تعرف معدّلات تعاطي المخدرات في الجزائر ارتفاعًا قياسيًا خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعد أن تحوّل الإدمان على هذه السموم إلى تهديد حقيقي للأمن والصحّة العمومية، وقد انتقلت نسبة استهلاك المخدرات في الوسط الشباني ببلادنا من 2.51 بالمائة إلى 9.2 بالمائة، منهم 7.2 بالمائة يستهلكون القنّب الهندي، فيما تُشكل فئة المراهقين الشريحة الأكثر استهلاكاً للمخدرات بنسبة 3.61 بالمائة، حسب إحصائيات رسمية.
وفي إطار السياسة الوقائية التي تنتهجها الحكومة بهدف الحفاظ على صحّة المجتمع من مختلف الآفات المتعلقة بالمخدرات، قرّرت وزارة الصحة تعزيز قطاعها بفتح 46 مركزًا وسيطًا في كل ولاية ـ تقريبًا ـ لعلاج الإدمان على المخدرات، وذلك من خلال توفير العلاج الخارجي لفائدة المدمنين.
هذا، وتمتلك المنظومة الصحية الوطنية 6 مصالح ـ أو وحدات استشفائية في بعض المدن ـ خاصّة بتوفير العلاج للأشخاص الراغبين في التخلص من كابوس الإدمان وتأثيراته الوخيمة على صحة الفرد النفسية والجسدية على حدّ سواء.
وفي هذا الصدد، أوضح رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي الدكتور مصطفى خياطي، أن ظاهرة الإدمان على المخدرات في بلادنا خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت بشكل يدعو إلى القلق، الأمر الذي تطلّب اتخاذ جملة من الإجراءات الرامية إلى استيعاب المتعافين، وتشجيع المدمنين على الإقلاع عن المخدرات واحتوائهم.
السؤال الأهم
وقال الدكتور خياطي في تصريح لـ«الأيام نيوز»: إن المراكز العلاجية موجودة ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح، هو ما مدى نجاعة التكفل التي تقدّمه هذه المراكز اليوم؟ وهل يرقى فعلاً إلى مستوى تطلعات الراغبين في الخروج من نفق الإدمان المظلم أم أنّ الأمر يحتاج إلى إعادة نظر ومراجعة؟
في السياق ذاته، أشار رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، إلى أهمية وضرورة أن يكون هناك تقييم حقيقي لعمل هذا النوع من الهيئات، باعتبار أن الاستثمار في استحداث هذه المراكز يتطلب أموال هامة، وعليه فمن المهم جدّا التأكدّ إن كانت هذه المراكز تلعب دورها المنوط بها وبالشكل المنصوص عليه في هذا الإطار.
وفي ختام حديثه لـ «الأيام نيوز»، أبرز الدكتور خياطي، أنه في حال وجود أي خلل أو عدم نجاعة تكفل هذه المراكز بفئة المدمنين، فمن الجيّد أن نتجه فورا نحو اتخاذ حلول أخرى تكون أكثر نجاعة، لأن الإدمان على المخدرات تحوّل اليوم إلى كابوس مرعب يهدد استقرار الأسر والمجتمع على حدّ سواء.
وبلغة الأرقام، يُذكر أن عدد المدمنين المعالجين خلال 2022 عرف زيادة بنسبة 37.93 بالمائة عن العام 2021، وزيادة في أعداد الإناث المستهلكات بنسبة 140.20 بالمائة عن العام ذاته، حسب معطيات الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها لعام 2022.
من بلد عبور إلى منطقة استهلاك
وتنتشر في الجزائر ـ حسب المصدر ذاته ـ هذه المواد: القنب، الكوكايين، الكراك، الهيروين، الأفيون والمؤثرات العقلية، كما سجل الديوان للعام ذاته أيضا 23463 قضية متعلقة بالتهريب والإتجار الغير مشروع بالمخدرات، و73285 قضية متعلّقة بحيازة واستهلاك المخدرات، و49 قضية متعلّقة بزراعة القنب والأفيون.
وحسب إحصائيات التقرير السنوي لعام 2022 بشأن المخدرات ـ الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ـ فقد تحولت الجزائر التي كانت سابقا بلد عبور للمخدرات إلى منطقة استهلاك، مصادرها الرئيسية هي ست دول، منها دولتان من أمريكا اللاتينية وأربع دول إفريقية.
وأشار المصدر ذاته، إلى أن الاستهلاك يمس حتى تلاميذ المدارس إذ تبلغ نسب المتعاطين بينهم ما بين: 15 و17 بالمائة، 22 و23 بالمائة لدى تلاميذ الثانويات، 27 بالمائة لدى الطلبة الجامعيين.
وأمام هذا الارتفاع اللافت والمقلق في الوقت ذاته، لمعدّلات تعاطي المخدّرات وإدمانها، استنفرت الدولة الجزائرية كل قطاعاتها ومؤسساتها للوقوف وقفة رجل واحد للحدّ من انتشار هذه الآفة الدخيلة عن مجتمعنا المحافظ.
وعلى غرار مساعي وزارة الصحة في هذا الإطار، كانت اللجنة الوزارية للفتوى التابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف قد دعت، كافة المواطنين للتجند من أجل الوقوف ضد آفة المخدرات التي تنخر المجتمع الجزائري، نظرا للحملة الممنهجة التي تستهدف الجزائر، باعتبارها أحد أهم أسباب نشر الانحراف والفتنة والجرائم بكل أنواعها.
وصادق البرلمان بغرفتيه، على القانون المتعلق بالوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحته وكذا القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، الذي جاء بإضافات جديدة في مجال التصدي لهذه الآفة الخطيرة ومكافحتها.