الخارجية والاعتقالات التعسفية، فكما انتفض الشعب المغربي في ذات 20 فبراير من العام 2011، ها هو المخزن اليوم يواجه موجة احتجاجية هي الأكبر على الإطلاق أشبه ب ” العصيان” بعد دعوة عشرات التنظيمات النقابية والهيئات الحقوقية إلى إضرابات عامة ومسيرة ضخمة ابتداء من الخامس فبراير.
أعلنت العشرات من التنظيمات النقابية في المغرب عن شن إضراب وطني عام في القطاعين العام والخاص غدا الأربعاء، لمواجهة الهجوم المخزني على الحريات وإجهازه على الحقوق، وسط تردي غير مسبوق في الوضع المعيشي مع اتساع دائرة الفقر وتغول الفساد الذي استنزف ثروات البلاد.
وفي السياق، أعلن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (المركزية النقابية) الذي يضم عشرات النقابات من مختلف القطاعات، في بيان له، عن شن إضراب يوم الأربعاء، دفاعا عن الحق الدستوري في ممارسة الإضراب باعتباره الوسيلة الوحيدة التي بقت للشغيلة المغربية للدفاع عن حقوقها وتحصينا لمكتسباتها.
وتوقف الاتحاد المغربي للشغل عند “تأزم الوضع الاجتماعي في البلاد، وعجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات لإيقاف نزيف القدرة الشرائية وغلاء منظومة الأسعار، خصوصا تلك المتعلقة بمواد المعيش اليومي للمغاربة”.
ناهيك -يضيف- عن “نهج الحكومة سياسة اجتماعية تكرس الإقصاء من خلال عدة ممارسات، من بينها إفشال جولات الحوار الاجتماعي والتملص من تنفيذ مخرجاته والاستمرار في تجاهل ما يقع للحريات النقابية وانتهاك الحق النقابي، بما فيه الطرد التعسفي للعمال”.
من جهتها، دعت الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد، التي تضم 9 نقابات، كل العمال بالقطاعين العام والخاص الى المشاركة المكثفة في الإضراب العام الذي دعت له يومي 5 و6 فيفري، للتصدي لمشروع قانون الإضراب “التكبيلي” و “التجريمي” والتعبير عن الرفض التام له.
كما وجهت الجامعة الوطنية للتعليم بالمغرب (نقابة) نداء إلى الطبقة العاملة في قطاع التعليم بكافة فئاتها وعموم الأجراء في القطاعين الخاص والعام للمشاركة في الإضراب العام يومي الأربعاء والخميس، للتصدي للقانون التكبيلي للإضراب، والتنديد بالظروف المعيشية وتكميم الأفواه والانتهاك السافر لحرية الرأي والتعبير، وتقييد الدفاع عن الحقوق والمكتسبات والمطالب.
وفي قطاع التعليم دائما، حذرت أربع نقابات، الحكومة المخزنية من أي محاولة للتملص من تنفيذ الالتزامات الموقعة بين الطرفين من خلال “افتعال أزمات وهمية”، مهددة بالتصعيد ودعت إلى رص الصفوف والتعبئة من أجل التصدي لكل محاولات الالتفاف على ما تم توقيعه من اتفاقات بالقطاع.
من جانبها، دعت الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي بالمغرب (نقابة) كل الفلاحين إلى الانخراط القوي والمكثف في هذا الإضراب العام لإنجاح هذه المحطة النضالية، احتجاجا على ما وصلت إليه أوضاع الطبقة العاملة من تدهور كبير جراء السياسات “اللاشعبية” و “اللااجتماعية”.
وأدانت النقابة، “إمعان الحكومة المقصود في السير في هذا المنحى التراجعي الخطير على أوضاع الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية”، منددة بالغلاء المتواصل للأسعار وتجميد الأجور والمخطط التخريبي للتقاعد وضرب مكتسبات المؤمنين، وغيرها من المخططات الحكومية الرجعية.
وفي سياق ذي صلة، أعلنت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمغرب عن مشاركتها في هذا الإضراب الوطني العام، “ردّا على استمرار الحكومة في تجاهل صوت الجماهير الشعبية المكتوية بنيران الغلاء”، داعية كل العمال إلى الانخراط الواسع في الإضراب العام الوطني رفضا للارتفاع المهول في الأسعار اتساع دائرة الفقر والبطالة وارتفاع فاتورة الماء والكهرباء والتسريحات الفردية والجماعية للعمال ودفاعا عن الحق في الإضراب.
اللجنة المغربية لمحاربة الفساد .. صمت عن الفساد والمفسدين
إلى ذلك دعا الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان المنظمات الحقوقية والمدنية في المملكة إلى المزيد من اليقظة والحزم للعمل المشترك من أجل “إسقاط الفساد والرشوة”، مثمنا قرار منظمة “ترنسبرانسي المغرب” الانسحاب من اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد وسط دعوات للاحتجاج الأحد المقبل.
وأوضح الائتلاف المغربي الذي يضم 20 منظمة حقوقية، أن قرار “ترنسبرانسي المغرب” تجميد عضويتها باللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، يرجع إلى أن “المسؤول الأول عنها وهو رئيس الحكومة، تهاون عن أداء وظيفته وتقاعس في تحريك آلياتها وبثّ الحيوية في أعضائها لأداء الأدوار الكبيرة المتمثلة في متابعة تفعيل البرامج الحكومية والاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد وتقديم كل التوصيات والمقترحات وإصدار التقرير السنوي عن حصيلة عملها”.
واعتبر الائتلاف الحقوقي قرار هذه الأخيرة تجميد عضويتها “إعلانا مدويا عن انعدام الإرادة السياسية للدولة المغربية، من خلال رئاسة الحكومة في مواجهة ثقافة الرشوة والفساد، التي تنشر سمومها بشكل واسع في الأوساط الإدارية والقضائية والاقتصادية والمالية والمؤسساتية عموما”.
وأشار الائتلاف إلى أن اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد تأسست في البداية “لدى رئيس الحكومة، لغاية إبعادها عن الحسابات ومنحها استقلالية ومصداقية للإشراف وطنيا على خلق ديناميكية لا حدود لها وسط كل الوزارات وهيئات الحكامة ووسط المجتمع المدني لقيادة عمليات تنظيف وتجفيف منابع الفساد ورسم سياسة عمومية دائمة وحيوية”.
ولفت إلى أن الرئيس السابق للجنة والحقوقي الراحل، عبد العزيز النويضي، دعا رئيس الحكومة مرارا إلى احترام مواعيد اجتماع اللجنة، لكن هذا الأخير تجاهل تنبيه النويضي واختار “عدم الاستجابة له والتجاوب معه، لتصبح اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد لجنة صمت عن الفساد والمفسدين في المغرب ولجنة على رئيس الحكومة الإعلان عن حلها وإطلاق اسم جديد عليها، وهو اللجنة الوطنية للرشوة والفساد”.
وإذ يتضامن الائتلاف المغربي مع الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة ومع “قرارها الشجاع”، فانه يحث القضاء ومؤسساته على تحمل كامل مسؤولياته لإعمال القانون بكل الشفافية والنزاهة والاستقلالية، “التي يجب أن تنهض بها العدالة في البلاد”.
المغرب نحو المجهول..
وفي ساق ذي صلة، أعلنت الجمعية المغربية لحماية المال العام عن تنظيم مسيرة وطنية يوم 9 فيفري الجاري بمدينة مراكش، ضد الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة المخزنية ويكلف المملكة سنويا ما لا يقل عن 5 مليار دولار.
وأكدت الجمعية في نداء الى الشعب المغربي، أن “لوبي الفساد وتضارب المصالح وزواج السلطة بالمال يسعى إلى إغلاق الحقل الحقوقي وتحويل الجمعيات إلى مجرد “كومبارس” وأن لوبيات ومافيات فساد تسعى إلى تعميق مشاعر الغضب والاحتقان ودفع البلد نحو المجهول”
وأضافت: “لوبي ومراكز الفساد يضع اليد على صلاحيات النيابة العامة في مجال مكافحة الفساد ويسعى لتحويلها إلى مؤسسة صورية تنتظر أن يجود عليها المجلس الأعلى للحسابات ببعض التقارير التي ينجزها (12ملفا فقط أحيلت من طرفه خلال سنة 2024 على رئاسة النيابة العامة)”.
واختمت الجمعية نداءها قائلة: “على كل الأحرار والديمقراطيين أن لا يسمحوا لهم بتمرير أجنداتهم الهادفة إلى السطو على مؤسسات الدولة هذا الخطر الداهم”، مشددة على “أننا كلنا معنيون وكلنا مسؤولون ومسيرة 9 فيفري بمراكش هي الفرصة لإسماع صوتكم ضد لصوص المال العام وفضح الفساد والنهب والريع والإثراء غير المشروع”.