يتزايد اهتمام العالم بضرورة تأمين إمدادات الغاز بسبب تبعات الحرب الروسية – الأوكرانية، الأمر الذي يجعل قمة الجزائر ذات أهمية في رسم معالم السوق مستقبلاً، والعلاقة التي ستربط بين الفاعلين من منتجين ومستثمرين ومستهلكين، وقد أكّد خبراء في ميدان الطاقة من جامعات متعدّدة – على الصعيدين الوطني والدولي – أنّ القمة السابعة لمنتدى الدول المصدّرة للغاز، التي تفتتح أشغالها اليوم الخميس 29 فيفري وتستمر إلى غاية 2 مارس، تعكس بوضوح أهمية ومكانة الجزائر البارزة في صناعة وتصدير هذه الطاقة على مستوى العالم، ومن المتوقّع أن تترتّب عليها تأثيرات إيجابية على مختلف الجوانب والأبعاد.
وتضع قمّة منتدى الدول المصدّرة للغاز بالجزائر، التوجّه نحو ترسيخ العقود الآجلة ودراسة الأسعار والاستثمارات في مورد الطاقة، ضمن المواضيع البارزة التي سيناقشها المشاركون بهدف تحقيق استقرار في الأسواق، وسط آمال كبيرة في إمكانية أن يخرج المنتدى بقرارات قادرة على تحقيق هذا الهدف، بما يساعد على ضمان التوافق بين المنتجين والمستهلكين.
وأكّد وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، في حوار لوكالة الأنباء القطرية، نشر يوم الثلاثاء، أنّ “التعاون المشترك بين الدول المنتجة سيكون من أبرز الملفات المطروحة في جدول الأعمال ومحور اهتمام القمة، بحيث ستكرّس المناقشات جلّ اهتماماتها لبحث آليات هذا التعاون لضمان الأمن الطاقوي العالمي، وأهمية تأمين العرض والطلب، وخدمة المصلحة المشتركة، عبر عقود تجارية طويلة الأجل وتعزيز الجهد المشترك في مجال الاستثمار وتمويل المشاريع المستقبلية”.
كما أشار الوزير إلى أنّ قمة الجزائر (29 فيفري إلى 2 مارس) ستبحث كيفيات مواكبة الدول المنتجة للتحوّل العالمي نحو مصادر الطاقة المستدامة، وذلك بالتأكيد على الدور الإيجابي الذي سيلعبه الغاز الطبيعي في الانتقال الطاقوي، إضافة إلى التأكيد على “ضرورة حماية الأسواق العالمية للغاز من كل أنواع التدخلات والأطر التنظيمية التي من شأنها تغليب مصلحة طرف على آخر – التي قد تنتج على المدى المتوسط والبعيد – الإضرار باستقرار وتوازن الأسواق وأمنها”.
وحسب عرقاب، سيتم خلال هذه القمة “تقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء حول التحديات والفرص المختلفة التي تواجه صناعة الغاز، سيما في إدارة العرض والطلب”، واصفا هذه القمة بـ”قمة التحديات الكبرى” بالنظر إلى الظروف والمتغيّرات الهامة على المستويين الإقليمي والدولي.
حدث إستراتيجي
وإلى جانب المتغيّرات والأزمات في أوروبا والشرق الأوسط على المستوى الإقليمي، أشار عرقاب إلى التحديات الدولية على غرار تداعيات أزمة كوفيد-19، والتكيّف مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ في ظلّ تزايد الضغوط على تعجيل الحوار حول أهداف انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة والحدّ من استعمال الطاقة الأحفورية. ولفت الوزير إلى الدور المتزايد للغاز الطبيعي في المزيج الطاقي العالمي، الأمر الذي يبرز، حسبه، أهمية عقد مناقشات مفصّلة ودعم التعاون بين الدول المصدّرة للغاز لضمان نجاح الانتقال الطاقوي.
وأشار عرقاب إلى أنّ انعقاد قمة المنتدى بالجزائر “يمثّل حدثا إستراتيجيا ذا أهمية قصوى في مجال الطاقة، إذ ستسعى الجزائر إلى تعزيز الشراكة بين الدول من أجل الحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالغاز، لتعزيز مكانتها والدور الذي يمكن أن تلعبه في إطار الحلول المستدامة للطاقة المستقبلية”.
وكشف الوزير عن “العدد المتزايد” للدول المنتجة للغاز الطبيعي التي تريد الانضمام إلى عضوية المنتدى للحصول على صفة “مراقب”، فيما تقدّمت دول أخرى بطلبات للانضمام إلى عضوية المنتدى الكاملة، وهو ما يعكس، حسبه، “رغبة هذه الدول في الاستفادة من الفرص والمزايا التي يوفّرها المنتدى لدوله الأعضاء”، مؤكّدا أنّ السلطات العمومية وفّرت كافة الإمكانيات وهيّأت الظروف اللازمة لاستقبال جميع الوفود والمنظمات والهيئات الرسمية، متوقّعا “نجاح هذه الدورة على كل المستويات”.
منصة عالمية للحوار والتشاور
ويجمع خبراء الطاقة على أنّ أهمية هذه القمة تكمن في انعقادها ضمن أوضاع دولية تتميّز بتحوّلات “جيو – سياسية” رفعت من الطلب على الغاز، منها الأزمة في أوكرانيا والعدوان الصهيوني على قطاع غزة التي تجعل إعادة هيكلة سوق الغاز عالميا وتأمين استقرار السوق بخلق توازن بين الدول المنتجة والمستهلكة، من أكبر تحديات قمة الجزائر.
كما اتفقوا – في تصريحاتهم – على أنّ اجتماع كبار منتجي الغاز في العالم، سيعزّز مكانة هذا المنتدى كمنصة عالمية للحوار والتشاور والتنسيق بين الدول المنتجة والمستهلكة ويفتح آفاقا واسعة للتعاون في البحث والتكنولوجيا الخاصة بالغاز الطبيعي، وتوسيع دور هذا المورد الحيوي في تحقيق الأمن الطاقوي.
وترى الخبيرة في مجال الغاز من كلية المحروقات والكيمياء بجامعة بومرداس، سعيدة يسبع، أنّ قمة الجزائر ستكون “أكبر فضاء عالمي يمكن للمشاركين فيه تبادل الأفكار والتجارب في عدة مجالات كاستقرار السوق العالمي ونقل الابتكار التكنولوجي وتطوير الاستدامة في صناعة الغاز”. وأضافت أنّ للجزائر “مكانة هامة وبارزة عالميا” في مجال الغاز الطبيعي، فهي “من أكبر المنتجين في العالم وتتمتع بقدرات كبيرة في التصدير والنقل من خلال شبكة متطوّرة تواكب تعاقدات التصدير المبرمة مع عدة دول عبر العالم”.
بدوره، أكّد البروفيسور عبد العظيم بن صغير، عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية لجامعة بومرداس، أنّ الجزائر “دولة مالكة لقرارها وذات سيادة واختارت الحياد في قضايا دولية كثيرة قياسا بدول أخرى منتجة ومصدّرة للغاز”، وبالتالي فإنّ القمة، كما قال، ستكون “ناجحة بالنظر إلى علاقات الجزائر الدولية وسمعتها الجيدة دوليا وإقليميا، إضافة إلى مكانتها المرموقة وسط الدول المنتجة والمستهلكة للغاز الطبيعي”.
نحو إرساء رؤية استشرافية
أما المختص في الطاقات المتجددة، بن يوسف عبد الله، من جامعة تلمسان، فيرى في قمة الجزائر “فرصة ثمينة قد تساهم في تحديد إستراتيجيات ناجعة” للغاز مع الطاقات المتجدّدة، مبرزا أنّ موضوع إنتاج الهيدروجين الأخضر سيكون واحدا من بين المواضيع التي ستتطرق لها هذه القمة. واعتبر بن يوسف أنّ انعقاد القمة سيعطي للجزائر “صدى عالميا ويجعلها في الصفوف الأولى الرائدة في المشهد الطاقوي العالمي”.
من جهته، أشار رشيد حناوي، من مخبر البحث للعلوم الاقتصادية بجامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان، إلى أنّ “الغاز يشكّل المورد الأساسي للتنمية الشاملة والمستدامة وله دور كبير في الانتقال الطاقوي”، متوقعا أن تأتي القمة بالجديد فيما يتعلّق بتطوير تكنولوجيات استغلال الغاز وتوظيفه في مجال الطاقات المتجددة “الصديقة للبيئة وغير المكلّفة”.
أما الخبير الاقتصادي لعلا رمضاني، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة عمار ثليجي بالأغواط، فيؤكّد أنّ القمة “حدث دولي بارز يعكس أهمية المكانة الريادية التي تتمتع بها الجزائر في أسواق الطاقة على الصعيد العالمي”، خاصة أنّ الجزائر، كما قال، “صارت ثاني مورّد للغاز إلى أوروبا بحوالي 26 مليار متر مكعب بعد النرويج وذلك عقب الأزمة الأوكرانية التي أدت إلى تراجع الإمدادات الروسية نحو أوروبا الغربية خاصة”.
بدوره، يرى الباحث في العلاقات الدولية من الجامعة ذاتها، البروفيسور علي بقشيش، أنّ أهمية القمة تكمن في كونها تصبّ في اتجاه مساعي المنتدى لاستحداث منظمة مشابهة لمنظمة الدول المصدر للبترول (أوبك)، معتبرا إياها فرصة لدعم الدبلوماسية الطاقوية، كون الغاز، كما أكد، “ورقة سياسية في غاية الأهمية في سبيل تحقيق أهداف سياسية واقتصادية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى”.
انطلاقة جديدة ونقطة تحوّل
من جهته، أكّد الدكتور عزاوي عبد الباسط، وهو أستاذ في تخصّص الاقتصاد بجامعة أمين العقال الحاج موسى “آق أخاموك” بتمنراست، أنّ القمة فرصة “حقيقية” لإرساء رؤية استشرافية حول إنتاج وتسويق الغاز تمتد إلى آفاق 2050، وأنّ ما سيترتّب عنها من قرارات سيساهم في دعم فرص درّ مداخيل معتبرة لفائدة الدول المصدّرة للغاز، كما ستساعد على إنشاء تحالف قوي بينها لفرض شروط جديدة على السوق.
وسجّل بالمناسبة، أنّ الجزائر التي تعدّ قطبا إستراتيجيا في سوق الغاز، “بإمكانها القيام بأدوار هامة لدعم منظمة الدول المصدّرة للغاز، خاصة أنّها تمتلك عاشر أكبر احتياطي عالمي للغاز، وستظلّ المموّن الأساسي لأوروبا بالغاز”، متوقّعا أن يرتفع ترتيبها “بشكل أكبر مستقبلا استنادا إلى عدة مؤشرات”. وقال إنّ القمة ستعمل كذلك على تعزيز سيادة الدول المصدّرة للغاز على مواردها وتحقيق تكامل وتعاون بينها ضمن رؤية مبنية على مبادئ التنمية المستدامة.
وأكّد أنّ أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى الجزائر سيساهم في ترقية سوق الغاز الطبيعي، إذ سيسمح بتنويع إمدادات الغاز نحو أوروبا، وهو فرصة “حقيقية” لتحقيق التنمية على مستوى الدول الإفريقية الثلاثة التي يمر عبرها وهي نيجيريا والنيجر والجزائر، من خلال تحقيق مداخيل مترتبة على مروره بها وتوفير مناصب عمل لشريحة كبيرة من مواطني هذه الدول.
أما عميد كلية العلوم الاقتصادية والتجارية والتسيير بجامعة وهران-2 “محمد بن أحمد”، الخبير الاقتصادي فاروق تشام، فيؤكّد أنّ القمة “ستعزّز مكانة الجزائر الرائدة ومصداقيتها مع شركائها من الدول” في مجال الغاز وبإمكانها أن تكون “انطلاقة جديدة ونقطة تحوّل لسوق الغاز العالمية التي سيتم ضبطها وتنظيمها بعيدا عن الضغوطات التي تمارسها الدول الكبرى”.
واعتبر البروفيسور بجامعة ورقلة والخبير في الشأن الاقتصادي بن الحبيب محسن، أنّ القمة محطة هامة في سبيل سعي الدول الأعضاء إلى الذهاب نحو استقرار سوق الغاز العالمية وضمان إمدادات مستقرة من الغاز الطبيعي بأسعار عادلة في ظلّ التحوّلات والتحديات التي تواجه صناعة الغاز الدولية وتنافس دول جديدة كالولايات المتحدة على حصة في السوق. وقال إنّ الغاز يشكّل حوالي 23% من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي، ومن المتوقع أن يزداد الطلب عليه بنسبة 25% بحلول عام 2040 في ظلّ التحوّل نحو مصادر طاقة أنظف.