انتفضت ضد صورة.. فرنسا المريضة بهاجس الهوية

على الرغم من أن البرنامج الموجه لمكافحة التمييز الذي انتظم مطلع الأسبوع الجاري بعاصمة الاتحاد الأوروبي، بروكسل، يحمل طابعا أوروبيا يتجاوز الدول القطرية، إلا أن أول من تصدى له كان الفرنسيون.

الجدل الذي أثير ما كان ليحدث لو أن الصورة الإشهارية التي روجت لهذا النشاط لم تكن تتعلق بهوية بدأت تجد لها فضاءات واسعة في القارة العجوز، وهي الهوية الاسلامية التي باتت محل تمييز من قبل سياسات وايديولوجيات لا تقبل الآخر.

وتظهر الصورة فتاة أنيقة وهي ترتدي لباسا عصريا يعلوه خمارا يغطي شعر الرأس، وقد كتب على هذه الصورة “حجابي خياري.. الحرية في التنوع”. النشاط يعد الثاني من نوعه منذ نوفمبر المنصرم، وهو برعاية مؤسسات الاتحاد الأوروبي، المجلس والمفوضية والبرلمان، وهو يهدف إلى مكافحة التمييز وعدم المساواة والإقصاء، من أجل تعزيز الإندماج، وكذا احتفاء بالتنوع والحرية الدينية في الاتحاد.

ولأن الهوية الاسلامية كانت حاضرة في المشهد، كرافد من روافد التنوع في المجتمعات الأوروبية، فقد كان المبادرون بالنقد هم بعض السياسيين الفرنسيين الذين لهم حساسية مفرطة من كل ما له علاقة بهوية الجزائريين الذين تحولوا إلى عقدة لليمين واليمين المتطرف في المستعمرة السابقة.

وعلى الرغم من أن الحدث انتظم في بروكسل إلا أن ارتداداته وصلت إلى باريس، حيث غردت مرشحة حزب الجمهوريين، فاليري بيكراس: “بالنسبة لي، الحجاب ليس ثوبًا كأي ثوب آخر ولا وصفة دينية. إنها علامة على خضوع الأنثى. عندما أصبح رئيس الجمهورية لن تخضع أي امرأة. أنا أؤمن بالحرية”.

المرشح اليميني المتطرف إيريك زمور بدوره لم يفوت فرصة ركوب الموجة لإظهار المزيد من الحقد والعنصرية ضد كل ما هو مسلم وبالخصوص جزائري، متوعدا بمزيد من التضييق على الحرية الدينية بالنسبة للمسلمين لو يصبح رئيسا: “تناضل النساء في العديد من البلدان لممارسة رياضتهن بحرية. في فرنسا تود الحكومة أن تخلع الحجاب الإسلامي على أنه حرية. في الملاعب كما في الشوارع، أنا سأحظره لو أصبح رئيسا”.

الحقد ذاته يتقاسمه النائب الأوروبي فرانسوا-غزافييه بلامي، رئيس كتلة حزب “الجمهوريون” اليميني المحافظ الفرنسي في البرلمان الأوروبي، الذي بعث برسالة نصية إلى الرؤساء الثلاثة لمؤتمر “مستقبل أوروبا”، من أجل التنديد بـ ”الخلط المطلق بين التنوع”.

الحراك الفرنسي المعارض للصورة الإشهارية ذات الخلفية الإسلامية، استلهم من حملته السابقة التي استهدفت النسخة الأولى من المؤتمر السابق الذي نظمته مؤسسات الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي، وقد نجح في إسقاط الصورة من موقع النصوص القصيرة، تويتر، في حملة فاحت منها رائحة العنصرية.

النائب الأوروبي اليميني إياه، تساءل في خطابه الموجه للاتحاد الأوروبي: “هل تودون أن يكون مؤتمر مستقبل أوروبا مناسبة لمرحلة جديدة في ترويج المؤسسات الأوروبية للحجاب الإسلامي؟!”

ثم يعقب فرانسوا غزافيي: “بعد التمويل المشترك من قبل المفوضية الأوروبية للحملة تساهم هذه الصورة المرئية الجديدة في إضفاء الشرعية المؤسساتية، من قبل الهيئات الرسمية، عن طريق التمويل العام، لقاعدة دينية محددة للمرأة من قبل سلطات مسلمة. في هذه الصورة، يبدو أن الحجاب يرتدى وفقًا للمتطلبات الصارمة للإسلام الراديكالي، حتى لا يكشف عن خصلة شعر واحدة”.

 وترأس فرنسا حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، ولذلك يشارك كليمان بون، كاتب الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، في رئاسة مؤتمر مستقبل أوروبا نيابة عن المجلس. ولإبعاد الشبهة عن المؤسسة التنفيذية الفرنسية يرفض الخوض في هذا الموضوع: “لا أنوي إثارة الجدل، حتى لو كنت شخصيًا أفضل عدم اختيار هذه الصورة للشابة المحجبة”.

ما صدر عن السياسيين الفرنسيين بشأن مؤتمر “مستقبل أوروبا” يكشف أن فرنسا اليمينية مريضة أكثر من غيرها من الدول الأوروبية بهوية الجالية المسلمة في القارة العجوز، وهي بعد كل هذا وإن حاولت التنصل من الإسلاموفوبيا، فلا أحد سيقتنع بذلك.

غسان ابراهيم

غسان ابراهيم

محرر في موقع الأيام نيوز

اقرأ أيضا