حقّق موسم الاصطياف لهذا العام 2022، بدايةً موفّقة أنعشت الآمال في إمكانية تعافي قطاع السياحة في الجزائر من آثار الأزمة التي عصفت به جرّاء جائحة كورونا وما تلاها من تداعيات منذ 2020.
ومع بداية انفراج الأزمة، وإلغاء إجراءات مكافحة كورونا في الجزائر ـ وفي عدّة بلدان أخرى ـ بدأت الأوضاع تسير في اتجاه إيجابي بعدما كانت تسير نحو طريق مسدود قبل أقل من عام فقط.
وتشهد الجزائر خلال الفترة الأخيرة، إقبالا ملحوظا للسيّاح الأجانب، حين أطلقت وزارة السياحة الجزائرية، عددا من البرامج الاستكشافية لفائدة متعاملين سياحيين روس، وأمريكيين ومن عدة بلدان أخرى، قصد التعرف على المنتوج السياحي الجزائري، لاسيما الصحراوي والساحلي.
وتعدُّ هذه المبادرة خُطوةً هامّة في مسار النهوض بقطاع السياحة الذي استفاد من مشاريع ضخمة وإجراءات تحفيزية وتسهيلات هامة، وهذه كلها عوامل قد تخدم السياحة الجزائرية، في ظل توافر إرادة قوية من قبل السلطات العليا للدولة لترقية وتحريك القطاع.
التعافي التدريجي رغم الصعوبات
قال عضو المنتدى الجزائري لوكالات السياحة منير مساعدية: إن “قطاع السياحة في الجزائر، يشهد حالةً من التعافي التدريجي، بعد الأزمة التي عصفت به جرّاء جائحة كورونا، التي كان لها أثرها البالغ على القطاع”.
وأوضح مساعدية في تصريح لـ«الأيام نيوز»: أن “العديد من الوكالات السياحية عبر مختلف مناطق الوطن، استأنفت نشاطها بشكل شبه عادي، رغم الصعوبات والظروف الاستثنائية التي ميّزت القطاع في مرحلة سابقة”.
وتابع: إن “عددًا من الوكالات السياحية في البلاد، اضطرت خلال فترة الجائحة، إلى تسريح عمالها وإغلاق مقراتها، بسبب الضائقة المالية التي ألمت بها، وعجزها عن تسديد فواتير الكراء، وأجور العمال وغيرها من الأعباء”.
وأضاف: “في ظل هذه المعطيات، عَمَدت بعض الوكالات اليوم، إلى مواصلة عملها باستخدام صفحاتها الرسمية عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي على غرار مواقعي «فيسبوك» و«إنستغرام»، في انتظار الوصول إلى مستوى معين يُمكّنها من مباشرة نشاطها بالشكل الذي كانت عليه قبل جائحة كورونا”.
في السياق ذاته، أشار عضو المنتدى الجزائري لوكالات السياحة، إلى: أن “السلطات والجهات الوصية وفي مقدّمتهم وزارة السياحة، مَدعُوّة لأن تواصل دعمها لهذه الوكالات وكذا المتعاملين السياحيين، باعتبار أن هؤلاء هم من يمثلون صورة السياحة في الجزائر، من خلال التسويق للمنتوج السياحي المحلي وتحسين صورة المقصد الجزائري”.
وفي حديثه، عن أبرز المعوّقات والعراقيل التي قد تعطل مسار ترقية القطاع السياحي في الجزائر، قال مساعدية: إن “نظام العطل المعتمد في الجزائر، يبقى العائق الأبرز للنهوض بالسياحة في بلادنا، خاصةً بالنسبة للسياحة الداخلية، إذ أن أغلب العطل تتزامن مع موسم السياحة الشاطئية، الأمر الذي يخلق ضغطا كبيرا على الشواطئ، وهكذا يزداد الطلب فترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية على غرار أسعار الفنادق وغيرها”.
وفي هذا الصدد، أردف قائلا: “من المفترض أن تعمل وزارة العمل بالتنسيق مع وزارة السياحة على مراجعة وتحيين نظام العطل في الجزائر، وتقسيمها وفق ما يسمح بتشجيع السياحة على مدار أيام العام، وليس خلال فترة الصيف فقط، خاصةً وأن الجزائر تزخر بمؤهلات سياحية هامّة تؤهلها لتكون مقصدا سياحيا على مدار العام، فعلى سبيل المثال: خلال شهر ديسمبر تنتعش السياحة الشتوية في الشمال، فيما تنتعش السياحة الصحراوية بجنوب البلاد”.
وأضاف: “إن الجزائر تتوفر كذلك على هياكل قاعدية تسمح بترقية القطاع السياحي، على غرار الطرق السَيّارة والطرق المزدوجة وما إلى ذلك، فهذه كلها عوامل تُشجع على ترقية السياحة في الجزائر”، مشيرا في السياق ذاته إلى أن الخزينة العمومية تبقى المستفيد الأكبر من ترقية هذا القطاع الحيوي الذي يصنف لدى بعض البلدان كعمود فقري لاقتصادها.
انتعاش غير متوقع
من جهته، قال رئيس الجمعية الجزائرية للوكالات السياحية، زهير معوش: إن “قطاع السياحة في الجزائر، شهد خلال الفترة الأخيرة، حالةً من الانتعاش يُمكن وصفها بغير المتوقّعة، خاصةً فيما يتعلّق بالسياحة الداخلية”.
وأوضح معوش في تصريح لـ«الأيام نيوز»: “أنه خلال العام الفارط كانت هناك جملة من القيود على السياحة الصحراوية في الجزائر، ولكن، رغم ذلك كان هناك نوع من الإقبال، أما المفاجأة الكبيرة كانت خلال العام الجاري، وتحديدًا بالتزامن مع موسم الاصطياف، إذ وصل معدل السُيّاح والمصطافين بسواحل الجزائر إلى مستويات قياسية”.
وتابع رئيس الجمعية الجزائرية للوكالات السياحية: إن “الدولة الجزائرية ممثلة في وزارة السياحة، اعتمدت جملة من الإجراءات لتخفيف الضغط على الفنادق التي لم تكن قادرة على استيعاب العدد الكبير من السياح خلال الصائفة الفارطة، حين تم التوقيع على اتفاقية بين الديوان الوطني الجزائري للسياحة ومؤسسة سياحة وأسفار الجزائر من جهة، ومن جهة أخرى الديوان الوطني للخدمات الجامعية، وذلك لغرض استغلال الإقامات الجامعية خلال موسم الاصطياف المنصرم”.
في السياق ذاته، قال معوش: “أنه بعد إلغاء وتخفيف قيود مجابهة فيروس كورونا المستجد، في الجزائر وفي عدة بلدان أخرى، عادت الوكالات السياحية في الجزائر، مجدّدا إلى نشاطها بشكل شبه عادي، وهناك بوادر إيجابية تلوح في الأفق لترقية قطاع السياحة في الجزائر، وتحويله إلى مورد استراتيجي يعتمد عليه اقتصاد البلاد مستقبلاً”.
وفي 07 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وقعت شركة الخطوط الجوية الجزائرية، اتفاقية ـ مع متعامل عالمي في مجال السياحة يتمثل في POINT AFRIQUE ـ تقضي بإقامة خط سياحي مباشر يربط العاصمة الفرنسية «باريس» بمحافظة «جانت» الجزائرية، ومن المرتقب أن تجري مباشرة أول رحلة يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022 القادم.
وحسب الناطق الرسمي باسم الخطوط الجوية الجزائرية، أمين الأندلسي، تم توقيع الاتفاقية، بالشراكة مع الديوان الجزائري للسياحة والأسفارONAT، وتأتي هذه الاتفاقية، في إطار مساعي السلطات العمومية الهادفة إلى تدعيم السياحة الداخلية.
هذا، وأشرف وزير السياحة الجزائري، ياسين حمادي، الاثنين الماضي، على مراسم الافتتاح الرسمي لموسم السياحة الصحراوية من محافظة الجنوبية «جانت» التي تُعـتبر قطبًا سياحيًا استراتيجيًا وذات مكانة هامة ضمن المكونات الكبرى لوجهة الجزائر السياحية، بالنظر لما تكتنزه هذه المنطقة، من مقومات سياحية استثنائية من حيث الثروات الطبيعية والثقافية.
جدير بالذكر، أن المجلة الكندية «توريستيكا إنترناشيونال» خصّصت ملفا خاصا حول السياحة بالجزائر، مبرزة “تاريخها الثري ومناظرها الخلابة وتراثها العريق”، كما أكدت المجلة في ملفها المعنون “الجزائر، أرض الترحاب والاكتشاف” أن الأمر يتعلق “بتجربة فريدة من نوعها”.
وتعتبر المجلة التي شاركت مؤخرا في العاصمة الجزائر بالصالون الدولي للسياحة والأسفار أن الجزائر “ثمرة تاريخ ثري”، “ناهيك عن مناظرها الخلابة وتراثها المادي ولا مادي المفعم بالفن وتاريخها العريق”.
وحسب المصدر ذاته فإن هذا الطلب المتزايد على وجهة الجزائر “تؤكد الحركية الإيجابية التي يجب أن تتواصل على مدار العام”، “على ضوء التوجيهات الجديدة التي اعتمدتها السلطات العمومية”.