انتقام مبيّت بتواطؤ غربي.. لماذا يريد الكيان الصهيوني التخلّص من “الأونروا”؟

بادرت عدة دول غربية بتعليق تبرعاتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وذلك بعد أن اتهم الكيان الصهيوني، موظفين تابعين للوكالة بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر 2023، وهو قرار “له عواقب وخيمة”، إذ يبيّن أنّ الكيان الصهيوني قرّر الانتقام من الوكالة لأنها كانت تساعد المدنيين الفلسطينيين على مقاومة الموت جوعا، كما أنّ محكمة العدل الدولية، كانت قد أخذت بعين الاعتبار – في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الاحتلال بتهمة ارتكاب جرائم حرب – تقارير وكالة الأونروا حول معاناة الفلسطينيين.

وأوضحت صحيفة ليبراسيون الفرنسية، أنّ أكثر من 10 دول غربية، بينها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والمملكة المتحدة، علّقت التمويل الحيوي لهذه المنظمة المسؤولة منذ عام 1949 عن مصير اللاجئين الفلسطينيين، والتي تعدّ مصدر المساعدات الإنسانية الوحيد لسكان قطاع غزة الذين يتعرّضون لقصف الجيش الصهيوني منذ قرابة الـ4 أشهر، في وقت تهدّد فيه المجاعة 40% منهم.

وقد قامت الأونروا فورا بإنهاء عقود 9 موظفين حدّد الكيان الصهيوني أسماءهم وتوفي آخر ولم يتم التعرف على الباقين، وقد جاء كل هذا بالتزامن مع صدور أمر محكمة العدل الدولية “بقبول” وقوع إبادة جماعية في غزة، ودعوتها إلى ضمان تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين العالقين في قطاع غزة.

وتحدّث الخبير السياسي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، جان بول شانيولود، عن دور الأونروا الذي لا غنى عنه في حياة 6 ملايين من اللاجئين الفلسطينيين، مليونان منهم بغزة، مشيرا إلى أنّ اليمين الصهيوني كان دائما معاديا لهذه الوكالة، وقد قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب الدعم المالي لها، ولكن خلفه جو بايدن أعاده.

لكن ما وراء الجانب المالي – كما يقول الخبير – دائما السؤال السياسي: كيف نجعل مسألة اللاجئين الفلسطينيين تختفي؟ لأن هذا هو المنطق الذي كان سائدا قبل السابع من أكتوبر، حين كانت سلطة الاحتلال تستعد لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية، قبل أن تحيي الحرب الجارية فكرة القضاء على الأونروا.

موقفان متناقضان

ومع أننا لا ندري ما التهمة الموجهة إلى موظفي الأونروا، إلا أنّ السرعة التي أوقفت بها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تمويلها تثير تساؤلات، لأن إضعاف الأونروا اليوم سخيف وخطير، وهو أيضا دعم ضمني لموقف الحكومة الصهيونية والهجوم العنيف الذي تقوده في القطاع.

وأشار الخبير بشؤون الشرق الأوسط إلى أنّ الأوروبيين اتخذوا موقفا واضحا إلى حد ما يدعم تنفيذ الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، ولكن لدينا انطباع بأن بعض الدول مثل ألمانيا أرادت على الفور “إعادة التوازن” لهذا الموقف من خلال تعليق تمويل الأونروا في أعقاب الاتهامات الصهيونية السخيفة.

ويبدو الموقفان – بالنسبة إلى الخبير – متناقضين، إذ لا يمكن دعم الحاجة الملحة لمزيد من التدابير الإنسانية من ناحية، وقطع الأموال عن الأونروا التي تقدم هذه المساعدات في عين المكان من ناحية أخرى، ولأن ضرب هذه الوكالة يتعارض مع ما طلبته محكمة العدل.

وفي الوقت الذي تخلى فيه العالم عن السكان الفلسطينيين بشكل كامل، فإن وجود الأونروا في عين المكان يعيق الإستراتيجية الصهيونية التي تريد “تدمير كل شيء” كما قال وزير الدفاع الصهيوني بوضوح، خاصة أن الكيان اليوم – كما يرى الخبير – يريد تصفية القضية الفلسطينية وإخراج الفلسطينيين من قطاع غزة، والأونروا هي الضحية الجانبية لهذه الإستراتيجية.

وعبّر الخبير بشؤون الشرق الأوسط عن خشيته من أن يؤدي قرار قطع التمويل عن الأونروا إلى تعزيز فكرة طرد الفلسطينيين من غزة، مستنتجا أن اصطفاف الغربيين مع المواقف الصهيونية تجاه الأونروا “علامة على تناقضاتنا وضعفنا في الدفاع عن القانون”.

ضغوط صهيونية

من جهتها، سلّطت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الضوء على تحذيرات الأمم المتحدة من انعكاسات إعلان دول تعليقها تمويل وكالة الأونروا على سكان قطاع غزة، وجاء – في تقرير الصحيفة – أنّ الأمم المتحدة تعتمد في أزمات أخرى عبر العالم على وكالات متعددة تنشط على الأرض، لكن الوضع في غزة مختلف تماما، فالأونروا – يضيف التقرير – هي الوكالة الوحيدة العاملة هناك وسيكون من الصعب على جهة أخرى أممية تعويض دورها في ظرف وجيز بينما الصراع مستمر.

في الأثناء، واصلت سلطة الكيان ضغوطها على الوكالة الإغاثية، إذ طالب وزير خارجيتها يسرائيل كاتس باستقالة المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني، كما طالب بانضمام مزيد من الدول إلى حملة وقف تمويل الأونروا، وفي المقابل، أدانت حركة حماس بشدة حملة التحريض الصهيونية “ضد المؤسسات الأممية التي تسهم في إغاثة شعبنا الذي يتعرض لإبادة جماعية”.

وقد حذّر المفوض العام لأونروا فيليب لازاريني يوم السبت الماضي من انهيار تقديم المساعدات لملايين المحتاجين في غزة، وقال إن قيام 9 دول بتعليق تمويلها للوكالة يهدّد عملها الإنساني المستمر في جميع أنحاء المنطقة، وتحديدا في قطاع غزة.

وقال لازاريني في بيان “إنه لأمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين” لا سيما في ضوء التدابير التي اتخذتها الوكالة الأممية، التي “يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة”، وشدد على أن “هذه القرارات تهدد العمل الإنساني الجاري حاليا في المنطقة خاصة في غزة”، وأكد أنه لم يكن الفلسطينيون في قطاع غزة بحاجة إلى هذا العقاب الجماعي الإضافي.

من جهته، قال وكيل الأمين العام الأممي للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إن سكان غزة يعانون من أهوال وحرمان لا يمكن تصوره، والوقت غير مناسب لخذلانهم، وبدوره اعتبر زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن انضمام بريطانيا إلى دول أخرى في تعليق تمويل الأونروا عقاب جماعي، وأكد أنه على حكومة بريطانيا الخجل من انحطاطها الأخلاقي تجاه الفلسطينيين.

واقع إنساني مرير

وتقول وكالة الأناضول إن هذه التطورات تأتي في وقت يعيش فيه المدنيون في قطاع غزة واقعا إنسانيا مريرا، والمجاعة تهدّد محافظتي غزة والشمال، وقبل أيام، حذرت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة من أن نحو 600 ألف مواطن شمالي قطاع غزة يواجهون الموت نتيجة المجاعة وانتشار الأمراض والقصف الصهيوني، وحسب وكالة الأنباء الألمانية، فإن الأونروا تدير مراكز إيواء لأكثر من مليون شخص وتوفّر الغذاء والرعاية الطبية الأساسية.

يذكر أن الأونروا تأسست في ديسمبر 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد تأسيس السرطان الصهيوني على أرض فلسطين، لتخلف “برنامج الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين” الذي تم تأسيسه في العام السابق.

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الأونروا في غياب أي جهة أخرى ذات صلاحية، الهيئة الوحيدة الضامنة للوضع الدولي للاجئين الفلسطينيين كما تقول وكالة الصحافة الفرنسية، والتي تشير إلى أن موظفي الوكالة يبلغ عددهم 30 ألفا، يعمل 13 ألفا منهم في قطاع غزة موزعين على أكثر من 300 منشأة.

تهديدات صهيونية مسبقة

والمعلوم أن الوكالة كانت تثير غضب الكيان الصهيوني خلال عدوانه على غزة، فقد تدهورت العلاقة بين الجانبين، إذ قالت الوكالة في أكثر من مرة إن الاحتلال يستهدف أهدافا مدنية، بما في ذلك مدارسها ومراكز الإسعاف، وكانت محكمة العدل الدولية، قد أخذت في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الاحتلال بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تقارير وكالة الأونروا حول معاناة الفلسطينيين.

وأشارت المحكمة إلى تقرير الأونروا الذي قالت فيه إن “القصف مستمر على غزة وتسبب بنزوح كبير للسكان وأجبروا على مغادرة منازلهم إلى أماكن ليست أكثر أمنا وقد تضرر أكثر من مليوني شخص وسيتضررون نفسيا وبدنيا والأطفال مرعوبون”، وتملك تقارير الوكالة مصداقية كبرى عند الحديث عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في غزة، وهو ما أثار حفيظة سلطة الاحتلال وجعلها أكثر رغبة في التخلص من الوكالة ودورها.

وعبّر عن ذلك وزير الخارجية الصهيوني يسرائيل كاتس بقوله “إن سلطة الكيان ستسعى إلى منع وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين من العمل في غزة بعد الحرب”، وأضاف كاتس: “لقد كنا نحذّر لسنوات من أنّ الأونروا تديم قضية اللاجئين، وتعرقل السلام، وتعمل كذراع مدنية لحماس في غزة”.

وقال كاتس: “الأونروا ليست هي الحل”، متهما العديد من موظفيها بأنهم تابعون لحماس وينفذون أيديولوجيتهم، ودعا كاتس إلى تغيير الأونروا بوكالة “تكرّس عملها للسلام والتنمية الحقيقيين”، حاثا دول العالم بأن تحذو حذو الدول التي علّقت تمويلها للأونروا.

ولطالما جادلت الجماعات اليمينية الموالية للكيان في الولايات المتحدة والجمهوريون بإلغاء تمويل الوكالة، وقالوا إن تفرّدها بملف اللاجئين الفلسطينيين، ومنحها وضع اللاجئ ليس فقط للجيل الأول من اللاجئين (وقت النكبة 1948) ولكن لأحفادهم، يديم الصراع وثقافة الاعتماد بين الفلسطينيين، وقد اتهمت السلطة الفلسطينية، سلطة الاحتلال بالقيام بحملة تحريض “تهدف إلى تصفية الوكالة”.

والسؤال الذي يجب طرحه الآن: هل سيسمح العالم للاحتلال بإنهاء عمل الوكالة خاصة بعد ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نقلا عن مسؤول رفيع في الأمم المتحدة، من أنّ فقدان الأونروا التمويل يمكن أن يكون له تأثير سريع على عمليات المنظمة، لأنها على عكس الوكالات الأخرى ليس لديها احتياطي مالي إستراتيجي، وأشار المسؤول إلى أنّ الأمم المتحدة تشعر بالقلق بشكل خاص إزاء تمويل ملاجئ الأونروا البالغ عددها 150 ملجأ والتي تؤوي نحو مليون و200 ألف نازح في غزة وحدها.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
تراجع احتياطي الغاز في أوروبا إلى أقل من 50 بالمائة أقرضت فرنسا القمح.. ستورا يرد على تطاول زمور على الجزائر نقابة شبه الطبي ترفع مقترحاتها حول القانون الأساسي لوزير الصحة حوادث المرور.. 3 قتلى خلال يوم واحد وزير الخارجية يحل بسوريا في زيارة رسمية صحيفة إسبانية تحذف مقالا عن تفاصيل خطيرة كشفها نائب مدير المخابرات المغربية السابق إليكم ما جاء فيه توحيد الرؤى حول القضايا المشتركة محور نقاش بين وزير الاتصال ورئيس غانا مناصفة مع نظيره التونسي.. الوزير الأول يحيي ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف لأول مرة.. حماس تُسلّم 3 أسرى إسرائيليين من وسط قطاع غزة هذه توقعات حالة الطقس لنهار اليوم السبت محامية من أصول جزائرية تحرج وزير الداخلية على المباشر بشأن الحجاب تحذير أممي من اتساع رقعة العنف في الكونغو الديمقراطية ستورا: موقف فرنسا من الصحراء الغربية قد يعمّق التوتر مع الجزائر تصدير 27 ألف طن من المسطحات الحديدية نحو تركيا أول رد من المحكمة الجنائية الدولية على عقوبات ترامب حوادث المرور.. 4 قتلى خلال يوم واحد بلاغ هام للراغبين في أداء مناسك العمرة القضاء الفرنسي يصفع اليمين المتطرف.. ما القصة؟ طقس.. أمطار رعدية غزيرة على هذه الولايات أسعار النفط ترتفع بعد تصريحات ترامب