بإرادة أحرار العالم وبقيادة الجزائر وجنوب إفريقيا.. اليوم وغدا.. يوم تُجرّ “إسرائيل” إلى قفص الاتهام جرّا

بمجرد أن تبوّأت الجزائر مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام ورقة “اللوائح”، متهمة الجزائر بأنها مقصرة في مجال “الحريات الدينية”، كنوع من الضغط حتى لا تستغل الجزائر عهدتها في المجلس الأممي لفتح الملفات التي تزعج واشنطن، ومن ورائها الكيان الصهيوني. لكن، ما حدث هو أن الجزائر طالبت بعقد جلسة مفتوحة لمجلس الأمن يوم الجمعة بشأن خطر التهجير القسري الذي يتعرض له سكان غزة جراء ممارسات الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين، بدوافع دينية عنصرية، وذلك على مرأى ومسمع واشنطن التي لم تتخذ أي موقف ردعي ضد الكيان، بل على العكس من ذلك؛ إذ استخفّت بالدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا لمقاضاة الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية.

اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أمس الأربعاء، أن المواقف الأمريكية من الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا لمحاكمة (إسرائيل) في محكمة العدل الدولية، “استخفاف” بالقانون الدولي، وقالت الحركة – في بيان – إن “المواقف التي عبّر عنها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من دعوى جنوب إفريقيا والمواقف الأمريكية في هذا الشأن هي محاولة لتعطيل أدوات العدالة الدولية عن القيام بدورها، في إطار دعمها الكامل للمجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في القطاع”.

وفي السياق، دعت حماس “الإدارة الأمريكية – مجددا – إلى التوقف عن سياساتها التي تطيل أمد العدوان، والإبادة المرتكبة في قطاع غزة”، وطالبت الحركة واشنطن “بالعمل فورا على وقف هذا العدوان الإجرامي، والكف عن العبث بالقوانين والأنظمة الدولية، لصالح كيان الإرهاب وجرائم الحرب الصهيوني”، بحسب البيان.

وكان بلينكن قد قال، يوم الثلاثاء، في ختام مباحثات أجراها مع مسؤولين لدى الكيان، إن دعوى جنوب إفريقيا “تشتت جهود احتواء التصعيد” في قطاع غزة، وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعتقد أن “دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد الكيان أمام محكمة العدل الدولية بلا أساس”.

ومن المقرر أن تبدأ محكمة العدل الدولية، اليوم الخميس، الاستماع إلى مواقف جنوب إفريقيا والكيان الصهيوني على مدى يومين، بهدف محاكمة “تل أبيب” على ارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان قاس منذ أكثر من 3 أشهر.

لكن صحيفتي “لوموند” الفرنسية و”لوتان” السويسرية ـ ومن زاوية مختلفة ـ تناولتا شكوى “الإبادة الجماعية” التي تقدمت بها جنوب إفريقيا ضد الكيان أمام محكمة العدل الدولية، التي ستعقد جلسات الاستماع فيها اليوم الخميس وغدا الجمعة، فقدمت “لوموند” عناصر الشكوى بالشرح والتفصيل، في حين رأت “لوتان” أن ما قدمته جنوب إفريقيا قد يكون مدمرا للكيان.

انحراف ثم سقوط

وافتتحت “لوموند” تقريرها بأن هذه الشكوى بالنسبة إلى الكيان وغالبية الإسرائيليين تعد انحرافا وأمرا محزنا، لأن سلطة الكيان قامت في أعقاب (ما يسمونها) المحرقة، وها هم يجدون أنفسهم متهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة! وفي المقابل، يشكل هذا الإجراء للفلسطينيين اليائسين في غزة فرصة لتسليط الضوء على المحنة التي يعيشونها بعد استشهاد 23 ألف شخص وإصابة 59 ألفا خلال 3 أشهر من القصف المدمر.

ومع أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن يقرر القضاة بلاهاي في موضوع الدعوى، فإن جنوب إفريقيا تطالبهم باتخاذ “إجراءات احترازية” لوقف الجرائم الجارية في الأراضي الفلسطينية، ولكن المحكمة لا تملك الوسائل لتنفيذ قراراتها الملزمة، وربما تستخدم الولايات المتحدة – التي تدعم الكيان في عدوانه – حق النقض إذا طلبت المحكمة فرض عقوبات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

موقف واشنطن المخزي

من جهتها، أشارت “لوتان” إلى أن الخارجية الأمريكية وصفت الشكوى المقدمة ضد الكيان بأنها “لا أساس لها من الصحة”، واعتبرتها ذات دوافع سياسية، علما أن التدابير الأولية بالمحكمة يمكن أن تكون ذات أهمية رمزية كبيرة، وستعقد جلسات الاستماع للشكوى -التي قدمتها جنوب إفريقيا يوم 29 ديسمبر 2023، بشأن انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها- أمام محكمة العدل الدولية يومي 11 و12 جانفي بقصر السلام في لاهاي.

وفي الوثيقة التي أرسلتها، تحثُّ جنوب إفريقيا المحكمة على أن تأمر الكيان الصهيوني “بالوقف الفوري لجميع الهجمات العسكرية التي يمكن أن تشكل أعمال إبادة جماعية، ووقف القتل والتسبب في أضرار نفسية وجسدية خطيرة للفلسطينيين في غزة، وعدم فرض ظروف معيشية يمكن أن تؤدي إلى التدمير الجسدي” لسكان غزة.

تجرّد من الإنسانية

ويمكن تصنيف هذه الجرائم الثلاث قانونا على أنها إبادة جماعية، إذا ارتكبت بقصد القضاء على الفلسطينيين في غزة – كما تقول الصحيفة- فمثل هذه النية، التي تعد عنصرا حاسما في توصيف جريمة الإبادة الجماعية، يتجلى بالنسبة إلى جنوب إفريقيا “على أعلى المستويات”، وأوردت الوثيقة المؤلفة من 84 صفحة تصريحات “مجردة من الإنسانية” أدلي بها على أعلى المستويات من قبل رئيس الدولة ورئيس الحكومة والعديد من الوزراء وكبار المسؤولين لدى الكيان.

وذكرت “لوموند” بوصف رئيس وزراء سلطة بنيامين نتنياهو الحرب أمام الكنيست بأنها “صراع بين أبناء النور وأبناء الظلام، بين الإنسانية وشريعة الغاب” وبقول وزير الدفاع يوآفغ الانت “نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف على هذا الأساس”، مضيفا “نفرض حصارا كاملا على غزة.. لا كهرباء ولا ماء ولا غاز، كل شيء مغلق”.

وتستشهد الوثيقة أيضا بصحفيين وضباط سابقين ومسؤولين منتخبين، دون سلطة على إدارة الحرب، إضافة إلى تعليقات وزراء اليمين الديني المتطرف الذين يواصلون الدعوة إلى التطهير العرقي في غزة، ويرى معسكرهم السياسي في “طوفان الأقصى” والحرب الدائرة ما يسمونه فرصة تاريخية لتحقيق “الإرادة الإلهية”، من خلال طرد الفلسطينيين من جزء من الأرض المقدسة.

ومع أن خطاب هؤلاء الذي يحمل إيحاءات إبادة جماعية، ليس خطاب الجيش ولا الحكومة، فإنه “لا النظام القضائي ولا السلطة السياسية عاقبت أولئك الذين يلقون مثل هذه الخطابات، ما يميل إلى تعزيز حجج جنوب إفريقيا”، كما يقول بأسف المحامي الإسرائيلي والمدافع عن حقوق الإنسان، مايكل سفارد.

ويطالب المحامون في جنوب إفريقيا، أيضا، بتمكين سكان غزة من الحصول على المساعدات الإنسانية دون قيود، في وقت خففت سلطة الكيان حصارها قليلا الأسابيع الأخيرة. وأخيرا، يطالب هؤلاء بتمكين خبراء من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومحققين من المحكمة الجنائية الدولية من دخول غزة.

ومع أن القضاة غير ملزمين بالتدابير التي طلبتها بريتوريا – حسب “لوموند”- ويمكنهم أن يقرروا رفضها أو إصدار غيرها، وأنهم لا يتقيدون بأي موعد نهائي، فإن هذا النوع من القضايا تكون المداولات فيه سريعة، إذ لم يستغرق الأمر 9 أيام حتى أصدر القضاة في لاهاي أمرا ضد روسيا، في أعقاب شكوى قدمتها أوكرانيا بداية العملية العسكرية الروسية في أراضيها.

ولم تنضم أي دولة – حتى الآن – رسميا إلى جنوب إفريقيا، ولكن العديد من الدول شجبت الإبادة الجماعية، كالجزائر وبوليفيا والبرازيل ودول أخرى، حتى أن عوفر كاسيف النائب في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) وقع الشكوى مع 200 من الإسرائيليين، رغم أن الخارجية الصهيونية تقول إن “اتهام الكيان بالإبادة الجماعية لا أساس له من الصحة في الواقع والقانون، وهو أمر بغيض أخلاقيا” قبل أن تصفه بأنه “معاد للسامية”.

قلق صهيوني

وأشارت “لوموند” إلى أن سلطة الكيان، هذه المرة، لم تقاطع المحكمة، وبعد يومين من جلسات الاستماع والقرار المرتقب للقضاة، يمكن أن تبدأ مرحلة إجرائية أكثر تقنية، يمكن للكيان خلالها الطعن باختصاص المحكمة في هذه القضية، وسيتعين على جنوب إفريقيا والكيان بعد ذلك تقديم مذكراتهما المكتوبة قبل تنظيم جلسات الاستماع بشأن الأسس الموضوعية.

من جانبها، ركزت “لوتان” على أن شكوى جنوب إفريقيا قد تكون مدمرة للكيان، ورأت أن إثارة رئيس الكيان الصهيوني، إسحاق هرتسوغ، هذه القضية أمام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، دليل على القلق المتزايد بين مسؤولين الكيان، خاصة أن له تصريحات تعتبرها بريتوريا تحريضا على الإبادة الجماعية، حين قال إن “الأمة الفلسطينية بأكملها هي المسؤولة” عن الجرائم التي ارتكبتها حماس” ودعا إلى “كسر عمودها الفقري”.

وأشارت الصحيفة إلى أن اتهام الكيان بانتهاك المعاهدة -التي اعتمدتها أغلبية ساحقة من الدول عام 1948 في أعقاب الجرائم التي ارتكبها النازيون- ليس بالأمر السهل أن تتقبله سلطة الاحتلال، وهي تستعد لإثبات أن بريتوريا تستخدم القانون الدولي لتحقيق أهداف سياسية، خاصة أن جنوب إفريقيا تعرضت لتوبيخ شديد من قبل محكمة أخرى في لاهاي عام 2017 لرفضها اعتقال الرئيس السوداني السابق عمر البشير المتهم “بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب” في دارفور.

الجزائر وجنوب إفريقيا دولتان مرتبطان بتاريخ نضالي كبير في مجال الدفاع عن الحرية، وبالمقال تشترك “تل أبيب” وواشنطن في تاريخ إجرامي لا مثيل له، لكن التاريخ لا يتحرك بعبثية، فغدا الجمعة ستكون سلطة الكيان محل مساءلة في محكمة العدل الدولية وموضوع نقاش في مجلس الأمر بإرادة كل من الجزائر وبريتوريا.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا