ومنذ «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023، سجل عدد الوصفات الطبية الجديدة للحشيش أو “القنّب” الطبي ارتفاعا بنسبة 250 %، مع ملاحظة قفزة عالية في نطاق استخدامه في أوساط الإسرائيليين خلال العدوان.
وإلى جانب ارتفاع الوصفات الطبية للقنب الطبي الصادرة عن مراكز وعيادات صناديق المرضى الرسمية التابعة لوزارة الصحة الصهيونية، وزع متطوعون هذا القنب على آلاف “الناجين” من أحداث 7 أكتوبر والنازحين من مستوطنات “غلاف غزة”.
تأثيرات جانبية
وكُشف النقاب عن هذه المعطيات في تحقيق استقصائي أجراه الموقع الإلكتروني «زمان يسرائيل»، إذ وثّقت إفادات بعض الأطباء الذين يعالجون مستوطنين مصابين بما بعد الصدمة، وشهادات العديد من هؤلاء عن تحسن كبير بفضل استخدام الحشيش الطبي.
ورغم تحسن الحالة النفسية لمن أصيبوا بالصدمة جراء تناول هذه العقار، فإن بعض الأطباء والمعالجين يرون في الإفراط في تناوله خطأ يضر المرضى، ومن شأنه أن يتسبب بمضاعفات وتأثيرات جانبية. وعارضت وزارة الصحة الصهيونية استخدام الحشيش الطبي أثناء معالجة أحداث الصدمة وتحاول الحدّ منه.
وخلال الأسابيع الأولى من الحرب، تطوعت شولي كوهين، من مستوطنة سديروت بالجنوب، لتوزيع الحشيش الطبي على سكان “غلاف غزة”، قائلة للموقع الإلكتروني إن “الآلاف من سكان الغلاف الذين كانوا يتعاطونه بانتظام ظلوا عالقين دونه وبلا وصفات طبية لشرائه”، وأوضحت أنها شاركت بالتطوع في توزيع القنّب الطبي على سكان الغلاف “عندما شعروا أنهم بحاجة إلى الحشيش أكثر من أي وقت مضى بسبب الصدمة والاضطراب النفسي”.
وتبرعت شركات القنب الطبي والصيدليات بكميات هائلة منه، ويقول الصحفي الذي أعد التحقيق الاستقصائي، تاني غولدشتاين: “لقد أنشأ المتطوعون غرفة طوارئ خضراء تقوم بجمع القنب والحشيش الطبي من المتبرعين، وإرسال متطوعين لتوصيله للنازحين في مركبات أطلقوا عليها اسم إسعاف القنب”.
وتطوعت كوهين في هذه السيارات، حتى أنها سافرت بداية الحرب إلى المستوطنات الحدودية في “غلاف غزة” لتوزيع الحشيش على المحتاجين الذين ما زالوا هناك، برفقة اثنين من الحراس الأمنيين المتطوعين المسلحين من فرق الحراسة الخاصة التي تعرف باسم “أخوة بالسلاح”.
وعملت “غرفة الطوارئ الخضراء” لمدة شهرين، ووزعت الحشيش على حوالي 1400 نازح من “غلاف غزة” وتم تنفيذ النشاط بموافقة وإشراف وزارة الصحة، مما سمح للمتطوعين بالتوزيع على أي مريض لديه ترخيص لتعاطي الحشيش حتى وإن لم يكن بحوزته وصفة طبية بذلك.
قفزة هائلة في الطلب
وفي ظل حالة الطوارئ واستحالة تلقي الخدمات الطبية بمنطقتي “غلاف غزة” والنقب الغربي، مددت وزارة الصحة – لـ3 أشهر ـ جميع تراخيص استخدام الحشيش الطبي التي انتهت صلاحيتها في أكتوبر الماضي، وأجازت للمستوطنين النازحين من الجنوب تجديد تراخيص الحشيش المفقودة عن بُعد، عبر البريد الإلكتروني.
وخلال الحرب، بحسب ما وثقه الصحفي غولدشتاين “حدثت قفزة هائلة في الطلب على القنب الطبي في الكيان، ومنحت وزارة الصحة ألفي ترخيص جديد لتعاطي القنب في أكتوبر، و3 آلاف في نوفمبر الماضي، مقارنة بحوالي ألف ترخيص الشهر السابق للحرب”.
ويدعي الناشطون -من أجل تقنين الحشيش والقنب الطبي- أن هذه الموافقات الطبية غيض من فيض، حيث يتم رفض معظم الطلبات أو تأخيرها لفترة طويلة، وينتظر الكثيرون الحصول على الموافقة والترخيص من قبل وزارة الصحة الصهيونية.
وقال العديد ممن يتعاطون الحشيش والقنب الطبي، بشكل قانوني أو غير قانوني في إفاداتهم للموقع الإلكتروني، إنه يساعدهم على التعامل مع الاضطراب العقلي في حالات الأزمات والصدمة. ورغم ذلك، يقول الصحفي الصهيوني “ينقسم الأطباء حول ما إذا كان استخدام الحشيش في هذه الظروف مفيدا أم غير مفيد أو حتى ضارا”.
ووجد الأطباء أدلة كثيرة على افتراض أن الحشيش الطبي يساعد في التعامل مع متلازمة ما بعد الصدمة، ولكن غولدشتاين يقول “لم يتم إثبات ذلك حتى الآن في دراسة علمية صحيحة. حالة الطوارئ والوضع المؤلم ليسا سببا للحصول على ترخيص لاستخدام القنب لدى الكيان”.
ويتفق بعض الأطباء -الذين التقاهم الموقع الإلكتروني- على أن الحشيش والقنب الطبي يساعد في علاج ما بعد الصدمة، لكنهم يعارضون استخدامه لعلاج أولئك الذين يعانون حاليا من ضائقة نفسية بسبب تداعيات الهجوم المفاجئ والحرب، بحجة أنهم ليسوا في مرحلة ما بعد الصدمة، بل في اضطراب نفسي.
اضطرابات وصدمات
ويرى أطباء آخرون أن الحشيش والقنب الطبي يساعد في معالجة الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحرب، ويدعمون التوسع في تعاطيه، ويرجعون ذلك إلى أن العديد من الإسرائيليين يعيشون حاليا في حالة من اضطراب ما بعد الصدمة، لأن الحرب على غزة تثير فيهم صدمات من الماضي، وفي مرحلة ما بعد الصدمة يبدو أن الحشيش يفيدهم، بحسب ما نقل عنهم الموقع الإلكتروني.
وعقب ما يسميه الإسرائيليون “أحداث السبت الأسود” (7 أكتوبر) وفي بداية الحرب على غزة، اتخذت المؤسسة الطبية بوزارة الصحة نهجا ليبراليا وخففت القيود. ولكن مع ارتفاع الطلب على الحشيش والقنب الطبي، تراجعت إلى نهجها التقليدي في إصدار الترخيص ومنح الوصفات الطبية للمرضى ولمن يعانون من صدمة واضطرابات نفسية.
وفي 18 أكتوبر الماضي، نشر كل من الطبيب جلعاد بودنهايمر مدير قسم الصحة النفسية بوزارة الصحة الصهيونية وإيل فروختر رئيس المجلس الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة رسالة إلى الأطباء والمرضى تحت عنوان “الحذر من استخدام القنب كوسيلة للتعامل ومواجهة الأحداث المؤلمة”.
ومع بداية الشهر الثالث للحرب على غزة، أفادت جمعيات مساعدة المرضى، الذي يستخدمون الحشيش والقنب الطبي، بأنه منذ نشر رسالة وزارة الصحة، وافق الأطباء على عدد أقل من التراخيص لاستخدام القنب الطبي، ومددوا عددا أقل من التراخيص الحالية.
ووفق إيلي ليفي، الرئيس التنفيذي لجمعية «المعلا»، التي توفر التشخيص والتدريب والدعم الطبي والعقلي لحوالي 4 آلاف مريض يستخدمون الحشيش والقنب الطبي، فإن “أمر وزارة الصحة جعل من الصعب على العديد من الأطباء إصدار تراخيص القنب والوصفات الطبية”.
ونتيجة لذلك، يقول ليفي: “يوجد أناس بأعداد هائلة أصيبوا بصدمات نفسية، ودُمر عالمهم، وتعرضوا للهجوم وفقدوا أحباءهم، ونزحوا من منازلهم، وعادوا من خدمة الاحتياط بالحرب، وأشخاص أصبح هذا الرعب كله بمثابة حافز لصدمات سابقة ونفسيتهم تنقلب رأسا على عقب”.
9 آلاف جندي تلقوا دعما نفسيا
قبل هذا، كان جيش الاحتلال الصهيوني قد كشف مساء يوم الإثنين أن حوالي 9 آلاف من جنوده تلقوا “مساعدة نفسية” منذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي، ولم يعد نحو ربعهم إلى القتال، جاء ذلك وفق بيان جديد كشفت عنه الهيئة الطبية في الجيش، وفق القناة الـ 12 وصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيليّتين.
وبحسب البيان، فقد تقدم ما يقارب 9 آلاف جندي بطلب للحصول على مساعدة نفسية منذ بداية الحرب، ولم يعد ربعهم تقريبا إلى القتال. وتابع البيان: “في المجمل، احتاج نحو 13 ألف جندي نظامي واحتياط إلى مرافقة أو علاج طبي على مستوى ما أثناء القتال، وأصيب الآلاف منهم في المعارك”.
توتر وانتحار
وفي نهاية ديسمبر المنقضي، أبرقت مجموعة مدراء مستشفيات الصحة العقلية في “تل أبيب”، برسالة إلى هيئة التفتيش، طالبت خلالها بإعلان حالة الطوارئ جراء تدهور كبير في الصحة العقلية للإسرائيليين، بسبب انتشار الأمراض النفسية منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وذكرت الرسالة أن أحداث السابع من أكتوبر “ستضيف لمن يحتاجون إلى العلاج النفسي 300 ألف شخص جديد، أما مَن سيعودون من القتال في غزة، فلا يعرف – حتى الآن – عدد الذين سيعانون منهم من المشاكل النفسية”، وأضافت مجموعة المدراء: “من فضلكم، استخدموا قوتكم وسلطتكم لإنقاذ الصحة العقلية لمواطني الكيان”.
انهيار كامل
ووصف مدراء مستشفيات الصحة العقلية لدى الكيان ما اعتبروها أوضاعًا غير إنسانية في مستشفياتهم. وكان لافتًا في الرسالة دعوة هؤلاء المدراء إلى إعلان حالة الطوارئ بسبب ارتفاع نسب الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية والانتحار أيضًا.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية مضمون الرسالة، التي وصفت النظام الصحي لدى الكيان بأنه في حالة انهيار كامل، ويعاني من سنوات من الإهمال الشديد ونقص الميزانية وقلة عدد القوى العاملة في مراكز الصحة العقلية، بينما ارتفعت حالات الإصابة بالمشاكل العقلية في أعقاب الأحداث الجارية في قطاع غزة.
اضطرابات نفسية لدى الجنود
وتضيف الرسالة أن زيادة الإقبال على مراكز الطب النفسي مؤشر على أن الوضع صعب ومثير للقلق، خصوصًا مع ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض العقلية، وزيادة حالات الانتحار في صفوف الإسرائيليين، مقابل تدهور خدمات الرعاية لمن يحتاجها، بحسب الرسالة.
ولم تتلق وزارة الصحة الصهيونية، من خلال ردها، الرسالة بصدر رحب، لكنها أكدت أنها وضعتْ خطةً لنظام الصحة النفسية بتكلفة ملياري شيكل كجزء من الميزانية التي وضعت بالتعاون مع متخصصين في النظام الصحي، وخبراء من الخارج، بحسب رد الوزارة.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد نقلت عن جيش الاحتلال عزمه إطلاق برنامج يهدفر إلى مساعدة الجنود الذين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب الحرب في غزة، ومواجهة رغبات الانتحار لديهم.
متلازمة “طوفان الأقصى”
وذكر موقع “واي نيت” العبري أن الحرب في غزة تكلّف في الحاضر ثمنًا باهظًا في الأرواح البشرية والإصابات الجسدية، وستكلف في المستقبل أيضاً ثمنًا باهظًا على المستوى النفسي، خاصة بين الجنود المصابين.
ويقول الموقع أيضًا إنه منذ بداية معركة “طوفان الأقصى”، تم تحويل أكثر من 2800 جندي من جيش الاحتلال إلى قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع، بينهم 3% من الجرحى في حالة خطيرة، و18% ممن يعانون من مشاكل عقلية بسبب إجهاد ما بعد الصدمة.
منصات التواصل الاجتماعي، هي الأخرى، ضجت بالتفاعل مع رسالة مدراء مستشفيات الصحة العقلية لدى الكيان، فقالت الناشطة دعاء كمال: “قتل الناس الأبرياء بهذه الوحشية، ماذا ستكون نتيجته غير هذه”.
أما أحمد فوزي، فكتب: “حرب بدون إيمان ولا عقيدة ولا حق تساوي هزيمة وفشلا وانهيارا”. لكن الناشط عمر وهدان، وضع اسما لأسباب ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض النفسية لدى الكيان، وهو: “متلازمة رهاب طوفان الأقصى”.