أعاد الهجوم المفاجئ الذي نفّذته كتائب القسام، التابعة لحركة حماس، على الكيان الإسرائيلي، في الـ 7 أكتوبر الجاري، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى واجهة النقاشات في الولايات المتحدة الأمريكية، وبينما شهدت كبريات المدن الأمريكية مظاهرات واسعة مؤيّدة للفلسطينيين، ونظم طلبة الجامعات، وعلى رأسهم جامعة هارفرد الشهيرة، وقفات احتجاجية معارضة لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية، لحقوق الفلسطينيين، سارع بعض السياسيين الجمهوريين إلى وصف مناصري القضية الفلسطينية بالمصطفّين مع حركة حماس، التي تُصنّفها وزارة الخارجية الأمريكية “منظمة إرهابية”، وتسمية المظاهرات الداعمة لها بـ “المظاهرات المؤيدة للجهاديين”، كما طالبوا بسحب تأشيرات الطلبة وترحيل المتظاهرين الذين لا يملكون الجنسية الأمريكية.
واستغل العديد من المرشحين الرئاسيين البارزين في الحزب الجمهوري، بما في ذلك الرئيس السابق دونالد ترامب، الحرب المستمرة بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، مُمثلة في حركة حماس، لمهاجمة العدو التقليدي للحزب، مُتمثلا في الكليات والجامعات الأمريكية، بما فيها الطلبة والأساتذة والباحثين، وكذا الممثلين والمنتجين اللامعين في هوليود، أو ما يصفه الجمهوريون – المحافظون – بـ “النخبة”.
ترامب يقترح فحصا إيديولوجيا قبل منح التأشيرات
عبّر الجمهوريون عن امتعاضهم من المسيرات واسعة النطاق، التي نظمها طلبة الجامعات، وعلى رأسهم طلبة جامعة هارفرد، الذين استلقوا بساحات الجامعة وكأنهم موتى، تعبيرا عن رفضهم لاستمرار قتل المدنيين في قطاع غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار، غير آبهين بتهديدات كبار رجال الأعمال الصهاينة والمساندين لهم بعدم توظيفهم، بعد التخرج.
وهيمنت مسألة المظاهرات الواسعة، التي أظهرت دعما كبيرا للقضية الفلسطينية، على التجمعات الانتخابية، نهاية الأسبوع الماضي، حيث شهدت ولاية أيوا تنافسا كبيرا بين العديد من المرشحين الجمهوريين للرئاسيات المُقبلة، حول من سيقوم بتسليط أقسى العقوبات على المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في الكليات والجامعات الأمريكية، سعيا إلى جذب أكبر عدد من الناخبين، وقال حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس “حين ترى الطلاب يتظاهرون في بلادنا لصالح حماس.. تذكّر أن بعضهم أجانب.. إذا تم انتخابي رئيسا للولايات المتحدة سأسحب تأشيرات الطلاب المؤيدين لفلسطين”.
أما الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، ومواجهة المرشح الديموقراطي، الرئيس الحالي جو بايدن، في انتخابات 2024، فقد قال في إحدى تجمعاته الانتخابية بولاية أيوا إنه إذا أعيد انتخابه، فسوف يلغي التأشيرات ويقوم بترحل من وصفهم بـ “الأجانب المتطرفين المعادين لأمريكا والمعاديين للسامية.. المسجلين في الكليات والجامعات الأمريكية”، كما وعد بإرسال مصالح الهجرة والجمارك لمراقبة ما أسماه “المظاهرات المؤيدة للجهاديين”، وترحيل المشاركين فيها الذين لا يحملون الجنسية الأمريكية.
و تعهد الرئيس السابق بإجراء “فحص إيديولوجي قوي لجميع المهاجرين القادمين بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة” لمنع من وصفهم بـ “المجانين الخطرين والكارهين والمتعصبين ” من القدوم إلى الولايات المتحدة، وقال ترامب “إذا كنت تريد إلغاء دولة إسرائيل، فأنت غير مؤهل. . إذا كنت تدعم حماس أو الإيديولوجية التي تقف وراء حماس، فأنت غير مؤهل.. وإذا كنت شيوعيا أو ماركسيا أو فاشيا، فأنت غير مؤهل لدخول الولايات المتحدة”.
من جانبها، طرحت حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة، والسفيرة السابقة للولايات المتحدة في هيئة الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي تتنافس مع المرشح رون ديسانتيس، على المرتبة الثانية، بعد الرئيس السابق دونالد ترامب، وفق استطلاعات الرأي، مُقترح خفض أو تكييف التمويل الحكومي للتعليم العالي، وفق ما أسمته إدارة الجامعات الأمريكية للكراهية، حيث قالت “علينا أن نبدأ في ربط تمويلهم الحكومي – تقصد الجامعات- بكيفية إدارة الكراهية. . لأنه عندما تفعل ذلك – تقصد تأييد فلسطين – فإنك تهدد حياة شخص ما. . وهذه ليست حرية التعبير”.
وفي معرض تقديم اقتراح مماثل لاقتراح هيلي، قال عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية، تيم سكوت، وهو مرشح جمهوري لرئاسيات 2024، إنه سيلغي تمويل ” Pell grant funding ” أو منحة بيل – نوع من المنح التي يستفيد منها طلبة الجامعات – لأنه على حد قوله لا تدين الإرهاب بشكل كاف، هذا وسبق لتيم سكوت، الذي يُعد أقل شعبية من ترامب، وديسانتيس وهيلي، وفق استطلاعات الرأي، اقتراح مشروع قانون يسمح بحرمان أي مؤسسة تعليمية من الأموال الفيدرالية، إذا سمحت أو سهلت دعم أو الترويج لمعاداة السامية.
هل يسمح الدستور الأمريكي بسحب التأشيرات وترحيل المهاجرين؟
وعلى الرغم من دستوريتها المشكوك فيها، فإن الدعوات لمعاقبة المتظاهرين المؤيدين لفلسطين بالترحيل من الولايات المتحدة تحظى بترحيب كبير لدى العديد من السياسيين الأمريكين، حيث نظم بعض المشرعين جلسات استماع حولها بـ “الكابيتول هيل”، حيث أرسل النائب جيم بانكس ممثل ولاية إنديانا، والنائب جيف دنكان ممثل ولاية كارولينا الجنوبية، رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس يطالبانهما بترحيل حاملي تأشيرات طلاب العمالة الأجنبية الذين أيدوا ما أسموه “النشاط الإرهابي” لحركة حماس، وقال بانكس: “لدينا بالفعل عدد قياسي من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الدول التي تؤوي الإرهابيين. . نحن بحاجة إلى إغلاق حدودنا ثم ترحيل جميع المتعاطفين مع حماس من غير المواطنين”.
ويتفق معظم الخبراء القانونيين على أن مقترحات ترحيل الطلبة والمقيمين، غير الحاصلين على الجنسية الأمريكية، لن تحظى بالقبول، لأن التعديل الأول للدستور الأمريكي يحمي الحق في حرية التعبير لجميع الأشخاص الذين يعيشون في الولايات المتحدة، سواء كانوا مواطنين، أو أجانب أو طلاب أو زائرين فقط.
وبعيدا عن السياسة، كتب العشرات من الممثلين والفنانين في هوليوود، ومن بينهم الممثل الكوميدي جون ستيوارت والممثل الحائز على جائزة الأوسكار خواكين فينيكس، وكذا الممثلة سوزان ساراندون وآخرين – الأسبوع الماضي، رسالة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، يطالبونه بممارسة الضغط من أجل وقف إطلاق النار، وجاء في الرسالة التي تداولتها وسائل الإعلام المحلية على نطاق واسع “إننا نحث إدارتكم، وجميع قادة العالم، على تقدير جميع الأرواح في الأراضي المقدسة والدعوة إلى وقف إطلاق النار وتسهيله دون تأخير.. إنهاء قصف غزة، والإفراج الآمن عن الرهائن.. نحن نرفض أن نروي للأجيال القادمة قصة صمتنا، وأننا وقفنا مكتوفي الأيدي ولم نفعل شيئًا..”. كما طالب الموقعون البالغ عددهم حوالي 60 موقعا، بضرورة السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة.